هذه مدارسة قراتها في منتدى بوابة العرب نقلا عن الثائر المقدام
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حبيب لا تبلى مودته .....
آواه الله وأيده بنصره ورزقه من الطيبات وجعله من الشاكرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد أن سقطت بغداد في أيدي علوج الروم أثار غبار اليأس والإحباط دخاناً حاراً يحوم حول عقول فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، وانبعثت شياطين الجن والإنس تبشر بالعصر الأمريكي الذي تم نوره، بل ظلمته، وبه يختتم التاريخ -على حد تعبير المفكر الأمريكي فرنسيس فوكاياما صاحب نظرية نهاية التاريخ-، وتقفل دولة اللقطاء (إسرائيل) حدودها الحقيقية بعد تدمير بابل العصية....وصاحب ذلك تساؤلات هائلة ضخمة حول الدين الإسلامي: أهو حق؟ فما باله إلى تقهقر، وأهله إلى استخذاء؟ وولغ الشيطان في عقول ضعفة الإيمان مع ارتفاع رايات الصلبان، وظهور المستكبرين في الأرض بنجمة داود....وبعد أن صارت بغداد كما قال ابن أبي اليسر:
علا الصليب على أعلى منابرها وقام بالأمر من يحويه زنار
وإزاء ذلك كان لا بد من مذاكرة بيني وبينك تنجلي به الغمة، ويزول به شبح الشك ليبقى صوت المسلم مدوياً: (اللهم إنك حق ووعدك حق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد - صلى الله عليه وآله وسلم- حق...اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت...):
أولاً: لكل أمة أجل: لا يخرج أحد عن قانون الله المجيد، وسنته التي لا تتبدل ولا تجد لها حولاً...لكل أمة سواء أكانت فرداً أم كانت مجموعات أم كانت دولاً ...لها جميعاً آجال محددة لا تملك أن تدفعها هي للتقدم أو تتأخر، ولا يملك أعداؤها أن يقدموها، ولا أصدقاؤها أن يؤخرها ...إذن قانون الآجال من سنن الله التي لا تقبل النقاش، ولا التغير، و لا التحول، وهو يشمل الأفراد كما يشمل الجماعات..وتعلم يا حبيباه أن الفرد قد يسمى أمة إما لظهور طاعته، أو لبروز إفساده كما في قوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً)...كما أن المجموعة أمة فالقانون للجميع وعلى الجميع دون استثناء .
والحظ معي أيها البار بدينه - نص القانون الإلهي: ((ولكل أمة أجل فإذ جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)..لا يستأخرون لأنهم ربما ودوا ذلك، وأما لا يستقدمون فلمثلي ومثلك من المتلهفين على زوال دولة الاستكبار والبغي في الأرض...ينبهنا الله أن ذلك ليس إلينا فإذا تمنينا أن يتقدم أجل أمريكا كما هي أمنيات معظم أهل الأرض من مسلمين وكفار لم يكن لنا ذلك لأن الأجل محدد في قانون الله تعالى محكم لا أملك أنا ولا تملك أنت أن تقدمه، ولا يملكون هم أن يؤخروه، والغيب عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى...وفي عاقبة الأمم سابقة تطبيقات حقيقية لهذا القانون: حارب السوفييت رب السموات والأرض محاربة صريحة فأنهى دولتهم لما حان أجلها بكلمة من رجل...تخيل مجرد كلمة من جورباتشوف أنهت الاتحاد السوفييتي دون أدنى مقاومة...لأن أجله قد حان، وإذا كان الأمر كذلك في أفغانستان ولكن بمقاومة، ومثله في العراق..فإن لأمريكا موعداً لن تخلفه حين يجيء أجلها في علم الله عز وجل .
