بسم الله الرحمن الرحيم
خواطر قرآنية للداعية الأستاذ / عمرو خالد
إنَّ عُمق القرآن الكريم لا حدود له ،لذا فإن نَبعَه العذب يظل يتجدد إلى يوم القيامة ...لينهل كُلٌّ منَّا منه على قدر عقله ،أو اجتهاده،أو على قدر ما يفتح الله تعالى عليه...فهو آخر معجزات الأنبياء،لذا فهو صالح لكل زمان ومكان.
والسطور التالية ليست تفسيراً للقرآن ،و إنَّما هي محاولة لأن تكون مصباحاً ينير لك الطريق بين مسالك القرآن وأنت تقرؤه ،فتساعدك على فهمه ،وتذوُّق الجمال والعَظَمة فيه...لأنها توضِّح الهدف العام من كل سورة ،والعلاقة بين هذا الهدف وسبب تسميتها ...فتجد نفسك تقرأه على بيِّنة ..وتشعر كأنك تقرؤه لأول مرة، لأنك ستقرؤه هذه المرة باستمتاع !!!
وبهذا يتحقق الهدف العام من القرآن و هو "الهُدى" كما جاء في أول سورة البقرة!!!!!
لذا أوصي نفسي ،وإيَّاك بقراءة الهدف من كل سورة قبل أن تبدأ في قراءتها بالمصحف،لننهل جميعاً من هذا المنهل العذب، فنرتوي في الدنيا ونَفْلَحُ في الدَّارَين .
و جدير بالذكر أن هذه الخواطر المكتوبة لا تُغني عن الاستماع للدروس الأصلية المتاحة على الرابط التالي:
www.amrkhaled.com
كما تجدر الإشارة إلى أن السطور التالية هي ما فهمتُه مِمَّا سمعته من هذه الخواطر المباركة ،جزى الله مُعِدُّها،ومقدِّمها : "الأستاذ عمرو خالد" عنَّا خير الجزاء...فما جاء بها من صواب فبفضل الله ، ثم اجتهاد الأستاذ عمرو ،وعِلمُه ...وما جاء بها من خطأ فلعله من جهلي أو غفلتي ، فأرجو أن تلتمسوا لي العُذر، و أن تُقيلوا عَثرتي إن استطعتم ...وجزاكم الله خيراً كثيراً .
***
1- الفاتحة:
سُمِّيَت بالفاتحة لأن كتاب الله مُفتَتَح بها،كما أنها تعتبر مفتاح القرآن،لأنها تحتوي على الأهداف الرئيسة التي يهدف إليها القرآن أو المحاور الرئيسة به،وهي:
العقيدة
العبادة
منهج الحياة
وللفاتحة عند الله شأنٌ عظيم، فقد قال الله تعالى:" ولقد آتَيناكَ سبْعاً من المثاني والقرآن العظيم"،فنراه يذكرها بمفردها ،ثم يذكر القرآن كله بمفرده... أي أن الفاتحة شيء عظيم بمفرده،ولها قدرها الكبير كما أن القرآن شيء عظيم وله قدره الكبير !!
والقرآن الكريم وحدة كاملة متكاملة من الأفكار المترابطة،أي أن كل سورة مرتبطة بما قبلها وما بعدها ...إلا الفاتحة، فهي الوحيدة التي يمكن أن تأخذ مكانها بين أي سورة وأخرى،فتكون حلقة وصل، دون أن يختل هذا الترابط لأنها –كما ذكرنا – تحتوي على كل ما يحتويه القرآن من الأفكار.
ومن الفاتحة نتعلم:
1- أهمية أن نحمد الله تعالى على نِعَمِهِ،فالإنسان من كثرة ما يألَف النعم ينسى المُنعِم، أوقد ينسيه الشيطان ،وهنا تذكرة له.
2- أن أساس علاقة الله بالإنسان ، أنه رحمن ورحيم ،فإن استقام وأطاعه فهو من الفائزين ، وإن لم يستقِم...فإن الله" مالك يوم الدين" يحاسبه حساباً شديداً.
