[الدرس: الرابع عشر]
من كتاب:
إتحاف أهل الألباب بمعرفة العقيدة في سؤال وجواب
عقيـدة أهـل السنـة في الأسمـاء والصفـات
س233 ما مذهب أهل السنة في صفة العلو إجمالاً ؟ وهل هو صفة ذاتٍ أم فعل ؟
ج : يعتقد أهل السنة اعتقاداً ،جازماً ، لا ريب فيه أن الله - تعالى- في العلو المطلق بذاته - جل وعلا- وأنه من صفاته الذاتية التي لا تنفك عنه أزلاً ، وأبداً ، فالله - تعالى- له العلو المطلق في ذاته ، وصفاته ، ونعني بعلو الصفات: أن كل صفة أثبتها النص له - جل وعلا-فله كمالها المطلق - جل وعلا- فالعلو بكل اعتباراته ثابت لله - تعالى- وهو من صفاته الذاتية . وهذا ما نعتقده بقلوبنا ، وننطقه بألسنتنا . والله أعلم .
***
س234 ما هي الأدلة على إثبات هذه الصفة العظيمة ؟
ج : لقد تنوعت دلالة النقل على إثبات هذه الصفة تنوعاً لا يدع لدى العاقل أدنى مجال للشك في أن الله - تعالى- متصف بها ، ولا يخالف في إثباتها إلا أعمى القلب أعمى البصر ..
فمن الأوجه : التصريح بها كقوله - تعالى- ﴿ وهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [الشورى:4] ، وقوله - تعالى- ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى:1]
ومن الأوجه : التصريح بالفوقية لقوله - تعالى- ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ويَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [النحل:50]، وقال - تعالى- ﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ [الفتح:10] ، وفي الحديث ( لقد حكمت فيكم بحكم الله من فوق سبع سماوات )
ومن الأوجه : التصريح بأن الأشياء تنزل من عنده كقوله - تعالى- ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر:9] ، وقوله - تعالى- ﴿ ونَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء ﴾ [النحل:89] والآيات في هذا المعنى كثيرة .
ومن الأوجه : التصريح بصعود الأشياء ، ورفعها إليه كقوله - تعالى- ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ والْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر:10] ، وقوله - تعالى- عن عيسى ﴿ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ [النساء:158] ، وكحديث عروجه - صلى الله عليه وسلم - الطويل إلى السماء السابعة ، وفرض الصلاة عليه هناك .
ومن الأوجه : التصريح بعروج الملائكة ، والأمر إليه كقوله - تعالى- ﴿ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج:4] ، وقوله - تعالى- ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [السجدة:5] ولا تعرج إلا لمن كان في العلو .
ومن الأوجه : التصريح بأنه استوى على العرش . والعرش هو سقف المخلوقات ، وأعلاها كما في الآيات التي سقناها في إثبات صفة الاستواء .
ومن الأوجه : التصريح بأنه في السماء كقوله - تعالى- ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ [الملك:16ـ17] ، وكقول الجارية ( في السماء ) وأقرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وشهد لها بالإيمان .
ومن الأوجه : التصريح بأنه ترفع إليه الأيدي في الدعاء كحديث ( إن الله - تعالى- يستحي من عبده إذا رفع اليدين أن يردهما صفراً ) ولا ترفع إلا لمن كان في العلو .
ومن الأوجه : التصريح بأنه ينزل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر كما سيأتي سياقه في الأحاديث إن شاء الله - تعالى- ولا ينزل إلا من كان في العلو .
ومن الأوجه : الإشارة الحسية إليه إلى العلو كما أشار إليه من هو أعلم بربه ، وما يجب له ، ويمتنع عليه من جميع البشر لما كان بالمجمع الأعظم الذي لم يجتمع لأحد مثله في اليوم الأعظم قال لهم : إنكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ، وأديت ، ونصحت فرفع إصبعه الكريمة إلى السماء ، وينكبها إليهم قائلاً اللهم اشهد ، اللهم اشهد ) ، وغير ذلك من الأوجه ، فإنها تدل دلالة قطعية على إثبات هذه الصفة لله - تعالى- لا، كما يقوله المعطلون الجاحدون المخالفون للمنقول ، والمناقضون للمعقول . وفي صحيح البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال : كانت زينب تفتخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقول : زوجكن أهاليكن ، وزوجني الله من فوق سبع سماوات ) وفي الصحيح من حديث أبي هريرة ( لما خلق الله الخلق كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي )
وفي الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم – قال: ( ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء ) وفي الصحيح من حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاته ( رفع يده أو إصبعه إلى السماء ، وقال في الرفيق الأعلى ثلاثاً ثم قضى ) ، والأدلة من السنة على هذه الصفة لا تكاد تحصر . فراجع الكتب للاستزادة من البراهين الساطعة ليزداد اطمئنان قلبك ، وتكون على نور ، وبصيرة . والله أعلم .
***************************
س235 هل دل العقل، والفطرة على إثبات هذه الصفة ؟
ج : نعم، قد دل الدليل العقلي، والفطري على إثبات هذه الصفة.
الأول: أن ضد العلو السفل أو المحاذاة . والسفل نقص . والمحاذاة توجب المساواة، وهي نقص في حق الله - تعالى- والله منزه عن النقص، فحيث انتفى السفل، والمحاذاة ثبت العلو، وهو المطلوب .
الثاني: أن البشر يستشرفون أن يكونوا في العلو لعلمهم أنها كمال، ولذلك تجد علية القوم من الملوك، والأمراء يعلون بنيانهم، ويكونون في أعلاه، ويتشرف أحدهم إذا اجتمعت رعيته في الشوارع أن يشرف عليهم من أعلا شرفات قصره ليكلمهم، ويأمرهم، و ينهاهم - ولله المثل الأعلى- فهو ملك الملوك، وجبار السماوات والأرض العلي الأعلى، فحيث كان ذلك كمالاً في المخلوق فالخالق أحق أن يتصف به؛ لأن كل كمالٍ ثبت للمخلوق لا نقص فيه فالله أحق بالاتصاف به . والله أعلم.
__________________________________________________ _______________
الأسئلة التطبيقية:
س1: اذكري دليلا من القرآن والسنة يدل على إثبات صفة العلو لله عز وجل؟
س2: هل صفة العلو لله تعالى.. من الصفات الذاتية أم الفعلية، وما الفرق بينهما ؟
س3: هل العلو لله تعالى يختص بذاته تعالى فقط . أم في أسماءه وصفاته.. ؟ وضحي ذلك.
الروابط المفضلة