انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
الصفحة 1 من 4 1234 الأخيرالأخير
عرض النتائج 1 الى 10 من 31

الموضوع: خواطر قرآنية للداعية الأستاذ عمرو خالد(كل الحلقات)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2003
    الموقع
    مصر
    الردود
    1,528
    الجنس
    امرأة

    Smile خواطر قرآنية للداعية الأستاذ عمرو خالد(كل الحلقات)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    خواطر قرآنية للداعية الأستاذ / عمرو خالد

    إنَّ عُمق القرآن الكريم لا حدود له ،لذا فإن نَبعَه العذب يظل يتجدد إلى يوم القيامة ...لينهل كُلٌّ منَّا منه على قدر عقله ،أو اجتهاده،أو على قدر ما يفتح الله تعالى عليه...فهو آخر معجزات الأنبياء،لذا فهو صالح لكل زمان ومكان.
    والسطور التالية ليست تفسيراً للقرآن ،و إنَّما هي محاولة لأن تكون مصباحاً ينير لك الطريق بين مسالك القرآن وأنت تقرؤه ،فتساعدك على فهمه ،وتذوُّق الجمال والعَظَمة فيه...لأنها توضِّح الهدف العام من كل سورة ،والعلاقة بين هذا الهدف وسبب تسميتها ...فتجد نفسك تقرأه على بيِّنة ..وتشعر كأنك تقرؤه لأول مرة، لأنك ستقرؤه هذه المرة باستمتاع !!!
    وبهذا يتحقق الهدف العام من القرآن و هو "الهُدى" كما جاء في أول سورة البقرة!!!!!
    لذا أوصي نفسي ،وإيَّاك بقراءة الهدف من كل سورة قبل أن تبدأ في قراءتها بالمصحف،لننهل جميعاً من هذا المنهل العذب، فنرتوي في الدنيا ونَفْلَحُ في الدَّارَين .
    و جدير بالذكر أن هذه الخواطر المكتوبة لا تُغني عن الاستماع للدروس الأصلية المتاحة على الرابط التالي:
    www.amrkhaled.com

    كما تجدر الإشارة إلى أن السطور التالية هي ما فهمتُه مِمَّا سمعته من هذه الخواطر المباركة ،جزى الله مُعِدُّها،ومقدِّمها : "الأستاذ عمرو خالد" عنَّا خير الجزاء...فما جاء بها من صواب فبفضل الله ، ثم اجتهاد الأستاذ عمرو ،وعِلمُه ...وما جاء بها من خطأ فلعله من جهلي أو غفلتي ، فأرجو أن تلتمسوا لي العُذر، و أن تُقيلوا عَثرتي إن استطعتم ...وجزاكم الله خيراً كثيراً .
    ***
    1- الفاتحة:
    سُمِّيَت بالفاتحة لأن كتاب الله مُفتَتَح بها،كما أنها تعتبر مفتاح القرآن،لأنها تحتوي على الأهداف الرئيسة التي يهدف إليها القرآن أو المحاور الرئيسة به،وهي:
    العقيدة
    العبادة
    منهج الحياة
    وللفاتحة عند الله شأنٌ عظيم، فقد قال الله تعالى:" ولقد آتَيناكَ سبْعاً من المثاني والقرآن العظيم"،فنراه يذكرها بمفردها ،ثم يذكر القرآن كله بمفرده... أي أن الفاتحة شيء عظيم بمفرده،ولها قدرها الكبير كما أن القرآن شيء عظيم وله قدره الكبير !!
    والقرآن الكريم وحدة كاملة متكاملة من الأفكار المترابطة،أي أن كل سورة مرتبطة بما قبلها وما بعدها ...إلا الفاتحة، فهي الوحيدة التي يمكن أن تأخذ مكانها بين أي سورة وأخرى،فتكون حلقة وصل، دون أن يختل هذا الترابط لأنها –كما ذكرنا – تحتوي على كل ما يحتويه القرآن من الأفكار.
    ومن الفاتحة نتعلم:
    1- أهمية أن نحمد الله تعالى على نِعَمِهِ،فالإنسان من كثرة ما يألَف النعم ينسى المُنعِم، أوقد ينسيه الشيطان ،وهنا تذكرة له.
    2- أن أساس علاقة الله بالإنسان ، أنه رحمن ورحيم ،فإن استقام وأطاعه فهو من الفائزين ، وإن لم يستقِم...فإن الله" مالك يوم الدين" يحاسبه حساباً شديداً.
    3-إخلاص العبودية لله تعالى ،حيث نلاحظ أن كلمة" إيَّاكَ" جاءت قبل "نعبد" ولم يقُل مثلاً:" نعبدك"
    4- أن العبودية لله وطاعته والاستقامة على أمره لن تتم إلا بمعونة الله تعالى ،حيث قرن العبودية بالاستعانة به تعالى .
    5-أن الهداية نعمة من الله تعالى ويجب أن نشكره عليها ، فكم من الضالين حولنا والعياذ بالله.
    6- أن المؤمن لو استقام على منهج الله(وهو الصراط المستقيم في الدنيا)فإنه سيجوز الصراط في الآخرة كالبرق،إلى الجنة...والعكس صحيح.
    7-أهمية الصحبة الصالحة(الذين أنعمتَ عليهم)،و تذكِّرنا بمن سبقونا من الصالحين من الأنبياء والتابعين وغيرهم من الصالحين
    8-أن أعداء الإسلام الأساسيين هم: المغضوب عليهم، والضالين.
    9- وحدة الأُمة،حيث نلاحظ أن الخطاب في الفاتحة بصيغة الجمع"إهدنا الصراط المستقيم،إياك نعبد،وإياكَ نستعين" فعلى المسلم وهو يتلوها فسي الصلاة أن يتذكر أنه فرد من أفراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم،وأن عليه واجبات تجاه هذه الأمة كَكُل.
    ويُلاحَظ أن الفاتحة تخلو من أحكام التجويد الصعبة كالإدغام والغُنَّة وكثرة المُدود ،لتكون سهلة القراءة بالنسبة لكل مسلم مهما كانت درجة تعليمه،ومهما كانت لغته التي يتحدثها.
    فتذكر هذه المعاني و،ات تصلي بالفاتحة ،فنحن نقرأها 17 مرة على الأقل كل يوم،فلنقرأها كل مرة بإحساس جديد،لعل الله يفتح علينا فيلهمنا من أسرارها.
    *******
    سورة البقرة:
    هي أول سورة نزلت في المدينة بعد الهجرة أي مع بداية تأسيس الرسول صلى الله عليه وسلم للدولة الإسلامية .
    فضل سورة البقرة:قال صلى الله عليه وسلم:" يُؤتَى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعمَلونَ به في الدنيا تَقْدُمُهُ سورة البقرة وآل عِمران تُحاجَّان عن صاحبهما (وفي رواية: كأنَّهُما غَمامتان أو ظُلَّتان )" رواه مسلم
    وقال صلى الله عليه وسلم:" البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان"رواه البخاري
    هدف السورة :
    هو الاستخلاف في الأرض.
    فهي تكلم الأمة تقول لهم: أنتم مسؤولون عن الأرض،ولأنك يا مؤمن مسؤول عن الأرض فيجب أن تنفِّذ ما جاء بها من تعليمات ليتحقق مراد الله منك.
    ،وهذا يعني أن تعيش على الأرض كما تشاء ولكن بتعليمات الله حتى تُذَلَّل لك هذه الأرض.
    مكوِّنات السورة:
    إن سورة البقرة مقسمة إلى :
    مقدمة
    قسمين
    خاتمة
    المقدمة:يرد فيه نماذج من الناس كانوا يعيشون قبلنا وكانوا مسؤلون عن الأرض مثلنا، منهم من نجح،ومنهم مَن فشل.
    فالربع الأول من السورة عبارة عن مقدمة،والثاني يتحدث عن آدم،والثالث حتى السابع عن بني إسرائيل،والثامن نموذج ناجح للاستخلاف وهو إبراهيم عليه السلام.
    فنرى في الربع الأول أصناف الناس :
    المتقين(في الآيات 1-5)
    الكافرين(في الآيات6-7)
    المنافقين(في الآيات 8-20)
    ونرى في الربع الثاني: تجربة آدم , وهي الاستخلاف
    ونجد آية محورية وهي:" وعلَّمَ آدم الأسماءَ كُلَّها " أي علَّمه تكنولوجيا لحياة،أي كيف يكون مسؤولاً عن الأرض ،وقد جاءت بعد" إنِّي جاعِلٌ في الأرضِ خَليفة" أنه بدون علم وتكنولوجي مع العبادة الن تستطيع أن تقود الأرض ،فالعبادة بدون علم لا تصلح،والعلم بدون عبادة لا يصلح !!!

    بينما في الربع الثالث نرى تجربة بني إسرائيل: كأن أول آية في قصتهم " أنِّي فضَّلتُكُم على العالَمين"مع أن أول آية في قصة آدم" إنِّي جاعِلٌ في الأرضِ خليفة"أي أنتم يا بني آدم مسؤولون عن الأرض، وأنتم يا بني إسرائيل أنعمت عليكم بنعم كثيرة،ونرى هذه النعم في آياتٍ متتالية: وهي الآيات أرقام: 57،52،50،49 .
    وهذا يعني : لماذا لا تشكروني وتعبِّدوا الأرض لي رغم كل هذه النِّعَم التي أنعمتُ عليكم بها؟

    وتقول الآية(60-61) يا أُمَّة محمد: إعتبروا مِمَّا حدث مع موسى ، والأخطاء الشديدة لبني إسرائيل التي جاءت في قصة البقرة،فهم أُناس ماديون لا يعترفون إلا بالماديات الملموسة،لذلك أوضح الله تعالى لهم أنه يستطيع إحياء النوتي بالمَوتى.
    وفي هذه القصة تتضح بعض صفاتهم و هي:
    الجدل الشديد
    العند الشديد
    عدم تنفيذ أوامر الله تعالى
    والتحايل على شَرع الله
    ولد سُمِّيَت هذه السورة بسورة البقرة لتقول لأمة محمد صلى الله عليه وسلم:يا أمة محمد أنتم مسؤولون عن الأرض فإيَّاكُم والوقوع في مثل هذه الأخطاء التي وقع فيها مَن قبلكم ،فيستبدلكم
    ثم تأتي الآية رقم 104 "يا أيها الذين آمنوا " هذه أول مرة يُذكر فيها المؤمنين،أي أنه أول نداء للمؤمنين،وهنا يحدث المسلمين فيقول لهم:" تميَّزوا عنهم لا ترددوا مصطلحاتهم ،قولوا" انظُرنا "،ولا تقولوا "راعِِنا"

    وفي أول الربع الثامن تأتي آخر تجربة في الخلافة وهي تجربة إبراهيم عليه السلام
    ،لاحظوا:
    كانت تجربة آدم تمهيدية
    ثم جاءت تجربة بني إسرائيل الفاشلة
    ثم تجربة إبراهيم وهي تجربة ناجحة وكأن تجربة إبراهيم تقول لنا:" يريدكم الله تعالى مسؤولون عن الأرض ولكن بشكل متميز عن الكفار،وحين أختبركم يجب أن تكونا على قَدر المسؤولية،كما أ، الاستخلاف في الأرض ليس فيه محاباه،وإنما هو للطائعين فقط،فحينما طلب إبراهيم الخلافة لذريته،قال له الله تعالى " لا ينالُ عهدي الظالمين"
    وتأتي الآية:" قولوا آمَنَّا بالله وما أُنزل إلى إبراهيم و...." وهي توضِّح مَن هم "الذين أنعمتَ عليهم" التي وردت في الفاتحة!!!!!
    لاحظوا أيضاً:
    بدايات القصص الثلاث:
    قصة آدم"إنِّي جاعل ٌفي الأرض خَليفة" فقد خُلق آدم للخلافة وليس للبقاء في الجنة.
    بداية قصة بني إسرائيل:" اذكُروا نعمتي التي أنعمتُ عليكم" رغم كل النعم فقد قابلوها بالجحود والكفر
    بداية قصة إبراهيم:" إنِّي جاعلُكَ للناسِ إماماً" لأنه يستحق ذلك لأنه نجح في الاختبار.
    ولاحظوا أن الاختبار للثلاثة كان في طاعة الله تعالى : الشجرة، وأوامر بني إسرائيل،وذبح إسماعيل.
    ثم يقول الله تعالى : يا مَن رأيتم هذه التجارب تعلموا منها ثم تعالوا نعطيكم أوامر ونواهي للأمة المسؤولة عن خلافة الأرض.فنجد في الربع الأول من الجزء الثاني: غيِّروا القِبلة(وهو اختبار عملي في الطاعة)،والدليل:" وما جعَلنا القِبلة التي كُنتَ عليها إلا لِنعلمَ مَن يتَّبعُ الرسولَ مِمَّن ينقلبُ على عَقِبَيه"!!!!
    وهدف آخر هو أن تتميز هذه الأُمة حتى في قِبلتها.

    وهنا يجب أن نتوقف: يا شباب الأُمَّة إيَّاكُم أن تُقَلِّدوا الكفار في تصرفاتهم وعاداتهم تقليداً أعمى فأنتم من أمة ميَّزها الله وجدير بكم أن تفخروا بانتمائكم لهذه الأُمة!!!!
    هل تريدون الدليل على تميُّزكم؟!!! يقول الله تعالى :"وكذلِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطاً لتكونوا شُهداء على النَّاس ويكونَ الرسول ُعلَيكُم شهيداً" فأنتم ستشهدون على الخلائق يوم القيامة فكيف لا تكونوا متميزين وتتمسكوا بهذا التميُّز؟؟؟!!!

    ثم تأتي أول آية في الربع الثاني:" إ،َّ الصَفا والمَروة من شعائِر الله" لماذا؟!!!
    لأن المسلمين حين سمعوا آيات التميُّز قالوا:" لن نسعى بين الصفا والمروة بعد الآن لنختلف عن الكفار الذين كانوا يسعون بينهما وعليهما الصنمين: إساف، ونائلة!!! فقال لهم الله تعالى : " عودوا إلى هذه الشعيرة بعد تحطيم الأصنام، ولا بأس من السعي ،فهو تذكرة للأجيال القادمة بهاجَر وإسماعيل ومعجزتهما "

    وهنا نلاحظ التوازن ، فالمؤمن متميز ولكنه متوازن، فلا يخالف الكفار في كل شيء وإنما يتَّبع تعليمات ربه في ذلك.

