انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
عرض النتائج 1 الى 2 من 2

الموضوع: كتب عليكم الصيام

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2010
    الموقع
    مكة المكرمة
    الردود
    196
    الجنس
    أنثى

    كتب عليكم الصيام

    الإسم:  gaflh-8e2fd71b3f.gif
المشاهدات: 286
الحجم:  18.0 كيلوبايت


    كُتِبَ عليكم الصيامُ

    {يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون {138}أياماً معدوداتٍ فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدة من أيامٍ آخر وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعامُ مسكينٍ فمن تطوع خيراً فهو خيرٌ له وأن تصُوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون}.

    الصوم عبادة ربانية ، وشريعة نبوية ، وامتحانٌ إيماني ، يتجلَّى في هذا الشهر الكريم.

    قال تعالى في محكم التنزيل : {يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة : 183].

    {يا أيها الذين آمنوا} : هذا خطاب للمؤمنين. وغيرُ المؤمن بحاجة إلى خطاب آخر ؛ فيخاطب باﻹيمان بالله وبالرسل وبالقرآن ، فإن آمن أُمر بتكاليف هذا الخطاب ، ولذا غالباً ما ورد الخطاب : {يا أيها النَّاسُ} في العهد المكي ، وخطاب : {يا أيها الذين آمنوا} في العهد المدني ، وإن كان يرد أحياناً هذا وهذا.

    {كُتب عليكم} : هذا اللفظ من إعجاز القرآن ، فمن سماع أول كلمة في الخطاب ، وهي {كُتِبَ} يُعلم أن الصيام فرض على هذه اﻷمة ، ثم يُعلم أنه فرض على اﻷمم السابقة من أهل الكتاب وأتباع المرسلين ، ورغم أن الله عزَّ وجلَّ كتب عليهم الصيام ، إﻻ أنك ﻻ ترى ذلك في كتبهم بصيغة اﻹلزام واﻷمر ، إنما هو مدح وثناء فقط له وﻷهله، ولعل ذلك مما حُرِّف في التوراة واﻹنجيل.

    والصيامُ والصوم مصدران يدﻻن على اﻹمساك والتوقف ؛ قال تعالى : {فقولي إني نذرت للرحمنِ صوماً فلن أُكلمَ اليومَ إنسياً} [مريم : 26] ، وهو هنا : اﻹمساك عن الكﻼم.

    والصوم : هو اﻹمساك عن المفطرات ، في وقتٍ محدود معلوم ، ممن يتوجه له الحكم ، مع النية.

    وكان الصوم بمعنى اﻹمساك عن الطعام والشراب معروفاً عند العرب في الجاهلية ؛ فقد كانوا يصومون يوم عاشوراء ، وفي "الصحيح" عن عائشة رضي الله عنها قالت : "كان يوم عاشوراء تصومه قريشٌ في الجاهلية ، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصومه ، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما نزل رمضانُ ، كان رمضانُ الفريضة ، وتُركَ عاشوراء ، فكان من شاء صامه ، ومن شاء لم يصمه".

    وﻻ يسمَّى صياماً إذا امتنع عن بعض اﻷطعمة أو اﻷشربة أو عن النساء فقط ، كما كان موجوداً عند العرب ، أو كما يفعله من يُسمَّون بالنباتيين ، أو أصحاب الحِمْيَة أو كما هو الحال عند بعض أهل الكتاب.

    وقوله تعالى : {على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} : يصح أن يشمل ظاهر اﻵية كلَّ من سبقنا من آدم إلى عيسى عليه السﻼم ، وليس اليهود والنصارى فحسب ، وعليه فكل من سبقونا كانوا يصومون ؛ لكن ﻻ يلزم أن يكون صومهم هو نفس الصوم الشرعي اﻹسﻼمي ، بمعنى اﻹمساك عن شيء مخصوص في وقت مخصوص ، وﻻ أن يكون فرض عليهم شهر رمضان ، وإنما المقصود فرض عليهم أصل الصيام ﻻ صفته.

