ّ
عُبيدة بن الجراح " أمين هذة الأمة "
اسمه ونسبه
هو عامر بن عبد الله بن الجراح
بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، القرشي، الفهري رضي الله عنه
ولد بمكة سنة أربعين قبل الهجرة
أمه هي من بنات عم أبيه وقد أسلمت
كنيته
اشتهر بأبو عُبيدة، وقد غلبت كنيته على اسمه
أوصافه
كان رضي الله عنه نحيف الجسم، معروق الوجه، طوالاً، خفيف اللحية، خفيف العارضين
أهتم الثنيتين ، شامخ القامة، قوي الشخصية، باسم الثغر، طيب النفس
إسلامه
درج حول حمى الكعبة التي كانت تتلهف لسماع كلمات التوحيد فلم يحتمل قلب أبي عبيدة أكثر من جلسة قصيرة واحدة
حتى أسلم على يد أبي بكر فكان من السابقين الأولين إلى الإسلام
وأسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم
هجرته
من المهاجرين الأولين حيث هاجر الهجرتين ويعتبر من فضلاء الصحابة الأقدمين
مناقبه
شهد بدراً وشهد المشاهد كلها وهو من العشرة المشهود لهم بالجنة
وكان رضي الله عنه يدعى في الصحابة القوي الأمين
قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: " لكلّ أمّة أمينٌ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة "
قدم للإسلام زهرة شبابه وإخلاص قلبه الفتي فشارك في كل الغزوات والسرايا
وكان له موقف عظيم مع رسول الله عندما غارت حلقتا الدرع في وجنته الشريفة فانتزعهما أبو عبيدة بثنييه فكسرتا
أراد عمر أن يُبايعه بعد وفاة رسول الله، ولكن أبا عبيدة قال ...
" ما كنت لأتقدم بين يدي رجلٍ أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنا في الصلاة فأمنا حتى مات "
أخلاقه
كان رضي الله عنه وضيء الوجه، بهي الطلعة، ترتاح العين لمرآه،
وتأنس النفس للقياه ويطمئن الفؤاد إليه، متواضعاً، شديد الحياء
وكان رضي الله عنه موصوفاً بحسن الخلق، والحلم الزائد، والتواضع الطيب بادياً على محياه
وعلامات الرجولة الفذّة تسكن نظراتِه الصّادقة وإشراقة خصاله النبيلة تتألق في جبينه الشامخ
فضائله
أن الله نوه بالثناء عليه ومدحه في كتابه المنزل ولو لم يسمه باسمه والآية التي ذكر المفسرون أنها نزلت في أبي عبيدة
هي قوله تعالى ﴿ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... ﴾ [المجادلة: 22]
لما قتل أباه يوم بدر كافراً.
وروي عن عبد الله بن شقيق قال ... « سألت عائشة رضي الله عنها: من كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قالت: أبو بكر، ثم عمر، ثم أبو عبيدة بن الجراح؛ فانتهت إلى ذلك »
وقال أبو بكر يوم السقيفة: «لقد رضيت لكم أحد الرجلين فبايعوا أحدهما: عمر بن الخطاب، أو أبا عبيدة بن الجراح »
وعن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
« ما من أحدٍ من أصحابي إلا لو شئت لأخذت عليه في خلقه، ليس أبا عبيدة » وهذا مرسل ورجاله ثقات.
ولما قدم وفد نصارى نجران، وأرادوا الرجوع إلى بلادهم طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل معهم رجلاً من أصحابه أميناً
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « لأرسلن معكم أميناً حق أمين » حتى إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
كل منهم تشوف لهذا الفضل ثم أرسل معهم أبا عبيدة بن الجراح
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة»
وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال ... « ثلاثة من قريش أصبح الناس وجوهاً ، وأحسنها أخلاقاً ، وأثبتها حياءً
إن حدثوك لم يكذبوك ، وإن حدثتهم لم يكذبوك ..أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح»
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال ..
«أخلائي من أصحاب رسول الله عليه السلام ثلاثة - أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح ».
وروي عن ثابت البناني أن أبا عبيدة قال : «أيها الناس ! إني امرؤ من قريش
وما منكم من أحمر ولا أسود يفضلني بتقوى إلا وددت أني مكانه - وفي لفظ: مسلاخه-».
وهو الذي انتزع حلقتي المغفر من وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد حتى سقطت ثنيتاه
وورد عن عائشة رضي الله عنها أنها لما سئلت : من رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلف؟
قالت: «أبو بكر». فقيل لها: ثم من؟ قالت: «عمر». ثم قيل لها: ثم من؟ قالـت: «أبو عبيدة».
وروي أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لما طعن قال: «لو كان أبو عبيدة بن الجراح حياً؛ لأستخلفته»
وعن سعيد المقبري قال: «لما أصيب أبو عبيدة قالوا لمعاذ بن جبل: صل بالناس فصلى معاذ بهم ثم خطب فقال ...
أيها الناس! إنكم فجعتم برجل ما رأيت أحداً من عباد الله قط أقل حقداً ولا أبرأ صدراً ولا أبعد غائلة
ولا أشد حياءً ولا أنصح للعامة منه، وذلك هو أبو عبيدة بن الجراح، فترحموا عليه، رضي الله عنه»
وقد روي عن خليفة بن خياط قال .. «كان أبو بكر قد ولى أبا عبيدة بيت المال،
ولم يكن بعد قد عد بيت المال على عهد أبي بكر، ولكن المراد أموال المسلمين».
وورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوماً لأصحابه :
«كل منكم يتمنى أمنيته ، فتمنى كل منهم ما يريد وما يرغب. فقال عمر رضي الله عنه ...
