بسم الله الرحمن الرحيم
إن امتثال أومر الله سبحانه وتعالي في ما امر به ونهي عنه له حكم و فوائد ترجع للإنسان في حياته الدنيا والأخرة فلابد من التمسك بما جاء به كتابنا الكريم وسنة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم حتي ننجو من مهالك الدنيا والأخرة وهنا نتكلم عن فوائد ما نهانا ربنا سبحانه وتعالي في غض البصر من كلا الطرفين نساء ورجال
ففي فوائد غض البصر هي كثيرة جدا ، منها ما قاله إبن
القيم - رحمه الله - في كتابه : " الجواب الكافي " (125) :
{ وفي غض البصر عدة منافع :
1 ) - أنه إمتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه
ومعاده ، وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه
تبارك وتعالى ، وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال
أوامره ، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع
أوامره .
2 ) - أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذى لعل فيه
هلاكه إلى قلبه .
3 ) - أنه يورث القلب أنسا بالله ، وجمعية على الله ، فإن إطلاق
البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله ، وليس على العبد
شيء أضر من إطلاق البصر ، فانه يوقع الوحشة بين العبد
وبين ربه .
4 ) - أنه يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه
ويحزنه .
5 ) - أنه يكسب القلب نورا ، كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ،
ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر ،
فقال :
( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ )
النور/30
ثم قال إثر ذلك :
(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا
مِصْبَاحٌ )
النور/35
أي : مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي إمتثل أوامره
وآجتنب نواهيه ، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه
من كل جانب ، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر
عليه من كل مكان ، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى
وآجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة وآشتغال
بأسباب الشقاوة ، فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في
القلب ، فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي
يجوس في حنادس الظلام .
6 ) - أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق
والمبطل والصادق والكاذب ، ... والله سبحانه يجزي العبد
على عمله بما هو من جنس عمله ، ومن ترك شيئا لله
عوضه الله خيرا منه ، فإذا غض بصره عن محارم الله عوضه
الله بأن يطلق نور بصيرته ، عوضة عن حبسه بصره لله ،
ويفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة
المصيبة ، التي إنما تنال ببصيرة القلب ، وضد هذا ما وصف
الله به اللوطية من العمه الذي هو ضد البصيرة فقال تعالى :
(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ )
الحجر/72
7 ) - أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ، ويجمع الله له بين
سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة ، كما في
الأثر :
( الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله )
ومثل هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها
ومهانتها وخستها وحقارتها ، ما جعله الله سبحانه فيمن عصاه
كما قال الحسن :
( إنهم وإن طقطقت بهم البغال ، وهملجت بهم البراذين ، فإن
المعصية لا تفارق رقابهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه ) .
وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته ، والذل قرين معصيته ،
فقال تعالى :
( ولِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ )
المنافقون/8 ،
وقال تعالى :
( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )
آل عمران/139 ،
والإيمان قول وعمل ، ظاهر وباطن ، وقال تعالى :
( مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )
فاطر/10 ،
أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره ، من الكلم
الطيب والعمل الصالح ، وفي دعاء القنوت :
( إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت )
ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه ، وله من العز بحسب
طاعته ، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه ، وله من الذل
بحسب معصيته .
8 ) - أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب ، فإنه يدخل
مع النظرة ، وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في
المكان الخالي ، فيمثل له صورة المنظور إليه ، ويزينها ويجعلها
صنما يعكف عليه القلب ، ثم يَعِدُهُ ويُمَنِّيه ، ويوقد على القلب
نار الشهوة ، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل
إليها بدون تلك الصورة ، فيصير القلب في اللهب ، فمن ذلك
اللهب تلك الأنفاس التي يجد فيها وهج النار ، وتلك الزفرات
والحرقات ، فإن القلب قد أحاطت به النيران بكل جانب ، فهو
في وسطها كالشاة في وسط التنور ، لهذا كانت عقوبة أصحاب
الشهوات بالصور المحرمة أن جُعل لهم في البرزخ تنورٌ من نار .
9 ) - أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها ،
وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول عليه بينه وبينها ،
فتنفرط عليه أموره ، ويقع في اتباع هواه ، وفي الغفلة عن
ذكر ربه ، قال تعالى :
( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً )
الكهف/28
10 ) - أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب إشتغال
أحدهما عن الآخر ، وأن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده ، فإذا
فسد القلب فسد النظر ، وإذا فسد النظر فسد القلب ، وكذلك
في جانب الصلاح }
الروابط المفضلة