مشاركتي الأولى
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
رضي الله عنها
إنها سيدة نساء العالمين في زمنها رابعة بنات الرسول صلى الله عليه وسلم
أمها أم المؤمنين خديجة وأبوها سيد ولد آدم ورحمة للعالمين
وزوجها سيد في الدنيا والآخرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
وولداها سيدا شباب أهل الجنة وريحانتا رسول الله الحسن والحسين رضي الله عنهما
وعمها سيد الشهداء وأسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه .
*******
ولدت فاطمة في أم القرى وقريش تجدد بناء الكعبة وذلك قبل النبوة بخمس سنين
واستبشر النبي بمولدها وتوسم فيها البركة واليمن فسماها فاطمة ولقبها بالزهراء
وكانت تكنى أم أبيها وهي شديدة الشبه برسول الله .
ونشأت فاطمة في بيت نبوي رحيم يكلؤها بالرعاية والسهر على تربيتها
لتأخذ قسطا وافرا من الأدب والحنان والتوجيه النبوي الرشيد
ومما تتمتع به أمها خديجة من صفات زكية وسجايا حميدة .
وما كادت الزهراء تبلغ سن الخامسة من عمرها حتى بدأ التحول الكبير في حياة أبيها
بنزول الوحي عليه وأحست من الوهلة الأولى بأعباء الدعوة
وشاهدت والدتها تقف إلى جانب أبيها وتشاركه في كل ما يواجهه من أحداث عظام وخطوب جسام .
وشاهدت العديد من مكائد الكفار لأبيها صلى الله عليه وسلم
فتمنت لو استطاعت أن تفديه بحياتها وتمنعه من أذى المشركين ولكن أنى لها ذلك وهي في عمرها الصغير .
*******
كان من أشد ما قاسته من آلام في بداية الدعوة ذلك الحصار الشديد
الذي حوصر فيه المسلمون مع بني هاشم في شعب أبي طالب حتى أثر الحصار والجوع على صحتها
وما كادت تخرج من محنة الحصار المهلك حتى فوجئت بوفاة أمها خديجة فامتلأت نفسها حزنا وألما وأسى .
*******
وفي السنة الثانية من الهجرة تزوج علي بن أبي طالب فاطمة وبنى بها
وذلك عقب غزوة بدر الكبرى واحتفل بنو عبدالمطلب والصحابة الكرام بهذا الحدث السعيد
ونحر حمزة بن عبدالمطلب بعض إبله واطعم الناس
وانتقلت الزهراء إلى بيت الزوجية الذي كان في غاية البساطة والتواضع .
*******
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب ابنته فاطمة ويكرمها ويسرُّ إليها
وغضب لها النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه إن أبا الحسن همّ بما رآه سائغا
من خطبة بنت أبي جهل فقال ( والله لا تجتمع بنت نبي الله وبنت عدو الله ,
وإنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها )
فترك علي الخطبة رعاية لها فما تزوج عليها ولا تسرّى فلما توفيت تزوج وتسرّى .
*******
ولم يمض عام على الزواج المبارك حتى أقر الله عين علي وفاطمة
فوضعت الحفيد الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي
في السنة الثالثة من الهجرة ففرح النبي فرحا كبيرا وحنكه بنفسه وسماه الحسن
وأماط الأذى عن رأسه وتصدق على الفقراء بزنة شعره فضة
فلما بلغ الحسن من العمر عاما ولد بعده الحسين في شهر شعبان سنة أربع من الهجرة .
وتتابع الثمر المبارك فولدت الزهراء في العام الخامس للهجرة طفلة
اسماها جدها صلى الله عليه وسلم زينب وبعد عامين وضعت طفلة أخرى هي أم كلثوم .
*******
ومن منزلة فاطمة العالية عند الرسول انه كان إذا قدم من سفر
بدأ بالمسجد فصلى ركعتين ثم يأتي فاطمة ثم يأتي أزواجه .
تقول عائشة ( ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله من فاطمة
وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها وكذلك كانت هي تصنع به ) .
ولقد كان لفاطمة الزهراء مواقف وضيئة في الجهاد
فقد أثْرَتِ التاريخ بما قدمته من فضائل فواحة بالأريج في مختلف المجالات المباركة
ففي غزوة أحد أصيب النبي في بدنه ووجهه وتدفق الدم منه فكانت
فاطمة تغسل الدم وعلي يسكب الماء عليه بالمجن فلما رأت أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة
أخذت قطعة حصير أحرقتها حتى إذا صارت رمادا ألصقتها بالجرح
فاستمسك الدم وتابعت حياة الجهاد في أماكن أخرى
فشاركت في غزوة الخندق وفي خيبر وقسم لها الرسول صلى الله عليه وسلم
في هذه الغزوة خمسة وثلاثين وسقما من قمح خيبر .
وشهدت غزوة الفتح وكان لها موقف مشرق مشرف
حيث رفضت أن تجير أبا سفيان بن حرب عندما طلب
أن تشفع له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال لها هل لك أن تجيري بين الناس ؟
فقالت إنما أنا امرأة وأبت عليه
فقال لها مري ابنك الحسن فقالت مابلغ أن يجير
ودخل عليه الصلاة والسلام والمسلمون مكة
ولما اغتسل كانت فاطمة تستره بثوبه ثم صلى ثماني ركعات .
ولقد احتملت فاطمة حياة الفقر وكابدت من ذلك الشيء الكثير
ولكنها كانت مثالا للفتاة الصابرة المرابطة .
*******
ولما حج النبي حجة الوداع وأرسى قواعد الإسلام وأكمل الله الدين
مرض الرسول وما إن سمعت فاطمة بذلك حتى هرعت لتوها لتطمئن إليه
وهو عند أم المؤمنين عائشة فلما رآها هش للقائها قائلا مرحبا يا بنيتي
ثم قبلها وأجلسها على يمينه أو عن شماله ثم سارّها فبكت بكاء شديدا
فلما رأى جزعها سارّها الثانية فضحكت فقالت لها عائشة
خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين سائر نسائه بالسِرَار ثم أنت تبكين ؟
فلما قام الرسول صلى الله عليه وسلم سألتها ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت ما كنت لأفشي على رسول الله سره .
فلما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم قالت عائشة
عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما حدثني ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت أما الآن فنعم أما حين سار في المرة الأولى فاخبرني أن جبريل
كان يعارضه القرآن كل سنة مرة وأنه عارضه الآن مرتين
وإني لا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري فانه نعم السلف أنا لك
قالت فبكيت بكائي الذي رأيت فلما رأى جزعي سارني الثاني
فقال يافاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة ؟
وإنك أول أهلي لحوقا بي فضحكت
*******
واشتد الوجع على رسول الله فأقامت إلى جانب أبيها تسهر عليه وتخدمه
فلما رأته قد أثقل وجعل يتغشاه الكرب خنقتها العبرة وقالت بصوت يفيض حزنا ولوعة :
واكرب أبتاه فقال لها ( ليس على أبيك كرب بعد اليوم ) فلما مات جعلت تقول :
يا أبتاه أجاب ربا دعاه
يا أبتاه جنة الفردوس مثواه
يا أبتاه إلى جبريل ننعاه
فلما دفن الرسول قالت يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب ؟
*******
ولم تمض على وفاة الرسول ستة أشهر أو قريبا منها حتى مرضت فاطمة
وانتقلت إلى جوار ربها ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان
سنة إحدى عشرة وهي بنت أربع وعشرين سنة على الأصح .
رحم الله الزهراء ريحانة سيد ولد آدم وزوج سيد الفرسان ورضي الله عنها وأرضاها ..
الروابط المفضلة