وفاة الملك الكبير المجاهد محمود بن سبكتكين - قاهر الهند


الزمان / 23 ربيع الثاني - 421هـ
المكان / غزنة - بلاد ما وراء النهر
الموضوع / وفاة الملك الكبير محمود بن سبكتكين قاهر الهند

الأحداث / من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أخبر بها الصحابة وكانت بمثابة بشرى لهم وللمسلمين من بعدهم أن هذا الدين سوف يسود ويحكم ويدخل كل بيت من وبر ومدر بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز به الإسلام وأهله وذلاً يذل به الكفر وأهله , وهكذا مضت بشرى النبي ففتحت البلاد ودان العباد بالإسلام ودخل الإسلام حتى أقصى حجر في مشارق الأرض ومغاربها ودائما يكون دخول الإسلام في منطقة أو بلد أو قارة يكون مرتبط باسم قائد أو ملك أو خليفة أو بطل من أبطال الإسلام الذين حملوا على أكتافهم تحقيق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم , من هؤلاء البطل العظيم والملك الكبير محمود بن سبكتكين رحمه الله .
هو الملك الكبير المجاهد المغازي الثاغر المرابط يمين الدولة أبو القاسم محمود بن سبكتكين صاحب بلاد غزنة ومالك تلك الممالك الكبار وفاتح أكثر بلاد الهند قهراً وكاسر أصنامهم وندودهم وأوثانهم وهنودهم , قام بالملك بعد أبيه سبكتكين الذي ورث دولة السامانية بعد موت آخر ملوكهم , وقد صادف محمود في بداية تملكه اضطرابات داخلية كثيرة في خراسان وما حولها دفعته لخوض حروب كثيرة من أجل تثبيت دعائم ملكه حتى يتفرغ لهمته الكبرى ألا وهي الجهاد في سبيل الله .

بعد أن ثبت محمود أمر دولته يهم وجهه إلى بلاد الهند لفتحها وحتى يكفر عما كان اضطر إليه من حرب المسلمين فبدأ بحرب ملكهم الأكبر المسمى 'جيبال' فهزمه في معركة برشور والتي مثلت أول دخول للإسلام في الهند كما أرخنا لذلك في شهر محرم سنة 392هـ , ثم واصل بعدها رحلته لفتح بلاد الهنود ففتح من بلادهم مدينة فيها ألف قصر وألف بيت للأصنام وقتلوا من الهنود الكفار خمسين ألفاً وأسلم منهم عشرين ألفاً واستولى على ثلاثمائة وستة وخمسين فيلاً ولكن أكبر فتوحاته على الإطلاق كان فتح 'سومنات' وهو صنم الهند الأكبر الذي يحج له الهنود من كل فج عميق
وله وقف عشرة آلاف قرية وله ألف رجل يخدمونه ويقع على مسافة كبيرة وبينه وبين بلاد محمود مغاور كثيرة فاستخار الله وقرر غزو بلد هذا الصنم
فقطع كل هذه المغاور والأهوال حتى وصل لبلد هذا الصنم وفتحه وغنم منه غنيمة عظيمة هائلة ومن مواقفه الرائعة أثناء هذه الغزوة أنه لما فتح هذا البلد هم بكسر صنمهم الأعظم فعرض عليه الهنود بذل أموال كثيرة جزيلة ليترك لهم هذا الصنم
وأشار عليه بعض الأمراء بقبول المال وترك الصنم
فاستخار الله عز وجل فلما أصبح قال :'إني فكرت في الأمر فرأيت أنه إذا نوديت يوم القيامة أين محمود الذي كسر الصنم ؟ أحب إلى من أن يقال الذي ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا' ثم عزم فكسره رحمه الله فوجد فيه من الجواهر والذهب أضعاف أضعاف ما عرضه الهنود كفدية له
ويكفي محمود فخراً أن جنوده قد فتحوا مدينة 'برسي' الهندية التي هي أكبر مدينة في العالم في وقتها ولم يطأها من قبل قدم مسلم , وقد قهر محمود ملوك الكفر في بلاد ما وراء النهر خاصة الهندي 'جيبال' الذي انتحر بعد هزيمته من محمود والتركي 'إيلك الخان' , ومن مواقفه المشهورة أيضاً أنه دخل أرض العدو سنة 402هـ فجازوا بمغازة فأعوزهم الماء حتى كادوا يهلكون عطشاً فبعث الله لهم سحابة أمطرت عليهم الماء حتى شربوا وسقوا ثم دخلوا على عدوهم في معركة رهيبة وكان مع عدوهم ستمائة فيل فنصرهم الله عز وجل عليهم .