    وقوله عزّ وجلَّ : {لعلكم تتقون} : التقوى تبدأ باﻹيمان واﻹسﻼم ، فمن آمن وأسلم فقد اتقى الكفر واتقى عذاب الله ، فإذا صام فقد حقَّق ركناً من أركان اﻹسﻼم ، وحقَّق قدراً من التقوى ، ولو كان في صومه بعضُ التخريق والخلل ، كما في "الصحيح" : "الصيامُ جُنَّةٌ". وفي بعض رواياته عند النسائي ، وغيره : "ما يَخْرِقُها".

    وفي اﻵية فوائد :

    اﻷولى : {كُتب عليكم الصيامُ} ، أي : فرض ، فهي أصل في وجوب صيام رمضان ، وقد أجمع أهل العلم كافة على أنه يجب على المسلم المكلَّف القادر أن يصوم شهر رمضان.

    واﻷصل في وجوبه : الكتاب والسنة واﻹجماع.

    أما الكتاب : فهذه اﻵية الكريمة ، وأما السنة : فقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : "بُني اﻹسﻼم على خمس ......" وذكر منها : "صوم رمضان" ، واﻹجماع على وجوب صيامه إجماع قطعي ، منذ قيام الرسالة وعبر العصور كافة.

    الثانية : أن من أسرار الصيام وآثاره : التربية على التقوى ؛ فإن الله عزَّ وجلَّ لم يشرع العبادة لنتعذب بها ، أو يصيبنا منها الحرج والمشقة باﻻمتناع عما نشتهي ، ولكن لحمة التربية على مراقبة الله عزَّ وجلَّ في السر والعلن والصبر على ذلك ، وأن نترك الشيء ﻷجله سبحانه ، حتى لو كان محبوباً مشتهى في النفوس.

    فالتربية على اﻷخﻼق الحميدة ﻻ تخلو من حمل المرء نفسه على مخالفة شهوات كثيرة ، ففي مخالفتها تعب يقتضي الصبر عليه ، حتى تصير مكارم اﻷخﻼق مَلكة لمن راض نفسه عليها ، وما أحسن قول القائل :

    إذا المرء لم يترك طعاماً يُحبه
    قيُوشكُ أن تُلفى له الدهر سُبَّةٌ

    ولم يَنْهَ قلباً غاوياً حيثُ يَمَّما
    إذا ذُكرتْ أمثالُها تمﻸُ الفَمَا

    وأعظم ما يدمِّر حياة المرء هو اﻻسترسال مع ما يحب ويشتهي ، دون نظرٍ إلى فائدته أو ضرره ، فيعتاد على طاعة نفسه ويسلِّم القيادة لها ، ويكره كل عمل يتطلَّب جهداً أو مشقة أو سهراً أو عناءً.

    فمن امتنع عن مشتهى نفسه من أكلٍ وشربٍ وغيره مما أحله الله ، طاعة لربه ، وقُربة له وتعبُّداً ؛ تعزَّز في قلبه نفورٌ وابتعادٌ عما هو محرَّم في اﻷصل ، وإﻻ فما معنى أن يترك الصائم ما طاب مما أحلَّه الله من طعام وشراب وغيره ، ثم هو يقع في غيبة ونميمة ، وسوء ظن ، وعقوق ، وشتم وسب ، وغش وتحايل ، وغير ذلك مما حرمه الله في رمضان وغيره.

