بقلم : عبداللطيف هاجس




الحمد لله الذي جعل البيت الحرام مثابة للناس وأمنا ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد :
فقد ندب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى كثرة التزود من الحج والعمرة والمتابعة بينها لِما في ذلك من تكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفعة الدرجات ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم : " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة "
رواه أحمد و الترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه .
وليس في العام إلا حج واحد ، وقد لا يتسنى للعبد أن يقصد بيت الله في كل عام ، لذلك وسَّع الله على عباده ، فشرع لهم من الأعمال الصالحة ما هي في متناول أيديهم وفي استطاعتهم ليدركوا أجر الحج وثواب العمرة ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وهو ذو الفضل المبين ، ومن ذلك :
* تحجيج غيرك بمالك :
فعن زيد بن خالد الجهني ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من جهز غازياً أو جهز حاجاً أو خلفه في أهله أو فطَّر صائماً كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء "
رواه النسائي وابن خزيمة والترمذي
وكم من أناس يريدون الحج وليس في قدرتهم المالية ما يستطيعون به الوصول إلى المشاعر المقدسة لأداء ذلك النسك المبارك ، فكم هو الأجر العظيم لمن أعانهم عليه بما آتاه مولاه من مال . وخصوصاً المسلمون الجدد عن طريق المكاتب الدعوية لدعوة الجاليات .
* صلاة الإشراق :
فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة "
رواه الترمذي وغيره ، وهو حسن .
فمن جلس بعد صلاة الفجر إلى الإشراق في مصلاه يذكر الله ، ثم صلى ركعتين أدرك هذا الفضل ونال ذلك الأجر ولو في كل يوم .
ولو لم يكن في إمكانه إلا في يومي الإجازة ( الخميس والجمعة ) لأدرك في كل شهر ثمان حجج وثمان عمر ، وفي السنة ( 69 ) تسعة وستون حجة وعمرة .
ولو دام على حاله هذا في عشر سنوات لحاز أجر ( 690 ) حجة و( 690 ) عمرة ..
فسبحان الله ! ما أعظم كرمه ! وما أكثر فضله !
* حضور حلقات العلم : فعن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلِّمه كان له كأجر حاج تاماً حجته "
رواه الطبراني في الكبير ، وهو في صحيح الترغيب والترهيب للألباني .
فأين الوعاظ والدعاة عن هذا الأجر ؟
أين الحريصون على طلب العلم وحضور مجالس الذكر ؟
فلو ألقى الواعظ أو حضر طالب العلم خمس مواعظ في الأسبوع لحاز على أجر خمس حجج تامة .
ولو حضر أو ألقى ( 20) موعظة في الشهر ، لأدرك أجر (20 ) حجة في الشهر الواحد .
ولو حضر أو ألقى ـ على هذا المعدل ـ خمس مواعظ أو دروس في الأسبوع لنال أجر ( 240) حجة في السنة الواحدة .
فكيف يكون أجر من يحضر في كل يوم درساً ؟ هذا يعني أنه يحج في كلِّ يوم !
وعلى هذا فإنه في العام الواحد يحج أكثر من (365) حجة !
فكيف يكون أجر من يحضر في اليوم الواحد أكثر من درس ويلقي أكثر من موعظة ؟!!
هذا علاوة على الأجور الأخرى في طلب العلم وبذله !
فما الظن بمن لازم هذا العمل الصالح أكثر من عشر سنوات في عمره ؟!
معنى هذا أنه حج (3650) حجة في عشر سنوات ! تامات .. تامات ..
* الاعتمار في رمضان :
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" عمرة في رمضان تقضي حجة " أو " حجةً معي "
وقال :" فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة "
رواه البخاري ومسلم
* صلاة الفريضة في المسجد :
فعن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة ، ومن مشى إلى صلاة تطوع ( يعني صلاة الضحى ) فهي كعمرة نافلة "
رواه أحمد أبو داود
وقال ـ صلى الله عليه وسلم :" من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم ، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر . وصلاةٌ على إثر صلاة لا لغو بينهما كتابٌ في عليين "
رواه أحمد وأبو داود ، وهو صحيح
فخمس صلوات في اليوم والليلة في المسجد مع جماعة المسلمين تعادل أجر خمس حجج
وفي السنة ( 5 صلوات / 360 يوم ) = 1800 حجة في سنة واحدة
وفي عشر سنوات = 18000 حجة
وفي (30 ) سنة = 54000 (54 ) ألف حجة .
فأين المضيعون لصلاة الجماعة عن هذا الثواب من الكريم الوهاب ؟!
أكثر من ألف وثمانمائة حجة في عام واحد لمن يصلي صلاة الفريضة مع الجماعة ، فكيف بالأجور الأخرى المترتب على أدائها في المساجد حيث أمر الله ؟!
وإنما المحروم من قعدت به معاصيه عن بيت باريه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
* صلاة في مسجد قباء بالمدينة النبوية :
فعن سهل بن حنيف ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه كان له كأجر عمرة " رواه أحمد والترمذي والنسائي ، وهو صحيح
* صلاة العشاء والغداة في جماعة :
فعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال : أن ناساً من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالوا : يا رسول الله ! ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم . فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم :" أوليس قد جعل الله لكم صلاة العشاء في جماعة تعدل حجة ، وصلاة الغداة في جماعة تعدل عمرة "
رواه أحمد في المسند والنسائي .
وبعد : فهذا غيض من فيض فضل الله وكرمه على عباده ، فالواجب عليهم أن يغتنموا فضله ويسارعوا إلى ما يرضيه ، وينافسوا على أسباب الفوز بجنته وزيادة الدرجات فيها بزيادة الأعمال الصالحة الفاضلة في الدنيا ، والسلام ختام .