وعلى الرغم من أن محمود بن سبكتكين قد ملك بلاداً كثيرة واتسعت دولته جداً حتى أقصى بلاد الهند إلا أنه كان يدين بالولاء للخليفة العباسي القادر بالله ولم ير الخروج عليه أبداً وكان يخطب له على منابر بلاده أولاً ثم اسمه ثانياً ولقد حاول الفاطميون استمالته أكثر من مرة وأرسلوا له الهدايا والتحف ولم يطلبوا منه سوى أن يخطب لهم في بلاده فكان يرسل بتلك الهدايا للخليفة العباسي حتى تحرق في دار الخلافة وكان يمتثل لأوامر الخليفة ويعمل بها دائماً لم يعترض يوماً على الخليفة العباسي على الرغم من قوته وضعف الخليفة.

من أهم أعمال محمود بن سبكتكين أيضاً أنه نظف بلاده وطهرها من كل الفرق الباطنية المخالفة للإسلام وقتل منهم أعداداً هائلة وكذلك قتل من المعتزلة والروافض الكثير وحبسهم ونفاهم وأمر بلعنهم وصارت فعله هذا سنة في باقي بلاد الإسلام ولما استفحل أمر الباطنية في أهل الري أوقع بهم بأساً شديداً وقتل رئيسهم وهو رستم بن علي الديلمي وكان في حيازته خمسين امرأة مرة وكان مباحاً ذلك عنده فقتله محمود لتلك الإباحية والمنكرات , ولما أرسل الفاطميون كبير دعاتهم إلى بلاده أخذه محمود فقتله شر قتلة ثم أخذ بغلته التي كان يركبها وأعطاها لشيخ الأحناف في بلاده أبي محمد الناصحي وقال له 'هي لك لتركبها بعد أن ركبها رأس الملحدين فليركبها رأس الموحدين' .

أما عن أخلاق محمود فقد كان رغم ملكه الفسيح في غاية الديانة والصيانة وكراهية المعاصي وأهلها لا يجسر أحد على إظهار معصية في بلاده ولا خمراً ولا شيئاً من الملاهي والمعازف وكان يحب العلماء والصالحين والمحدثين وأهل الخير والدين والصلاح وكان حنفياً ثم صار شافعياً على يد الإمام القفال الصغير وكان على مذهب الكرامية وإن كان في مناظرته لابن فورك ما يدل على أنه على عقيدة السلف في باب الأسماء والصفات وهذا هو الصحيح إن شاء الله , وكان شديداً على أهل المعاصي ولو كان من أهل بيته , لقد اشتكى له بعض رعيته أن ابن أخته يعتدي على زوجته فنذر محمود ألا يأكل ولا يشرب حتى يأخذ حق هذا الرجل ولما ضبطه محمود متلبساً بجنايته قام بذبحه بيده ثم شرب قدحاً من الماء لأ،ه كان صائماً منذ أن عرف حتى قتله بيده .

ولقد توجت حياة محمود بن سبكتكين بأن أصيب بداء البطن فمكث عامين مريضاً لا يضطجع على فراش لشدة مرضه وهو مع ذلك يحضر مجلس الملك ويفصل على عادته بين الناس حتى مات مبطوناً ولعلها تكون شهادة لهذا الملك العظيم الذي فتح بلاد الهند وارتبط دخول الإسلام فيها باسم بطلنا العظيم محمود بن سبكتكين .