فوجدا عبداً من عبادنا}..

الخضر, هل هو عمران أبو موسى؟


صلاح الدين إبراهيم أبوعرفة



هذا العبد الصالح، مثل لتكامل الكتاب والحديث في البيان والتفسير.

فقد ورد في الحديث الصحيح، ما يعرّف بوجه ما بهذا العبد الصالح, ففي الحديث الصحيح نص صريح بأنه "الخضر", وأهل العلم وأهل الحديث ينتهون عند هذا التعريف.




ولكن لسائل أن يسأل: من هو "الخضر"؟!.


فالاسم نفسه لا يعرّف تعريفاً شافياً, كأن نقول "الحسن بن علي بن أبي طالب حفيد رسول الله" فهذا تعريف شاف كاف، أما أن نقول الحسن ونسكت، دون سياق سابق لا من زمان ولا مكان ولا إشارة ما، فليس هذا بتعريف.




نعود ونسأل:

الخضر ابن من, أو أبو من، فلا بد من معرّف يضاف إليه، ما لم يكن معرفاً بذاته.

وحديث المعصوم عليه الصلاة والسلام الصحيح " إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من تحته خضراء", والفروة: الأرض الجرداء.

فهذا الحديث يشير من نفسه أن "الخضر" لم يولد بهذا الاسم، إنما كان لحدث طارئ استجد عليه فسمي لأجله. فماذا كان اسمه قبل أن يجلس على الفروة؟!.


على كل، فبعض أهل النظر في القرآن يرى أنه نبي، والآخرون لا يقولون بهذا.

فان لم يكن نبياً، فمن هذا الصالح الذي يدعوه صلاحه أن يغلظ على رسول الله الوجيه المقرَّب موسى، وما أدراك ما موسى، فلا خلاف عند أهل العلم أن أصلح الصالحين وأولى الأولياء دون أدنى نبي في المنزلة، فإن لم يكن نبياً فالعلم وحده لا يدعه ولا يدعوه أن يغلظ على رسول الله موسى ويأمره وينهاه, خاصة وأن موسى كان معه بأدب جم ظاهر، وهو الشديد المتدافع .




وأدلة من قال بنبوة هذا العبد أرجح ممن قال بخلافها، وعلى رأسها {فأراد ربك}, فكيف عرف مراد ربه؟, {وما فعلته عن أمري}, فهو عبد مأمور لا يصح أبداً أن يقتل غلاماً زكياً لأمر وقع في قلبه, أو لأمر بدا له, ما لم يكن حقاً ويقيناً بوحي راسخ.

فهو نبي بالأدلة الأرجح، ولكن من هذا النبي الذي يأمر ويوجّه من هو فوقه بالمنزلة والرسالة؟.

{لا تسألني عن شيء}, وفي قراءة متواترة بالتشديد {تسألنِّي}, و{هذا فراق بيني وبينك}, و{ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً}.

ولنا أن نتخيل ما يشعر به رسول الله موسى من الندم على ما لم يستطع عليه صبراً, وصبر عليه الذي دونه!.




والحق يقال, إن أحدنا لو عزم أن يتبع رجلاً مثل هذا العبد الصالح على تنويه وتذكير مسبق بأن يلزم الصبر، على أن يعزم بينه وبين نفسه أن يصبر لفعل، فلم تكن المسائل الثلاث مما لا يصبر عليه أحد، فكيف عرف هذا العبد الصالح المعلم أن رجلاً لا كسائر الرجال مثل موسى رسول الله لا يستطيع معه صبراً؟، أكان يعرفه عن كثب، ويعرف خلقه واندفاعه وعجلته؟.




ويبقى السؤال قائما، من هو "النبي الخضر"؟!.

القرآن مصدر البيان والتبيان، وكما أشرنا من قبل ، فما يخفى هنا ينجلي في سورة اُخرى, وما يُشكل هنا ينحلّ في سورة اُخرى، فمن هو "الخضر"؟.

فقد وردت كلمة الخضر بالتشكيل نفسه مرة واحدة في "الكتاب" في سورة "الأنعام", {وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خَضِراً نخرج منه حباً متراكباً}.

فهذا هو "الخضر"، أصل النبت والحَب، وهو كثير الخضرة والخصوبة، كما أخضرّت الأرض الجرداء تحت "الخضر", فهو كذلك مليء بالحياة والنتاج.