    بعد ذلك نقرأ الآية:" ليسَ البِرَّ أن تُوّلُّوا وجوهَكُم قِبَلَ المَشرق والمغرب .." هذه الآية تشمل الإسلام كله: عقيدة وأخلاق وعبادات...فيعد التميز يا أمة محمد أطيعوني،فليست القضية هي تغيير اتجاه القِبلة ولكن المهم هو التقوى والإصلاح الشامل لحياتكم.

    ثم تبدأ الآيات في سَرد الأوامر والنواهي المطلوبة لتشرح معالم هذا الإصلاح الشامل:
    1- التشريع الجنائي (الآية179)
    2-التَرِكات والوصية(الآية 180)
    3-التشريع التَعَبُّدي(الآية 183)
    4- الجهاد (للمحافظة على المنهج وحمايته)
    5-الإنفاق.
    6-الحج(وهو أول تدريب على الجهاد لأن طبيعة الحج هو الاستسلام الكامل للأوامر والنواهي وتحمُّل كل الظروف،والصبر على الطاعة)...كم نلاحظ أن الحج هو استجابة الله تعالى لدعوة إبراهيم عليه السلام"و أرِنا مناسِكَنا"..زكما نلاحظ أن سورة البقرة هي لوحيدة لاتي شملت كل أركان الإسلام الخمسة بتفاصيلها:التوحيد " يُؤمِنون بالغَيب "،والصلاة، والزكاة ،والصيام ،والحج"
    7-بناء و تكوين الأُسرة
    8-المنهج الاقتصادي
    نلاحظ أيضاً أن كل تشريع من التشريعات الثمانية مختوم بكلمة التقوى!!!

    أي أنك لن تنفذ هذه التعليمات إلا إذا كُنتَ تَقِيَّاً
    فالإطار العام لتنفيذ المهج هو: الطاعة- التميُّز- التقوى
    والعجيب أن كل آية من آيات سورة البقرة نجدها مختومة بإحدى هؤلاء الثلاث!!!!!!!!

    يتبع

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2003
    الموقع
    مصر
    الردود
    1,528
    الجنس
    امرأة
    بعد ذلك تأتي آية مِحورية وهي:" يا أيُها الذينَ آمَنوا ادخُلوا في السِّلم كافَّة" والسِلم هو الإسلام،أي لا تُقلِّدوا الكفار الذين يؤمنون بِبَعضِ الكتاب ويكفرون ببعض...وإنما خُذوا دين الإسلام كما هو كاملاً مُتكاملاً !!!
    وهنا ملحوظة للشباب الذين يلتزمون بالصلاة ثم يفعلون المعاصي، والفتيات اللاتي تقُلن أنا مؤمنة بقلبي وأخلاقي عالية،وأفعل الكثير من الطاعات ،إذن فالحجاب غير ضروري!!!!

    بعد ذلك تأتي آيات الأسرة وكلٌ منها مختومة بالتوصية بالتقوى!!! أي أن إقامة الأسرة والحفاظ عليها يحتاج إلى التقوى كأساس،وقد تأخر ذكر الأسرة بعد الحج والصيام،وكأن الله تعالى يريد أن يقول لنا: إن تنفيذ أحكام الأسرة يحتاج إلى تقوى عالية لتنفيذها،فأقيموا الصلاة وصوموا وحجُّوا،لعل ذلك يصل بكم إلى التقوى،فتُنفِّذوا أحكام الأسرة كما يريدها الله سبحانه.
    جاءت بعد ذلك قصة طالوت وجالوت التي تحكي عن بني إسرائيل الذين تخلَّى معظمهم عن نُصرة الدين ،
    ولم يبق منهم مع طالوت - بعد أن اختبرهم ومحَّصهم- إلا القليل ..لتدل على أن هذا الدين
    شديد ولن ينصره إلا المخلصين حتى ولو كانوا قِلَّة !!
    بعد ذلك جاءت أعظم آية في القرآن الكريم، وهي آية الكُرسي .

    ومكانها هنا يدل على أن هذا المنهج الذي رسمه لنا المَولى جل جلاله ثقيل وشديد، لذلك فالمؤمن يحتاج لأن يستشعر جلال الله لكي يعينه على التنفيذ وعدم الانحراف عن المنهج.
    بعدها جاءت الكلمات:" لا إكراهَ في الدين"
    فمَن أراد أن يؤمن فَبِها ونِعمَت ،ومن أراد أن يكفر فله مُطلق الحرية،ولكن لا يلومنَّ بعد ذلك إلا نفسه!!!!

    ثم يروي لنا القرآن ثلاث قصص لإبراهيم مع النمرود، وعُزَير،وإحياء المتى أمام إبراهيم،وكيف يا مؤمن بعد هذه القصص التي تؤكِّد حياة الله ، و َقيُّوميَّته لا تستشعر جلال الله وقُدرته؟!!!!!
    ويأتي بعد ذلك المنهج الاقتصادي ومحاربة الربا بشكل شديد:
    "فَأذَنوا بِحَربٍ من اللهِ ورسوله"
    ليس ذلك فحَسب وإنما كعادة الإسلام حين يُحَرِّم شيئاً فهو يقدم البديل،يقول أن البديل هو الإنفاق.

    وتُختَتَم السورة بأحلى ما فيها بعد التعليمات والتكاليف:" آمَن الرسول"،وقالوا سمِعنا وأطَعنا" وهي كلمة كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر:سمعاً وطاعةً لك يارب.
    ثم الاستغفار: "غُفرانَك ربَّنا" (إن قصَّرنا يا رب فاغفر لنا)

    ثم الدعاء:" لأن الاستمرار في الطاعة والثبات عليها يحتاج طلب المعونة من الله تعالى
    "لا يُكلِّفُ اللهُ نفساً إلَّا وُسعها"(رحمة بعد التكاليف)

    يا رب أعِنَّا على الالتزام بهذا المنهج لأن هناك أعداء سيتربصون بنا ويبذلون جهدهم ليحيدون بنا عنه ،ويحيلون بيننا وبين تنفيذ بنوده "فانصُرنا على القوم الكافرين"
    *******

    سورة آل عمران

    هي شقيقة سورة البقرة، وهي تُكَمِّل المنهج الذي رسمته سورة البقرة، والذي يجب أن يثبُت عليه المؤمن لكي يستطيع أن يقود الأرض ،وهي تخاطب المؤمن بمختلف مستوياته : القديم في التدين،والحديث في التدين ...ويُنصح بقراءتها لمَن أراد الثبات على منهج الله.
    وهذه السورة مقسَّمة إلى نصفين:
    النصف الأول: أول مائة وعشرون آية تتحدث عن كيفية الثبات في مواجهة التحديات الخارجية(تحديات فكرية)
    و النصف الثاني:وهو بقية السورة، تتحدث عن كيفية الثبات داخلياً(عملياً)
    و يتضح ذلك من خلال حادثتين:
    الأولى :وفد نصارَى نجران (وهم ممثلون لأهل الكتاب)،وفيها يتم أول حوار بين الأديان،ونرى فيه مناقشة الحُُجَّة بأدب شديد !!!
    الثانية:موقف المؤمنين في موقعة أُحُد (وهي موقعة عملية).
    والآن نتأمل معاً آيات سورة آل عِمران:
    تتحدث ثالث آية فيها عن الثبات،يقول الله تعالى : "نزَّل عليكَ الكتابَ بِالحق * مُصَدِّقاً لِما بينَ يديه "... أي: الإسلام حقٌ فاستمسِك به!!!
    بينما خُتمت السورة بالآية:" يا أيُّها الذينَ آمَنوا اصبروا، و صابِروا ، ورابِطوا..."
    وهناك أيضاً في خلال السورة آيات كثيرة تدعو للثبات مثل الآية:"يا أيُّها الذين آمَنوا اتَّقوا اللهَ حقَّ تٌقاتِهِ ولا تموتُنَّ إلا وأنتُم مسلمون" (102) ،
    و الآية:"واعتَصِموا بِحَبلِ الله جميعاً ولا تفرَّقوا" (103) أي أنك لكي تثبُت فلابد لك مِن صُحبةٍ صالحة!!!
    ،و الآية:" يا أيُّها الذين آمنوا إن تُطيعوا الذينَ كَفَروا يَرُدُّوكُم على أعقابِكُم فتَنقَلِبوا خاسرين"(146) وهي تحث على الصبر على الثبات،
    والآية:"الذينَ قال لهُمُ الناسُ إنَّ النَّاسَ قد جمعوا لكُم فاخْشَوْهُم فزادَهُم إيماناً وقالوا حَسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيل"(173) وهي تحث على اليقين في نصر الله وحُسن التوكُّل عليه .

    هذه السورة تحَذِّرنا أيضاً من الأشياء التي تُضيِّع الثبات، مثل: الشهوات والمعاصي،
    فنرى الآية:" زُيّنَ للناسِ حبُّ الشهوات من النِّساءِ و البَنينَ والقناطيرِ المُقَنطَرَةِ من الذهب والفِضَّة والخَيلِ المُسوَّمةِ والأنعامِ والحَرث * ذلكَ مَتاعُ الحياةِ الدنيا * واللهُ عِندَهُ حُسنُ المآب"(14)،
    و الآية :" أوَ لمَّا أصابَتكُم مُصيبةٌ قد أصَبتُم مِثلَيها قُلتُم أنَّى هذا * قُل هو مِن عِندِ أَنفُسَكُم "(165) وهي تصف موقف المؤمنين في غزوة أُحُد حين استَزَلَّهم الشيطان بسبب ذنوبهم التي اقترفوها من قبل،وفي هذا موعظة للشباب الذين يبتعدون عن الله بعد رمضان وينجرفون وراء المعاصي ويندمجون في الشهوات ويسترسلون فيها، ويطيعون الشيطان!!!!
    ولقد جاءت العوامل المُساعِدة على الثبات في أوائل السورة و منتصفها و آخرها ، وهي :
    1- اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء وطلب العون (وقد ظهر ذلك في الآيات: 8،و9، و16،و38،و53،و147،وبقية آيات الدعاء) حتى أن هذه السورة تُعد أكثر سور القرآن إحتواءً على الدعاء...والسبب هو أنه لن يحدث الثبات دون التضرع إلى الله بالدعاء ليعيننا على هذا الثبات، فأكثر شخص محتاج للدعاء هو الذي يريد أن يَثبُت.
    2- الصُحبة الصالحة: و يتضح ذلك في الآيتين103)،و(105)
    3-العبادة: حيث وردت آيات بها نماذج للعُبّأد مثل امرأة عمران، و مريم ، وزكريا عليه السلام.
    4- الدعوة إلى الله: أو الأخذ بأيدي الناس إلى طريق الله، لأن طبيعة العقل البشري أنه حينما يدعو لفِكرةٍ ما تكون النتيجة أن يمتلىء هذا العقل بها ويتشبع بها أكثر...فيزداد الداعية هداية على هداية!!! ولقد جاء هذا في الآيتين104)،(110) و فيهما يتضح أن هذه الأُمَّة هي خير الأُمم بفضل فريق منها يدعون إلى الله: يأمرون بالمعروف وينهَون عن المُنكر!!!!
    5-وضوح الهدف من الحياة، ويأتي هذا في الآية (191)فما خُلق الإنسان ليأكل ويشرب وإنما ليتفكر في خَلق الله ليعرفه حق المعرفه،ثم يوقِن بِقُدرته وعَظَمته ،فيعبُده ،ويُعَبِّد الأرض له!!!
    و نلاحظ:أن النصف الأول من السورة كان لتثبيت المؤمنين تثبيتاً فكرياً من خلال مناقشة راقية مع أهل الكتاب حول فكرة:أين الحق؟
    ولقد أسكن الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الوفد من النصارى في مسجده، وكانوا يتناقشون هناك ،ولقد سار الحوار في المراحل التالية:
    أولاً في الآيات: 20،19،18 نرى تقوية لعقيدة المسلمين قبل بداية الحوار والمناقشة!!!
    ثانياً في الآيات: 84،64 نرى محاولة لإيجاد نقاط الاتفاق بين الفريقين!!
    ثالثاً: في الآيات:79،66،65،59 نرى الحُجَج والبراهين على صدق المسلمين،(وهي وسيلة القرآن للتثبيت)
    رابعاً : في الآيات: 125،71،70 نرى تحذير أهل الكتاب من التكذيب.
    خامساً: في الآية 61 نرى التحدي الشديد من المسلمين لهؤلاء النصارى.
    سادساً : الآيتين: 75،113 وبعد النقاش أراد الله أن يختتم الحوار بتهدئة الجو بين الفريقين ،وذلك بذِكر العدل في النظرة إلى أهل الكتاب!!! ثم:
    سابعاً: في الآيتين42،33 نرى الثناء على أنبيائهم.
    ونرى أيضاً في هذه السورة تذكير الله سبحانه للمؤمنين بفضله عليهم يوم بَدر ليرفع روحهم المعنوية،ثم يواسيهم على ما حدث في غزوة أُحُد،مع اللوم الرقيق على مابضدَرَ منهم،ثم يعرض لهم أسباب الهزيمة،وهي:
    الفُرقة ، والمعاصي ، والتنازُع
    فاعتَبِروا يا مؤمنين يا مَن تريدون قيادة الأرض مما حدث في غزوة أُحُد!!!!!
    والآن يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: " لماذا سُمِّيَت هذه السورة بآل عِمران؟؟؟؟!!!! وما علاقة هذا الاسم بالثبات؟!!!!
    الجواب: لأن السورة احتوت على رمزين للثبات:
    الأول: زوجة عمران التي نذرت ما في بطنها لنُصرة الإسلام، وكان في وقتها المسجد الأقصى مُحتلاً فكانت تنوي أن يكون وليدها هو مُحرِّرُه!!!!
    الثاني: مريم وهي رمز عظيم من رموز الثبات على العبادة، و العِفة، والطاعة!!!

    وهنا نلاحظ نظرة الإسلام الراقية للمرأة، فالسورة اسمها آل عمران،ولكن عمران نفسه لم يُذكر!!!! وإنما امرأته ، ثم ابنته.
    كما أن مريم هي التي حفَّزَت زكريا عليه السلام للدعاء...إذن: النساء هن أحد رموز الثبات !!!! لهذا نرى أن السورة التالية هي سورة النساء!!!!!
    وأخيراً:
    إخواني: إقرَؤا هذه السورة وأنتم تنوون الثبات-إن شاء الله- حتى الممات...ثبَّتَكُمُ الله.

    ******

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2003
    الموقع
    مصر
    الردود
    1,528
    الجنس
    امرأة
    سورة النساء
    لعلنا نذكر أن هدف سورة "البقرة" هو توضيح المنهج الواجب اتباعه لخلافة الأرض.
    وأن هدف سورة "آل عمران" هو النصيحة بالثبات على هذا المنهج والمسؤولية التي استودعها الله المسلمين .
    ثم تأتي سورة النساء لتقول: لكي يستأمنك الله على خلافة الأرض مطلوب منك العدل والرحمة، خاصة بالضعفاء!!!
    ولعلنا نلاحظ أنه ما من آية من آيات سورة النساء إلا وتتحدث حول هذا الهدف: (العدل والرحمة)!!!!
    كما نجدها أيضاً تتحدث عن النماذج التي قد تتعرض للظلم والقسوة بسبب ضعفها: مثل اليتامى والعبيد والإماء، والأقليات غير المسلمة التي تعيش بين المسلمين، والوَرَثة ، والنساء.
    وكأن الله تعالى يقول لنا: تريدون أن تكونوا مسؤولون عن الأرض؟!!إذن أروني منكم الرحمة والعدل!!!!
    وإذا تأمَّلنا آيات هذه السورة نجدها منذ البداية تقول:إن أول مظاهر الرحمة أن تكون رحيماً في بيتك مع زوجتك وأولادك ،فإذا استطعتَ تحقيق ذلك، فسوف تستطيع أن تعدل مع بقية النماذج من المستضعفين في المجتمع .
    وكأن سورة آل عمران كانت تمهِّد لتكريم المرأة في سورة النساء، حين ذكرت نموذجين رائعين للثبات على الطاعة والعفة والعبادة،ثم جاءت سورة النساء لتبدأ أول آية منها بتذكير الرجل بأن أصله وأصل المرأة واحد،فكيف يتجبر أحدهما على الآخر؟؟!!!
    وتأتي الآية الثانية لتقول:" إعدلوا في التعامل مع اليتامي وارحموهم.
    والآية الثالثة: إن خفتم من عدم العدل بين الزوجات فاكتفوا بواحدة.
    والآية الرابعة: إياكم ألَّا تعطوا المرأة مهرها!!!
    والآية الخامسة: وارزقوهم فيها واكسوهم (رحمة)
    الآية السادسة: وصية بالرحمة والعدل مع اليتامى.
    والآية السابعة: العدل في القِسمة ثم الرحمة.
    الآية التاسعة: إذا كنتَ تخشى على أولادك بعد موتك، فاتَّقِ الله، وقُل الحق، واعدِل!!!
    بعد ذلك يأتي تحذير شديد من ظلم اليتامى في حقوقهم.
    ثم أحكام الميراث،وفيه وصية بالأولاد وهم أحد نماذج المستضعفين الذين يحتاجون إلى الرحمة.
    ثم تذكرة بحقوق الزوج والزوجة بعد وفاة أحدهما قبل الآخر.
    ثم آية تبشِّر الذين يعاملون المستضعفين بالعدل والرحمة...ثم تحذِّر تحذيراً شديداً من عدم العدل.
    نرى بعد ذلك وصية بالرحمة بالمرأة والعدل في التعامل معها،ويتجسد ذلك في الكلمتين :
    " وعاشِروهُنَّ بالمعروف" اللتان يفسرهما عامة الناس بحسن المعاملة،بينما فسرهما العلماء على أنهما:
    عدم ظلم الزوجة
    وتحمُّل الأذى منها
    وترقيق قلبها حتى يذهب عنها الغضب.
    وللنساء المسلمات أقول: إذا قال لكِ أحدٌ أن الإسلام ظلم المرأة ، فأَريهِ سورة النساء !!!!

    نرى بعد ذلك الخطاب موجَّهاً للرجال قائلاً : إذا كرهتم النساء فاصبروا عسى أن يكون بهن خيرا، فإن لم تستطيعوا وعزمتم على الطلاق،فلا تأخذوا منهن المهور...ويحذِّرهم تحذيراً شديدا،ثم يذكِّرهم بالعلاقة الطيبة التي كانت بينهم في الأيام الخوالي،وبالميثاق الغليظ الذي بينهم منذ أن خطبها من وليِّها على كتاب الله وسُنّّة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    ثم يوصي بالإماء ، فإن همَّ رجل بالزواج من إحداهن فإن الله يأمره أن يستأذن سيِّدها،ولكنه عبَّر عن سيدها بكلمة (أهلها) تكريما للأَمَة وعدم جرح لمشاعرها!!!!

    ثم يأمر المرأة بعدم مصاحبة الرجال بدون زواج رحمةً بهن لأن أول ما ينكسر بسبب هذه العلاقات هي قلوبهن الضعيفة!!!

    ثم من رحمة الله جل جلاله أن يفسِّر أسباب الأوامر التي سلفت في الآيات (28،27،26) ،بأنه يريد بهذه التشريعات،فيخاطب المؤمنين قائلاً:" إنه يريد أن يوضِّح لكم معالم دينه القويم وشرعه الحكيم، ويدلُّكم على طريق الأنبياء والصالحين من قبلكم في الحلال والحرام، ويتوب عليكم بالرجوع بكم إلى الطاعات((رحمةً بكم ))فهو سبحانه عليم بما يُصلح شأن عباده،حكيم فيما شرعه لهم ...كما أن الله تعالى يريد أن يتوب عليكم ويتجاوز عن خطاياكم بينما يريدون الذين ينقادون لشهواتهم أن تنحرفوا عن المنهج انحرافاً شديداً، فهو -سبحانه - يريد بما شرعه لكم التيسير(الرحمة) ،وعدم التشديد عليكم لأنكم خُلِقتم ضعفاء.

    ثم ينتقل بعد ذلك للحديث عن عدم الظلم في الأموال والأنفُس(الآية رقم 29)
    ثم يتحدث عن ضوابط العدل حتى يتحقق التوازن بعدم المبالغة في العدل فتكون النتيجة عكسية، فالعدل مع النساء هو الأصل، ولكن يجب أن تكون القِوامة للرجل،فيوصي المرأة بالرجل خيراً،ثم يوضِّح كيفية تأديب الرجل لزوجته إذا كانت ناشِزاً،وهنا أتوقف عند كلمة (ناشز) فهذا يعني أنها أحدثت مصيبة كبيرة،وليس كما يظن الرجال فيضربون زوجاتهم لأتفه الأسباب ثم يقولون أن القرآن يبيح ضربهن!!!
    وإنما يجب معالجتهن بالتدريج:
    الموعظة،
    فإن لم يتَّعِظن فالهجر في الفراش،
    فإن لم يُجدي ذلك فالضرب غير المبَرِّح.
    بعد ذلك يأتي الحديث عن نماذج تحتاج مِنَّا إلى العدل والرحمة في الآية 36، وهم: الوالدين و الأقربين،واليتامى والمساكين، والجيران بأنواعهم ،وابن السبيل والعبيد والإماء .
    ثم يلفت الانتباه إلى عاملَين سلبيين يؤثِّران على قدرة الإنسان على تحقيق الرحمة والعدل،وهما:
    البخل(في الآية 36) ..فالبخيل غالباً ما يكون ظالماً ،وقاسي القلب.
    والرياء(في الآية 37)لأن المُرائي يتعامل بوجهين: وجه يظهر به أمام الناس ، ووجه آخر يخلو به بزوجته ،أو بالضعيف فيظلمهم ويقسو عليهم!!!

    ثم يوضح لهؤلاء أن الله تعالى يعاملنا بالفضل وليس بالعدل، و لو عاملنا بالعدل لهَلَكنا جميعا!!!!

    وتأتي الآية (رقم 41) لتحَذِّر من أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يشهد يوم القيامة علينا جميعا...إذن فيفرح العادلون بعدلهم ، وليَنْتَهِ الظالمون عن ظُلمهم.

    ثم تأتي آية محورية هي الآية رقم 58تأمر بالعدل والأمانة ،وتؤكِّد على أن العدل هو أفضل ما يمكن أن يعظنا به الله سبحانه.

    وبعد ذلك نجد نَقلة عجيبة!!!
    نجد حديثاً عن القتال...فما علاقة ذلك بالعدل؟!!!
    إن العلاقة وثيقة فالإسلام يتميز بأنه الدين الذي يضع أخلاقاً للحرب ،لذلك نجد كل أحكام الحرب والقتال في سورة النساء!!
    لماذا؟!!
    لأن النساء هُنَّ مصانع المقاتلين ،كما أن المرأة التي تتحمل مساوىء زوجها وتصبر عليه تُعَدُّ من المقاتلين أيضاً !!!
    ونعود لنتحدث عن أخلاق الحرب التي بيَّنها الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان يوصي المجاهدين قبل بدء الحرب:" لا تقتلوا شيخاً ،ولا طفلاً ، ولا امرأة، ولا تَهدموا بَيتاً،ولا تحرِقوا زَرعاً ،ستجدون رُهباناً قد تفرَّغوا للعبادة في الصوامع ،فاتركوهم وما هُم فيه !!!!

    بعد ذلك يأتي الحديث في رُبع كامل عن المنافقين ليلفت نظرك إلى أنهم أكثر شيء يُفسد العدل!!
    وبعد ذلك نرى التوازن الذي يتميز به الإسلام، فبعد أن أوصى بالمستضعفين، نراه يوجِّه الحديث (في الآية رقم 97)إلى المستضعفين قائلاً لهم:" إذا استُضعِفتُم في الأرض،فلا تستكينوا وتكونوا سَلبيين، بل أرض الله واسعة ،فهاجروا إلى أرض لا تُستَضعَفون فيها"!!

    ثم يأتي الحديث عن رحمة الله تعالى بالمسلمين المتمثلة في القَصر في الصلاة ،وصلاة الخوف.

    وعن المستضعفين في الأرض الذين يعيشون بين المسلمين نزلت الآية (105)لتوصي بهم خيرا،ثم نزلت الآية (113)في يهودي اتهمه شخص مسلم بالسرقة ظُلماً وعدواناً ،فبرَّأَته هذه الآية لتؤكِّد سماحة الإسلام وعدله ورحمته حتى بغير المسلمين!!!!

    ونلاحظ أن سورة النساء هي أكثر سورة في القرآن تُختَتَم آياتُها بأسماء الله الحُسنى (فقد جاء بها 42 اسماً)،و إذا فحصنا هذه الأسماء لوجدناها تدور حول تركيبة العدل ، وهي الأسماء: عليم ،حكيم،غفور ،رحيم...لأن العلم مع الحكمة والقُدرة ،ثم الرحمة يؤدُّون جميعاً إلى العدل!!!!

    فيا رجال المسلمين اقرأوا سورة النساء واعدِلوا في بيوتِكم!!
    ويا نساء المسلمين افرحوا بهذه السورة!!!
    ويا مجتمع المسلمين: اسمعوا ما جاء بهذه السورة ،واعدلوا بينكم !!!
    *****
    سورة المائدة
    هذه هي السورة الوحيدة التي بدأت بالنداء:" يا أيُّها الذين آمَنوا"، و لقد تكرر فيها هذا النداء 16 مرة، مع ملاحظة أنه جاء في القرآن الكريم كله 188مرة !!
    وهذا النداء يحتاج إلى وقفة!!!
    فهو يلفت نظر المؤمنين ويخاطب فيهم صفة الإيمان، قائلا: يا مَن آمنتُم بالله ربَّاً وبالإسلام ديناً ،ويا مَن تقولون أنَّكُم مؤمنون: نفِّذوا أوامر الله التي ستأتي بعد هذا النداء!!!
    يقول بن مسعود رضي الله عنه:" إذا سمعت (يا أيها الذين آمنوا)، فارعَها سمعُك، فإنه خيرٌ تُؤمَرُ به، أو شَرٌ تُنهَى عنه"!!!
    ولقد وردت هذه السورة آيات من أواخر الآيات التي نزلت من القرآن .
    وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها عن سورة المائدة:" ما وجدتُم فيها من حلال فأحِلُّوه، وما وجَدتُم من حرام فَحَرِّموه"
    هدف السورة:
    تهدف هذه السورة إلى التوصية بالوفاء بالعهد، و يتضح ذلك في العهود التي تأتي بعد النداء المتكرر :"يا أيها الذين آمنوا" ثم كل ثلاث أو أربع آيات نرى تشديداً على أهمية الالتزام بالعهود!!
    ،ونلاحظ في آياتها ما يلي:
    في الآية الأولى:أول عهد هو أكل الطيبات من الطعام ...وهذا لطفٌ من الله تعالى إذ يبدأ العهود بشيء ضروري لبقاء الإنسان-وهو شيء حلال- فلم يبدأ بما حرَّمه علينا، بل بالمُباح لنا .
    ثم نراه بعد ذلك يتدرج في العهود حنى يختم بالشريعة!!!
    وفي الآية الثانية: مبادىء إنسانية عظيمة، و هي عدم العدوان والتعاون على البر والتقوى.
    وفي الآية الثالثة: المحرَّمات من الطعام، ثم يختم بمعنى غاية في الأهمية،وهو:" اليومَ أكملتُ لكُم دينَكُم وأتمَمتُ عليكُم نِعمَتي ،ورضيتُ لكُم الإسلامَ دينا"... لماذا جاء هنا؟!
    ليشير إلى أنه لا يوجد عهود بدون إتمام الدين ،و هاهو الدين قد اكتمل، إذن المطلوب منكم هو تنفيذ بنود منهج هذا الدين ،ثم الثبات على ذلك !!!!
    والثبات مطلوب لكل المؤمنين :الشباب والكبار،فإذا نويتَ أيها الشاب الثبات في رمضان (مثلاً)فلا تهتز بعد انتهاءه،وتعود إلىالمعاصي... وإذا نويتِ أيتها الفتاة الالتزام بالحجاب في رمضان ، فلا تخلعيه بعده،وهكذا.
    بعد ذلك يأتي الحديث عن الطيبات من الزوجات،مع الإشارة إلى أن الزواج من أهل الكتاب مباح بشرط أن يكُنَّ عفيفات مُحصَنات.
    ثم تأتي آية تحثُّ عن الوضوء والغسل قبل الدخول في الصلاة، فلماذا جاءت هنا؟!!!
    لقد جاءت بعد طيِّبات الطعام، وطيِّبات الزوجات لتحدِّثنا عن طيبات أخرى هي طيِّبات الروح!!!! كيف تطيب الروح وتطهُر؟!! بالوضوء والغسل والصلاة!!!
    ثم يأتي كعادة آيات السورة آية تذكِّر بالوفاء بالعهد والميثاق ، تقول: " إذ قُلتُم سَمِعنا وأطَعنا" وهي هنا مرتبطة بنهاية سورة البقرة :"وقالوا سمِعنا وأطَعنا" ،بينما قال بنو إسرائيل:" سمِعنا وعصَينا"!!!
    ويجب أن نلاحظ أن النداءات الستة عشر للذين آمَنوا تُعدُّ مفاصل أو محاور رئيسية للسورة ، فبعد كل نداء نجد عدَّة أوامر،ثم تذكِرة بأهمية الوفاء بالعهد!!!
    لذلك جاء في الحديث الشريف: " عَلِّموا رجالكم سورة المائدة " (و السبب:حتى يكونوا رجالاً حقيقيين!!!!)
    وبعد الحديث عن الطيِّبات تأتي وصية بالعدل حتى ولو ظُلِم الإنسان.
    ثم يأتي توضيح بأن الله جل جلاله سيوَفِّي بوعده ، فإذا كان الله الغني عنك سيوَفِّي،فهل توفِّي أنت أم لا؟؟!!!!
    أما النداء الخامس فيوصي بالوفاء بالعقود ثم تقوى الله...ثم بعد ذلك يبدأ في الحديث عن بَني إسرائيل!! لماذا؟؟!!! لأنهم نقضوا العهود، يقول الله تعالى :" فَبِما نَقضِهِم ميثاقَهُم لعَنَّاهُم ،وجعلنا قلوبَهم قاسية" ثم يحكي قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل ،لما رفضوا دخول الأرض المقدسة،فكانت النتيجة:" قال فإنّها مُحَرَّمَةٌ عليهِم أربعين سَنة"
    بينما قال للمؤمنين:" أُحِلَت لكم الطيِّباتِ من الرزق"
    وبعد هذه القصة مباشرةً تأتي قصة فيها نموذج آخر لنقض العهود،وهي قصة ابنَيّ آدم...فما علاقة دخول الأرض المقدَّسة بابنَي آدم؟؟؟!
    إن النموذجين نقضوا العهود، ولكن بني إسرائيل نقضوها بسبب الجُبن،أما ابنَي آدم فقد تهوَّر ولم يتَروَّ فقتل أخيه!!!
    ثم يخاطب الله عز وجل المؤمنين مقدِّماً إليهم وسيلة تعينهم على الوفاء بالعهد،و هي الصبر، ومجاهدة النفس!!!

