أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ
تفسير ابن كثير
أَيْ الْمَرْأَة نَاقِصَة يَكْمُل نَقْصهَا بِلُبْسِ الْحُلِيّ مُنْذُ تَكُون طِفْلَة وَإِذَا خَاصَمَتْ فَلَا عِبَارَة لَهَا بَلْ هِيَ عَاجِزَة عَيِيَّة أَوَمَنْ يَكُون هَكَذَا يُنْسَب إِلَى جَنَاب اللَّه الْعَظِيم ؟ فَالْأُنْثَى نَاقِصَة الظَّاهِر وَالْبَاطِن فِي الصُّورَة وَالْمَعْنَى فَيَكْمُل نَقْص ظَاهِرهَا وَصُورَتهَا بِلُبْسِ الْحُلِيّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِيُجْبَر مَا فِيهَا مِنْ نَقْص كَمَا قَالَ بَعْض شُعَرَاء الْعَرَب وَمَا الْحُلِيّ إِلَّا زِينَة مِنْ نَقِيصَة يُتَمِّم مِنْ حُسْن إِذَا الْحُسْن قَصَّرَا وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْجَمَال مُوَفَّرًا كَحُسْنِك لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يُزَوَّرَا وَأَمَّا نَقْص مَعْنَاهَا فَإِنَّهَا ضَعِيفَة عَاجِزَة عَنْ الِانْتِصَار عِنْد الِانْتِصَار لَا عِبَارَة لَهَا وَلَا هِمَّة كَمَا قَالَ بَعْض الْعَرَب وَقَدْ بُشِّرَ بِبِنْتٍ مَا هِيَ بِنِعْمَ الْوَلَد نَصْرهَا بُكَاء وَبِرّهَا سَرِقَة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسيرالجلالين
أَوَ" هَمْزَة الْإِنْكَار وَوَاو الْعَطْف بِجُمْلَةِ أَيْ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ "مَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة" الزِّينَة "وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين" مُظْهِر الْحُجَّة لِضَعْفِهِ عَنْهَا بِالْأُنُوثَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسيرالقرطبي
أَوَمَنْ يُنَشَّأُ
أَيْ يُرَبَّى وَيَشِبّ . وَالنُّشُوء : التَّرْبِيَة ; يُقَال : نَشَأْت فِي بَنِي فُلَان نَشْئًا وَنُشُوءًا إِذَا شَبَبْت فِيهِمْ . وَنُشِّئَ وَأُنْشِئَ بِمَعْنًى . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَابْن وَثَّاب وَحَفْص وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف " يُنَشَّأ " بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح النُّون وَتَشْدِيد الشِّين ; أَيْ يُرَبَّى وَيُكَبِّر فِي الْحِلْيَة . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد , لِأَنَّ الْإِسْنَاد فِيهَا أَعْلَى . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " يَنْشَأ " بِفَتْحِ الْيَاء وَإِسْكَان النُّون , وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم , أَيْ يُرَسَّخ وَيَنْبُت , وَأَصْله مِنْ نَشَأَ أَيْ اِرْتَفَعَ , قَالَهُ الْهَرَوِيّ . ف " يُنَشَّأ " مُتَعَدٍّ , و " يَنْشَأ " لَازِم .
فِي الْحِلْيَةِ
أَيْ فِي الزِّينَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : هُنَّ الْجَوَارِي زِيّهنَّ غَيْر زِيّ الرِّجَال . قَالَ مُجَاهِد : رُخِّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الذَّهَب وَالْحَرِير ; وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة . قَالَ إِلْكِيَا : فِيهِ دَلَالَة عَلَى إِبَاحَة الْحُلِيّ لِلنِّسَاءِ , وَالْإِجْمَاع مُنْعَقِد عَلَيْهِ وَالْأَخْبَار فِيهِ لَا تُحْصَى .
قُلْت : رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ كَانَ يَقُول لِابْنَتِهِ : يَا بُنَيَّة , إِيَّاكَ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ ! فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْك اللَّهَب .
وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ
أَيْ فِي الْمُجَادَلَة وَالْإِدْلَاء بِالْحُجَّةِ . قَالَ قَتَادَة , مَا تَكَلَّمَتْ اِمْرَأَة وَلَهَا حُجَّة إِلَّا جَعَلَتْهَا عَلَى نَفْسهَا . وَفِي مُصْحَف عَبْد اللَّه " وَهُوَ فِي الْكَلَام غَيْر مُبِين " .
وَمَعْنَى الْآيَة : أَيُضَافُ إِلَى اللَّه مَنْ هَذَا وَصْفه ! أَيْ لَا يَجُوز ذَلِكَ . وَقِيلَ : الْمُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة أَصْنَامهمْ الَّتِي صَاغُوهَا مِنْ ذَهَب وَفِضَّة وَحَلَّوْهَا ; قَالَ اِبْن زَيْد وَالضَّحَّاك . وَيَكُون مَعْنَى " وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين " عَلَى هَذَا الْقَوْل : أَيْ سَاكِت عَنْ الْجَوَاب . و " مَنْ " فِي مَحَلّ نَصْب , أَيْ اِتَّخَذُوا لِلَّهِ مَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة . وَيَجُوز أَنْ يَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مُضْمَر ; قَالَهُ الْفَرَّاء . وَتَقْدِيره : أَوَمَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَة يَسْتَحِقّ الْعِبَادَة . وَإِنْ شِئْت قُلْت خَفَضَ رَدًّا إِلَى أَوَّل الْكَلَام وَهُوَ قَوْله : " بِمَا ضُرِبَ " أَوْ عَلَى " مَا " فِي قَوْله : " مِمَّا يَخْلُق بَنَات " . وَكَوْن الْبَدَل فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ ضَعِيف لِكَوْنِ أَلِف الِاسْتِفْهَام حَائِلَة بَيْن الْبَدَل وَالْمُبْدَل مِنْهُ .
الروابط المفضلة