السلام عليكم ورحمة الله وبركاتــــــــــــــــه ،،،
يشرفني أن أنقل لكم مقتطفات من أول خطبة بهذا الشهر الفضيل بعد غيبة عن المنتدي لظروف خاصة وطارئة .
وكل عام وأنتم جميعاً بخير بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك .
الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحا ً لذكره ، وسببا ً في المزيد من فضله ، ودليلا ً على آلائه وعظمته ، أمره قضاء وحكمة ، ورضاه أمان ورحمة ، يقضي بعلمه ويعفو بحلمه ، نحمده على ما يأخذ ويعطي ، وعلى ما يعافي ويبتلي ، الحمد لله إذ بلغنا رمضان غير سقماء ولا محرومين .
لقد جاءكم شهر رمضان محياً بتحايا , تضفى إليه من الجلال جلالاً , ومن البهاء بهاءً , أتاكم رمضان يحمل الجوع والعطش , ترى الطعام أمامك تشتهيه نفسك , وتصل اليه يدك , ولكنك لاتستطيع أن تأكله , ويُلهب ُ الظمأ جوفك , والماءُ من حولك , لاتقدر على الارتواء منه , ويأخذ النعاس بلبك و يُداعب النوم جفنيك , ويأتى رمضان ليوقظك لسحورك , إنها ترادف حلقات الصبر و المصابرة , ولقد صدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ يقول (( الصوم نصف الصبر )) رواه الترمذى , وقال حديث حسن .
لقد جاء رمضا ن , لينيب الناس فيه الى ربهم , ويؤمّوا بيوته , ليعمرواها بالتراويح والذكر , تمتلئ بهم المساجد , متعبدين أو متعلمين , والمساجد فى الأقطار , حفّل بالعباد صفاً واحداً , متراصة أقدامهم وجباههم على الأرض سوء الغنى والفقير , والوضيع والغطريف , الصعلوك والوزير و الأمير , يذلون لله فيعطيهم الله بهذه الذلة عزة على الناس كلهم إن حسن القصد واستصوب العمل , ولا غرور أيها المسلمين , إن من ذلّ لله , أعزه الله , ومن كان لله عبداً مطيعاً جعله الله بين الناس سيداً و من كان مع الله باتباع شرعه و الوقوف عند أمره كان الله معه بالنصرة والتوفيق والغفران .
وبذلك عباد الله ساد أجدادنا الناس , وحازوا المجد من أطرافه , وأقاموا دولة ماعرف التاريخ أنبل منها ولا أفضل , و لا أكرم ولا أعدل , فماذا بعد الحق إلا الضلال , نعم , لم يكونوا خواء بل أنهم يُذكرون إذا ذُكر رمضان , ويُذكر رمضان إذا ذكروا , فيه أنزل القرآن على سيد البشر – صلى الله عليه وسلم – و هو لعمر الله حياة الناس عند الموت , ونورهم عند المظلمة .
وفى رمضان نصر الله المؤمنين ببدر و هم أذلة ، وسماه يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ، وفي رمضان فتحت مكة لنبينا – صلى الله عليه وسلم – فطهرها من وساوس الوثنية ، وأزاح منها كل قوي التقهقر والشرك ، وفي رمضان يفتح الله على خالد بن الوليد في اليرموك وعلى سعد في القادسية ، وعلى طارق بن زياد في الأندلس عند نهر لكة ، وعلى الملك قطز والظاهر بيبرس ضد جحافل التتار فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ، وكذا حطين وجلولاء ، ورمضان فيه وفيه وفيه ، هذا هو رمضان الذي يجمع للصائم صحة الجسم وعلو الروح ، وعظمة النفس ورضاء الله قبل كل شيء وبعده .
