ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله العالم بالبواطن والظواهر ، والخفيات والجليات ،
المطلع علــى مكنون الصدور وخبايا الأمـــور ، ودقيــــــق
المخلوقات فـي زوايا الظلمات يعلم السر وأخفى، الله لا إله
إلا هو له الأسماء الحسنى وكامل الصفات ، وأشهــــــد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الذي شهدت له بالربوبية
جميع الموجودات، وأذعن له بالألوهية والإخلاص خلاصة
المخلوقات ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الرسل
وسيد البريات ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى
آله وأصحابه أهل السرائر الصافيات ، وعلى التابعين
لهم بإحسان في صحة العقيدة وزكاء النيات .
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى وأطيعوه ، واعلموا أن
الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ، قال صلى الله عليه وسلم
" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى "(1)وهذا
مـــن جوامع كلماته الشريفة ، ومـن أعظم أصول الشريعة
المنيفة، فيدخل في هذا جميع العبادات والعادات ، ويتناول
المعاملات والمعاوضات والتبرعات ، فلا يصح لأحد صلاة
ولا زكاة ولا صيام ولا حج إلا بالنية ، ولا تكمـــل عباداته
كلهـــا وينمو ثوابها إلا بكمال الإخلاص وصحة الطوية ،
والنية بها تميز فروض العبادات من نفلها ، وبإخلاصها
لله ، يعظم أجرها ، ويفوز العامل بفضلها .
أيهــا الناس : وطنوا نفوسكم على الاحتساب في كـل شيء
وإرادة وجـــــه الله ، ومرنوها علــى محبة الخير للمسلمين
والنصح لعباد الله ، فـــإن الله لا ينظر إلى صوركم الظاهرة
وأعمالكم ، وإنما ينظر إلى بواطن قلوبكم ، ومــــا اشتملت
عليــــه من أحوالكم ، وعودوا أنفسكم الإخلاص فــي كـــل
ما تأتون وما تذرون ، واحتساب الأجــر فيــمـــــا تسرون
وما تعلنون ، ليكون الإخلاص لكم قرينا ، وارتقاب الثواب
علـى الخير لكم عوينا، فمن كان مشتغلا بتجارة أو صناعة
أو حرفة ، أو فلاحة ، أو غيرهـا من الأعمال ، فلينو بذلك
القيام بواجب النفس والأهل والعيال ، فــــــإن ذلك جهـــاد
واشتغال بالواجب ؛ وهــو من أفضل الأعمال ، وإذا أطعــم
أحدكم أهله أو من يمونه فليقصد بذلك وجه الله ، فـإنه إذا
رفع اللقمة إلى في امرأته أو ولده أو كساهم محتسبا كــان
له رفعة وثوابا عنــد الله . ومـن أكــل أو شــرب أو نام أو
استراح ، ينوي بذلك التقوي على الطاعة فهو في عبادة ،
ومن طلب العلم يبتغي به وجه الله ونفع نفسه والمسلمين
فهو في جهاد ورفعة وزيادة ، ومن عجز عـــن فعل الخير
فنواه بصدق فله أجر ما نواه ، ومـن كــان لــه عادة خير
وطاعة فمرض أو سافر كتب له مـــا كـــان يعمل صحيحا
مقيما ، فــمــا أحـــق العبد بشكر مولاه ، ومن هم بحسنة
فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، ومن هم بسيئة
فتركها لله كتبها الله عنده حسنة كاملة ، ومــن حـــــرص
علـى فعل المعصية فعجز عنها فهو بمنزلة الفاعل ، ومن
سعى في خير فأدركه الموت قبل تكميله وقع أجره علــى
الله الذي أكرمه بلطفه الشامل ، ومن أخذ أموال النـــاس
وعاملهم يريد الوفاء أداها الله عنه ، ومـــــن أخذها يريد
إتلافها أتلفه الله ، ومن توسل بحيلة إلى معاملة محرمة
فهو مخادع ظالم، ومن وقف وقفا أو أوصى بوصية يريد
حرمان غريمه أو مضارة وارثه فهو معتد آثم ، ومــــــن
عضل زوجته وظلمها لتفتدي منه نفسها فذلك من
أعظم الجرائم .
فطــوبــى لأهــــل الهمم العالية ، لقد انقلبت عاداتهم بالنية
الصالحة عبادات ، ويا ويح أهل الجهل والهمم الدنيّة ، لقد
كادت عباداتهم لضعف النية تكون عادات ، قـــال تعــــالى
( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) الآية .
المصدر كتاب : الفواكه الشهية في الخطب المنبرية ( ص : 36)
للشيخ : عبد الرحمن السعدي
(1) رواه البخاري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الروابط المفضلة