-1 معنى الكتاب المنزَّل:
- هو كلام من كلام الله تعالى، فيه هدى ونور يوحي الله به إلى رسول من رسله بواسطة جبريل ليبلغه للناس.
ويطلق على ما يشمل الصحف والألواح وجميع أنواع الوحي اللفظي أو الكتابي التي ينزلها الله تعالى على رسله وبأية لغة من اللغات كانت، قصيراً أو طويلاً، مدون كان أو غير مدون، فيه صفة الإعجاز اللفظي للناس أو ليس فيه ذلك.
-2 وجوب الإيمان بالكتب المنزَّلة:
- إن من أسس الإيمان: الإيمان بالكتب التي أوحى الله بها إلى رسله.
فالإيمان بالكتاب: هو التصديق الجازم بأن جميع الكتب التي أوحي بها منزلة من عند الله عزَّ وجلَّ.
- فالمؤمن يؤمن بكتب الله كلِّها إجمالاً فيما يجهل منها وتفصيلاً فيما يعلم منها -كالتوراة والزبور والإنجيل والقرآن- كما آمن برسل الله وأنبيائه جميعاً إجمالاً فيمن جهل منهم وتفصيلاً فيمن علم.
- والإيمان وحدة متماسكة لا تنفك عن بعضها أبداً، فيمن لم يؤمن بالكتب المنزَّلة فقد نقض إيمانه وخرج عن دائرة الإيمان.
قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا} [النساء: 136].
-3 احتياج الناس إلى الكتب المنزَّلة:
- الناس بحاجة ماسَّة إلى كتب المنزلة، وذلك لأمور منها:
أولاً: ليكون الكتاب المنزَّل على الرسول هو المرجع لأمته، وفيه تبيينُ أوامر الله ونواهيه
وسبل السعادة والهداية.
ثانياً: ليكون الكتاب المنزَّل على الرسول هو الحكم العدل لأمته في كل ما يختلفون فيه،
مما تتناوله أحكام شريعة الله لهم.
قال الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}[البقرة: 213].
ثالثاً: ليصون الكتاب المنزَّل بعد وفاة الرسول عقائد الدين وشرائعه من التحريف والتغيير،
فإن غُيِّرَ فيه وحرف، فيكون حجة يوم القيامة على من حرف وغير في كتاب الله.
-4 الكتب والصحف التي ذكرت في القرآن الكريم:
أ- صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام:
- المؤمن يؤمن إيماناً جازماً بأن الله أنزل صحفاً على إبراهيم وموسى عليهما السلام.
- وقد ذكر القرآن الصحف الأولى وذكر منها صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام.
- وذكر القرآن بعض ما في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام.
قال الله تعالى: { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى(1)* أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى(3) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(4) * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى(5) * وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى(6) * وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى(1)* وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى(2) * وَثَمُودَ(3) فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ(4) أَهْوَى(5)* فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} [النجم: 36- 45].
وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 14-19].
فهذه الآيات مما جاء في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام فكل الصحف اليوم مفقودة غير معلومة ولم يصلنا منها شيء إلا ما ورد في القرآن مِنَ الآيات التي ذكرناها من قبل.
ب- التوراة(6):
التوراة: كتاب أنزله الله على موسى عليه السلام ويتضمن كتاب التوراة والصحف التي أنزلت على موسى عليه السلام والألواح التي جاء بها بعد مناجاته لربه في جانب الطور، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 44].
ذكر القرآن الكريم التوراة، وذكر بعض ما يتضمن من الأحكام الشرعية منها: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا(7) أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45].
وتتضمن التوراة البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وذكرَ بعض صفاته، قال الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ(156)الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ(8) وَالأَغْلالَ(9) الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ(10) وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 156- 157].
ويتضمن التوراة الحث على الجهاد بالنفس والمال. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].
______________________
(1) كوكب معروف كان بعض العرب يعبدونه في الجاهلية.
(2) قوم هود.
(3) قوم صالح.
(4) قرى قوم لوط.
(5) أسقطها إلى الأرض بعد رفعها.
(6) لفظ عبراني معناه الشريعة.
(7) في التوراة.
(8) عهدهم بالعمل بما في التوراة.
(9) التكاليف الشاقة في التوراة.
(10) وقروه وعظموه.
ويتضمن التوراة صفة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ(1) فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} [الفتح: 29].
فهذه الآيات تثبت نماذج لما يتضمنه التوراة الذي أنزل على موسى عليه السلام، وقد جاءتنا من طريق القرآن الكريم فنؤمن بثبوتها.
تنبيه: التوراة التي أمرنا أن نؤمن بها والتي صدقها القرآن إنما هي الأصول الأولى التي أنزلها الله على موسى عليه السلام، أما التوراة الحالية الموجودة عند أهل الكتاب فليس لها سند متصل يصحح سندها إلى موسى عليه السلام.
كما دخل إليها التحريف والتبديل من غير تمييز بين الأصل والمحرَّف، لذلك فلا يصح أن يوثق بها.
............يتبع
الروابط المفضلة