رمضان أيها الناس شهر الحب والوئام فكونوا فيه أوسع صدرا ً ، وأندى لسانا ً وأبعد عن المخاصمة والشر ، وإذا رأيتم من أهليكم زلة فيه فاحتملوها ، وإذا وجدتم فرجة فسدوها واصبروا عليها ، وإن بادأكم أحد بالخصام فلا تقابلوه بمثله ، بل ليقل أحدكم : إني صائم ، وإلا فكيف يرجو من يمقت ذلك أن يكون له ثواب الصائمين ، وهو قد صام عن الطعام الحلال ، وأفطر على ما سواه من الحرام قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخاري .
الناس مع رمضان أشتات غير متفقين عن اليمين وعن الشمال عزين ، فمن الناس من لا يرى في رمضان أكثر من كونه حرمانا ً لا فائدة منه ، وتقليدا ً تعبديا ً ، لا مبرر له ، فهم عازمون على الإفطار فيه ، مجاهرين بذلك أو مسرين ، فهؤلاء حمقى كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا ً ، وظنوا أن في الصوم كبتا ً للحرية ، التي تعني بداهة : انطلاق المرء المحموم وراء أهوائه وشهواته ، يعب منها دون حد أو قيد ، كلا عباد الله فإن هذه حرية مغشوشة ، وما هي إلا الفوضى أولا ً ، والعبودية الذليلة للجسد آخرا ً .
وإن من الناس عباد الله من لا يرى في رمضان إلا جوعا ً لا تتحمله أعصاب بطنه ، وعطشا ً لا تقوى عليه مجاري عروقه ، قد سئم ذكر رمضان ، دخوله ثقل عليه ، وتمامه عناء يراه وثاقا ً مشدودا ً أمام رغباته وشهواته ، فهو يصومه على مضض فهذا وأمثاله ممن فقدوا لذة الإيمان وسرور الصالحين بالتسليم للخالق جل شأنه في أمره وحكمه : ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )) ( القصص : 68 ) .
ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نذكر أمثال هؤلاء ، إن كانوا أهلا ً للذكرى ، بما ذكره الحافظ ابن رجب وغيره من أن ولدا ً لهارون الرشيد كان غلاما ً سفيها ً ، فلما أقبل رمضان ضاق به ذرعا ً وأخذ ينشد :
أتاني شهر الصوم لا كان من شهر
ولا صمت شهرا ً بعده آخر الدهـر
فلو كان يعذبني الأنــــــــــــام بقوة
على الشهر لاستعديت قومي على الشهر
فأصيب بمرض الصرع ، فكان يصرع في اليوم أكثر من مرة ، ومازال كذلك حتى مات قبل أن يدرك رمضان الآخر .
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .
إن صنفا ً من الناس ، يرى في رمضان موسما ً حوليا ً ، للموائد الزاخرة بألوان الطعام وصنوفه ، وفرصة سانحة للهو والسمر ، الممتدين إلى بزوغ الفجر ، فصبحهم مثل ليلهم وأجواؤهم سود ، وأجفانهم جمر يومض ، أتاهم رمضان ومصائب المسلمين جمة ، فآمالهم مد وآلامهم جزر ، فغاية بر هؤلاء بالشهر ، أن يكون محلا ً للألغاز الرتيبة والدعايات المضللة أو المواعيد المضروبة ، لارتقاب ما يستجد ، من أفلام هابطة وروائيات مشبوهة ، ترمي بشرر كالقصر ، لإحراق ما بقي من أصل حشمة وعفاف ، أو تدين يستحق التشجيع والإذكاء .
أما القلة من الناس وهم كثرة بحمد الله يرون في رمضان شهرا ً غير هذا كله ، يرون فيه التهذيب الإلهي بالتقوى ، والإيثار الجميل ، والصبر الكريم ، ، والإيثار الجميل ، والصبر الكريم ، علموا أنه دروس يتعلمها الجيل ، لا يجدها المرء في المدارس ولا الجامعات ، التي محلها تثقيف العقل لا تزكية النفس ، وتنمية المعرفة ، لا تقوية الصلة بالله إلا من رحم الله .