    يتبع

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2003
    الموقع
    مصر
    الردود
    1,528
    الجنس
    امرأة
    بعد ذلك تأتي عهود جديدة في الآيات 51-61،و هي توصي بأن الزواج من أهل الكتاب لا يعني أن نقلِّدهم تقليداً أعمى،أو أن نتسامح معهم بدون ضوابط...ولكن للمسلم هُويَّتُه المُستقلة،وشخصيته الفريدة ،وانتماءه لوطنه وأُمَّته،ودينه!!!
    وفي الآية 54 نداء عجيب :"يا أيُّها الذين آمَنوا مَن يرتَدَّ منكم عَن دينه "كان المتوقَّع أن يكون الخطاب:"سأعذِّبه"، لكن الله جلَّ جلاله قال إن لم تُنفِّذوا أوامري وتلتزموا بمنهجي ،فلن أعذِّبكم ،ولكن سيجيىء أناس آخرون يحبونني،وأحبُّهم !!!
    وهو عتاب رقيق ودود للمؤمنين : إن لم تطيعوني استبدلتُكم بآخرين يحبون طريق الله فيحبُّهم الله!!!
    ثم يأتي النداء التالي ليحرِّم الخمر والميسر والأنصاب و الأزلام.

    وإنني لأتعجب...كيف يستطيع المؤمن أن يشرب الخمر بعد أن يسمع هذه الآية؟؟!!!

    أما النداءين الرابع عشر والخامس عشر فلهما خصوصية شديدة ،فبعد أن أوصى وشدَّد على الوفاء بالعهود،وضع ضابطاً لطيفاً،وهو:" يا أيها المؤمنون لا تُشّدِّدوا على أنفسكم بالسؤال عن أشياء فتضيق الأمور عليكم...ثم نجده يضع سياجاً يطمئنُك وأنت توفي بالعهود،وهو:" عليكم أنفُسَكُم لا يضُرُّكم مَن ضلَّ إذا اهتَدَيتُم" وهذه الآية يفسِّرها الناس بعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،لذلك قال أبو بكر رضي الله عنه إنكم تضعون هذه الآية في غير موضعها"!!!ولكن معناها:
    ((إذا ضلَّ كل مَن في الأرض ولم تستطع إصلاح أحد منهم،
    فاثبُت أنت على الإيمان))
    فالضابط الأول هو: لا تشدِّد على نفسك بكثرة السؤال عن تفاصيل التفاصيل.
    والضابط الثاني هو: إثبت على الإيمان ولو كفر كل مَن في الأرض.
    واللطيف أن العلماء قالوا أن مقاصد الشريعة الإسلامية(التي يدور حولها كل أوامر ونواهي القرآن ) خمس ، وهي:
    حفظ الدين ، وحفظ العقل، وحفظ النفس، وحفظ المال، وحفظ العِرض...وكل هذه المقاصد موجودة في سورة النساء!!!
    فالآية(54) تتحدث عن حفظ الدين ،
    و الآية (90)تتحدث عن حفظ العقل ،
    و الآية(32) تتحدث عن حفظ النفس ،
    و الآية(32) تتحدث عن حفظ المال ،
    والآية (5)تتحدث عن حفظ العِرض .
    وفي ختام السورة يذكِّرنا الله تعالى بيوم القيامة" يوم يجمع اللهُ الرسل فيقول ماذا أُجبتُم" وفي هذا إشارة إلى أنك يا مؤمن سوف تلتقي يوم القيامة برسولك وسوف تُسأل عن عهدك هل وفَّيت أم ضيَّعت؟؟!!!!
    ولكن ختام هذه السورة جميل مُبَشِّر للمؤمنين :" يومَ ينفعُ الصادقين صِدقُهُم "
    والآن لماذا سُمِّيَت السورة بسورة المائدة؟!! وما علاقة هذا بالوفاء بالعهود؟؟!!!
    لأن الله تعالى استجاب لهم فأنزل عليهم المائدة من السماء كما طلبوا ، ولكنه حذَّرهم:" إنِّي مُنَزِّلُها عليكم* فمَن يكفُر بعدُ مِنكُم فإنِّي أُعَذِبه عذاباً لا أُعَذِّبُهُ أحداً من العالمين" أي: لو نقضتم العهد بعد أن أريكم الآيةً المادية الملموسة التي طلبتموها ، فإني أعذبكم عذاباً شديداً .

    وأنتم يا مسلمون: إن نقَضتُم العهد بعد أن اكتمل لكم الدين ، فإنكم سوف تُعذَّبون عذاباً شديداً!!!!
    ****

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2003
    الموقع
    مصر
    الردود
    1,528
    الجنس
    امرأة
    سورة الأنعام
    ========
    هذه السورة من أكثر السور التي تُشعِرُكَ بحب الله من خلال استشعار عظَمَته وقدرته في الكون حين تقرؤها!!!
    وهي أول سورة مَكِّية (فكل السور السابقة كانت مدنية) وقد نزلت هذه السورة يحُفُّها سبعون ألفَ مَلَك،وفي رواية أخرى:" نزلت في موكب من الملائكة "،وفي رواية ثالثة:" نزلَت في موكب من الملائكة ولهم صوت زجل(أي صوت رقيق مرتفع)يسد الخافقَين"!!!
    و قد نزلت سورة الأنعام جُملة واحدة(أي ليس كغيرها من السور التي نزلت آية آية أو مجموعة من الآيات في كل مرة)،
    ونزلت ليلاً ... لماذا؟ لأن جو الليل مناسب لترقيق القلب واستشعار عظَمَة الله تعالى في الكون.
    هدفها: التوحيد الخاص لله تعالى
    فكل آياتها تمشي على وتيرة واحدة:
    * أنظر ماذا يفعل الله
    *تأمل مظاهر عظَمَته وقُدرته
    *ثم : هل من المعقول بعد استشعار كل ذلك أن تُشرك بالله ،أو يكون لك ربَّاً سِواه؟!!!!!
    ولقد لاحظنا أن سور :البقرة والنساء والمائدة قد تحدثت عن أهل الكتاب...أماسورة الأنعام فتتحدث إلى المُلحدين(الذين يُنكِرون وجود الله تعالى ،ويدَّعون أن الطبيعة هي التي فعلت ،و تفعل كل شيء) ،وتواجههم بتحديات كثيرة!!!
    وهي تخاطب أيضاً الذين يدَّعون الإيمان وأن قلوبهم عامرة بتقوى الله، ولكن تصرُّفاتهم ومعاملاتهم لا تعكس هذا الإيمان وتلك التقوى، بل نراهم يُصِرُّون على المعاصي، وعدم الالتزام بمنهج الله إذا لم يوافق أهواءهم ...ثم يتعلَّلون بأن الله (غفورٌ رحيم!!!!!)
    فهذه السورة تريد أن يكون داخلك((لا إله إلا الله)) في عقلك وقلبك
    وتصرفاتك في الحياة!!!
    و لعلك تعلم أخي المؤمن أن أفضل ما تردُّ به على المُلحِدين هو سورة الأنعام!!!!
    وأن أجمل ما يُقَرِّبُكَ إلى الله ويُحَبِّبُك فيه هو تلاوة سورة الأنعام مع تدبُّر آياتها !!!!
    فآياتُها متدفقةٌ كالموج ولكن بطريقة واحدة-كما ذكرنا- :
    تتحدث عن عظَمة الله وقُدرته
    ثم عتاب واستنكار: كيف بعد ذلك أيُّها المُلحدون تُشَكّكون في وجود الله؟
    ثم :كيف أيُّها المُشرِكون تُشركون معه إلَه آخر؟؟!!!!
    لذلك أنصحك أن تقرأها بإحساسك،وكأن الله تعالى يُخاطبك ...ولاحِظ أن هذه السورة هي أكثر السور التي جاء بها الضمير"هو" الذي يشير إلى الله جلَّ جلاله!!!
    وذلك لأن هدفها –كما قُلنا هو توحيده سبحانه.
    لذلك نجد آ ياتٍ كثيرةتبدأ ب: هُوَ ، هُوَ، هُوَ...أي إزدَد حُبَّاً له!!
    ثم: مواجهة المُلحدين ب: قُل، قُل، قُل...أي واجههم و رُدَّ عليهم بالحُجَج.

    ،والآن تعالوا معي نتأمل الآيتين 13،12):

    "قُل لِمَن ما في السَّماواتِ والأرضِ *قُل لِلَّه....."
    ،و " ولَهُ ما سَكَنَ في السَّماواتِ والأرضِ وهُوَ السَّميعُ العليم"
    تقول الآية(12)أن الله تعالى هو المَلِك المُسيطِر على المكان!!!
    بينما تقول الآية(13) أن الله تعالى هو المُسيطِر على الزمان!!!

    ثم تعالوا نتأمل آيتين أُخْرِيَيْن لمواجهة المُلحدين والمُشركين:
    "و لَو ترى إذ وُقِفوا على النار فقالوا يا لَيتنا نُرَدُّ ولا نُكَذِّبَ بِآياتِ ربِّنا ونكونَ من المؤمنين"(27)
    والآية الأخرى: " ولو تَرى إذ وُقِفوا على رَبِّهِم قالَ أليسَ هذا بالحَق، قالوا بَلى ورَبِّنا * قال فَذوقوا العذابَ بِما كُنتُم تَكفُرون"
    لاحظوا أن بدايتهما واحدة،وهي: كأنك تراهم وهم موقوفون على النار،ثم موقوفون أمام ربِّهم موقِفَين شديدي الصعوبة!!ولكنهم الآن أمام الله يحلفون أنه الحق... ولكن حيث لا ينفع إيمانهم ....فقد فات الأوان!!!!!!

    بعد ذلك نجد موجة جديدة من موجات الحديث عن قُدرة الله تطوف بك في الكون:
    " وعندَهُ مفاتِحُ الغَيب" أي: عِلمُه واسع ومحيط بكل شيء .
    ثم يستعرض مظاهر عظمته في الكون كالنجوم والبر والبحر والأرض والسماء وما فيهما ثم: " وهو القاهِرُ فوقَ عِباده"
    ثم: "قُل مَن يُنَجِّيكُم مِن ظُلُمات البَرِّ والبَحر..."
    فنلاحظ موجة قُدرة ثم موجة عِتاب
    ثم تأتي الآية:" وهوَ الذي خلق السماواتِ والأرض بالحق ويومَ يقولُ كُن فَيَكون* قولُهُ الحق"!!!
    وبعدها مباشرةً تأتي سورة إبراهيم عليه السلام ،لاحِظوا أن لقطات هذه القصة في القرآن كثيرة،ولكن الله تعالى يضع كل لقطة في المكان المناسب لها،من حيث جو وموضوع السورة...فقد كان إبراهيم يتأمل ملكوت السماوات والأرض مُفَتِّشاً عن الحقيقة، و باحثاً - بفطرته السليمة - عن خالق الكَون ...فنجد السورة كلها تتحدث عن ملكوت السماوات والأرض ، وتجيب عن سؤاله عليه السلام!!!!!