فعلى اعتبار أنه لا يصح لنبي أدنى منزلة من نبي آخر, أو رسول عظيم, أن يتحدث مع من هو أعلى منزلة كما تحدث العبد الصالح مع رسول الله موسى, فوجب أن يكون هذا العبد المعلَّم بمنزلة فوق منزلة موسى بحال ما, تجيز له أن يقول ما قال، وأن يفعل ما فعل، فإما أن يكون أحد الرسل الخمس اُولي العزم، أو نبياً آخر له منزلة اُخرى تجيز له.

فإبراهيم توفي قبل مبعث موسى، وعيسى ومحمد عليهم الصلاة وسلام لم يبعثا بعد, والثابت أن نوحاً توفي قبل مبعث إبراهيم, وإبراهيم قبل موسى، إلى جانب أنه -حتى الساعة- بمنزلة دون موسى، لا تجيز له فعل ما فعل.




والخضر رجل معلَّم {وعلمناه من لدنا علما}, والحق أن وصف "علمناه" هكذا بالضبط, لم ترد إلا بحق نبي واحد في القرآن, وهو يعقوب أبو يوسف {وانه لذو علم لما علمناه}, مع الإشارة أن هناك صيغاً مشابهة كعلمتك، يعلمه، علمني, ولكن بحثنا حول "علمناه", ويعقوب عندنا هو عمران أبو موسى، وهو عندنا أصل بني إسرائيل ومنبتهم و"خَضِرهم" الذي أخرج حبهم المتراكب وشجرتهم المتكاثرة، وهو الخضر كثير الخُضرة والحياة والعمران، وهو أكثر من يعرف إبنه واندفاعه وعجلته، وهو الوحيد الذي يملك أن يأمر موسى وينهاه بحق الاُبوة، وهو يعقوب الذي يصرّ على الصبر, بما ذاق من طعمه وثمرته، {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}, وهو إسرائيل الذي يسري لله، فلا يمكث بمكان، فلا جرم يأمر موسى أكثر ما يأمره بالصبر.




وقد يسال سائل: كيف لم يعرفا بعضهما؟.

ونجيب أننا لا نعرف يقيناً أن "الخضر عمران" لم يكن يعرف من يكون موسى, والظاهر الذي بنينا عليه خلاف ذلك.

ثم ليقل لنا السائلون, أين كان عمران لما قذفت اُم موسى التابوت في البحر, وعندما رده الله لاُمه, ولمَ لم يقل رددناه لأبويه؟.




ثم لنا أن نسأل عن ما قرأناه من حديث رسول الله الصحيح, عن قصة الخضر وموسى ان علامة الله لموسى ليلتقي بالخضر، كانت "مجمع البحرين" حيث يفقد الحوت من مكتله، فلنا أن نسأل, كون هذه العلامة اختارها الله فليس فيها جزاف.




فلماذا " مجمع البحرين"؟

الموضوع كله كان من أعلم من مَن, وهي قصة الحديث الذي رواه البخاري, فقد نقرأ حكمة اختيار "مجمع البحرين", ليكون مجمع "العالِميْن", فالبحر كما نعلم يستعار دلالة للعلم, وهو ماورد في تابع القصة, عندما رأى الخضر وموسى عصفورا يشرب من البحر, فقال الخضر: إن علمه وعلم موسى بجنب علم الله بقدرما حمل الطير من البحر. فالبحر إذا كان دلالة على العلم, فلعله من أجل أن يجمع الله "العالِميْن", اختار مجمع البحرين!.

ثم الحوت والمكتل الذي ذكرنا بموسى والتابوت, يوم فقد موسى أباه, فرجع الله بذاكرة موسى إلى أيام مولده الاُولى "ليجتمع البحران" مرة اُخرى ويلتقي الولد بأبيه، فلا يعظة إلا بواحدة؛ إصبر, إصبر, ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً!.




بعد هذا، نظن والله أعلم بمراده، أن "الخضر" هو عمران أبو موسى, وهو عندنا يعقوب ابن اسحق ابن ابراهيم, والله أعلم.




ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.

{ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل}.

سبحان الله

جزاك الله خيرا أختي أم عمارة

وبارك فيك اختي الغاليه ترتيل