هؤلاء عباد الله هم الذين يستفيدون من رمضان ، وهم الذين يجدون في نهاره لذة الرجولة والحرية الحقة والصبر في الشدائد ، هؤلاء وأمثالهم هم الذين تفتح لهم أبواب الجنان ، وتغلق عنهم أبواب النيران ، وهم الذين ينسلخ عنهم رمضان مغفورة لهم ذنوبهم مكفرة عنهم خطاياهم ، سمو نفس ، وشرف هدف ، ونبل غاية ، وهداية قلب ، أولئك في الحقيقة هم الذين تصلح بهم الأوضاع ، وتسعد بهم المجتمعات ، وما أشد حاجة الأمة المسلمة ، إلى أمثالهم في كل عصر .
أحبة الإسلام :
الشباب المسلم يصومون ، نعم يصومون ، ولكن كثيرا ً منهم يصومون عن القرى فحسب ، ويعيشون في رمضان سبهللا ، دون استغلال أو إشغال بما ينفع ويفيد ، وإن بقاءهم على هذه الحالة المزرية ، ينشئ مشاكل متوالية على الأسرة والمجتمع ، بحيث لا يؤويهم إلا الطرق والممرات ، فيزعجون هذا ويوقظون ذاك ، ويلحظون هذه ويضايقون تلك ، وتكون لهم الطرق بمصراعيها ، مأدبة إبليسية ، تعلمهم كل بذيء من القول وقبيح من الفعل ، ولسان حالهم يقول : صفدت شياطين رمضان إلا شياطينهم .
إننا بحاجة أيها المسلمون إلى ما يقوم أخلاقهم ، ويرفع من ثقافتهم ويحد من عبثهم وضياع أوقاتهم سدى ، وأن يقنعوا بأن العطالة موات ، وأنهم أحرى الناس في أن يحشروا مفلسين ، لا حصاد لهم إلا البوار والخسران .
وأما المرأة المسلمة يرعاكم الله ، فهي شقيقة الرجل ، بل هي نصف المجتمع ، ثم هي تلد النصف الآخر ، فكأنما هي في الحقيقة مجتمع بأسره ، أيكون نشاطها في رمضان ، مقصورا ً على الطهي والتعمق في فنون المآكل وألوان المشارب ، أو بأن تكون خراجة ولاجة كاسية عارية ، تفتن وتفتن دون التفات إلى ما يقربها من خالقها بتلاوة القرآن ، أو صلاة نفل أو صدقة ، أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، في بيتها وأسرتها الذي يعترف بريادتها فيه ، أنسيت أنها مدرسة الطيبي الأعراق ، إنه لم يكن نصيب المرأة في العناية بشهر رمضان ، بأقل من نصيب الرجل ، فهاهن أمهات المؤمنين ، يشاركن سيد الخلق – صلى الله عليه وسلم – فيما يصنع ، من صيام وقيام وبذل وجود .
وقد أخرج البخاري في صحيحه : " أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا دخل الثلث الأخير من رمضان ، شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله " ، وهذه عائشة رضي الله عنها تسائل النبي – صلى الله عليه وسلم – : " أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : " قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " .
ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين وأروا الله من أنفسكم في هذا الشهر المبارك ، فإن لله نفحات من حرمها حرم خيرا ً كثيرا ً ، وأبشروا بقول المصطفى – صلى الله عليه وسلم – في الحديث القدسي : " يقول الله عز وجل وعلا : كل عمل ابن آدم له كفارة والصوم لي وأنا أجزي به " رواه بخاري .
اللهم اجعل مواسم الخيرات لنا مربحا ً ومغنما ً ، وأوقات البركات والنفحات لنا إلى رحمتك طريقا ً وسلما ً .
بارك الله فيكم جميعـــــــــــاً وتقبل الله منا ومنكم وكافة المسلمين صالح الأعمال .
الروابط المفضلة