    ثم تُبَشِّرنا سورة الأنعام بالآية التالية:"فأيُّ الفريقين أحَقُّ بالأَمنِِ إن كُنتُم تعلَمون"؟!!!
    أيُّها المؤمنون: أيكم أحَقُّ بالإحساس بالأمان؟!!!أنتم أم الملحدون المشركون؟!!!
    وإذا اقتنعتُم بذلك،فلماذا لا يظهر ذلك في تصرُّفاتكُم؟
    لماذا لا تعتَزُّون بإيمانكم وإسلامكم؟؟!!! ألا يكفيكم فخراً وعِزَّاً أن ربَّكُم هو الله؟؟!!!!!!
    والآن ننتقل إلى آية لما نزلت انزعج الصحابة رِضوان الله تعالى عليهم ،وهي:" الذينَ آمَنوا ولَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلم أولئك لهُم الأمن وهُم مُهتَدون" قالوا: ومَن مِنَّا لا يظلم نفسه ببعض المعاصي يا رسول الله؟"
    فقال لهم صلى الله عليه وسلم:" إن الظلم المقصود هنا هو الشِّرك"!!!
    ثم تأملوا معي التصوير الفني الرائع في القرآن من خلال هذه السورة: لقد جعلنا نتخيلهم، وكأننا نراهم واقفين عند النار، ثم أمام ربِّهم،ثم قال:"يحمِلونَ أوزارَهم على ظهورِهِم" !!!! لتتخيل الحِمل الثقيل الذي يأتي به هؤلاء يوم القيامة، وقد انحنت ظهورهم من ثقَِله!!!
    ثم تأتي آية عظيمة تذَكِّر بِعَظَمة الله تقول:" وما قَدَروا اللهَ حقَّ قَدره" هذه الآية لما نزلَت صعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وقال بصوتٍ مرتفع:" أيُّها الناس: وما قًدروا اللهَ حقَّ قَدره"!!!!
    ،" وما قًدروا اللهَ حقَّ قَدرهِ"!!!
    ثم بدأ يقول:" يُعَظِّمُ اللهُ تبارك وتعالى نفسه فيقول:" أنا المَلِك!! أنا الجبَّار !!أنا العظيم!! " ..يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:" فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بأسماء الله حتى اهتَزَّ المِنبر من جلال هذه الآية:" وما قًدروا اللهَ حقَّ قَدرهِ"
    هل عرفتم الآن أيُّها الإخوة المؤمنون لماذا نزلت هذه السورة في موكب من الملائكة يسد الخافقين؟!!!
    لأنها سورة توحيد الله تبارك وتعالى وتعظيمه وتقديسه!!!!!

    بعد ذلك نجد تصويراً فنِّياً بليغاً حين يتحدث عن فلق الحَبِّ والنَّوىَ،ثم فَلق الصبح ..موجات من مُلك الله وقُدرته!!
    ثم يتساءل: " هذا الإله العظيم كيف يكون له ولد"؟!!!!وما حاجته إليه؟؟؟!!!!
    بعد ذلك تأتي الآية الفاصلة:" قد جاءكُم بصائِرُ مِن رَبِّكُم "!!!
    مَن أراد أن يُبصر كل هذه الآيات والدِّلالات،فلنفسه!!!!
    ومَن لم يُرد ..أو أبصرَ ولكنه يُصِرُّ على الإنكار، فلابد وأنه أعمى القلب،لأن العيون ترى كل دلائل قدرة الله ، سواء أرادت أو لم تُرِد!!!

    والآن نجيب على سؤالنا المعتاد: لماذا سُمِّيت السورة بسورة الأنعام؟
    وقبل الإجابة على السؤال يجب أن تعلموا أن أسماء سور القرآن كلها توقيفية أي ليس بها اجتهاد من الرسول صلى الله عليه وسلم أو العلماء، ولكنها نزلت كما هي من عند الله،فالله تعالى هو الذي اختار هذه الأسماء ...إذن ما علاقة توحيد الله من خلال مشاهدة و استيعاب قدرته ، بالأنعام أو البهائم ؟!!!!
    إن الأنعام عند قريش وسائر قبائل العرب هي اللبن، والطعام والمواصلات...إذن هي عَصَب الحياة بالنسبة لهم ،لذلك قالوا :" نحن نعتقد في وجود الله،ونعبده كما يريد...أما ما يتعلق بعصب حياتنا، فنتصرف فيه كما نريد"!!!!!
    فصاروا يُحِلُّون ويحرِّمون فيها كما يشاءون وفق أهواءهم ،لذلك جاءت هذه السورة لتقول لهم:" إن التوحيد ليس فقط في الاعتقاد،وإنما أيضاً في التطبيق"!!!!!
    وهذه إشارة لكل المسلمين:
    هل توحِّدوا الله وتعبدونه حقيقةً أم أنكم تتَّبعونه فيما يُرضي أهواءكم فقط ،ثم تُعرِضون عنه حينما تتعارض تعاليمه مع أهواءكم؟!!!!
    وتنبِّههُم :" لا تُقَلِّدوا كفار قريش حين قالوا أن الأنعام ليست مُلكٌ لِلَّه ،وإنما شيءٌ يخصُّنا " فالحقيقة أن كلُّ شيءٍ لله"!!!!
    يقول الله تعالى:"وما بِكُم مِن نِعمةٍ فمِن َ الله"!!!!!!
    إذن : إجعل أيُّها المؤمن أوامر الله تقود حياتك وترشدك طريقك وتُلهمك رُشدك ،وليظهر ذلك في تصرُّفاتك ...ولك من الله تعالى التوفيق و الرِّضوان ،وفي الآخرة جنةٌ عرضُها السماواتِ والأرض ...و سقفُها عرش الرحمن!!!!!

    ثم انظر إلى روعة ختام هذ السورة : " قُل إنَّي هَداني ربِّي إلى صِراطٍ مستقيمٍ دِيناً قِيَما مِلَّةَ إبراهيمَ حَنيفا*وما كانَ مِنَ المُشرِكين"
    "قُل إنَّ صلاتي و نُسُكي ومَحيايَ ومَماتي لِلَّهِ ربِّ العالَمين* لا شريكَ له وبِذَلِكَ أُمِرتُ وأنا أوَّلُ المسلمين"
    وبعد آية التوحيد الخالص هذه تأتي آية تكمل المعنى قتقول" وهو الذي جعلَكُم خلائِفَ الأرضِ ورفع بعضَكُم فوقَ بَعضٍ درجات"
    أي: إذا وحَّدتموني حقَّ التوحيد فصارت عبادتكم ، و حياتكم ،ومماتكم لي وحدي...أصبحتم تستحقون أن تكونوا خلائف على مُلكي!!!!!!

    والحمد لله رب العالمين.
    *****

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Mar 2003
    الموقع
    مصر
    الردود
    1,528
    الجنس
    امرأة
    سورة الأعراف
    =========
    هي سورة مكِّية تتحدث عن خط يمشي مع التاريخ منذ خلق آدم وحتى يوم القيامة في الجنة أو النار‍.
    هذا الخط هو: هناك صراع دائم بين الحق و الباطل ،فالباطل يُفسد في الأرض،أما الحق فيريد أن يعيد الخير للأرض.
    فالسورة تتحدث عن هذا الصراع من خلال عرض نماذج كثيرة، ثم تقول: "إحسِم موقفك..كُن مع الحق ولا تتردد..لا تكُن سلبياً "

    فالسلبية مشكلة تواجه أُناس كثيرين...فهم سلبيون عن نفع أنفسهم، أو أهليهم، أو مجتمعاتهم،أو أُمَمِهم... هذه السورة تخاطب هؤلاء المتفرجين من الناس على: الفساد والصلاح،على الخير والشر...وهم أناس طيبون،أخلاقهم رفيعة،ولكنهم لا يحسمون موقفهم ،أو لا يريدون أن يكونوا إيجابيين.
    هذه السورة تحدِّث هؤلاء المتفرجين،فتبدأ السورة من أول آية تقول:"كتابٌ أنزلناهُ إليكَ فلا يَكُن في صدرك حَرَجٌ منه لِتُنذِرَ به *وذِكرى للمؤمنين" لماذا لا تريد أن تكون إيجابياً ؟! ألأنك تخجل أم أنه اليأس؟!
    إنَّ هذا الكتاب لم ينزل إلا لتُنذِر به الناس (تدعوهم إلى الله)وتُذَكِّر به المؤمنين!!!!
    إيَّاكَ أن تُحرَج من الإسلام ،أو من طاعتك لله ،أو من تديُّنك .
    وتأتي الآية الثانية لتقول:" إتَّبِعوا ما أُنزِل إليكم"
    فأول خطوات حسم الموقف هي:
    - إيَّاك أن تخجل من التزامك بدينك أو تخشى أن يسخر منك الآخرون. 1
    2- إتَّبع ما أُنزل إليك: أي نفَِّذ ما أُنزل في الكتاب،وما أنت مقتنع به ...فلو كانت نصرة الحق متوقفة على جهاد مائة شخص ،وكان هناك تسعة وتسعون،وتقاعَسْتَ أنت ،فكأنك أخَّرت سيادة الحق ،وتخاذلتَ عن نُصرته،وتخليت عن مؤازرته..
    .إذن أنت آثِم!!!
    ونلاحظ أن السورة كلها مواجهات بين الحق و الباطل ،وفي نهاية كل مواجهة نجد:
    " ونجَّينا(النبي صاحب القصة )و الذين آمنوا معه"
    فكانت أول مواجهة بين آدم وإبليس،وحيث فعل معه ومع حواء ما يفعله بالغافلين،تقول الآية22 :" فدلَّاهُما بِغُرور" أي : كما تُنزِل الدلو في البئر ،حتى المنتصف ،ثم تتركه مُعلَّقاً ..وهذا هو دور إبليس مع كل المؤمنين :أن يترك المؤمن معلَّق بين الحق والباطل..مع أنه مهذَّب،لطيف المعشر، ولا يرتكب الكبائر ...ولكنه سلبي غير حاسم ،لا يساعد على انتشار الحق!!!!
    فبداية السورة كانت: إما جنة أو نار:" ونادى أصحابُ الجنَّة أصحابَ النار أن قَد وجدنا ما وعدنا ربُّنا حقَّاً ،فهل وجدتُم ما وعدَكُم ربُّكُم حقَّاً؟!!قالوا نعم* فأذَنَ مؤذِّنٌ بينَهُم أن لعنةُ اللهِ على الظالمين"!!!
    ثم تحدثت عن وقفة الحق والباطل يوم القيامة:"وعلى الأعرافِ رجالٌ يعرِفونَ كُلَّاً (أي أهل الجنة وأهل النار )بِسيماهُم" والأعراف قنطرة بين الجنة والنار يقف عليها من تساوَت حسناتهم مع سيئاتهم...فلا هم فعلوا حسنات تكفي لأن يدخلوا الجنة،ولا هم فعلوا سيئات كافية لإدخالهم النار!!! هذه القنطرة مرتفعة ،لذلك فهم يرون أهل الجنة وأهل النار ،وكانوا في الدنيا يعرفون كل فريق (بسيماهُم )أي أنهم كانوا يميِّزون بين الحق والباطل ،ولكنهم كانوا مترددين ..وأصحاب الأعراف هؤلاء سيظلون واقفين على هذه القنطرة ينظرون إلى الجنة فيطمعون أن يدخلوا فيها،ثم يختلسون النظر إلى جهنم فيرجون الله تعالى ألَّا يجعلهم من أهلها!!!! فيمكثون هكذا حتى يقضي الله في أمرهم ،ومع أن الحديث الشريف يقول أن الله سيقضي لهم بالجنة،إلا أن هذا الموقف غاية في السوء!!!
    وأوجِّه النصيحة لإخواني الشباب خاصَّةً :إن لم تكُن مع الحق ولم تنصره،فاحرص على ألا يكون مصيرك مع أصحاب الأعراف هؤلاء...إحسم موقفك قبل فوات الأوان ولا تقف هذا الموقف يوم القيامة.
    وتروي لنا السورة قصة كل نبي مع قومه، ثم تقول أن الله أنجى النبي ومن أمنوا معه،وأهلك الكافرين..ولكنها لا تتحدث عن الفئة المترددة، إما لأنهم تخاذلوا عن نُصرة الحق فأصبحوا مع الخاسرين كما قال بعض العلماء،وإما أنهم لا يستحقون الذِّكر فلم يذكرهم القرآن...وهنا تحذير شديد لهؤلاء السلبيون المتفرجون:" إيَّاك أن تكون من الفئة السلبية التي لا يتحدث عنها القرآن، فالسلبي لا وجود له،كما أنه لم ينجُ مع قومه..فاحذَر أن تكون مثلهم "
    ثم يأتي الحديث عن قصة موسى بعد نجاة موسى وقومه من فرعون ... وأهم ما فيها أن السحرة حسموا أمرهم ،لم يهتزوا لتهديد فرعون ،بل قالوا:" إنَّا إلى ربِّنا منقلبون"(125)،" وما تنقِمُ مِنَّا إلَّا أن آمَنَّا بِآياتِ ربِّنا لمَّا جاءتنا* ربَّنا أفرِغ علينا صبراً وتوفَّنا مُسلمين"(126)
    فقد حسم السحرة أمرهم و استمسكوا بالحق ثم طلبوا العون من الله .
    أما بنو إسرائيل فكانوا مترددين بين فرعون، وموسى...والآيات التالية تحكي عن هذا التردد حتى أنهم في أقرب فرصة عبدوا العجل بعد ما رأوْا من الآيات المُبهرات !!!!
    ثم تحكي الآيات عن تحايلهم على شرع الله وعصيانهم الشديد ،وكيف انقسموا إلى فئات:
    1-فئة العُصاة
    2-وفئة المؤمنين الذين يحاولون أن ينهوْنَهُم عن المعاصي
    3-ومتفرجون يلومون المؤمنين قائلين لهم:" لِمَ تَعِظونَ قَوماً اللهُ مُهلِكُهُم أو مُعَذِّبُهُم عذاباً شديداً؟!!"
    فكان رد المؤمنين:"مَعذِرةً إلى ربِّكُم ولعلَّهُم يتَّقون " أي: حتى إذا رجعنا إلى الله تعالى يوم القيامة يكون لنا عنده عُذر بأننا حاولنا معهم قدر المستطاع ونحن نأمل أن يهتدوا.
    فكانت نتيجة هذه القصة مشابِهة لقصة أصحاب الأعراف:" أنَجَينا الذين كانوا يَنهَوْنَ عنِ السُّوء وأخَذنا الذينَ ظَلموا بِعذابٍ بَئيسٍ بما كانوا يفسُقون"
    ولم تتحدث الآية عن الفئة المتفرِّجة !!!
    ثم توضِّح الآيات أن أحد أسباب عدم الحَسم هو الغَفلة!!!
    فالمؤمنين أنواع:
    1-أتقياء صالحون
    2-و عُصاة طاغون
    3-وفئة ثالثة من الناس: مهذَّبون ،طيِّبو القلوب ،لا يرتكبون الكبائر...لكنهم غير مُقبلين على الله ،وأولئك هم الغافلون ..وهم أخطر أنواع المؤمنين ،لأن العاصي الفاجر يأتي عليه وقت ويمَلّ من المعصية فيتوب لأنه مفطور على الطاعة...أما الغافل فيظل شارداً عن الله لسنوات طويلة ،وقد يظل هكذا حتى يموت(إلا مَن رحم ربي)لأنه يظن أنه على الحق وأنه لا يفعل كبائر توجب له النار..و هو لا يدري أنه كأصحاب الأعراف!!!!!
    تريد الدليل؟
    إقرأ الآية 205 :" واذكُر ربَّكَ في نفسِكَ تضَرُّعاً وخِيفة ودون الجَهرِ منَ القَول بالغُدُوِّ والآصال،ولا تكُن من الغافلين"
    ثم خُتِمت السورة بآية بها سجدة حتى تُقَرِّبُك من ربك،و تبعدك عن الشيطان... لعلك تتيقظ من الغفلة فيزيد استعدادك النفسي للحسم !!!
    أيُّها الشباب: إقرءوا سورة الأعراف حتى تتشجعوا على الحسم ،وتحرصوا على ألا تكونوا من أهل النار،ولا من المترددين مثل أصحاب الأعراف ...وتتمسكوا بالحق ولا تعودوا إلى الغفلة بعد رمضان،وسائر أيام العام.

