ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضائل حسن الخلق
وهو : خلق فاضل عظيم النفع .
أساسه : الصبر ،والحلم ، والرغبة في مكارم الأخلاق .
وآثاره : العفو ، والصفح عن المسيئين ، وإيصال المنافع
إلى الخلق أجمعين .
فهــو : احتمال الجنايات ، والعــفو عـــن الزلات ، ومقابلة
السيئات بالحسنات .
وقد جمع الله ذلك في آية واحدة وهي قوله { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ
بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } الأعراف199
أي خذ مـا عفا وصفا لك من أخلاق الناس ، واغتنم ماحصل
منها ، وغض النظر عما تعذر تحصيله منهم ، وعن نقصها
وكدرها ، ومعنــى ذلك : أن تشكر الناس على ما جاء منهم
من الخير والإحسان ، ومـــا سمحت بـه طباعهم من الخلق
الطيب ، ولا تطلب منهم، ولا تطالبهم بما زاد عما حصل ،
ولو كان لازماً لهم ، فإنك بذلك تستريح وتريحهم .
أمـا من كان يريد من الناس أن يكونوا كاملين مكملين لكــل
مــا يجــب ويستحب ، وإذا أخلوا بشيء مــن ذلك عاتبهم ،
وأهدر ما جاء منهم من الخير والإحسان ، فهو عن حسن
الخلق بمعزل ، ولا يزال معهم في نزاع ولجاج وعتاب .
وإنمـــا الحازم مــن يوطن نفسه علــــى تقصير المقصرين ،
ونقصان الناقصين ، وقـد أرشد النبي صلى الله عليه وسلــم
إلــى هـــذا الخلق الفاضل في معاملة الزوج لزوجته فقــال :
" لا يفرك مؤمن مؤمنة : إن كره منها خلقا ، رضي منهـــا
آخـر " (1) ، فأمــر بالإغضاء عما فيها من العيوب ، وأن
يكون نظره إلى مــــا فيها من المحاسن والمنافع ، ويجعل
هذا شفيعا لهذا ، لأنه بذلك تدوم الزوجية ، وتتم الصحبة
الطيبة والصفاء ، ويقل النزاع والخصام .
وقس على هــذا الذي ذكره صلى الله علـيـه وســلم : جميـــع
المعاملات والحقوق ، فالمعاملة بيـــن الـوالدين وأولادهم إذا
كانت على هذا الوصف، حصل البر وأديت الحقوق، إذا وطن
الوالد نفسه على شكر ما حصل من ولده من البر ولو قليلاً،
وعفا عن تقصيره ، ازداد البر ، وحصل للوالدين راحة .
فرحم الله من أعان أولاده على بره .
وكذلك الأولاد عليهم القيام ببر والديهم ،وأن يوطنوا أنفسهم
عـلى مــا ينـــالهم من الوالدين من سوء الخلق وشراسته ،
وسيئ الأقوال والأفعال التـي تصدر منهم ، ليوطنوا أنفسهم
على احتمالها ، وأن يشكروهم على ما نالهم منهم من
الإحسان ، مهما كان .
فهذا من البر والصلة التي لا يوفق لها إلا ذو حظ عظيم .
وكذلك حقوق الأصحاب ، والجيران ، والمعاملين ، ينبغي أن
يسلك معهم هذا المسلك : القناعة بما جاء منهم ، وتحمل
ما لا يوافق الإنسان من قول أوفعل أو معاملة ، فبذلك
تدوم الصحبة وتقوى .
أما من كان إذا جاءه من أصحابه، أو معامليه ونحوهم سيئة
واحدة ، أهدر بها ما سبقها من المحاسن ، فهـــذا من أعظم
الحمق ، وقلة الوفاء ، وعدم الإنصاف . ومن كان بهذا
الوصف فهو أبعد الناس من حسن الخلق .
والمقصود: أن المعاملة بين المختلطين والمرتبطين بحق من
الحقوق : إذا بنيت على قوله { خُذِ الْعَفْوَ } فوطن نفسه على
أخذ المنافع ، والصفح عن ضدها ، أوصلت صاحبها إلـى كل
خير وسلم بها من شرور كثيرة . وإذا بنيت على الاستقصاء
وطلب جميع الحق مستوفى ، حصل النقص والخلل .
وقــوله تعـالى { وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } أي : إذا جهل أحد
عليك بقول ، أو فعل ، فأعرض عن مقابلته بجهله ، وقابله
بما تقابله به إذا كان محسنا فتكسب السلامة والأجر ،
وحسن الذكر ، والاتصاف بمكارم الأخلاق وأعاليها .
وكل من عصى الله أو قصر في حقه أو تعدى على أحد ، فهو
جاهل سواء كان متعمدًا أو غير متعمد . وذلك أن العلم الذي
يعمل الإنسان به هو العلم النافع ، والذي لا يعمل به جهل
وضلال. وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع .
وأما قوله تعالى في هذه الآيــة : { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } أي ليكن
أمرك لغيرك موصوفا بوصفين :
أحدهما : أن يكون برفق وحكمة ، وأقرب طريق يوصل إلى
هذا المقصود ، وذلك يختلف باختلاف العرف .
والثــاني : ليكن مأمورك الذي تأمر به من الأمور المحبوبة
شرعًا وعرفا ، وهــو الأمر بالواجبات ، والمستحبات مـــن
العقائد والأخلاق، والأعمـال المتعلقة بحقوق الله ، وحقوق
خلقه. فمن قام بهذه الأمور، فقد اتصف بحسن الخلق . ...
وأعظم ما يدخل الناس الجنة: تقوى الله وحسن الخلق. ...
حسن الخلق ، ومكارم الأخلاق تحبب العبد إلــى أعدائه ،
وسوء الخلق ينفر عنه أولاده وأصدقاءه .
ومــن مـــزايا حســن الخلـق : أن صاحبه يتمكن من إرضاء
الناس على اختلاف طبقاتهم ، كل من جالسه وخالطه أحبه،
لايمله الجليس . ...
صاحب الخلق الحسن ، يسهل عليه إدراك المطالب ، وتلين
له برفقه وتحببه إلى الخلق المصاعب .
كم فات سيئ الأخلاق من مطلوب ، وكم جلب عليه الحمق
من شر مرهوب !
كل أحد يود الاتصاف بحسن الخلق ، لما يشاهده من ثمراته
الجليلة ، ولكن لا يدركه إلا أهل الهمم العالية النبيلة .
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق ، وجنبنا مساوئها .
كتاب الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة فـي العقائد والفنون
المتنوعة الفاخرة(ص72) للشيخ عبدالرحمن السعدي (بتصرف)
....
(1) أخرجه مسلم في صحيحه ( ك الرضاع ، ب الوصية بالنساء
ص 775 / ح 1469 ) من حديث أبي هريرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الروابط المفضلة