بسم الله الرحمن الرحيم
إنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة و اشتغاله فيها بربه عز وجل، إذا قهر شهوته و هواه و إلا فقلبه قد قهرته الشهوة، و أسره الهوى، وشغلته الدنيا عن العمل للآخرة و وجد الشيطان في قلبه مقعدا ، فكيف يخلص من الوسواس و الأفكار؟
لا يكون ذلك إلا بإقبال المصلى على صلاته كما أمر الله عز وجل وكما بين المصطفى عليه الصلاة والسلام فإذا صلى المصلى كما ورد عن قائد الغر المحجلين كانت صلاته كاملة القواعد واذا اقبل للصلاة كما يقبل على أهم شيء يعمله كان قلبه خاليا من الشوائب ونفسه نقية من الوسواس ومثال ذلك إقبال أحدنا على خادمه أو إقباله على السلطان أو الرئيس ، فترى الإنسان يرتب نفسه ويؤهلها لمقابلة الرئيس وتراه يحسب ألف حساب لهندامه لأنه يعير ذلك الأمر ما يستحقه من اهتمام وتجهيز وتراه لا يكلف نفسه شيء من ذلك إذا اقبل على خادمه أو مستخدمه أو طفل ليس له قدرة على هذا الإنسان .
وهنا وجب علينا أن نعرف أن الدخول في الصلاة إنما هو وقوف بين يدي العزيز الحكيم وخضوع وخشوع وطاعة لأمره وطلب لمغفرته سبحانه فإذا كان هذا ما يريده الإنسان من صلاته فأنه لا يغفل قلبه ولا تكل نفسه ولا يوسوس له الشيطان إلا إذا غفل عن أهمية هذا المقام ...
و إذا اقبلنا على الصلاة بغير هذه الصورة فلا عجب أن يكون الشيطان قد وجد في أنفسنا ما يشاء من مداخل ، فتارة يحدث النفس عما نسيت قبل الصلاة وتارة عما ستفعل بعد الصلاة وهذه هي الغفلة التي تبطل العمل والعياذ بالله وتجعل الإنسان مستسلما لوساوس الشيطان فيقف بين يدي الغني الحكيم بلا مبالاة وبلا خضوع وخشوع كما يحب عدوه .
وجوب حضور القلب عند الذكر و الاستعاذة
ولا شك أن الذكر يجلو الأنفس ويصقلها فمن صفات الإقبال على الصلاة التحضر لها بالوضوء وقبل الوضوء البسملة ثم إذا فرغ المسلم من الوضوء تشهد ثم اقبل على المسجد فذكر دعاء الدخول إلى المسجد (بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنبي وافتح لي أبواب رحمتك) كتحضير قبل الوقوف في مقام الصلاة لله عز وجل والشروع في الطاعة وطلب المغفرة .
ويجب أن نقول الدعاء بقلب حاضر فنحن نسأل الله الكريم أن يفتح لنا أبواب رحمته وان يتقبل صلاتنا واذا دخل المصلي المسجد وقلبه مشغول بقبول صلاته أو ردها عليه فأنه ولا شك سوف يعمل على أداء صلاته بأفضل ما يستطيع و إذا تذكر الإنسان أن عدوه الشيطان إذا لم يستطيع أن يثنيه عن الصلاة فأنه لن يكف عن العمل على إفساد هذه الصلاة فأنه سوف يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم بقلب حاضر أن شاء الله .
فإذا تشهد المسلم عليه أن يتفكر في معنى قوله (اشهد أن لا اله إلا الله و اشهد أن محمد رسول الله) ولا يتسع المقام هنا لشرح هذه العبارة التي تنجي من النار بإذن الله تعالى ولكننا سنذكر القليل من صفة التصديق والأيمان بها..
إذا قلت اشهد فيجب أن تقول ذلك وكأنك حاضرا في أهم جمع وفي أعلى مقام، ومعنى تشهد أي تقر وتعترف بأن ما تقوله هو الحق .
واذا قلت الشهادة (لا اله إلا الله) فيجب أن تنكر ولاتصدق ما دون ذلك أي لا اله في الوجود إلا واحد سبحانه وأنت لا تعبد ولا تعترف إلا بالواحد القهار وتذكر ما تنكره مما يعبد من دون الله سبحانه في الأرض مثل أصنام بوذا في اليابان والصين وغيرها والبقر والنار في الهند و القبور عند الرافضة وعيسى عليه السلام عند الغرب والشيطان عند أوليائه و الجن عند السحرة والعرافين. ومع هذا التفكر سوف تصل بأذن الله تعالى إلى اليقين الذي تنشده بقولك انه لا اله إلا الله ..
واذا قلت أن محمد رسول الله فعليك أن تتذكر ما يحدثه المحدثين و المبتدعين في الدين فتتذكر انك شهدت انه لا اله إلا الله والآن أنت تشهد أن محمد رسول الله وتؤمن بكل ما نزل على محمد من الله وتنكر كل ما أنكر محمد وتصلى لله كما صلى محمد وتذكر الله كما فعل محمد عليه الصلاة والسلام لأنك تعبد الله كما أمرك وتصدق أن محمد أرسله الله ليبلغ الرسالة وليعبد الناس ربهم كما أمر الله عز وجل فلا تقبل ابتداع الرافضة وشركهم ولا افتراء الرهبان والأحبار ولا تقر بما يفعل الصوفية وغيرهم من المبطلين والمبتدعين في دين الله ولا تقبل أي تجديد أو تحريف في أداء العبادة أو في تطبيق حدود الله عز وجل.
وبهذا تعرف أن كل قول أو عمل تتفكر فيه بقدر ما يستحق من أهتمام يحضر قلبك وتعي نفسك ما تقول وتفعل فيجب أن تتفكر في كل أقوالك وعباداتك التي تؤديها وبذلك يكون قلبك حاضرا و أما إذا غفلت عنها ولم تعيرها الأهتمام اللازم فأن قلبك سوف يحضر لما هو أهم بلا شك .
ولذا علينا أن نتفكر في معني الاستعاذة واللجوء إلى الله عز وجل من كيد الشيطان فعندما نقول (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) يجب أن نجهر أو نسر بهذا على يقين وإيمان بأن الله عز وجل هو المعيذ من كيد الشيطان وان الله عز وجل هو الدافع لكيده وكره وفره الخفي في النفس فإذا تفكرنا في معنى كلمة أعوذ (ومعناها التجئ والوذ) وتصورنا أن الجدران والحصون والأسلحة لا تمنع كيد الشيطان ولا مرد له إلا بالاستعاذة والتحصن بذكر الله تعالى فأنه سيكون القلب اقرب إلى اليقين أن الشيطان يندحر ويبطل كيده بهذه الاستعاذة فإذا استعذت بالله عز وجل بهذه الطريقة سوف تلمس الفرق وسوف تحس أن شيء كان يحيط بك وقد تخلصت منه وهذا هو المقياس والله اعلم .
نعوذ بالله من الشيطان الرجيم ونسأل الله الكريم أن يجيرنا من كيد الشياطين وان يعيننا على دحر النفس الأمارة بالسوء .
الروابط المفضلة