تذلل المرأة لزوجها بين القبول والرفض !
كنت في بيت والدي البنت المكرمة التي لا تهان ولا تمتهن ، لا تحتقر ولا تزدرى ، لم أعرف الذل والانكسار في حياتي ، اعمل ان رغبت العمل واتركه كذلك ، ولا ينكر أحد علي ، لي مساحة من الحرية التي أعطاني اياها ابواي لكونهما يثقان بتربيتهما وأخلاق ابنتهما .فتزوجت رجلا في الغالب محب حنون صاحب جد واجتهاد في العمل ، لكنه لا يمتلك الاسلوب لمخاطبة الانثى ، وهو يا سيدي لا يقدر قيمة المرأة ويعاملها كأنها خادمة وكأنه السيد ، وهي الامة ، تصدر العبارات منه على وجه الفوقية والآمرية وكأنه ضابط وأنا مجندة لديه ، أو مدرس وأنا طالبة عنده ، يملأ البيت صراخا ان تأخرت في تلبية طلب له قد يكون بمقدوره فعله دون أدنى عناء فأنا زوجة لا خادمة ، وعندما اعترض وأسخط ولا اجيب يزداد بالصراخ ويوجه إلي سيلا من الشتائم ، سئمت حياتي وشعرت بالذل والانكسار والمهانة وأفكر مليا بتركه ولكنني أتريث ، فمن يقبل بذل المرأة لزوجها وهل الزواج يعني الذل والمهانة أم هو المشاركة والمودة والرحمة ؟
وللسائلة الكريمة أقول : بل هو المشاركة والمودة والرحمة والزواج بلا شك أهم عقد في الحياة وأغلاه وأعلاه منزلة ، لانه الرابطة العظمى ، والعلاقة المثالية، والتشاركية البالغة ، والعروة الوثقى ، وهو عقد بين الانسان والانسان وعقد بين الانسان وخالقه ، فهو ما استباح الحمى وكشف المحظور إلا بسنة الله سبحانه وتعالى ، فبارك الله تعالى هذا العقد وجعل بين الزوجين المودة ( الحب ) والرحمة ( في حسن المعاشرة ) ولولاها لما صبر زوج على زوجته ولا زوجة على زوجها ، ولما رأيت اثنين يتوافقان .
ولعلك يا ابنتي مصيبة في بعض ما تقولين ومخطئة في البعض الآخر !
فلك الحق أن تقولي إن الزواج عقد تشارك ومودة ورحمة لا عقد اذلال وامتهان وكسر للشخصية واذهاب للمكانة وعبودية ورق ..
فأنت مكرمة لأنك انسانة خلقها الله تعالى لها حقوق وواجبات ، ولها أحكام تجري لها وعليها ، يجب احترامك وتمنع اهانتك بقدر ما تكونين أنت محلا لهذا الاحترام وحقيقة به ، فالاحترام لا يطلب وانما يفرض ، ولا يتصدق به ولا يوهب بل يجلب ويؤخذ ، فأنت وحدك القادرة على فرض احترامك على زوجك وغيره عندما تتقيدين بضوابط الأخلاق والعرف والعادات بين الناس وقبل ذلك كله بالشرع الذي يحكمك وزوجك ؟
نعم ان الذل لأي مخلوق مرفوض على وجه الخور والانكسار فالضار والنافع هو الله تعالى ، ومرفوض ان كان بسبب الحفاظ على الرزق والخشية على فواته لان الرزاق هو الله والزوج جالب لهذا الرزق ، وهو غير مقبول لو كان لطلب دنيا وغاية اجتماعية أو مادية أو حفاظا على نظرة الناس ، مقيت ان كان أعمى لا يفرق بين الحرام والحلال ولا بين الأخلاق ومساوئها .
ولكن العلاقة بين الزوجين والخضوع طرف منها للآخر لا يحمل معنى الذل الذي هو المهانة والانكسار والخور بقدر ما يحمل معنى التذلل الذي هو الخضوع والتواضع المطلوبين لتسير الحياة وتستمر ، أنت لست رقيقة ولا أمة عنده وهذا صحيح لان لك حق الاختيار بداية ونهاية فبوسعك ان ترفضيه أولا وكذا بعد الزواج ان كنت لا ترغبينه وليس للأمة ذلك ، لك حق الانفاق والسكنى والعدل والرعاية والحفظ ، بصورة تجعلك شبه سيدة في قصر لا أمة في معبد ، فأي شبه بينك وبين الرقيق في مجتمع الإماء ؟
أعطاك الشرع من الحقوق ما لم يعطه مجتمع انساني لامرأة في الدنيا لا في قديم الأزمان ولا متأخرها ، وجعل الشرع من العلاقة معك بابا لدخول الجنة أو لدخول النار فأي أهمية وهبك اياها الشارع الحكيم !
