تعليقات العلامة عبد الفتاح ابي غدة
على رسالة المسترشدين (للمحاسبي)
(الجزء الأول)
قال أبو عبد الله الحارث المحاسبي رحمة الله عليه:
الحمد لله الأول ...، الواحد الجليل، الذي ليس له شبيه ولا نظير، أحمَدهُ حمداً يوافي نِعَمه ويبلغ مَدَى نَعْمائه .
وأشهد : أنَّ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة عالم بربوبيته، عارف بوحدانيته، وأشهد : أنَّ محمداً عبدُه ورسوله، اصطفاه لوحيه وختم به أنبياءَهُ، وجعله حُجَّة على جميع خلقه، }لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ{ [الأنفال : 42]
وأنَّ الله عز وجل اجتبى من عباده المؤمنين : ذوي الألباب، العالمين به وبأمره، فوصفهم بالوفاء والأخلاق الفاضلة والخوف والخشية، فقال عز وعلا : }إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ{ [الرعد : 19 - 21].
فمن شرح الله صدره، ووصل التصديق إلى قلبه، ورغب في الوسيلة إليه : لزم منهاج ذوي الألباب برعاية حدود الشريعة من كتاب الله تعالى، وسنَّة نبيه عليه الصلاة والسلام، وما اجتمع عليه المهتدون من الأئمة .
وهذا هو الصراط المستقيم الذي دعا إليه عبادَهُ فقال جلَّ وعزَّ : }وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [الأنعام : 153].
وقال رسول الله r : (عليكم بسُّنتي وسُنَّةِ الخلفاء الراشدين من بعدي، عضُّوا عليها بالنواجذ)[1]
============
[1]هو جزء من حديث العِرْباض بن سارية السُلَمي y، رواه الإمام أحمد : 126 و 127
، وأبو داود 4 : 201، والترمذي 10:143 وقال : حديث حسن صحيح، وابن ماجة 1 : 15، وهو الحديث الثامن والعشرون من "الأربعين النووية".
وهذا نص الحديث بتمامه تنويراً للمقام، من رواية الإمام أحمد وتلميذه أبي داود عنه :
(قال العرباض بن سارية y صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب . فقال قائل : يا رسول الله كأَنَّ هذه موعظة موَدَّع فماذا تعهد إلينا ؟
فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان كان عبدا حبشيا -أي وإن كان الأمير عبداً حبشياً- فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فان كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) .
والنواجذ آخر الأضراس . والأمر بالعَض على السُّنة بالنواجذ : كناية عن شدة التمسك بها والجد في لزومها، كفعل من أمسك الشيء بالنواجذ وعضَّ عليه لئلا يُنزع منه .
الروابط المفضلة