3-إخلاص العبودية لله تعالى ،حيث نلاحظ أن كلمة" إيَّاكَ" جاءت قبل "نعبد" ولم يقُل مثلاً:" نعبدك"
4- أن العبودية لله وطاعته والاستقامة على أمره لن تتم إلا بمعونة الله تعالى ،حيث قرن العبودية بالاستعانة به تعالى .
5-أن الهداية نعمة من الله تعالى ويجب أن نشكره عليها ، فكم من الضالين حولنا والعياذ بالله.
6- أن المؤمن لو استقام على منهج الله(وهو الصراط المستقيم في الدنيا)فإنه سيجوز الصراط في الآخرة كالبرق،إلى الجنة...والعكس صحيح.
7-أهمية الصحبة الصالحة(الذين أنعمتَ عليهم)،و تذكِّرنا بمن سبقونا من الصالحين من الأنبياء والتابعين وغيرهم من الصالحين
8-أن أعداء الإسلام الأساسيين هم: المغضوب عليهم، والضالين.
9- وحدة الأُمة،حيث نلاحظ أن الخطاب في الفاتحة بصيغة الجمع"إهدنا الصراط المستقيم،إياك نعبد،وإياكَ نستعين" فعلى المسلم وهو يتلوها فسي الصلاة أن يتذكر أنه فرد من أفراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم،وأن عليه واجبات تجاه هذه الأمة كَكُل.
ويُلاحَظ أن الفاتحة تخلو من أحكام التجويد الصعبة كالإدغام والغُنَّة وكثرة المُدود ،لتكون سهلة القراءة بالنسبة لكل مسلم مهما كانت درجة تعليمه،ومهما كانت لغته التي يتحدثها.
فتذكر هذه المعاني و،ات تصلي بالفاتحة ،فنحن نقرأها 17 مرة على الأقل كل يوم،فلنقرأها كل مرة بإحساس جديد،لعل الله يفتح علينا فيلهمنا من أسرارها.
*******
سورة البقرة:
هي أول سورة نزلت في المدينة بعد الهجرة أي مع بداية تأسيس الرسول صلى الله عليه وسلم للدولة الإسلامية .
فضل سورة البقرة:قال صلى الله عليه وسلم:" يُؤتَى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعمَلونَ به في الدنيا تَقْدُمُهُ سورة البقرة وآل عِمران تُحاجَّان عن صاحبهما (وفي رواية: كأنَّهُما غَمامتان أو ظُلَّتان )" رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم:" البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان"رواه البخاري
هدف السورة :
هو الاستخلاف في الأرض.
فهي تكلم الأمة تقول لهم: أنتم مسؤولون عن الأرض،ولأنك يا مؤمن مسؤول عن الأرض فيجب أن تنفِّذ ما جاء بها من تعليمات ليتحقق مراد الله منك.
،وهذا يعني أن تعيش على الأرض كما تشاء ولكن بتعليمات الله حتى تُذَلَّل لك هذه الأرض.
مكوِّنات السورة:
إن سورة البقرة مقسمة إلى :
مقدمة
قسمين
خاتمة
المقدمة:يرد فيه نماذج من الناس كانوا يعيشون قبلنا وكانوا مسؤلون عن الأرض مثلنا، منهم من نجح،ومنهم مَن فشل.
فالربع الأول من السورة عبارة عن مقدمة،والثاني يتحدث عن آدم،والثالث حتى السابع عن بني إسرائيل،والثامن نموذج ناجح للاستخلاف وهو إبراهيم عليه السلام.
فنرى في الربع الأول أصناف الناس :
المتقين(في الآيات 1-5)
الكافرين(في الآيات6-7)
المنافقين(في الآيات 8-20)
ونرى في الربع الثاني: تجربة آدم , وهي الاستخلاف
ونجد آية محورية وهي:" وعلَّمَ آدم الأسماءَ كُلَّها " أي علَّمه تكنولوجيا لحياة،أي كيف يكون مسؤولاً عن الأرض ،وقد جاءت بعد" إنِّي جاعِلٌ في الأرضِ خَليفة" أنه بدون علم وتكنولوجي مع العبادة الن تستطيع أن تقود الأرض ،فالعبادة بدون علم لا تصلح،والعلم بدون عبادة لا يصلح !!!
