النمص ... رؤية شرعية شاملة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الزينة ليست محرمة لذاتها ، بل هي مطلوبة من الجنسين ولكن بضوابطها التي لا تخرجها عن حدود الشرع ، فلو خرجت لكانت من المخالفات الشرعية .. فإذا لم تكن الزينة بأمر منكر ثبت تحريمه بالشريعة بأن كانت حلالاً من غير إسرافٍ فلا مانع منها ...
ومن المخالفات التي يقع فيها بعض النساء ، اتباعاً لموجة طغيان الموضة والأزياء ـ والتي انتشار عدواها في سائر المعمورة ـ أصبح النساء مولعات بأضوائها، متابعات لقواعدها.. حتى ولو كانت مخالفة للنصوص الشرعية ... وفي هذا الخصوص : النمص .
لمعرفة فصل الكلام حول مسألة النمص وأحكمها ، لابد من الوقوف أولاً على معنى كلمة النمص ، ليكون المعنى هو الفاصل المبين بين المشروع والممنوع في أحكام وفقه بحث النمص .
أولاً : تعريف النمص :
فالنمص ، يطلق غالبا على نتف شعر الوجه ، إلا أنه يختص على القصد منه بنتف شعر الحاجب لغلبة فعله .
قال الحافظ في الفتح 10 / 532 : "والمتنمصة التي تطلب النماص ، والنامصة التي تفعله ، والنماص إزالة شعر الوجه بالمنقاش، ويسمى المنقاش مناصاً لذلك ، ويقال إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترقيقهما وتسويتهما ، قال أبو داود في السنن : النامصة التي تنقص الحاجب حتى ترقه . " ا.هـ
ثانياً : حكم النمص :
فإن الأصل في نمص الحاجبين التحريم ، وهو من الكبائر ، فلا يجوز فعله أو الإعانة على فعله بأي وجه كان للخبر . ومن الأدلة التي وردت في تحريم النص ما يلي :
1- قال الله تعالى ـ حكاية عن ابليس ـ { وَلآمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِرُنَّ خَلقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللهِ فَقَد خَسِر خُسرَاناً مُّبِيناً } النساء
قلت : ومن تغير خلق الله ، النمص . فالشيطان أخذ على نفسه عهداً بإضلال الناس عن الهدي ومن بين أعماله في ذلك أن يأمرهم بتغيير خلق الله، ومنه النمص ففيه تغيير للخلقة الأصلية ـ وهو تغير ثابت ودائم لغير عذر معتبر شرعاًً ـ لأن الوجه ومنه الحواجب قد خلقه الله جلَّ وعلا في أحسن تقويم ، والنامصة حينما تقوم بعمل النمص فهي بذلك تقع في مصايد الشيطان، ومكايده وتكون من المغيرات خلق الله .
وقد فسر بعض المفسرين بأن المقصود بتغير خلق الله هنا في الآية هو الوشم والنمص والتفليج .
قال القرطبي في تفسير هذه الآية : " وقالت طائفة : الإشارة بالتغيير إلى الوشم وما جرى مجراه من التصنع للحسن ، قاله ابن مسعود والحسن . " ا.هـ تفسير القرطبي " 5 / 392 .
قلت : قوله " وما جرى مجراه من التصن للحسن " يقصد ما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى . مَالِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } . " رواه البخاري . فهذا دليل على أن هذه الأمور هي من تغير خلق الله تعالى .
قال العلامة الشيخ عبدالله بن جبرين عن النمص : " .. فليس فيه جمال، بل تغيير لخلق الله وهو أحسن الخالقين، وقد ورد وعيد في ذلك، ولعن من فعله، وذلك يقتضي التحريم . " ا.هـ فتاوى المرأة 170 .
ومعنى تغير خلق الله على قسمين :
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ : " التجميل ينقسم إلى قسمين :
أحدهما ثابت دائم، مثل: الوشر والوشم، النمص .. فهو محرم بل من كبائر الذنوب لأن النبي لعن فاعله.
الثاني: ما كان على وجه لا يدوم، فإنه لا بأس به مثل التجميل بالكحل والورس لكن بشرط أن لايؤدي هذا إلى محظور شرعاً مثل أن يكون فيه تشبه بالنساء الكافرات، أو أن يكون ذلك من باب التبرج.. فإن هذا يكون محرماً لغيره لا لذاته " ا.هـ زينة المرأة بين الطب والشرع 42 .
قلت : ومن التجمل ، النمص ، وهو محرم لأن من قسم تغير خلق الله الدائم الثابت .
2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ : إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ . فَقَالَ : وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ . فَقَالَتْ : لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ . قَالَ : لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ أَمَا قَرَأْتِ { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } قَالَتْ : بَلَى . قَالَ : فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ . قَالَتْ : فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ . قَالَ : فَاذْهَبِي فَانْظُرِي فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا . فَقَالَ : لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا . " رواه البخاري
قال ابن قدامة في المغني 1 / 129 : " فهذه الخصال محرمة . لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لعن فاعلها، ولا يجوز لعن فاعل المباح . " ا.هـ
قلت : ومن هذه الخصال ، النمص ، وهو محرم ، بل هو من الكبائر للعن الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقد عرف الإمام الذهبي ـ وغيره ـ الكبيرة بأنها : " كل معصية فيها حدٌّ في الدنيا أو وعيد في الآخرة باللعن أو العذاب ونحوهما . " ا.هـ
وقال ابن حجر رحمه الله ـ عند نهاية شرحه لباب وصل الشعر وفيه من أحاديث النمص ـ : " وفيه هذه الأحاديث حجة لمن قال يحرم الوصل في الشعر والوشم والنمص على الفاعل والمفعلو به ، وهي حجة على من حمل النهي فيه على التنزيه ، لأن دلالة اللعن على التحريم من أقوى الدلالات ، بل عندهم أنه من علامات الكبيرة . " ا.هـ 10 / 532 .
3- للضرر الواقع عند إزالة شعر الحواجب ، يقول الدكتور وهبة أحمد حسن : " .. إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ينشط الحلمات الجلدية، فتتكاثر خلايا الجلد، وفي حالة توقف الإزالة ينمو شعر الحواجب بكثافة ملحوظة، وإن كنا نلاحظ أن الحواجب الطبيعية تلائم الشعر والجبهة واستدارة الوجه . " ا.هـ المتبرجات للزهراء فاطمة بن عبد الله 94 .
قلت : والضرر بكل أنواعه محرم في الشريعة . فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ. " صحيح ابن ماجه 2341 .
ــــــــــــــــــــــ تابع ان شاء الله ــــــــــــــــــــــ
الروابط المفضلة