    الثالثة : من تأمَّل سورة البقرة وجد سياقاً طويﻼً عن جدل اليهود ، وتﻼعبهم وتلُومهم وعنادهم ، وقتلهم أنبياءهم ، واختﻼفهم عليهم ، وهذا نزل أو مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ثم يذكر الله عزَّ وجلَّ في وسط ذلك كله : {يا أيها الذين آمنوا كُتبَ عليكم الصيام كما كُتبَ على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة : 183] ، فما سرُّ ذلك ، مع أن المسلمين لم يكونوا في حالة ارتياح أو أُنس مع من كانوا قبلهم؟

    الظاهر – والله أعلم – هو تربية المسلمين على الفرز والفصل والعدل في التعامل ، وتأمل قوله تعالى : {وﻻَ يجرِمنَّكُم شَنَئانُ قومٍ على أﻻَاَ تَعْدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أقربُ للتَّقوى} [المائدة : 8] ، وقوله : {وﻻا تَزِرُ وَزِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [اﻹسراء : 15] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أما إنه صدقك وهو كذوبٌ». وأن المسلم أولى بإتباع الحق ، وأن من كره أحداً ، فﻼ يجحد ما عنده من خيرٍ وفضلٍ.

    وهذا كقوله سبحانه : {فﻼ جُناحَ عليه أن يطوَّف} [البقرة : 158]. فالطواف إما ركن أو واجب ، وقد كانوا في الجاهلية يطوفون بين الصفا والمروة ، ويهلُّون ﻷصنامهم ؛ فتحرَّج المسلمون أن يفعلوا ذلك وتوقفوا فيه ، فذكر الله سبحانه أنه ﻻ حرج عليهم في ذلك ، وإن كان موجوداً في الجاهلية ، إﻻ أنه من آثار اﻷنبياء.

    ومثله صوم المسلمين لعاشوراء ، فاليهود كانوا يصومونه ويعظِّمونه ؛ كما ثبت في "الصحيح" ، فقال صلى الله عليه وسلم : «فأنا أحقُّ بموسى منهم». فصامه وأمر بصيامه.

    الرابعة : قوله عزَّ وجلَّ : {كما كُتبَ على الذين من قبلكم} : فيه تعظيم وبيان ﻷهمية شعيرة الصيام ؛ فإن الله عزَّ وجلَّ ﻻ يشرع شيئاً لجميع اﻷنبياء والرسل واﻷمم السابقة ، إﻻ ويكون عظيماً ومهمَّاً ، ولهذا اتفق جميع الرسل واﻷنبياء على الدين العام ، وإن اختلفت تفاصيل الشرائع ، وفي "الصحيحين" : «اﻷنبياءُ إخوةٌ من عَﻼَّتٍ ، وأمهاتهم شتى ، ودينُهم واحدٌ». ومن هذا الدين العام الصوم ؛ فيشعر المسلم أنه يؤدِّي شعيرة عظيمة ، اتفق عليها جميع اﻷنبياء.

    الخامسة : أن المسلم إذا علم أنه لم يُخصَّ بهذه الشعيرة وحده ، وأن اﻷنبياء كلهم صاموا واﻷمم من قبله صامت ؛ كان ذلك عزاءً وتسليةً له ، وتقوية لقلبه على الصيام الذي أُمر به من كان قبله من اﻷمم.

    السادسة : في قوله : {كُتبَ عليكُمُ الصِيامُ} : الصيام الشرعي معروف ؛ لكنه في هذه اﻵية غير محدَّد بزمن وﻻ عدد ، ولهذا نُقل عن بعض السلف أن الصيام كان في أول اﻹسﻼم مطلقاً غير محدَّد.

    وقيل : ثﻼثة من كل شهر. وقد تقدَّم أنهم كانوا قبل اﻹسﻼم يصومون عاشوراء ، فلعل ذلك كان المرحلة اﻷولى من الصيام.

    السابعة : التدرُّج في التشريع ؛ قال ابن العربي : "الشرع لم يأت دفعة ، وﻻ وقع البيان في تفصيله في حالة واحدة ؛ وإنما جاء نجوماً وشُذوراً ؛ لمصلحة عامة وحكمة بالغة".

    وهذا من خصائص شريعة اﻹسﻼم في المأمورات كالصﻼة ، وفي المنهيات كالخمر ، فالصﻼة كانت في بادئ اﻷمر ركعتين ركعتين ، فزيدت في الحضر وبقيت في السفر ، كما في "الصحيحين" عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : "فَرضَ الله الصﻼة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر ، فأُقرَّتْ صﻼةُ السفر ، وزِيد في صﻼة الحضر".