ولعلك تجدين شيئا من اختلاف الاسلوب بين ما ألفتيه عند أبويك وما لم تألفيه عند زوجك وتقيسين الأشباه بالأشباه فلا تكون النظائر هي النظائر فتشعرين بشيء من الذل والمهانة . لانك لم تعتادي ان يأمرك غير أبويك ، ولا ان ينهاك غيرهما وتجدين من الصعوبة تقبل اسلوب زوجك مما يجعلك في موقع صدام معه ورفض لأوامره وربما مخالفة عامدة لإجباره ودفعه على اختيار الاسلوب المناسب لك واحترامك فأنت وهو شيء واحد وليس له الحق في فرض رأيه عليك كما تعتقدين ! ولعلك لا تعانين من الطلب بقدر ما تعانين من طريقة الطلب واسلوبه ..وتجدين في الخضوع والتذلل له نوعا من المهانة والعبودية والاستكانة .
ولكنك مخطئة في ذلك يا ابنتي !
تأملي قول الله تعالى ( خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ) اشعار للإنسان أنه عندما يتذلل ويخضع لزوجته وتخضع له ليس من قبيل الخضوع للغير على وجه الذلة والانقياد الاعمى بقدر ما هو من قبيل الخضوع " للنفس" حيث قال " من أنفسكم " فهل يسمى الخضوع للنفس تذللا ، وهل الانسان عندما يستجيب لدعوة أحد أعضائه فيطلب الطعام أو الشراب أو الدواء أو الكساء يسمى متذللا لأعضائه اذا من الواجب عندها ان نتحلى بعزة النفس ونرفض الانصياع لأجزائنا بالكلية لنحصل على الاستقلال والحرية والموت ولا المذلة كما يقولون !!
وانظري حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو كنت آمرا أحد ان يسجد لأحد لأمرت المرأة ان تسجد لزوجها ) وهل بعد السجود تذلل وخضوع ؟ وما هو إلا اشارة لعظم حق الزوج ومطالبة الزوجة أن تخضع وتتواضع لزوجها . وأن تكون منقادة له
ان لا تجدين غضاضة في التذلل لأبويك ولا تشعرين في ذلك عيبا ولا حرجا ولا انتقاصا لإنسانيتك ولا سلبا لكرامتك ، وترينه أقل القليل تجاه من حملك ورعاك وتعتقدين أن في التذلل لهما طاعة لله وانك تكبرين بتصاغرك لهما ، فكيف تقبلينه مع والديك ولا تقبلينه مع زوجك ؟ وانت تعلمين أن الشرع يؤكد أن عظم حق الزوج أعظم من حق الوالدين .
ولو أنني قلت لك : هبي أن زوجك كامل المثالية حسن الأخلاق طيب المعاملة وسيم الخلقة كريم اليد جميل المعاشرة مكرما لك محبوبا إليك تعشقينه وتهيمين به أكنت ترين حرجا في أن تخلعي حذاءه عند قدومه وتقبلي قدميه ويديه وتلبي له ما يريد ؟ لقلت دون تردد : لا بل وأفعل أكثر من ذلك لأنه ان كان كما تقول فإنه يستحق أكثر مما قلت وعلي أن أحافظ عليه بكل وسيلة ..
اذا أنت لا ترين في التذلل له مشكلة ان كان يستحقه بالصفات التي ذكرت ، ولكن مشكلتك معه في المعاملة التي لا تستحق أن تقابل بخضوع واكرام ..
انك تخطئين عندما تحاولي ان ترسمي للآخرين صورة ذهنية مثالية ثم تريدين أن تخضعيهم لها وان تسكنيهم داخلها دون النظر في التناسب بينها وبينهم ، وتزيدين في الخطأ عندما تقومين بالقياس بين أبيك أو أحد معارفك وبين زوجك ، ثم تبالغين في مخالفة الصواب عندما تجعلين من أفعالك المرآة لأفعال الآخرين فلا أعطي إلا بقدر ما آخذ .
