ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الحمد لله الواحد القهار الحكيم في خلقه وشرعه فـفي


خلقه وفـي شرعه غاية الحكم والأسـرار قــسم الرزق



بين عباده ما بين غنى واقتار لتقوم مصالح العباد في


المعاش والمعاد وأشــهـــــد أن لا إله إلا الله وحـــــده


لا شريك لـه الغني الكريم الجواد وأشهــد أن محمـدا



عبــــده ورسوله سيد المرسلين وخلاصة العباد وأبلغ


الناس فـي الزهد والورع والشكر والصبر على أحكام


الملك الجـبار صلى الله عليـه وعــــلى آله وأصحابه



والتابعين لهم بإحســان آنــاء الليل والنهــار وسلــم


تسليما أما بعد : أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا


أن الله لـــه الحكــمــة البالغة فــي الخلـــق والتقدير



والتضييق على عباده والتيسير وله الحكمة البالــغة


في الحكـــم والتشريع فأحكام شريعته كلـــهــا عدل



ورحمة وحكمه مصلحة للعــباد في دنياهم وأخراهم


( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة




فله الحمد فـي منعه وعطــائه وعلى العـباد إذا وسع


عليهـم أرزاقهم أن يشكروه ويقوموا بما يجب عليهم


في هـــذه الأرزاق وعــلى العباد إذا قدرت عليهـــم



أرزاقهم أن يصبروا على تقدير الواحد الخـلاق فهو


أعلـــم بمصالحهم وهو أرحم بهم من أمهاتهم




لقد قسم العليم الحكيم الرزق على عباده فمنهم مـن


بسط له في رزقه ومنهم من قدر عليـه رزقه وذلك


لحكم عظيمة باهرة




قسـم الله الـــرزق على عباده ليعرفوا بذلك أنه المدبر


لجميـــع الأمــور وأن بيده مقاليد السماوات والأرض


فهذا يوسع عليه والآخر يضيق عليه ولا راد لقضائه



وقدره ( اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَــن يَشَاءُ مِــنْ عِــبَـادِهِ


وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُـلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) سورة العنكبوت




بسط العليم الحكيم الرزق لبعض العباد وضيقه عـلى


بعضهم ليعتبروا بهــذا التفاوت فــي الدنـيــــا تفاوت


ما بينهم في درجات الآخـرة فكما أن الناس فـي هذه



الدنيـا متفاوتون فمنهم من يسكــن القصور المشيدة


العالية ويركب المراكب الفخمة الغاليــة ويتقلب فـي


ماله وأهله وبنيه فــي سرور وحبور ومنهــم مـــن



لا مأوى له ولا أهل ولا مال ولا بنون ومنهم ما بين


ذلك على درجات مخـتــلفة فإن التفاوت في درجـات


الآخرة أعظم وأكبر وأجل وأبقى ( انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا



بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـــاتٍ وَأَكْبَـــرُ


تَفْضِيلاً ) فإذا كانت الآخرة أكــبـــر الدرجات وأكبر


تفضيلا فإنه ينبغي أن نتسابق إلى درجاتها العالية


وحياتها الباقية ذلك خير وأحسن تأويلا




قسـم الله الـــرزق بين عباده ليعرف الغني قدر نعمة


الله عليه بالإيسار فيشكره عليها ويلتحق بالشاكرين


ويعـــرف الفقير ما ابتلاه الله بــه مــن الفقر فيصبر



عليـه وينال درجة الصابرين ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ


أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) وهــو مـــع ذلك لا يزال يسأل


ربه الميسرة وينتـظر الفرج من رب العالمين




قسم الله الرزق بين عباده لتقوم مصالحهم الدينـــيـة


والدنيـــوية فلو بسط الــرزق لجميع العباد لبغوا في


الأرض بالكفر والطغـيان والفساد ولو ضـيق الرزق



على جميعهم لاختل نظامهم وتهاوت من معيشتهــم


الأركان لـو كان الناس في الرزق على درجة واحدة


لـم يتخذ بعضهم بعضا سخريا ولــم يعمـــل أحدهم



للآخر صنـــعة ولــم يحترف له بحرفة لأن الكل في


درجة واحدة فليس أحدهم أولى بهـذا من الآخر أين


الرحمـة والعطف مــن الغنـــي للفقير إذا قدرنا أن



النـاس كلهم في درجة واحدة أيــن الموقع العظــيم


الـذي يحصل بصلة الأقارب بالمال إذا كان الكل في


درجة واحدة إن هــذا وأضعافه من المصالح يفقـد



لـو تساوى الناس في الأرزاق ولكن الحكيم العليم


قسـم بينهم أرزاقهم وأمــــر الأغنــيــــاء بالشكــر


والإنفـــاق وأمر الفقراء بالصبر وانتظار الفرج


من الكريم الرزاق .




فعلـينا معشر المسلمين أن نرضى به ربا فـنرضى


بقسمه واقداره وأن نرضى به حكما فنؤمن بحكمه



وأسراره أعـوذ بالله من الشيطان الرجيـــم ( اللَّهُ


يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ


اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )




كتاب الضياء اللامع من الخطب الجوامع للشيخ محمد العثيمين



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