    والخمر لم يحرِّمها الله عزَّ وجلَّ دفعة واحدة ؛ بل على ثﻼث مراحل.

    وفي آية الصوم معنى عجيب ؛ فإن الله عزَّ وجلَّ خاطبهم باﻹيمان : {يا أيها الذين آمنوا} وهذا فيه نوع من إثارة اﻹيمان بربهم ، وتشجيعهم وحثهم على السماع والتنفيذ، ثم اﻹشارة إلى أنه كُتبَ عليهم ، هذا فيه حثٌ لهم ؛ ﻷنه لو كان هذا اﻷمر مسنوناً أو مستحباً ، فربما فرَّط فيه بعض الناس ، ويعلم المستمع أن الكاتب هو الله الخالق سبحانه فيحثُّهم هذا على اﻻمتثال.

    ثم يقول : {كما كُتبَ على الذَّينَ من قَبْلِكُم} أي : هذا أمر لم تنفردوا به عن غيركم.

    ثم يُبين صلى الله عليه وسلم أنهم هم المقصودون ، وأن المصلحة لهم {لعلكم تتقون}.

    ثم يؤكد أن اﻷمر ﻻ يتجاوز أياماً معدودة ، أي : قليلة ، ومع أنها أيام معدودة إﻻ أن فيها ألواناً من الرخص ؛ ففي أول اﻹسﻼم كان هناك رخصة لمن ﻻ يريد الصيام أن يفتدي ، وحتى بعد ذلك ﻻ زالت الرخصة قائمة إلى اليوم لمن كان مريضاً أو على سفر أن يفطر ويصوم عدة من أيامٍ آخر ، ثم يعقِّب سبحانه ذلك كله بقوله : {يُريدُ الله بكم اليُسْرَ وﻻ يُريدُ بكُمُ العُسْرَ} [البقرة : 185].

    ففي اﻵية الكريمة ألوان من التدرُّج ومراعاة أحوال الناس ونفسياتهم ، واختيار الطرق المثلى في التأثير عليهم.

    وفي هذا درس كبير للدعاة ؛ فالله سبحانه وتعالى وهو يأمر عباده ويكلِّفهم بشعيرة هي ركن من أركان اﻹسﻼم ، جعل في هذه اﻵية ما يزيد على اثني عشر درباً من دروب التدرُّج ، والترغيب ، والتحضيض ، والتحبيب ، والتهوين على العباد ؛ فكذلك الداعية ينبغي أن يحرص على تسويق دعوته إلى الناس بالحسنى ، وأن يتدرَّج إليهم ويحرص على هدايتهم من أقرب الطرف ، وأسهل اﻷبواب واﻷسباب.

    وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن سيرة ، وهديه أكمل هدي ، وسنته أعظم سنة ، جعل الله فيها خاصية يشعر معها اﻹنسان بقرب تناولها وتطبيقها ، فعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال : جاء ثﻼثةُ رَهْطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها ، فقالوا : أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد غفر الله له ما تقَّدَّم من ذنبه وما تأخر ؟! قال أحدهم : أما أنا ، فإني أصلي الليل أبداً. وقال آخر : أنا أصومُ الدهر وﻻ أُفطر. وقال آخر : أنا اعتزل النساءَ ، فﻼ أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله ، إني ﻷخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصومُ وأُفطرُ ، و أصلِّي وأرقدُ ، وأتزوجُ النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس منِّي».