    ***


  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2003
    الموقع
    مصر
    الردود
    1,528
    الجنس
    امرأة
    سورة الأنفال
    تعد سورة الأنفال تعقيباً على غزوة بدر ،وبالتالي فهي سورة مدنية...ولذا يسميها بعض العلماء بسورة "بدر"،فمحورها يدور حول أحداث هذه الغزوة،ولكن ليس لمجرد حكاية القصة...وإنما هدفها هو توضيح قوانين النصر.
    هذه المعركة سمَّاها الله "يوم الفرقان" لأنه فرَّق بينها بين الحق والباطل،بين تاريخ للبشرية كان الإسلام مستضعفاً فيه،وتاريخ للبشرية بعدها أصبح الإسلام فيه عزيزاً !!
    إذن هي تتحدث عن قوانين النصر،
    فقد كان عدد المسلمين 313 مقاتلاً ،بينما عدد الكفار 1000 مقاتل ،وكانت عدة المسلمين فرس واحد أو اثنين،بينما كانت عدة الكفار 300فرس!!!
    فإذا حسبنا المسألة بالقوانين المادية لقلنا أن المسلمين خاسرون،ولكن المسلمين لديهم عُدَّة أخرى تقوِّيهم غير الأشياء المادية المعادة!!!!
    تقول السورة:" إن النصر لا يأتي صُدفة أو فجأة..وكأنها رسائل قرآنية للمسلم تأتيه في سورة تلو الأخرى حتى ينتهي من المصحف فيكون صالحاً لعمارة الأرض والخلافة فيها على منهج الله.
    وكأن سورة الأنفال تقول للمؤمن:" لكي ينتصر منهجك (الذي تحدثت عنه سورة البقرة)لابد له من قوانين " فهي موجَّهة للمسلمين منذ بدء ظهور الإسلام في الجزيرة العربية،إلى يوم القيامة!!!!
    ونلاحظ في السورة قانونين ربَّانيين أساسيين يتفرع منهما قوانين أخرى فرعية،هذين القانونين هما:
    1- " وما النصرُ إلَّا مِن عِندِ الله"
    2- "أَعِدُّوا لهُم ما استَطَعتُم مِن قُوَّة".
    فالمؤمن يجب أن يبذل كل جهده ،ولكن –في نفس الوقت- يجب أن يوقِن أن النصر لا يأتي إلا من عند الله ،فالله هو الفاعل للنصر(وهذا هو المعنى الحقيقي للتوكُّل: الجوارح تعمل،والقلوب تتوكل)
    والسورة تتحدث عن نوعين نراهم الآن من البشر:
    1- نوع يدعو الله بالنصر ويبكي ويبتهل، ولكنه لا يتَّخذ أية إجراءات.
    2- ونوع يخطِّط ويجهِّز ويبذل الجهد،ثم ينتظر النصر من الله.
    وتبدأ السورة بسؤال:" يسألونَك عنِ الأنفال" وهي الغنائم ،فقد اختلفوا بعد النصر في كيفية توزيعها،والأنفال في الحقيقة رمز ٌ للدنيا، فهم مختلفون حول شيء دنيوي.
    فجاء رد الله تعالى : "فاتَّقوا الله و أصلِحوا ذات بينِكُم "أي دعوا الأمر لله !!
    فهم يبحثون قضية فرعية، والله تعالى يوجِّههم إلى قضية أساسية ،وهي أهم بكثير من قضيتهم، لذلك لم يرد على سؤالهم بخصوص تقسيم الغنائم إلا في الآية رقم 41!!!! .

    وبين الآيتين 41،1 يشرح لهم قوانين النصر ،وكأنَّه يقول لهم: رسِّخوا قوانين النصر في قلوبكم وطبِّقوها ،ثم فكِّروا في الغنائم.
    ولعل الآية رقم 53 تذكِّرنا ببرنامج" حتى يغيِّروا ما بِأَنفُسِهِم" ،فهذا هو أحد القوانين الفرعية للنصر .
    ونعود للآية رقم 5 فنجدها تتحدث عن المحور الأول: "وما النصر إلا من عند الله"،فالنصر صنعه الله وليس أنتم،فنرى ترتيب المعركة كيف أنه كان من عند الله ،ثم في الآيتين 7،6: إن الله هو الذي أخرجكم للقتال،ولم تكونوا تريدون الحرب،وتقول الآية 8: الله هو الذي أحقَّ الحق،والآية 11: تحكي عن الإعداد النفسي للمعركة: جعلكم تنامون لترتاحوا ،ثم أنزل عليكم بعد اليقظة مطراً خفيفاً .
    فمن أنزله؟ الله !!!
    والآية 42 تروي كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا جاء فيها أن الأعداء قليلون ليثبِّته ،ثم يجعل المؤمنين يرون الكافرين قليلي العدد،والكافرين يرون المؤمنين كثيرين !!!
    ثم تتحدث الآيتين 12،9 عن المُثبِّتات قبل المعركة: "إذ تستغيثون ربَّكُم فاستجاب لكُم أنِّي مُمِدُّكُم بألفٍ مِنَ الملائكَةِ مُردِفين"(9) ،" إذ يوحي ربُّكَ إلى الملائكةِ أنِّي معَكُم فثبِّتوا الذين آمَنوا سأُلقي في قلوبِ الذين كفروا الرُّعب"
    بعد ذلك توضح الآية42 أن الله تعالى هو الذي حدد موعد ومكان المعركة : فالعُدوة الدُنيا مكان،و العُدوة القُُصوى مكان آخر ، أما عن الموعد فيقول الله تعالى :" ولو تواعَدتُم لاختلَفتُم في الميعاد،ولكنَّ ليَقضيَ اللهُ أمراً كان مَفعولا"(الآية 42)
    وعن التثبيت توضح الآيات أن المطر نزل عند المسلمين ليثبِّت الأرض الرملية من تحتهم، ويجعل الأرض الطينية لَزِجة تحت أقدام الكفار،فتصبح حركة الخيل بطيئة !!!
    مَن فعل ذلك؟!!!! الله
    حتى نتيجة المعركة فعلها الله جل جلاله، و يتضح ذلك في الآيتين10:" وما النَّصرُ إلا من عِند الله"،و17:" فلَم تقتلوهم ولكن الله قتلهم * وما رمَيتَ إذ رمَيتَ ولكنَّ اللهَ رَمى"
    إذن أيها المؤمن هذه رسالة موجهة لك: ما عليكَ إلا أن تثق في نصر الله وتغيِّر نفسك للأصلح وفق منهج الله، ثم تأخذ بأسباب النصر ،ولا تنتظر النصر إلا من عند الله لأنه هو وحده الذي يصنع النصر!!!!!
    وفي الآية رقم 60 نرى أهمية التخطيط في كلمة" وأعِِدّوا لهم ما استطعتم من قوة، ومن رِباطِ الخَيل"أي كل أنواع القوى العلمية والتكنولوجية والمالية،وغيرها،ثم العُدد القتالية.
    وفي الآيتين 66،65 نرى أن الصبر هو أحد موازين القُوَى.
    ثم تشير السورة إلى أن هزيمة الكفار كانت لأسباب مادية وهي أنهم لا يفقهون فن الحرب.
    وتوضح الآيتين 62،46 أن طاعة الله،والأخُوَّة هما أحد أهم الأسباب المادية للنصر.
    والملاحظ على السورة ككل أن أول رُبعين منها تحدثا حول:" النصر من عند الله"
    ثم الربعين التاليين حول: الأسباب المادية للنصر،وأهمية التخطيط ،وموازين القٌوى،وهذا يذكِّرنا بسورة آل عمران التي تحدثت عن:
    1- المحو ر الأول في الآية36 منها
    2- المحور الثاني في الآيتين: 104،103 منها .

    وهناك لفتة لطيفة،وهي أنك ترى في الآية 4 من سورة الأنفال صفات للمؤمنين ،ثم تقول:" أولئك همُ المؤمنون حقاً"، بينما في الآية 74 نجدها تذكر صفات أخرى للمؤمنين،ثم تختم بقولها:" أولئك هم المؤمنون حقاً"!!!!
    فأيُّهما المؤمنون؟!!!
    إن المتأمِّل للصفات المذكورة في الآية الأولى يجد أنها صفات إيمانية روحية تتفق مع المحور الأول من محاور السورة.
    أما الآية الثانية فصفات مادية قوية تتفق مع المحور الثاني من السورة
    ترى ...هل رأيتم و استشعرتم حلاوة القرآن؟؟
    وهل أنتم فخورون به؟!!!!

    والآن نجيب عن سؤالنا التقليدي:" لماذا سُمِّيَت بسورة الأنفال؟
    لأنها تتحدث عن قوانين النصر، والأنفال رمز للدنيا،والفُرقة .
    فالدنيا والفُرقة هما اللذان يضيِّعان النصر،و يعطِّلان قوانينه ...فسميت السورة بالأنفال لتقول للمؤمنين:
    عليكم بالأخوَّة ،والوحدة ،والتخطيط ،واللجوء إلى الله .
    وتقول لإنسان هذا العصر:
    إذا كنت ناجحاً في دنياك فإن هذا الدين سينجح بك!!!!


