عمل بلا رجاء أم رجاء مع عمل ؟ !
يعيش المؤمن في حياته بين أمرين هامين يمثلان جناحي طائر لا يستقيم طيرانه بواحد دون الآخر, فيحيا المؤمن بجناحي الخوف والرجاء .
وأركان العبادة المحبة والخوف، والرجاء، -هذه الأركان الثلاثة- قد تغلب إحداها على بعض الناس، وقد تغلب الأخرى على آخرين, لكن لا يمكن ولا يصح أن يخلو الإيمان أو القلب من اجتماع هذه الثلاثة .
وسنتناول الحديث عن تلك الأركان الثلاثة تباعا ان شاء الله .
وحديثي هنا سيكون عن جناح الرجاء لما فيه من ترقيق للقلوب وحسن الظن بالله والعون في التوبة لمن يرجو رحمة الله عز وجل .
يقول ابن القيم رحمه الله:"الرجاء من أجل منازل السائرين وأعلاها وأشرفها، ...
وقد مدح الله تعالى أهله وأثنى عليهم، فقال: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب:21].
وحسن الظن بالله والرجاء في رحمته عمل قلبي عظيم المنزلة والأثر في الدين وله عاقبةحسنة في الدنيا والآخرة.
ويتضمن الرجاء دعوة واضحة للتفاؤل فيما عند الله , فيقدم المذنب على العبادة والطاعة , ويسارع إلى طلب العفو والمغفرة من الله أملا في جنته وخوفا من عقابه في الدارين , ويفتح بابا للعمل والتزود من الخيرات .
وتحدثت آيات القران الكريم عن الرجاء في مواطن كثيرة
وقال العلماء إن في القران الكريم أرجى آية دعوة لكل عبد مذنب أن يتوب إلى الله
قال تعالى : (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) {الزمر:53}
فانظري رعاك الله أخيتي ففي هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة , فما بالنا بالمسلم الذي عصى وندم
وما أجمله من نداء من رب رحيم غفور عفو لا يرد من دعاه ولا يرفض من عاد إليه وتاب وأناب
مناداة الله لعباده ، وهذا من رحمته بهم ، وأنه أقرب لهم ، مما يبعث السكينة في قلوب عباده المؤمنين , فهو نداء رحمة ورجاء يملأ القلوب التائبة النادمة أمنا واطمئنانا ويبشرها بان الله قادر على محو جميع الزلات والعثرات والفجرات والذنوب مهما كانت طالما عاد إليه العبد خاضعا نادما متخوفا من غضب الله راجيا عفوه ورضاه وحلمه
قال بعض السلف : إن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيس الناس من رحمة الله ولا يحرضهم على معاصي الله.
تأملي قوله تعالى يا عباديكما جاء في التفسير , وفيها وصف للمؤمن بالعبد وهذا الوصف تشريف للعبد ؛ لأن مقتضى الخطاب أن يختار المنادي أحب الأسماء للسامع فيناديه بها، فالله اختار صفة "يا عبادي" مما يدل على أن من دخل من العباد تحت هذه الصفة؛ فقد شَرُف غاية الشرف، فإن العبودية لله تقتضي الخلاص مما سواه.
ومن الخطر العظيم والبلاء الكبير أن يمنعنا الرجاء من العمل ويوقعنا في الغرور والأماني الكاذبة الخادعة
فقد ذم الإمام الحسن البصري رحمه الله المقصرين في الطاعات المجترئين على فعل المعاصي والسيئات يزعمون ثقتهم برحمة الله وعفوه حين قال:إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، يقولون: نحسن الظن بالله ،وكذبوا فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
فالرجاء يدفع إلى العمل ومجاهدة النفس والمثابرة ، قال الله عز وجل : (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ) (البقرة:218)
هذا هو النموذج الأمثل للمؤمن الصالح الذي يرجو رحمة ربه مع العمل للدين والدنيا والآخرة , فهم يرجون رحمة الله وفي نفس الوقت يعملون هذه الأعمال الصالحة العظيمة.
والرجاء ثلاثة أنواع :
الأول: رجاء من عمل بطاعة الله على نور من الله ، فهو راج لثوابه.
والثاني:رجاء من أذنب ذنبًا ثم تاب منه، فهو راج لمغفرة الله وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه.
والثالث: رجاء من كان متمادٍ في التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور والرجاء الكاذب.أعاذنا الله وإياكم منه .
فإذا كان العبد المؤمن الحريص على طاعة الله يخشى أن لا تقبل أعماله كما قال الله تعالى عنهم:" وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ رٰجِعُونَ "
فكيف لا يخاف العاصي أن يُعاقب على معصيته ؟.
فهيا ابدئي وصححي الأوضاع واحرصي كل الحرص أن يكون نصيبك رجاء بعمل صالح خالص لله تعالى تتوافر فيه شروط الأعمال التي يقبلها الله عز وجل وليكن الرجاء لك بابا جديدا في الإصلاح والثبات على الطاعة والإقبال على الله
وتذكري أن الرجاء المحمود الصادق هو الثقة بجود الرب سبحانه وفضله وكرمه ولابد أن يقترن معه العمل كما قال تعالى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا } [الكهف:110].
واغتنمي الفرصة فباب الرجاء لا يغلق مطلقا في وجه الساعي الواثق من رحمة الله تعالى , وتذكري دائما قول الله تعالى واصفا عباده الراجين في رحمته , وقد وصف الله سبحانه أنبياءه والصالحين من عباده أنهم يجمعون بين الخوف والرجاء فقال تعالى: " إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ في الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـاشِعِينَ [الأنبياء:90].
وجاهدي وسواس النفس عندما تريد أن تحبط عزيمتك من مواصلة العمل وطلب الرجاء من الرحمن فحينما يريد الشيطان أن يلبس عليك ويقنطك من الرحمة.
اكثري من التشبث بالرجاء واقلعي جذور الشيطان من منبتها واستعيني بالله عليه وواصلي طريقك وسعيك الدءوب في مرضاة الله , وفي حال الشدة أو المرض عليك بتغليب الرجاء وحسن الظن بالله .
واحرصي على ذكر الله عز وجل في كل حالاتك ولا تغفلي عن ذلك أبدًا , إذا كنت تريدين حقًّا أن تكوني من الراجين
وسلي نفسك هل يغرك رجاؤك إلى درجة الاستهانة بنظر الله عز وجل وأنت تقومين بالمعصية ؟
أم انك من الحريصين على خشوع القلب والخوف من الجليل والسعي لمرضاة الرحمن الرحيم ؟.
ثم حاسبي نفسك وقفي معها وقفة جادة في كل عمل تقومين به
هل هو عمل بلا رجاء أم رجاء بلا عمل ؟
أم هو عمل يجمع بين الخوف والرجاء ؟
طرقت باب الرجاء والناس قد رقدوا * وبت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقلت يا أملي في كل نائبة * يا من عليه لكشف الضر اعتمد
وقد بسطت يدي بالذل مفتقرا * إليك يا خير من مدت إليه يد
فلا تردنها يا رب خائبة * فبحر جودك يروي كل من يرد
الروابط المفضلة