بينما في الربع الثالث نرى تجربة بني إسرائيل: كأن أول آية في قصتهم " أنِّي فضَّلتُكُم على العالَمين"مع أن أول آية في قصة آدم" إنِّي جاعِلٌ في الأرضِ خليفة"أي أنتم يا بني آدم مسؤولون عن الأرض، وأنتم يا بني إسرائيل أنعمت عليكم بنعم كثيرة،ونرى هذه النعم في آياتٍ متتالية: وهي الآيات أرقام: 57،52،50،49 .
وهذا يعني : لماذا لا تشكروني وتعبِّدوا الأرض لي رغم كل هذه النِّعَم التي أنعمتُ عليكم بها؟
وتقول الآية(60-61) يا أُمَّة محمد: إعتبروا مِمَّا حدث مع موسى ، والأخطاء الشديدة لبني إسرائيل التي جاءت في قصة البقرة،فهم أُناس ماديون لا يعترفون إلا بالماديات الملموسة،لذلك أوضح الله تعالى لهم أنه يستطيع إحياء النوتي بالمَوتى.
وفي هذه القصة تتضح بعض صفاتهم و هي:
الجدل الشديد
العند الشديد
عدم تنفيذ أوامر الله تعالى
والتحايل على شَرع الله
ولد سُمِّيَت هذه السورة بسورة البقرة لتقول لأمة محمد صلى الله عليه وسلم:يا أمة محمد أنتم مسؤولون عن الأرض فإيَّاكُم والوقوع في مثل هذه الأخطاء التي وقع فيها مَن قبلكم ،فيستبدلكم
ثم تأتي الآية رقم 104 "يا أيها الذين آمنوا " هذه أول مرة يُذكر فيها المؤمنين،أي أنه أول نداء للمؤمنين،وهنا يحدث المسلمين فيقول لهم:" تميَّزوا عنهم لا ترددوا مصطلحاتهم ،قولوا" انظُرنا "،ولا تقولوا "راعِِنا"
وفي أول الربع الثامن تأتي آخر تجربة في الخلافة وهي تجربة إبراهيم عليه السلام
،لاحظوا:
كانت تجربة آدم تمهيدية
ثم جاءت تجربة بني إسرائيل الفاشلة
ثم تجربة إبراهيم وهي تجربة ناجحة وكأن تجربة إبراهيم تقول لنا:" يريدكم الله تعالى مسؤولون عن الأرض ولكن بشكل متميز عن الكفار،وحين أختبركم يجب أن تكونا على قَدر المسؤولية،كما أ، الاستخلاف في الأرض ليس فيه محاباه،وإنما هو للطائعين فقط،فحينما طلب إبراهيم الخلافة لذريته،قال له الله تعالى " لا ينالُ عهدي الظالمين"
وتأتي الآية:" قولوا آمَنَّا بالله وما أُنزل إلى إبراهيم و...." وهي توضِّح مَن هم "الذين أنعمتَ عليهم" التي وردت في الفاتحة!!!!!
لاحظوا أيضاً:
بدايات القصص الثلاث:
قصة آدم"إنِّي جاعل ٌفي الأرض خَليفة" فقد خُلق آدم للخلافة وليس للبقاء في الجنة.
بداية قصة بني إسرائيل:" اذكُروا نعمتي التي أنعمتُ عليكم" رغم كل النعم فقد قابلوها بالجحود والكفر
بداية قصة إبراهيم:" إنِّي جاعلُكَ للناسِ إماماً" لأنه يستحق ذلك لأنه نجح في الاختبار.
ولاحظوا أن الاختبار للثلاثة كان في طاعة الله تعالى : الشجرة، وأوامر بني إسرائيل،وذبح إسماعيل.