ما ضرك لو تذللت لزوجك لتكسبي رضا الله تعالى ثم رضا زوجك وبادرته بالحسنى دون انتظار النتائج منه ليسير المركب ، ستجدين عندها انه ان كان كما تقولين في مقدمتك أنه في الغالب محب حنون " نتائج أكثر مما كنت تتوقعينها فالأخلاق تكتسب وهبي أن زوجك أرض بور لا أخلاق فيها ولا مكارم كوني أنت المزارعة الصالحة و ازرعي فيها الأخلاق وارعيها ونميها ونظفيها واعتني بها لتصبح حديقة غناء بعد ان كانت جرداء مقحلة علميه الادب بوفرة ادبك معه لا العكس
انك تطيعين وتخضعين ولا تجرئين على مخالفة مديرك في العمل ، ومدرستك في المدرسة ، وطبيبتك في المشفى ، ومحاميك في المحكمة ، وقاضيك في الحكم ، وحاكمك في المجتمع ، وتعللين ذلك بالمحافظة على المصالح والمفاسد أفيكون هؤلاء أصلح لك من زوجك وأمضى في شانك منه ..
ولو ساغ لك أن تقولي ما قلته أولا لساغ للرجل أن يقول : ان عملي خارج البيت وبذلي الليل والنهار لكي أحضر النفقة الازمة من سكنى وطعام وشراب وكساء وغيره ما هو إلا نوع من أنواع العبودية فأخسر من نفسي وجسدي ومالي فأي فرق بيني وبين العبد في مجتمع العبيد . اني أفكر جديا بأن اترك زوجتي وأعيش حرا لا تربطني أي عبودية ورق فهل بعد هذا الرق رق ؟ وهل بعد هذا الذل هوان ؟
وكيف لك أن تطالبيه بتأمين حوائجك وتعتبرينه مهملا مسيئا ان تأخر في أدائها مما هي ضروريات حياتية ولا تعتبرينه في نفسك
ان دعاة التحلل من الأديان والمفسدون بصورة المصلحين ودعاة الوصول إلى المرأة لا تحرر المرأة يعتبرون الزواج بابا من أوسع أبواب العبودية ويقولون ان إلزام المرأة بخدمة زوجها عبودية ورق ويلزمونها بخدمة الدنيا وعبادة المال والذل للمدير والأستاذ والمحامي والقاضي حتى المراقب الدوام ولكنهم لا يرضون ان تتذل وتخضع لزوجها الذي هو جنتها أو نارها . فأي حكم يحكمون به وأي عدل يقتضونه .
أعجبتني احدى النساء وقد تشاجرت مع زوجها فغضب منها قائلا : انت لا تتمتعين بأي نوع من أنواع التربية والأخلاق ! فقالت له وانا ما جئت إليك إلا لتعلمني الأخلاق والتربية فأكون كاملة بك . قال الزوج : كأني شعلة نار وانطفأت ..
وأختم بنصيحتي لك يا ابنتي : اياك والكبر وحذار والغرور وتذكري أن الآخرين مرآة لك فعلى قدر ما تكونين جميلة في العرض عليهم ترين الصورة منعكسة عليك بالقدر ذاته وقلما تختلف النسبة إلا عند السفهاء ومرضى الأخلاق ، تذكري ان العلاقة لا ذلة فيها بل تذللا وخضوعا وتواضعا ولا تسير المركب اذا كان أحدنا يجذف بتجاه والآخر بنفس الاتجاه وقد تساوت القوى .وتذكري انك تعاملين الله تعالى بمعاملتك لزوجك .
واحذري من التخيلات الوهمية والأحلام الوردية فالكمال لله تعالى ، واياك والقياس الفاسد ، ولا ترسمي صورة للآخرين بل عليك ان تقبلي الآخرين بعلاتهم فالكمال لله تعالى وأن تسعي بجهد واخلاص للتصحيح والبناء ولن تعدمي الوسيلة فالفطنة والمكر والدهاء سمة من سماتك ولا يغرنك دعوة المفسدين في الارض والنفس والشيطان فكلهم لا يريدون البناء بل الهدم وتذكري ان الهدم بلحظات ولكن البناء يكون بسنوات ..
الكاتب : مصعب الاحمد
شاركونا هل عالج الموضوع الامر؟ ما رأيك