:::ناقشتِ احدى الأخوات في موضوع وتحججتْ بأن الله لم يهدها بعد، فردي عليها بالآتي:::
إن الاحتجاج بالقدر على المعاصي أو ترك الواجبات حجة داحضة باطلة أبطلها الله في كتابه، ويبطلها العقل والواقع. أبطلها الله في كتابه فقال تعالى:
"رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" ولو كان القدر حجة لم ترتفع بإرسال الرسل، لأن القدر ثابت مع إرسال الرسل. وقال تعالى:
" سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون"
فلو كان الاحتجاج بالقدر حجة صحيحة وعذرا مستقيما لما أذاق الله المحتجين به على شركهم بأسه لأن الله لا يظلم أحدا.
ولو أن أحدا اعتدى على شخص بأخذ ماله أو قتله وقال هذا شيء بقضاء الله وقدره لم يقبل المعتدي عليه ولا الناس عذره، فكيف لا يقبل الاحتجاج بالقدر من غيره إذا اعتدي عليه ويحتج به لنفسه إذا اعتدى على حق الله.
إن الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي وترك الواجبات حجة داحضة يبطلها الواقع فإن كل شخص يرغب الوظيفة إذا سمع بمسابقة عليها جائزة سعى في ذلك حتى يصل إلى الوظيفة، وإن وصوله إلى الوظيفة حاصل بقضاء الله وقدره بلا شك، ومع ذلك فقد سعى للوصول إليها بما يستطيع من الأسباب، ولم يترك العمل للوصول إليها، فلماذا يترك ما أوجب الله عليه وهو قادر على فعله، عالم أنه يوصله إلى رضوان الله والجنة ثم يحتج بالقضاء والقدر لماذا لم يسع للوصول إلى الجنة كما سعى للوصول إلى الوظيفة وإلى المعيشة.
وإننا في أيام الامتحان لنرى الطلاب الذين يريدون النجاح يسهرون الليل ويتعبون النهار في المراجعة ليصلوا إلى النجاح، وما أحد منهم يريد النجاح فيترك المراجعة احتجاجا بالقضاء والقدر، فكيف يصح أن يترك الإنسان ما أوجب الله عليه وهو يعلم أنه يوصله إلى رضوان الله والجنة ثم يحتج بالقضاء والقدر.
وإننا لنرى الشخص يحجب عن نوع معين من الطعام يضره أكله ونفسه تشتهيه فيتركه خوفا من مضرته ولا يمكن أن يقدم عليه ويحتج بالقضاء والقدر، فلماذا يقدم على المعصية وهي تضره ثم يحتج بالقضاء والقدر؟
إن الإنسان العاقل كلما تأمل الواقع وقاس الأمور بعقله ونظر في كتاب الله وسنة رسوله علم علما يقينا أن لا حجة للإنسان بقضاء الله وقدره على ما يفعله باختياره، وأن الاحتجاج بذلك على ترك الواجب أو على فعل المحرم حجة داحضة باطلة لا يفعلها إلا الباطلون المكابرون.
أما الأمور غير الاختيارية كالموت والمرض وسقوط شيء على الإنسان حتى يقتله أو نحو ذلك فهذا حجة للإنسان، ولذلك لا يؤاخذ الله المجنون على ما ترك من الواجبات أو فعل من المحرمات، ولا يؤاخذ الله العبد على ما فعله من محرم جاهلا به أو ناسيا لأنه ليس مختارا لفعله لو علم بتحريمه.
فاتقوا الله أيها المسلمون وآمنوا بقضاء الله وقدره واجعلوه وسيلة لكم إلى الاستعانة بالله وطلب الهداية منه لأن بيده أزّمة الأمور ومقاليدها فإن الصحابة رضي الله عنهم قالوا للنبي أفلا ندع العمل ونتكل على القضاء قال: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء، ثم قرأ: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى [الليل:5-10]))[والحديث رواه البخاري].
فاتقوا الله عباد الله ولا تجعلوا قدر الله حجة لكم على شريعته ومخالفته، فتضلوا ضلالا بعيدا وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين .
.. من خطبة للشيخ بن عثيمين-رحمه الله- ..
الروابط المفضلة