يمنحنا الله عز وجل مواسم الطاعات ليشحن المسلم طاقته الإيمانية وعبوديته لربه فيقبل مرة أخرى على الطاعة
بعدما أصيب البعض منا بالفتور الذي يقتل الروح والقلب الذاكر المحب للطاعة
فيستفيق القلب من غفلته وتسمو النفس على أهوائها وتنشط الجوارح لتستعيد عملها من جديد
تأتي العشر من ذي الحجة لتذكرنا بالآخرة وتعيد لنا إقبالنا الجميل على الله واستثمارها في الأعمال الصالحة
التي حثنا عليها رسول الله في تلك الأيام
وهاهي الأيام المباركات تطل علينا من جديدبرائحة عبيرها الفواح تملأ الكون والأرض والسماء
هي أفضل أيام الله سبحانه وتعالىوهي أيام خير وبركة وهداية وإقبال على الله عز وجل
وهي أيام غفران وعفو ورحمة من الله سبحانه وتعالى
إنّها أفضل أيّام الله ..
حتى قال العلماء أنّها أفضل من العشر الأواخر من رمضان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما من أيّام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام»،يعني أيّام العشر،
قالوا: يارسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ !
قال: «ولا الجهاد في سبيل الله ,إلاّ رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشىء ».
الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة أيامٌ معظمة أقسم الله بها في كتابه والإقسام بالشيء دليل على أهميته وعظم نفعهوهذه العشر تنتهي بأفضل يوم خلقه الله على الإطلاق ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله :
" أفضل الأيام وأحبها إلى الله يوم النحر ثم يوم القر "
ويوم النحر : هو العاشروالقر : الاستقرار بمنى
فيوم الأضحى أفضل أيام السنة ولا يوم من أيام السنة يعدله
قال تعالى : ( والفجر وليال عشر )
وقد أجمع العلماء كما قال الشيخ بن باز على أن
العشر الأواخر من رمضان أفضل من جهة الليللأن فيها ليلة القدر
فكذلك العشر الأول من ذي الحجة أفضل من جهة النهار؛ لأن فيها يوم عرفة ، ويوم النحر
وهما أفضل أيام الدنيا
والنبي صلى الله عليه وسلم إنما حث فيها على العمل الصالح لفضلها وعظيم نفعها ، و لشرف زمانها ومكانها كذلك
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "أفضل الأيام وأحبها إلى الله يوم النحر ثم يوم القر"
ويوم النحر: هو العاشر، والقر: الاستقرار بمنى .
وكان سعيدُ بن جبير- رحمه الله – ((إذا دخلت العشرُ اجتهدَ اجتهاداً حتى ما يكاد يُقدر عليه))
والعمل في هذه الأيام محبوبٌ إلى الله سبحانه وتعالى
فالإكثار من الأعمال الصالحة عموماً واجب على كل مسلم
لأن العمل الصالح محبب إلى لله تعالى في كل زمان ومكان
ويتأكد في هذه الأيام المباركة كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم : (( ما مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ..)) .
وهذا يعني فضل العمل فيها، وعظيم ثوابه، فعلى المسلم أن يعمر وقته في هذه العشر بالإكثار من الطاعات
كقراءة القرآنوالذكروالدعاء والصدقةوبر الوالدين وصلة الأرحام
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وغير ذلك من طرق الخير وسبلالطاعة.
ولتلك الايام المعلومات عبادات مخصوصة علينا الالتزام بها واغتنامها لنيل عظيم اجرها
التسبيح والتهليل و التكبير والتحميد
من العبادات اليسيرة جدا والتي لا تشترط تفرغ تام لها بل يرددها المرء في جميع حالاته
وهذه العبادة من السنن المهجورة التي ينبغي إحياؤها في هذه الأيام
ولا يكون جماعيا كونه بدعة , والتكبير المشروع أن يكبر كل مسلم لنفسه منفردا ويرفع صوته به حتى يسمعه الناس
فيقتدوا به ويذكرهم به , قال تعالى : " ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات "
وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأول من ذي الحجة بتلك الطاعة
كما قال صلى الله عليه وسلم : "فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير "
واللسان الحريص على ذكر الله في هذه الأيام لن ينساها فيمن سواها
فحضور القلب فيها والحرص عليها طيلة عشرة أيام تحدث نوعا من العادة المحمودة
التي بدورها تتحول إلى عبادة دائمة باللسان والقلب معا
ويسن إظهار التكبير المطلق من أول يوم من أيام ذي الحجة في المساجد والمنازل والطرقات والأسواق وغيرها
يجهر به الرجال ، وتسر به النساء ، إعلاناً بتعظيم الله تعالى وشعائره
وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة ( أي من غروب شمس آخر يوم من شهر ذي القعدة ) إلى آخر يوم من أيام التشريق ( وذلك بغروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة )
التكبير المطلق : وهو الذي لا يتقيد بشيء ، فيُسن دائماً ، في الصباح والمساء ، قبل الصلاة وبعد الصلاة ، وفي كل وقت .
وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما
أما التكبير المقيد كما قال بن باز رحمه الله
فإنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق - بالإضافة إلى التكبير المطلق –
فإذا سَلَّم من الفريضة واستغفر ثلاثاً وقال : " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " بدأ بالتكبير .
أما صفة التكبير
فقد اختلف العلماء على صفة محددة والأمر فيه سعة
لعدم وجود نص عن النبي صلى الله عليه وسلم يحدد صيغة معينة
" الله أكبر الله أكبر الله أكبر , لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد "
التوبة إلى الله تعالى
إن الله سبحانه وتعالى رحيميحب أن يجعل لعباده فرص التوبة ويحب أن يرى عباده يتقربون إليه بالطاعات
لذلك جعل الله لنا اثناءالعام أيام خير وبركة يضاعف الله لنا فيها الثواب
ترغيبا لنا في العمل فيها والفوز باجرها وفضلها العظيم
ولا يخلو واحد من البشر من الخطأ والذنب ، وخير هؤلاء هو من يسارع إلى التوبة
فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كلُّ ابن آدم خطَّاء وخير الخطائين التوابون " رواه الترمذي
وقال الله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى/25
فعلينا استقبال هذه الأيام بأن نبرأ إلى الله تعالى من كل معصية كنا نعملها، والإقلاع عن كل ما نهى تعالى عنه
فإن الذنوب تحرم الإنسان فضل ربه، وتحجب القلب عن معرفة الله.
ومما يتأكد في هذه العشر التوبة إلى الله تعالى والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب
ويجب علينا ايضا تجديد النية باغتنام هذه الأيام بما يرضي الله
فيستقبل المسلم مواسم الخير عامة بالعزم الأكيد على اغتنامها بما يرضي الله تعالى
فلنحرص على اغتنام هذه الفرصة السانحة، قبل أن تفوت فلا ينفع الندم حينئذ.
والتوبة تتكون من اربعة مراحل :
- الأولى الإقلاع عن الذنب
- الثانية : الندم عليه
- الثالثة : هي العزم على عدم العودة لهذا الذنب
- الرابعة: إرجاع الحقوق إلى أهلها إن كانت معصيته تتعلق بحقوق البشر
والتوبة في هذه الأوقات هي أمر عظيم , لأن الله سبحانه وتعالى ييسر هذه المواسم ليتوب التائبون ويقبلوا على الله سبحانه وتعالىفما أعظمه من إله
قال تعالى :{ فّأّمَّا مّن تّابّ وّآمّنّ وّعّمٌلّ صّالٌحْا فّعّسّى" أّن يّكٍونّ مٌنّ الًمٍفًلٌحٌينّ } القصص : 67
وقال تعالى :{ قٍلً يّا عٌبّادٌيّ الَّذٌينّ أّسًرّفٍوا عّلّى" أّنفٍسٌهٌمً لا تّقًنّطٍوا مٌن رَّحًمّةٌ اللَّهٌ إنَّ اللَّهّ يّغًفٌرٍ الذٍَنٍوبّ جّمٌيعْا إنَّهٍ هٍوّ الًغّفٍورٍ الرَّحٌيمٍ }الزمر : 53
الصيام
بعد انقضاء شهر رمضان وما تبعه بصيام ست من شوال للفوز بأجر صيام الدهر
كما روى مسلم في حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر .
وتتابع الصيام في الأيام البيض من كل شهر وكذا صيام نافلة الاثنين والخميس
تأتي العشر من ذي الحجة لتعيد للمسلم الجو الايماني والروحاني الرائع
وقد حرص رسول الله على صيام هذه الأيام التسع ففي سنن أبي داود والنسائي وغيرهما
عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ، ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر ".
وكان عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – يصومها ، وكذلك مجاهد وغيرهما من العلماء
وأكثر العلماء على القولبصيامها . ولذا قال النووي رحمه الله: صيامها مستحبٌ استحباباً شديداً أهـ.
صيام يوم عرفة
خير يوم طلعت فيه الشمس , تتجلى فيه قدرة الخالق وعظمته
ومدى خضوع العبد الذي تاق قلبه للقاء ربه والذهاب إلى بيته الحرام
ليغسل ذنوبه وهمومه التي أثقلت كاهله سنين طوال ,
أما من ن لم يكتب له الله الحج فينال الأجر العظيم بصيام هذا اليوم الفضيل
فالكل يسعى إلى الله طامعين في مرضاته متذللين بين يدي رحمته
روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده "
قال ابنُ عبدُ البر : وهذا يدلُ على أنهم مغفورٌ لهم لأنه لا يباهي بأهل الخطايا إلا بعد التوبة والغفران والله أعلم أهـ .
