مصنع الطابوق
أثناء دراستي في المملكة المتحدة عام 1975م حضر الأستاذ مصطفى مشهور يرحمه الله أحد المؤتمرات الإسلامية التي نظمها بعض الجمعيات الطلابية والتقيته بعد إحدى المحاضرات، وكان قد خرج حديثاً من غياهب السجون.. وسألته عن بعض أمور الدعوة، فأجابني بما لم أسمع به من قبل، خاصة في وصفه لقضية الثبات والسقوط في حياة الدعوة والدعاة. وأذكر أن مما قاله لي في وصفه للدعاة وأحوالهم أثناء المحن:
"الدعوة كأنها مصنع طابوق، حيث يمر الدعاة في مراحل عدة، يثبت بعدها من يثبت ويسقط من يسقط، ففي البداية يُجمع الطين، وهي مرحلة التجميع الأولى في الدعوة، ثم يوضع في قوالب، وهي مرحلة أخص في الدعوة، ومن ثم لا يثبت في هذه القوالب الجميع، بل يتفتت البعض منها ولا يتحمل تلك القوالب، وهذا نوع من السقوط المبكر، ثم تحمل القوالب إلى الحزام الذي يسير ببطء نحو النار لتجفيف الماء الذي فيه، ولتجعله أصلب، وكذلك أمر الدعوة والدعاة أثناء المحن، ولكن بعض هذا الطابوق يتصدع بسبب عدم تحمله لحرارة النار ويثبت البعض، ويذهب بدوره لدرجة حرارة أعلى، فيتصدع البعض ويثبت البعض الآخر، ثم يخرج من النار، ويترك ليبرد، ثم تأتي مرحلة التحميل، والتي يتكسر أثناءها البعض أيضاً، وهذا مثال لمن يتساقطون وقت الرخاء بعد الشدة، ثم إذا نقل هذا الطابوق إلى حي البناء، يتكسر البعض أثناء التركيب ويثبت البعض في الجدار لا تضيره العواصف ولا التغيرات الجوية".
هكذا استرسل "أبوهاني" وهو يصف لي بما أسعفتني الذاكرة مراحل الدعوة والدعاة في أثناء المحن، مما جعل هذا اللقاء عالقاً في ذهني حتى هذه اللحظة.
رحم الله أبا هاني، فقد أعطى وأجزل العطاء، وكان من الطابوق الذي ثبت في جدار الدعوة، ولم تضره الرياح العاتية حتى توفاه الله، وهو ثابت، نسأل الله له الجنة، والثبات لمن بقي بعده من الدعاة إلى الله في جدار الدعوة.
---------
الشيخ: عبدالحميد البلالي
الروابط المفضلة