  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Mar 2003
    الموقع
    مصر
    الردود
    1,528
    الجنس
    امرأة
    سورة التوبة
    هي آخر سورة نزلت في المدينة،وقد جاءت تعقيباُ على غزوة تبوك ،بعد اثنين وعشرين سنة من رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ،وقد اكتمل بها الشكل الختامي للرسالة ،أو نستطيع أن نعتبرها البيان الختامي للدعوة.
    وقد نزلت والمسلمين على أعتاب الخروج بالإسلام إلى خارج الجزيرة العربية،والانفتاح بهذه الرسالة على العالم الخارجي.
    هذه السورة هي السورة الوحيدة في القرآن الكريم التي لم تبدأ بالبسملة،فالبسملة تعد بوابة تنقلك من عالم (سورة)إلى عالم جديد ، وذلك تحت اسم الله تبارك وتعالى: الرحمن الرحيم،وقد قال العلماء أن الله حرم منها الكفار ، والمشركين، والمنافقين ، والمتخاذلين ،والمرتدين.
    وقد سمَّاها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة عدة أسماء أخرى مثل:" الفاضِحة" لأنها فضحت المنافقين ،و"الكاشِفة" لأنها كشفت أخطاءهم البالغة وتحايلهم على المسلمين .
    ونلاحظ أن سورة الأنفال التي جاءت قبلها تحدثت عن غزوة بدر وهي أول معركة للمسلمين،بينما تحدثت سورة التوبة عن غزوة تبوك وهي آخر معركة للمسلمين...
    وهذا الترتيب المتعمَّد للسورتين هدفه أن يَشعُر قارىء القرآن بالفرق بين أحوال المسلمين مع الكفار في بداية الرسالة،وأحوالهم في ختامها ...وكأن القرآن يعرض صورة تحليلية لنوعيات الناس والطوائف التي ظهرت بمرور الزمن في المجتمع بين بداية البعثة وقرب وفاة الرسول صلى
    الله عليه وسلم.
    وهنا أوجِّه الدعوة لعلماء الاجتماع والساسة والمفكرين لأن يتفكروا في كيفية تغيُّر المجتمعات.
    وبالرغم من ِشِدِّة الآيات في هذه السورة على الكفار والمنافقين، إلا أنها سميت بسورة التوبة...لماذا؟!! لأنها البلاغ الأخير قبل وداع الرسول للمسلمين،وهي النداء الأخير قبل وفاته،فهي آخر ما نزل من القرآن
    لذا جاءت تفتح صدرها للجميع وكأنَّها تقول: "أما مِن توبة قبل الوداع؟!!"
    وهذه السورة هي أكثر آية ورد بها ذِكر لفظ "توبة " !!!
    فقد ذُكر بسورة التوبة 17 مرة
    و ذُكِر بسورة البقرة 13
    وذُكر بسورة آل عمرن 3مرات
    وذُكر بسورة النساء12مرة
    وذُكر بسورة المائدة 5مرات
    والعجيب أنك تجد في السورة تهديداً ووعيداً شديداً ،ثم بين فقرة وأخرى تجد حثَّاً على التوبة مثل:" وإنْ يتوبوا يَكُ خيراً لَهُم"!!!
    وهذا من رحمة الله بهؤلاء الكفرة الفجرة ، رغم كل ما فعلوه!!!
    فسبحان من اختار لها اسم " التوبة" ،وليس الفاضحة ...وكأن الفضيحة لهم في هذه السورة سبب لتوبتهم،وكأنَّها تقول لهم :" لقد كُشِفتُم، ..فلماذا لا تتوبون؟!!"
    وبعد هذا التمهيد نبدأ الحديث :
    الهدف من هذه السورة هو الحديث عن التوبة ،فقد حرَّضَت المؤمنين على مواجهة المنافقين لمساعدتهم على التوبة.
    أما المؤمنين فتقول لهم:هناك ذنوب أخرى تفعلونها وهي التخاذل عن نُصرة الدين ، وكأنها تحدثنا نحن أيضاً فتقول: المطلوب منكم يا شباب ليس الكثير...فمجرد النجاح في حياتكم العلمية ، وبِرَّكم بوالديكم ،والأخذ بأيدي أصحابكم نحو الطاعة تعتبر نُصرة للدين!!!
    و نلاحظ أن بداية الآية شديدة جداً ولذلك فهي لم تبدأ بالبسملة لأن البسملة رحمة، والله لا يريد
    أن يبدأ حديثه مع المشركين بالرحمة.
    ومع هذه البداية الشديدة-كما ذكرنا- إلا أننا نرى في نهاية الآية رقم 3 "...فإن تُبتُم فهوَ خيرٌ لَكُم"!!! ما هذه الرحمة من الله سبحانه؟!! وما هذا التوازن بين الحث على التوبة والتشديد عليهم؟!!!
    فالآيات تقول لهم: باب التوبة مفتوح، فإن لم تتوبوا ،"فاعلَموا أنَّكُم غيرُ مُعجِزي الله"!!!!
    ولاحظوا أن السورة كلها تمشي بمنهج واحد :
    1- تهديد ووعيد للمشركين
    2-ثم تحريض المؤمنين
    ثم فضح للمنافقين 3-
    4- ثم فتح باب التوبة
    وبين كل فقرة وأخرى نجد آية تتحدث عن التوبة!!!!
    أيُّ دين هذا الذي يفتح باب التوبة للكافر والمنافق،فيصبح بتوبته أخاً للمسلم؟!!!!
    فإذا كان الله تعالى يتوب على مَن حُرِموا من "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول هذه السورة،أفلا يتوب على العُصاة من المؤمنين ؟!!!!
    فهذه الشِدَّة التي بدأت بها السورة تعتبر رحمة ، وهذه الفضيحة للمنافقين هي فتح لباب التوبة .
    ثم تتحدث السورة إلى المؤمنين فتُعدِّد لهم ثمانية أشياء حبُّها حلال،ولكن الحرام فيها هو أن يحبوها أكثر من الله ورسوله والجهاد في سبيل الله ،تقول الآية طالبة من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول للمؤمنين:" قُل إن كان آباؤكُم وأبناؤكُم وإخوانُكُم وأزواجُكُم وعشيرَتُكُم وأموالٌ اقترَفتُموها وتِجارةٌ تخشَونَ كسادَها ومساكِنُ تَرضَوْنَها أحبَّ إلَيكُم مِنَ اللهِ ورسولِِهِ وجِهادٍ في سبيله، فتربَّصوا حتى يأتيَ اللهُ بِأمرِه* واللهُ لا يَهدي القَومَ الفاسقين"
    هل لاحَظتُم أنه اعتبرهم فاسقين؟!!!
    والمعنى:إن فضَّلتم هؤلاء الثمانية على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقاب الله ، و نَكاله بكم،والله لا يوفِّق الخارجين عن طاعته!!!!!
    ثم تتحدث السورة عن غزوة حُنين وخطورة الأعجاب بالنفس أو القوة أو العَتاد ، مع أنهم صحابة رسول الله ،ثم توضِّح أن الله تاب عليهم.
    ونلاحظ أن الكلمات: " الله غفور رحيم" جاءت كثيراً في هذه السورة بين الآيات الشديدة
    ثم يوجِه الله تعالى عتاباً للمؤمنين:" ما لَكُم إذا قِيلَ لَكُم انفِروا في سبيل الله اثَّاقَلتُم إلى الأرض"؟!!!!
    فلماذا لا تجاهدوا في سبيل الله ولو بكلمة حق، و لو بدعوة إلى الله، ولو باليسير من المال ،و لو بكَف أذاكم عن الناس؟!!
    ثم يتشدد في اللهجة قائلاً :" إلا تَنفِروا يعذِّبكُم عذابا ًشديداً ،ويستبدل قوماً غيركم" إن تكاسلتُم و لم تجاهدوا قدر استطاعتكم قلن تَضُرُّوا الله شيئا - فهو الغني عنكم وأنتم الفقراء إليه- بل سوف يعاقبكم، ثم تُحرمون من ثواب الجهاد بأن يأتي بقوم آخرين أفضل منكم يجاهدون في سبيله.
    وتأمَّلوا معي الآية القائلة:" إنفِروا خِفافاً وثِقالاً" أي جاهِدوا في سبيل الله مهما كانت ظروفكم:شباباً،وشيوخاً، في العُسر واليُسر، أقوياء وضعفاء،طلاب علم و خريجين ، متزوجين و غير متزوجين...على أي حال كنتم.
    ثم نرى آيات تُحَذِّر المتخاذلين عن نُصرة الدين ،وهي الآيات: 87،86،83
    كما نرى تهديداً شديداً لهؤلاء المتخاذلين في الآيتين:82،81
    ثم بعد هذا التهديد الشديد يفتح الله تعالى لكل صنف من الأصناف باب التوبة الخاص به:
    أول باب في الآية 74 للمنافقين والمرتدِّين
    ثاني باب في الآية 102 للمترددين الذين خلطوا العمل الصالح بالسيِّء
    ثالث باب في الآية 104 لكل عِباد الله " ألم يعلموا أنَّ اللهَ هو يقبلُ التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأنَّ اللهَ هو التوَّابُ الرَّحيم" ؟؟!!!
    هل لاحظت الضمير "هو" ؟!! لقد تكر مرتين للتأكيد،فالله بجلاله وقدرته وعظَمَته يريد منك أن تتوب ليجزيك الجنة ،فهل ترفض أنت؟؟!!!
    بعد ذلك تتحدث الآية 111 عن العقد العظيم أو الصفقة الرابحة بين الله تعالى والمؤمنين .
    وفي الآية 112 يستعرض الله سبحانه صفات المؤمنين المستحقين أن يبشرهم الله بالجنة ....واللطيف أن أول صفة من هذه الصفات هي:" التائبون"!!!!
    ً والباب الرابع مفتوح في الآية 117للنبي والمهاجرين والأنصار ((وهُم صَفوَة الأُمَّة)) ،ونلاحظ أ،ه لم يدعُهُم إلى التوبة ،بل قال لهم:" لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتَّبَعوه في ساعة العُسرة"
    ثم باب خامس للذين تقاعسوا عن الجهاد في غزوة تبوك.
    ما هذا الكم من التوبة على عباد الله.
    ما هذا الدين العظيم؟!!!!!
    والآن بقي أن نتحدث عن الختام الرائع للسورة ،في الآية 129 " لقد جاءكُم رسولٌ مِن أنفُسِكُم * عزيزٌ عليهِ ما عَنِتُّم * حريصٌ عليكُم * بالمؤمنين رءوفٌ رحيم"
    فإذا كان المشركون والمنافقين قد حُرموا من الرحمة في أول السورة ، فإنهم قد أُعطوا رأفة ورحمة في آخرها،وهي محمد صلى الله عليه وسلم.
    فما أعظم هذا الدين الذي فتح ذراعيه للعُصاة والمُحاربين له ..ليعودوا إلى حُضنه الكبير،
    أما المؤمنين فقا ل لهم: إيَّاكُم والتخاذُل عن نُصرة دينكم.

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Mar 2003
    الموقع
    مصر
    الردود
    1,528
    الجنس
    امرأة
    سورة يونس
    إن هدف هذه السورة هو: الإيمان بالقضاء والقَدَر
    فهذه هي مشكلة الكثير من الناس،إذ نراهم يتطلَّعون إلى ما بيد غيرهم ويتساءلون:" لماذا فلان لديه كذا وليس أنا"؟!..."لماذا أُصبتُ بهذا المرض من دون الناس كلهم؟!"
    "ماذا جَنَيتُ يا ربي كي تفعل بي كذا وكذا؟!!"
    وتسأله :" لماذا لا تُصَلّي- مثلاً_؟! فيرد:" لأن الله لم يَهدِني بَعد،و لو وضعني في ظروف مُختلفة لاهتَدَيت"!!!
    ولعل هؤلاء لا يعلمون أن الإيمان بالقضاء والقدر جزء من الإيمان بالله تعالى،فلما جاء جبريل عليه السلام إلى النبي وهو جالس إلى أصحابه يسأله عدة أسئلة ليعلِّمَه دينه ، كان احد هذه الأسئلة : ما الإيمان؟" فقال له:" أن تؤمِن باللهِ وملائكته وكُتُبه ورُسُلِهِ ،وتؤمِن بالقضاء خيرِهِ وشَرِّه"

    فالذين لا يرضون بقضاء الله فيهم ،يتَّهمون الله تعالى وهم لا يَدرون!!!
    فإذا شعرت بالسخط على قضاء الله فيك فاسأل نفسك:" هل الذي قضى عليك هذا الأمر ظالم أو عابث؟ أم رب رحيم حكيم كريم عادل؟!!!"
    إ ن الحِكمة من القضاء الذي أصابك قد تظهر لك ،وقد لا تظهر ،ولكن إذا رسخ في قلبك أن الذي قضاه عليك ملك حكيم عادل لاطمأنَّ قلبُك .
    فهذه السورة تتحدث حول هذه المعاني،ولذلك بدأت في أول آية بالحديث عن الحكمة ،ثم تساءلت:"أكان للناسِ عَجَباً أن أوحَينا إلى رَجُلٍ مِنهُم "؟؟!!!هل تتعجبون ،وتستنكرون أن أعطينا الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم وليس لغيره؟!!"
    إنَّ رضاكم بمن اصطفاه الله للرسالة جزء من إيمانكم بالقضاء والقَدَر.
    ثم تبدأ السورة في الآيات4،3) في الدعوة إلى النظر إلى حِكمة الله تبارك وتعالى في الكَون..ونلاحظ أن كلمة ((الحق)) جاءت كثيراً في هذه السورة،فقد وردت 23 مرة لتؤكِّد على أن الحق عكس العبث،والحق إسم من أسماء الله تعالى،ولذلك لا يجوز أن نتهم من كان اسمه الحق في ما قضاه علينا!!! أو أن نشُك في صحة تدبيره لنا !!!
    وقد ظهر ذلك في الآيات55،53،31) التي تُعدِّد آيات الله فتشعر وأنت تقرؤها بأنك تريد أن تقول:" سبحان العادل ، سبحان الحكيم ، سبحان القادر"!!!!!
    فكيف بعد هذه الآيات والدلائل الكونية المُبهِرة لا تثق فيه وترضى بقضاءه وقَدَرِه؟!!!!
    ونلاحظ أن السورة تؤكِّد المرة تلو الأخرى على هذا المعنى.
    إن بعض الناس يتساءلون:" لقد كتب الله أهل الجنة وأهل النار،ففيمَ العمل إذن؟؟!!"
    ولكن المؤمن لا يسأل هذا السؤال" إنَّ الذينَ لا يرجونَ لقاءَنا ورَضوا بالحياةِ الدُّنيا واطمَأَنُّوا بِها والذينَ هُم عن آياتِنا غافِلون* أولئك مأواهُم النارُ بِما كانوا يَكسِبون"(7-8)
    هذه هي صفات الناس الذين يسألون هذا السؤال: يفتقرون إلى الجدِّية والإيمان الحق ،فلو تدبَّروا في خَلق الله تعالى لما سألوا هذا السؤال.ثم تتحدث الآيات التالية: (44،14،13)عن الحِكمة من القضاء والقَدَر : مؤكِّدة على أن اللهَ لا يظلم أبداً ،وأنَّ ما يقع من ظُلمٍ على الإنسان فبسبب ذنوبه وأفعاله!!!
    إذن لا يصِح بعد قراءة هذه السورة أن تسأل مثل هذا السؤال مرة أخرى،فلو أن الله أجبرك على الكُفر لما أدخلك النار أبداً ،لأنه عادل ...إذن أنت مُخيَّر في أفعالك ...فاختَر ما شِئت!!!
    ويتساءل الله عز وجل : كيف يستغرب الإنسان من قَدَر الله ولا يرضى بما قضاه له،مع أن الإنسان شديد الظلم لنفسه ولأخيه الإنسان؟!!!!
    ثم تحكي الآية(23) قصة توضِّح أفعال الناس تجاه قضاء الله
    إنهم يدعون الله بتضرع وخشوع لينجيهم من المصائب ،فلما ينجيهم منها إذا هُم يَبغون في الأرض بغَير الحق!!!
    إذن فقضاء الله نابع من عِلمه بأن هؤلاء سيبغون في الأرض إن أحسَن إلَيهم...إذن فهم لا يستحقون الإحسان!!!
    بعد ذلك تأتي قصص الأنبياء :أولاً قصة نوح ،ثم موسى مع فرعون ،في لقطات جاءت لخدمة هدف السورة وليس لمجرد رواية القصص ،لذا فهي تتحدث عن التوكُّل الحق على الله والتسليم لقضاءه،لأن المؤمن بقضاء الله خيره وشرِّه يتوكل على الله حق التوكُّل.
    وأكرر: إن أفضل حل لمن لديه مشكلة في مسألة القضاء والقدر أن يسأل نفسه:
    " هل الله عادل؟! إذن هل من المعقول أن يظلمك يوم القيامة؟ "
    فهو عادل وحق وحكيم ، فاطمئِنّ ، ثم توكَّل عليه .
    والسؤال الآن : لماذا سُمِّيَت بسورة يونس؟
    مع أن السورة روت قصتين : قصة يونس مع قومه،وقصة موسى مع فرعون.
    الفرق أن فرعون آمن وهو يغرق بعد أن كذَّب بالآيات المُبهِرات التي جاءته الواحدة تلو الأخرى.ففرعون آمَن بعد أن وقع عليه العذاب..ولو أنه نجا من الغرق لعاد أشد ظُلماً وطُغياناً ،والله تعالى يعلم ذلك لذلك جعله عِبرةً لِمَن يعتبِر!!!
    أما قوم يونس فقد آمنوا لما رأوا السحابة ،وظنُّوا فيها العذاب ، فلما آمَنوا صاروا عُبَّاداً صالحين و ختموا حياتهم – بإرادتهم - في طاعة الله،والدليل الآية: "فلما آمَنوا كشفنا عنهم عذابَ الخِزي في الحياة الدُّنيا ومتَّعناهُم إلى حين"
    وهاتين القصتين تعالجان قضية شائعة بين الناس،وهي قضية :" لماذا غيري لديه كذا وأنا ليس لدي مثله؟!!"
    لماذا غرق فرعون ونجا قوم يونس؟
    الإجابة هي أنك لا تدري حكمة الله من إغراق فرعون ونجاة قوم يونس ،ولكن يجب أن تثق في حِكمة الله وعدله ،فهو أدرى بعباده وخَلقه ،فلا تتَّهمه في قضاءه وقدره .
    ويصدِّق هذا الآية الكريمة:" ولو بسَطَ الله ُالرزقَ لِعباده لبَغَوا في الأرض* ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يشاء"
    والإجابة أيضاً في الآية(103)من سورة يونس :"كذلكَ حقَّاً علينا نُنجِ المؤمنين"
    فإذا أردتَ النجاة في الدنيا والآخرة ،فما عليكَ إلا أن تؤمن حق الإيمان ...ولا تنسَ أن الإيمان بالقضاء والقدر هو جزء من هذا الإيمان!!!!
    أما ختام سورة يونس فكان رائعاً:" تقول الآيات (107،106): كُن جادَّاً ولا تدعُ أحداً غير الله،ثم توكَّل عليه حق التوكل فإن أرادك الله بخير فلن يأخذه منك أحد ،وإن أرادك بسوء فلن يُنجيك أحد غيره ..فالجأ إليه وسلِّم لقضاءه..وإيَّاكَ أن تتَّهمه في مُلكه .
    فليست هناك حركة تحدث في الكون إلا بتقديره تعالى .
    وتظل قصة يونس وقومه رمزاً لمن اتَّقى الله وآمَن قبل فوات الأوان ،لذا فقد أكرمهم الله وتاب عليهم ،وماتوا وهم مؤمنون!!!!
    ***