ثم يقول الله تعالى : يا مَن رأيتم هذه التجارب تعلموا منها ثم تعالوا نعطيكم أوامر ونواهي للأمة المسؤولة عن خلافة الأرض.فنجد في الربع الأول من الجزء الثاني: غيِّروا القِبلة(وهو اختبار عملي في الطاعة)،والدليل:" وما جعَلنا القِبلة التي كُنتَ عليها إلا لِنعلمَ مَن يتَّبعُ الرسولَ مِمَّن ينقلبُ على عَقِبَيه"!!!!
وهدف آخر هو أن تتميز هذه الأُمة حتى في قِبلتها.
وهنا يجب أن نتوقف: يا شباب الأُمَّة إيَّاكُم أن تُقَلِّدوا الكفار في تصرفاتهم وعاداتهم تقليداً أعمى فأنتم من أمة ميَّزها الله وجدير بكم أن تفخروا بانتمائكم لهذه الأُمة!!!!
هل تريدون الدليل على تميُّزكم؟!!! يقول الله تعالى :"وكذلِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطاً لتكونوا شُهداء على النَّاس ويكونَ الرسول ُعلَيكُم شهيداً" فأنتم ستشهدون على الخلائق يوم القيامة فكيف لا تكونوا متميزين وتتمسكوا بهذا التميُّز؟؟؟!!!
ثم تأتي أول آية في الربع الثاني:" إ،َّ الصَفا والمَروة من شعائِر الله" لماذا؟!!!
لأن المسلمين حين سمعوا آيات التميُّز قالوا:" لن نسعى بين الصفا والمروة بعد الآن لنختلف عن الكفار الذين كانوا يسعون بينهما وعليهما الصنمين: إساف، ونائلة!!! فقال لهم الله تعالى : " عودوا إلى هذه الشعيرة بعد تحطيم الأصنام، ولا بأس من السعي ،فهو تذكرة للأجيال القادمة بهاجَر وإسماعيل ومعجزتهما "
وهنا نلاحظ التوازن ، فالمؤمن متميز ولكنه متوازن، فلا يخالف الكفار في كل شيء وإنما يتَّبع تعليمات ربه في ذلك.
بعد ذلك نقرأ الآية:" ليسَ البِرَّ أن تُوّلُّوا وجوهَكُم قِبَلَ المَشرق والمغرب .." هذه الآية تشمل الإسلام كله: عقيدة وأخلاق وعبادات...فيعد التميز يا أمة محمد أطيعوني،فليست القضية هي تغيير اتجاه القِبلة ولكن المهم هو التقوى والإصلاح الشامل لحياتكم.
ثم تبدأ الآيات في سَرد الأوامر والنواهي المطلوبة لتشرح معالم هذا الإصلاح الشامل:
1- التشريع الجنائي (الآية179)
2-التَرِكات والوصية(الآية 180)
3-التشريع التَعَبُّدي(الآية 183)
4- الجهاد (للمحافظة على المنهج وحمايته)
5-الإنفاق.
6-الحج(وهو أول تدريب على الجهاد لأن طبيعة الحج هو الاستسلام الكامل للأوامر والنواهي وتحمُّل كل الظروف،والصبر على الطاعة)...كم نلاحظ أن الحج هو استجابة الله تعالى لدعوة إبراهيم عليه السلام"و أرِنا مناسِكَنا"..زكما نلاحظ أن سورة البقرة هي لوحيدة لاتي شملت كل أركان الإسلام الخمسة بتفاصيلها:التوحيد " يُؤمِنون بالغَيب "،والصلاة، والزكاة ،والصيام ،والحج"
7-بناء و تكوين الأُسرة
8-المنهج الاقتصادي
نلاحظ أيضاً أن كل تشريع من التشريعات الثمانية مختوم بكلمة التقوى!!!
أي أنك لن تنفذ هذه التعليمات إلا إذا كُنتَ تَقِيَّاً
فالإطار العام لتنفيذ المهج هو: الطاعة- التميُّز- التقوى
والعجيب أن كل آية من آيات سورة البقرة نجدها مختومة بإحدى هؤلاء الثلاث!!!!!!!!
يتبع
الروابط المفضلة