    نعم ، وُجد عند السلف رحمهم الله أشياء ليست خارجة عن السنة ، وﻻ هي من أتباع السنة ، ولكنهم كانوا يأخذون أنفسهم بالجَدِّ في بعض اﻷمور ، فيكون عند أحدهم جانب القوة في شعيرة السلوك والزهد واﻹعراض عن الدنيا ، أو العلم والتحصيل ، أو اﻹنفاق أو الجهاد ، فإذا نظرت إلى سيرة أحد منهم خُيّلَ لك أنك ﻻ تستطيع اللحاق به، لكن إذا نظرت إلى سيرة سيدهم وإمامهم وقدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم ، شعرت أنها في المتناول ، قريبة المأخذ ، ممكنة اﻹتباع ، وهذا درس كبير في تقريب اﻷمر إلى الناس وتسهيله عليهم ، سواء كان أمر دعوة ، أو تعليم ، أو إصﻼح أو خير . وليس من المصلحة للناس أن نشعرهم وهم يُقبلون على وجه من وجوه الخير ، أنهم داخلون في باب صعب يعزُّ عليهم المضي فيه ؛ بل ينبغي تحفيزهم ودعم إرادتهم وهممهم ، وإذا دخلوا فيه وجدوا العون من الله تبارك وتعالى.

    الثامنة : الفرق الشاسع والبون العظيم بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم وبين بني إسرائيل ، قبنو إسرائيل في قوله تعالى : {وإذ قال موسى لقومه إِنَّ الله يأَمُرُكُمْ أًنَ تذبحوا بقرةً قالوا أتتخذنا هُزُواً قال أعوذُ بالله أن أكون من الجاهلين} [البقرة : 67]. لم يأتمروا بأمر الله مباشرة ؛ بل شدَّدوا فشدَّد الله عهليم ، بينما الصحابة رضي الله عنهم عندما قال الله عزَّ وجلَّ : {كُتبَ عليكُمُ الصيام ...} [البقرة : 183] ، صاموا حسب وسعهم وفهمهم واستطاعتهم ، ولم يتردَّدوا.

    التاسعة : قال الله عزَّ وجلَّ : {فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعِدَةٌ من أيامٍ أُخَرَ} [البقرة : 184].

    والمرض ما يخرج به اﻹنسان منا لصحة إلى اﻻعتﻼل. والمرض المبيح للفطر عند جمهور العلماء ، ومنهم اﻷئمة اﻷربعة ، هو ما يزيده الصيام أو يؤخِّر بُرأه وشفاءه ، أو يشق مشقة ظاهرة على المريض.

    والسفر هو مفارقة اﻹنسان وطنه وأهله مسافة معتبرة ، سواء خُصِّصت بعددٍ من الكيلومترات واﻷيام ، كما هو رأي جمهور اﻷئمة ، ومنهم اﻷئمة اﻷربعة ، أو أُحيل فيها إلى العرف ، كما هو اختيار جماعة السلف ، وترجيح ابن تيمية وابن القيم وجماعة.

    وقد غاير السياق القرآني بين اللفظين ، فقال : {مريضاً أو على سفرٍ} ، ولم يقل : (مريضاً أو مسافراً) ، وفي هذا إشارة إلى أن رخصة المريض آكد ، ولهذا قدَّمه في اﻵية ، وذكر الوصف المسبِّب للرخصة ، ﻷن الصوم قد يشق عليه وقد يضره أو يؤجِّل برأه.

    و{على سفرٍ} : تدل على التمكُّن والحدوث ، فﻼ يفطر إﻻ إذا سافر فعﻼً ، وصح أن يسمَّى مسافراً ، أما ما دام في بلده فﻼ يفطر.

    وكان من أسرار التفريق بين اللفظين ، أن المرض من الله وﻻ إرادة لﻺنسان فيه ، ولذا عبَّر بالمريض ، أما السفر فهو فعل بإرادة اﻹنسان ، ولذا قال : {على سفرٍ} ، وكأنه راكب على السفر ، وليس على الدابة أو السيارة أو الطائرة ، وهو دليل على أن كل سفر يبيح الفطر بغضِّ النظر عن مقصود السفر ، وهل هو ضروري أم للمتعة أم لغير ذلك ، وحتى لو كان مرفَّهاً ومرتاحاً في سفره.