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Mar 2003
    الموقع
    مصر
    الردود
    1,528
    الجنس
    امرأة
    سورة هود
    لعلنا نلاحظ أن هذه هي السورة الثانية التي تُسمَّى باسم نبي ،و كذلك السورة التي تسبقها،والتي تليها.
    وبشكل عام:يجب أن نعلم أنه إذا سُمِّيَت أي سورة في القرآن باسم أحد الأنبياء فإن هذا يعني أن هذا النبي هو محور السورة،وأن آخر سطر من القصة هو تلخيص لهذه القصة كلها!!
    ولقد نزلت السور الثلاث(يونس ، وهود، و يوسف)في وقت واحد تقريباً ،وبنفس الترتيب كما جاءت في المصحف((فكلنا يعلم أن القرآن لم ينزل بترتيب المصحف المتوفر لدينا الآن ))
    هذه السور نزلت بعد وفاة خديجة رضي الله عنها ،و عم الرسول صلى الله عليه وسلم أبو طالب ،حيث كان الأمر شديداً على النبي صلى الله عليه وسلم ،فنزلت هذه السور الثلاث لتُسرِّي عنه.
    وفي نفس الوقت كان الجو العام في مكة مُظلِماً: فقد كان الإيذاء للمسلمين شديداً، وكان المقبلون على الإسلام قليلي العدد،وكانت الاتهامات موجَّهة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من كل جهة ،فيخشى صلى الله عليه وسلم على أصحابه فيأمرهم بالهجرة إلى الحبشة، ثم يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لعل أهلها يؤمنون،فتكون النتيجة أن يكذِبوه ويجتمعوا على إيذاءه ... ليس هذا فحَسب،وإنَّما يفضحونه عند قريش أيضاً !!!!
    فكان وضع الإسلام-كما نرى- شديد الصعوبة...لذا نزلت هذه السورة لِتَصِف العلاج لمَن كان يقف هذا الموقف ،سواء النبي وأصحابه في ذلك الوقت... أو المسلمين من بعده إلى يوم الدين!!!!
    تقول السورة : إن مَن يكون وضعه هكذا يكون –في الغالب- تصرفه واحد من ثلاث:
    1-إما أن يفقد الأمل، فيتوقف عمن العمل والإصلاح.
    2-أو يتهور فيلجأ إلى العنف والتصرفات غير المحسوبة.
    3- أو يركن للجانب الأقوى ،ويعيش في ظِلِّه ويترك دين الله ...وينتهي به الأمر وهو إمَّعة(يقلِّد تقليداً أعمى)
    ولكن الإسلام لا يقبل بإحدى هذه التصرفات!!!
    لذلك نجد حلاً لهذه المشكلة في الآيتين(113،112)،وهو يتمثل في ثلاث تصرُّفات:
    1- فاستَقِم كما أُمِرت(إثبت واستمر على الدعوة)
    2- لا تَطغَوْا (إيَّاك والتهوُّر)
    3- لا تَركَن(إيَّاك أن تنحاز للفئة الكافرة حتى ولو كانت هي الأقوىكما يبدو لك..ولا تقلِّدهم فيما يخالف منهج الله ..بل تمسَّك بهويتك و منهجك )
    ويذَكِّرني هذا بكلمة لطيفة للحسن -رضي الله عنه- يقول فيها :" سبحان مَن جعل اعتدال الدين بين لاءَين: لا تَطغَوا ،ولا تَركَنوا"
    فالاعتدال أن لا تتهور،وفي نفس الوقت لا تذوب في الحضارات الأخرى التي تخالف منهجك!!!!
    وهذه رسالة في غاية الأهمية للشباب الملتزم بدينه،والذي يتمنى أن يفعل شيئاً من أجل الإسلام ،فتأتي لهم السورة بنماذج للأنبياء الذين استمروا على الإصلاح- رغم كل الظروف الحالِكة الظُّلمة- فلم يتهوَّروا ،ولم يَركَنوا!!!!
    ومن الآية الأولى في هذه السورة يتضح أنها تتحدث عن الدعوة إلى الله، وكيفية الدعوة في الظروف الصعبة.
    ثم تبدأ في رواية هذه الظروف الشديدة التي عاشها الني صلى الله عليه وسلم وأصحابه
    ،تقول الآية "فلعلَّكَ تارِكٌ بعضَ ما يُوحَى إليكَ وضائِقٌ به صَدرُك أن يقولوا لولا أُنزل عليه كَنزٌ أو جاء معهُ ملَك " فهل تخلَّى الرسول عن بعض وحي الله،أو ضاق صدره عن تبليغ الدعوة ؟ كلا !!! حاشا لله أن يحدث هذا...ولكن هذا الكلام جاء من قَبيل تثبيته صلى الله عليه وسلم، وتثبيتاً للمؤمنين من بعده في كل زمان ومكان!!!!

    فهذه السورة تؤكِّد على معنى معين ،وهو أن الداعية إلى الله لابد وأن يُقابَل بالتكذيب الشديد الذي يؤثِّر سلبياً على معنوياته فيضيق صدره وييأس من هداية الناس أو يتوقف عن الدعوة ،ونجد ذلك في الثلاثين آية الأولى من السورة...ثم تضع السورة له الحل –كما ذكرنا- في نقاط محورية :
    إثبت على الحق،و إيَّاك أن تتوقف
    ولا تتهور أو تتصرف بعُنف
    ولا تركَن إلى غير منهج الله، أي لا تقلِّد أحداً تقليداً أعمى
    فالمعاندون المكذِبون يجادلون الدعاة جدلاً بلا جدوى ،ولكن أيُّها المُحب لدين الله إثبت "إنَّما أنت نذير واللهُ على كل شيء وكيل "(12)
    فأنت تعمل أجيراً عند الله ،فبلِّغ ماأُمرت به وليس عليك تحقيق النتائج فالله هو الذي بيده تحقيق النتائج(على كل شيء وكيل )أي: إبذل جهدك،ثم دع الأمر لله!!!
    بعد ذلك تتحدث السورة عن بعض الأنبياء ،ومنهم نوح لكي يتأسَّى بهم الرسول -والمؤمنون من بعده -في الصبر والثَّبات..ولعلنا نلاحظ أن هذه السورة هي أكثر السور التي تحدثت عن نوح عليه السلام،حتى أن سورة نوح لم تتحدث عنه بهذا الكمّ من الآيات!!
    ولعل ذلك سببه أن قصة نوح ترتبط أكثر بهدف هذه السورة وهو ((الثبات على الدعوة،مع عدم التهور،بالإضافة إلى عدم الركون لغير منهج الله))
    فقد ظل نوح يدعو قومه ثلاثمائة عام،فإذا كانت ظروفك أيها الداعية صعبة،أو أن ظروف الأُمَّة صعبة من حيث إعراضها عن الحق،فقارن نفسك بنوح عليه السلام
    الذي ظل مستقيماً على طريق الدعوة، يدعو قومه بكل الطرق ولم يمل ،حتى مَلُّوا هُم منه وقالوا له: إئتِنا بهذا العذاب الذي تتحدث عنه إن كنت صادقاً !!!!كما قالت الآية 32:"قالوا يا نوحُ قد جادَلتَنا فأكثَرتَ جِدالَنا فَأتِنا بِما تَعِدُنا إن كُنتَ مِنَ الصادِقين"
    ومع ذلك لم يتهور أو يطغى عليهم، وتصرَّ ف بمنتهى التعقُّل قائلاً:" إنَّما يأتيكُم به الله إن شاء وما أنتُم بِمُعجِزين" فالمشكلة ليست بيني وبينكم وإنما بينكم وبين الله جلَّ جلاله ،وظل مستقيماً على طريق الدعوة حتى قال له الله تعالى :" وأوُحِيَ إلى نوحٍ أنه لَن يُؤمن َ مِن قَومِكَ إلا مَن قد آمَن فلا تَبتئِس بما كانوا يفعلون" !!!!
    ولم يُنزل الله العذاب بقوم نوح ليعلِّمه الصبر وحُسن الثِّقة بالله..فأمره ببناء سفينة، مع أ نه لا يملك الخشب الذي سيبنيها به ليس ،فكان عليه أن يزرع شجراً ليأخذ منه الخشب،وهذا لأمر يحتاج على مائة سنة أ, أكثر ...ولكنه لم يتوانى عن تنفيذ أمر الله وصبر حتى نبتت الأشجار وحصل على الخشب ثم بنى السفينة وسط سخرية الكافرين منه!!!
    فالداعية يعمل أجيراً عند الله ،يأمره بزراعة هذا الحقل مثلاً،فيزرعه ،حتى ولو كان يرى أن هذا الحقل لن ينتج محصولاً...فالمهم أن ينفذ الأوامر ،ويبذل جهده،ثم يترك النتائج لله سبحانه وتعالى...والمهم في الأمر أيضاً أنه سيأخذ أجره من الله تعالى في النهاية سواء أثْمَرَ الحقل أم لم يُثمر!!!!
    وفي قصة نوح تتجلَّى المعاني التي تحدثت حولها السورة: إستقم، لا تطغَوا،لا تركن...وقد ظهر معنى " لا تركن" بوضوح حين طلب نوح من ربه أن يعفو عن ابنه، قائلاً:" ربِّ إن ابني مِن أهلي" فقال له:" إنَّهُ ليس من أهلك إنهُ عملٌ غيرٌُ صالح،إنِّي أعِظُكَ أن تكونَ مِنَ الجاهلين"!!!
    فماذا فعل نوح؟!!!هل اعترض و ركَنَ إلى ابنه؟!!!
    الآية رقم 47 تجيب عن هذا السؤال:" قال ربِّ أعوذُ بك أن أسألكَ ما ليسَ لي به عِِلم"
    و بعد نهاية قصة نوح عليه السلام تأتي قصة هود عليه السلام...فلماذا سُمِّيَت السورة باسمه؟!!
    لأن ما قاله هود لقومه جمع في آية واحدة كل المعاني التي تدور حولها هذه السورة،فبعد أن كذَّبوه وكان في نفس الحالة المُظلمة التي عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم في عام الحُزن، والتي تعيشها أيضاً أمَّة الإسلام اليوم قال هود :"إنِّي أُشهِدُ الله واشهدوا أنِّي بَريءٌ مِمَّا تُشرِكون * مِن دونِهِ فَكيدوني جميعاً ثُمَّ لا تُنظِرون* إنِّي توكَّلتُ على الله ِ ربي وربُّكُم ما مِن دابَّةٍ إلا هوَ آخِذٌ بِناصيتها إنَّ ربِّي على صِراطِ مستقيم"
    فلم يحدث أنَّ أحدٌ حدَّث قومه بلهجة فيها قوة،وعدم ركون،وإصرار على أداء الرسالة كما فعل هود!!! ومع ذلك فهو لم يتهور ،ونرى ذلك من تحوُّل لهجته من التَّحدي إلى منتهى التعقُّل ، فلم يتصرف بعنف أو يتهور أ, يطغى ،بل قال لهم:" فإن توَلَّوا فقد أبلَغتُكُم ما أُرسِتُ به إلَيكُم ويستحلِفُ ربي قوماً غيرَكُم ولا تضُرُّونه شيئاً إنَّ ربي على كُلِّ شَيءٍ حفيظ"!!!!
    ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:" شيَّبَتني هود وأخواتها" لأنها سورة شديدة...وهذه السورة تحكي لكل مَن يأتي بعد ذلك كيف ينفِّذ أوامر الله وذلك في الآيتين 113،112،((فاستقم كما أُمِرت،ولا تطغَوا،ولا تَركَنوا إلى الذين ظَلموا))ثم يأتي بقية الشرح في الآية 114((أَقِم الصلاة )) ،ثم تؤكِّد الآية 115 على أهمية الصبر على طاعة الله .
    وتتوالى الآيات حتى نصل إلى الآيات الأخيرة من السورة التي تقول:" وَقُل للذين لا يُؤمِنون اعمَلوا على مكانتكم إنَّا عامِلون (نحن لا نيأس من هدايتكم لأن الله هو القادر ،فنحن نبذل الجهد،ثم نتوكل عليه )
    فيا شباب الأمة:
    لا تَركنوا
    لا تتهوَّروا
    واستقيموا على طاعة الله ،وعلى الدعوة إليه.

    لعلَّ الله يكشف عنا جميعاً هذه الغُمَّة .




مواضيع مشابهه

  1. سلسلة: الهداية - للداعية عمرو خالد
    بواسطة تفاحة صغيرة في ركن الصوتيات والمرئيات
    الردود: 13
    اخر موضوع: 03-06-2003, 09:45 AM
  2. حوار هادئ مع الأستاذ عمرو خالد
    بواسطة ابن ابي الدنيا في ركن الصوتيات والمرئيات
    الردود: 1
    اخر موضوع: 02-06-2003, 02:27 AM
  3. لمن لم يستمع لاخر محاضرة للداعية عمرو خالد
    بواسطة estrellas في الملتقى الحواري
    الردود: 12
    اخر موضوع: 31-03-2003, 10:59 AM
  4. موقع الأستاذ عمرو خالد الجديد
    بواسطة محبة لدينها في الملتقى الحواري
    الردود: 1
    اخر موضوع: 04-12-2002, 06:04 PM
  5. الداعية الشاب الأستاذ عمرو خالد ...!
    بواسطة وردة الإسلام في ركن الصوتيات والمرئيات
    الردود: 6
    اخر موضوع: 03-09-2002, 09:08 PM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