وفي الحديث الذي رواه أحمدُ وابنُ خزيمة بسند صحيح صححه الألباني عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ((إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء ، فيقول لهم : انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبراً)) .
فهذه الأحاديث تدلُ على فضل يوم عرفة وأنه من الأيام الفاضلة التي تجاب فيها الدعوات ، وتقال العثرات
فعلى المسلمأن يحرصَ على العمل الصالح لا سيما في هذا اليوم العظيم من ذكرٍ ودعاءٍ
وقراءةٍ وصلاةٍ وصدقةٍ لعله أن يحظى من اللهتعالى بالمغفرة والعتق من النار
فقد ذكر ابنُ رجب - رحمه الله – في اللطائف : أن العتقَ من النار عام لجميعالمسلمين .
ويوم عرفة أفضل من يوم عاشوراء في الأجر وقد سئل ابن الجوزي عن سبب ذلك
فقال: يوم عرفة يوم محمدي ويوم عاشوراء يوم موسوي
ولما كان محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل من موسى ففضل عرفة على عاشوراء.
الدعاء يوم عرفة
وللدعاء يوم عرفة مزية على غيره
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفة ، وخيرُ ما قلت أناوالنبيون من قبلي
لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )) .
قال ابنُ عبد البر : وفيه من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره ، وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره
وفي الحديث أيضاً دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب ، وفيه أيضاً أن (( أفضل الذكر لا إله إلا الله ..)) أهـ.
فليحرص المسلم المقيم على الدعاء عامة وفي العشر خاصة
وفي هذا اليوم العظيم اكثر اغتناماً لفضله ورجاء للإجابة والقبول، وليدع لنفسه ووالديهوأهله وللإسلام والمسلمين
وإذا صام هذا اليوم ودعا عند الإفطار فما أقرب الإجابة ، وما أحرى القبول ! فإن دعاء الصائممستجاب
وعلى المسلم أن يكثرَ من شهادة التوحيد بإخلاص وصدق ، فإنها أصل دين الإسلام الذي اختاره الله لهذه
الأمة وأكمله في هذا اليوم العظيم .
ذبح الأضحية
من الأعمال الصالحة في هذا العشر التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي والتبرع بثلثها للفقراء والمساكين مشاركة منا لآلامهم ورغبة منا في إسعادهم.
والصدقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم تطفئ غضب الرب
وتشرع الاضحية في يوم النحر وأيام التشريق
وهي مشروعة بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع أهل العلم، فقد قال الله تعالى : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]
وقد شرعت لحكم عظيمة، منها التأسي بخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، والفرح بالعيد، والتوسعة على الناس فيه، ومشابهة الحجيج في بعض مناسكهم , والصحيح أنها سنة مؤكدة
وقد ثبت عن أنس رضى الله عنه قال :( ضحى النبى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما) متفق عليه.
وللأضحية أربع شروط
الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم.
الثاني : أن تخلو من العيوب التي وردت في حديث البراء بن عازب حيث قال: " قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ضَلْعُهَا، وَالْكَبِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي» رواه أحمد.
والعمياء والكسيرة أولى بعدم الإجزاء من العوراء والعرجاء، والعَرَج المانع ما أخَّرها عن قطيعها، وما دون هذه العيوب فلا يمنع من الأضحية بها .
الثالث : بلوغ السن المعتبرة شرعاً، خمس سنوات للإبل، وسنتان للبقر، وسنة للماعز، وستة أشهر للضأن.
الرابع : أن تكون في الوقت المحدد، من بعد الصلاة، ويستمر إلى اليوم الثالث عشر.
ومن أراد أن يضحي فلا يأخذ شيئاً من شعره ولا بشره ولا ظفره من أول ذي الحجة إلى أن يضحي.
فهذه جملة من أهم الأعمال الصالحة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها وليس كل ما يجب عمله
ويبقى باب العمل الصالح أوسع مما ذُكِر، فأبواب الخير كثيرة لا تنحصر
ومفهوم العمل الصالح واسع شامل يتسع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة
فينبغي لمن وفقه الله، أن يعرف لهذه الأيام فضلها، ويقدر لها قدرها
فيحرص على الاجتهاد فيهاويحاول أن يقلل فيها ما أمكن من أشغال الدنيا
فإنما هي ساعات ولحظات ماأسرع انقضاءها وتصرمها، والسعيد من وفق فيها لصالح القول والعمل
الروابط المفضلة