أما أنا فإني أتمنى بيتاً ممتلئاً رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه».
فما أعلى همة أمير المؤمنين وما أصدق رغبته في الآخرة رضي الله عن عمر.
ولما سمع معاذ بن جبل من ينتقص أبا عبيدة، خطب وقال .. « إنه والله لمن خيرة من يمشي على وجه الأرض»
يروى أن أمير المؤمنين عمر لما سمع عن وقوع الطاعون بالشام
كتب كتاباً مستعجلاً إلى أميره بالشام أبو عبيدة بن الجراح قائلاً فيه: «إني قد بدت لي بك حاجة لا غنى لي عنك فيها
فإذا أتاك كتابي؛ فإني أعزم عليك ألا تصبح إلا وأنت سائر إلي، لا تقعد بعد وصول خطابي هذا»
غير أن أبا عبيدة قد عرف قصد أمير المؤمنين عمر وهو خوفه على أميره الذي يساوي الدنيا عنده كلها بأكملها
ثم كتب إليه أبو عبيدة يعتذر منه، وأنه لا يتمكن من السير إليه، فلما جاء الكتاب إلى عمر وقرأه؛ بكى بكاءً شديداً
فقيل له: أمات أبو عبيدة يا أمير المؤمنين؟ قال: «لا، ولكن الموت منه قريب»
فلم يلبث إلا قليلاً حتى جاءه خبر وفاته رضي الله عنه
شئ من زُهده وورعه
قد روى لنا عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد:
« أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم الشام؛ تلقاه أبو عبيدة وهو أميره على الشام
فسايره حتى دخل عمر منزل أبي عبيدة، فقلب عمر بصره في بيت أميره فلم ير فيه شيئاً سوى سيفه وترسه ورحله
فقال له عمر، أين متاعك؟ قال أبو عبيدة: هذا يبلغنا المقيل. ثم إن عمر بكى
وقال: « كلنا غرتنا الدنيا غير أبي عبيدة فإنه أخذ بزمام نفسه عنها».
روي: «أن عمر رضي الله عنه أرسل إلى أبي عبيدة وهو أمير على الشام بأربعة آلاف درهم أو أربع مئة دينار
وقال عمر لرسوله: انظر ما يصنع بها أبو عبيدة. فعندما وصلت إليه؛ فرقها على المساكين والأيتام ولم يبق له منها شيئاً
فلما بلغ عمر ما صنع بها؛ قال: الحمد لله الذي جعل من المسلمين من يصنع بمثل هذا».
وروي: «أن أبا عبيدة بن الجراح مع شدة خوفه من الله، وورعه، وزهده، وكثرة عبادته
وما له من الفضائل في الصحبة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، والفتوحات الكثيرة على يده
مع ذلك كله يروى أنه قال: وددت أني كبشاً فذبحني أهلي وأكلوا لحمي ولم أك شيئاًَ».
شيء من وعظه
يروى: «أنه لما حضرته الوفاة أوصى، فقال ...
إني موصيكم بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير: أقيموا الصلاة، وصوموا شهر رمضان، وتصدقوا،
وحجوا واعتمروا، وتواصوا بالخير فيما بينكم، وانصحوا لأمرائكم ولا تغشوهم ولا تلهكم الدنيا
فإن المرء لو عمر ألف عام ما كان له بد من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي ترون والسلام عليكم ورحمة الله»
موقف مشرف
أخفى كتاب أمير المؤمين عمر بن الخطاب الذي يقضي بِعزل خالد بن الوليد عن قيادة جيش اليرموك
وتولية أبي عبيدة حتى لا يحرم خالداً فرحة النصر بعد المعركة
وراح أبو عبيدة ينتقل من نصر إلى نصر، ومن فتح إلى فَتح حتى أُصيب بمرض الطاعون،
وفاضت روحه الزكية في الأردن بعد أن ضربَ أروع الأمثلة في الحكمة والشجاعة وبعد النّظر
بعض من غزواته
* ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا عبيدة بن الجراح على سرية عدد جيشها ثلاث مئة
يتلقون عيراً لقريش وزودهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جراباً من تمر
فطال عليهم السفر والعدد كثير والتمر قليل، فكان أبو عبيدة يزود كل رجل تمرة يمصها وتكفيه يومه
فلما كانوا بساحل البحر، فإذا هم بعنبرة (أي حوتة من حيتان البحر) كأنها قطعة جبل
فأقاموا عليها ما يقارب شهراً يأكلون ويدهنون حتى ترادت عليهم أحوالهم وهذه تعرف بغزوة سيف البحر
* لما مات الصديق أبو بكر تولى الخلافة عمر بن الخطاب وعلى الجيوش الإسلامية بالشام خالد بن الوليد
عزل عمر خالداً وجعل مكانه أبا عبيدة بن الجراح؛ فتوالت على يديه الفتوحات
وبقي بالشام منذ تولى لأمير المؤمنين عمر يواصل الفتوحات إلى أن توفاه الله سنة ثماني عشرة هجرية.
هذا آخر ما أوصى به رضي الله عنه وأرضاه، اللهم صل على محمد.
وفاته
كانت وفاته سنة ثماني عشرة من الهجرة بمدينة عمواس
بعد أن أصيب بمرض الطاعون الذي تفشي في الشام عن عُمر يناهز ثمان وخمسين سنة حسبما قيل
رضي الله عن أبا عُبيدة ، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء
وجمعنا به في دار كرامته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقا
جمعته لكم أختكم في الله الفالحة
الروابط المفضلة