    العاشرة : قوله جلَّ عﻼ : {فَعِدَّةٌ من أيامٍ أُخر} ، لم يقل سبحانه : (فصيام من أيامٍ أُخر) ؛ ليدل على أن من أفطر أياماً في رمضان ، فإنه يقضي أياماً بعددها فقط {فَعِدَّةٌ} أي : بعدد ما أفطر ، وقول بعضهم : من أفطر يوماً فإنه يصوم عشرة أيام ، باطل وﻻ أصل له.

    ويُؤخذ منها أنه ﻻ يلزم التتابع في القضاء ، فإن الله عزَّ وجلَّ قد طلب منا شيئاً واحداً ، وهو أن تكون أيام القضاء بعدد أيام الفطر ، ولم يذكر شرطاً آخر ، وهو مذهب الجمهور ، وهو الصحيح.

    ولو صام في أي شهر لقضى ما عليه ، وﻻ يلزم أن يقضيها مباشرة بعد رمضان ، وفي "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها قالت : "كان يكونُ عليَّ الصومُ من رمضان ، فما أستطيع أن أقضي إﻻ في شبعان".

    إنه جديرٌ بالمسلم الذي يمضي نهار رمضان صائماً ، وربما شعر بالعطش وتقلَّصت شفتاه أو شعر بالجوع واشتهى وجبة طعام ؛ أن يستشعر المعنى الذي أجله فعل هذا.

    وأجمل ما يحقَّق هذا هو تأمل اﻵيات القرآنية واﻷحاديث الصحيحة الواردة في فضل الصيام وحكمته وأثره ، واستشعار أنه المخاطب دون سواه ، ليتحقَّق بذلك كون الصيام مدرسة تربوية لصناعة اﻷخﻼق وتعزيز اﻹرادة وبناء الشخصية اﻹنسانية الفعالة {يُريدُ الله بكُمُ اليُسرَ وﻻ يُريدُ بكُمُ العُسرَ وَلِتُكمِلُوا العِدَّةً ولِتُكَبرُوا الله ما هَدَاكم ولعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة : 185].

    زاد الصائم

    الإسم:  gaflh-297a3f49e6.gif
المشاهدات: 197
الحجم:  18.0 كيلوبايت


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2012
    الموقع
    مصر - القاهره
    الردود
    3,366
    الجنس
    أنثى
    التدوينات
    13
    التكريم
    (أوسمة)
    طرح مميــز ,,
    جــزاك الله خيراً ..
    ونفع بما طرحتة هنا وبـارك بك..
    الف شكـــر لك
    دورة تعليم الامهات اللغه الانجليزيه المستوى الاول
    http://www.lakii.com/vb/a-87/a-804863/



    أدعوك يا إلهي دعاء من اشتدت فاقته وضعفت قوته وقلت حيلته
    دعاء الغريق الملهوف المكروب المشغوف الذى لا يجد لكشف مانزل به إلا أنت ولا إله إلا أنت
    فارحمنا ياأرحم الراحمين واكشف عنا مانزل بنا من هؤلاء القوم الظالمين الباغين .
    اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا و هواننا على الناس.
    أنت رب العالمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربنا.
    إلى من تكلنا يا رب؟ إلى بعيد يتجاهمنا أم إلى عدو ملكته أمرنا. إن لم يكن بك علينا غضب فلا نبالى )


مواضيع مشابهه

  1. الردود: 2
    اخر موضوع: 17-07-2012, 10:51 AM
  2. الردود: 3
    اخر موضوع: 21-08-2010, 03:30 AM
  3. الردود: 1
    اخر موضوع: 03-10-2005, 04:04 PM
  4. امراض يداويها الصيام وامراض لا يجوز معها الصيام
    بواسطة شهرزاد 2 في ركن التغذية والصحة والرجيم
    الردود: 5
    اخر موضوع: 11-10-2004, 02:30 AM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