ثانياً: وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون: ما حدث إنما هو نوع من تسليط الظالمين على الظالمين وضرب بعضهم ببعض ليظهر الله آياته، وينقذف اليقين في قلب المسلم أن الأمر له وبيده، فالبعث بخيله ورجله ظل ثلاثين سنة كابوساً رهيباً مجرماً فوق رؤوس المستضعفين فلما حان أجله رأيت أصحابه رأي العين: (كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ)...ولعلك تتساءل أيها الحبيب فأين المسلمين إذن؟ لماذا يسلط الله الظالمين على الظالمين، ولم لا يكون الأمر تسليط المسلمين على الظالمين والجواب هو في القانون الثالث:
ثالثاً: ومن يهن فما له من مكرم: لم تصل الأمة على الرغم من صحوتها الإسلامية الزاخرة إلى الدرجة التي تظهر فيها على ساحة الأحداث...إما للعوج العام الذي ظهر في أوساط تياراتها المختلفة على المستويات القيادية والقاعدية، وإما لأن الشعوب الإسلامية ابتغت الحياة عوجاً، واستمرت في غيها وابتعدت عن سبل الأخذ بأسباب القوة وسبيلها على المستوى الخلقي والثقافي والإيماني فضلاً عن المستوى العسكري...أو على مستوى استنـزال رحمة الله..بل ترى حتى في أوساطنا مظاهر تستنـزل سخط الله وغضبه من التفرق وإيغار الصدور، والتنازع، وسوء الظن، وبدلاً من أن يكون القوم ممن يحبهم الله ويحبونه أذلة على المؤمنين تجدهم ممن يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يبحثون عن الزعامات الذاتية ويظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية...ولا شك والحالة هذه أنه من ( يهن الله فما له من مكرم) .
رابعاً: النظرة القرآنية تجلب الابتسامة الرضية النورانية الإيمانية: ابتسم بعد كل هذه الأحداث الدامية، والضعف الظاهر، مع الدعوى العريضة في أوساط أمتك لمه؟ لأن وعد الله لا يخلف وسيظهر دينه ألم تسمعه يقول لك ((فاصبر إن وعد الله حق) ربما قلت طيب متى؟ والجواب واضح: لكل نبأ مستقر علمه عند الله...ستكرر: فمتى؟ والجواب أوضح: ولتعلمن نبأه بعد حين...لكن المهم أن تأخذ أنت بما يجب عليك إزاء دينك وربك وأمتك منتظراً فرج الله...لما تساءل النبيr والذين آمنوا معه متى ينكشف البلاء وترتفع البأساء، وينـزل نصر الله أجاب الله: ألا إن نصر الله قريب...ولما أراد نبينا المصطفى وشفيعنا المرتجى وقدوتنا المجتبى أن يدعو على بعض قومه ضيقاً بما فعلوه في أحد ذكره الله أن هذا الأمر ليس له لا يملكه: (ليس لك من الأمر شيء)، بل الذي له هو التوبة وإعداد العدة وفق المستطاع واليقين بأن وعد الله حق قادم...ولا ينبغي أن يغتر بما أجلب به المفسدون في الأرض ولا بما علو به علواً كبيرا ولا حتى بمحاولتهم أن يستفزوا الله ويقولوا (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء). وهل هم بكل قوتهم شيء يذكر أو حتى جناح بعوضة ترى في ملكوت الله الواسع الذي لا يمكن أن ترى فيه مجرة درب التبانة بضخامتها فضلاً عن منطقة تافهة في حجمها وقوتها تسمى الأرض....وإذن فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون..لا يستفزنك الذين لا يوقنون بقوة الله وجبروته لأنهم أحقر من أن يستفزوا الله جل وعز .
خامساً: لا يغرنك تقلب الذي كفرو في البلاد: لأن الأمر مجرد متاع قليل...كم لبثت دولة بيزنطة تسيطر على الأرض بل حتى كم لبثت دولة المسلمين في الأندلس، وكم تظن أنها تبقى دولة الاستكبار الجديدة...اذكر أي أخاه وعد الله الصادق لرسله: ((ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون) فما المطلوب منك الآن؟ قال ربي: فتول عنهم حتى حين....تول عنهم قائماً بواجباتك العينية الممكنة وليس لأمد بعيد حتى حين، وأبصرهم فسوف يبصرون...انظر إليهم وقل لهم كما قال نبيك من قبل: (هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بايدينا فتربصوا إنا معكم متربصون)...يا حبيب: قل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون...وبعد ذلك: ولله غيب السموات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليهن وما ربك بغافل عما تعملون...والحظ هذه التربية البديعة من رب العباد لأوليائه يكرر عليهم مجدداً: وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون...يكررها مرة بعد مرة...تأكيداً على وقتهم القادم، وتثبيتاً لقلب المؤمن لكثرة ألمه من الواقع القائم...
أي أنس الفؤاد: ذاك ما أردت مذاكرته معك عسى الله أن يثبت به فؤادي وفؤادك...وبعد: ابتسم فالعراق غير خارج عن قانون الله ...والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .