مُشَوِّقُ الأَرْوَاح
إِلَى
نِسَاءِ بِلادِ الأَفْرَاح
أو
صِفَةُ نِسَاءِ الْجَنَّة
تَأْلِيفُ
عبد العزيز بن محمد




بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيّئات أعمالنا.مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له.ومَن يُضلل فلا هاديَ له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم.
أمّا بعد.
فإنّ الله تعالى خلق عباده لأمرٍ عظيم هو عبادته وحده لا شريك له، كما قال تعالى ( وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون )[ الذاريات:56 ].
وأكْرَمُ الخلق عند الله أتْقَاهم وأحسنهم عبادةً لله، كما قال تعالى( إنّ أكْرَمَكم عند الله أتْقَاكم ) [ الحُجُرات:13 ].
والإنسان إذا لم يعبد الله وحده، فإنّه يكون مَطِيَّةً للشيطان، تلعب به الأهواء،وتذهب به الشهوات،ويَعْمى قلبه، ويمشي مُكِبّاً على وجهه.
قال تعالى ( ومَن يَعْشُ عن ذِكْرِ الرَّحمن نُقَيِّضْ له شيطاناً فهو له قَرِيْن وإنّهم لَيَصُدّونهم عن السبيل ويحسبون أنّهم مهتدون ) [الزخرف:36ـ37].
فإبليس اللعين لا يَهْنأ بالتوحيد والعبادة.ولِخُبْثه وفساده وشدّة عَداوته لِبني آدم قَطَع على نفسه لَيُغْوِيَنّهم، إلا عباد الله المُخْلَصين فإنّه موقنٌ بأن لا سبيل له إليهم.
(
قال ربّ بما أغويتني لأُزَيِّنَنّ لهم في الأرض ولأُغْوِيَنّهم أجمعين إلا عبادك منهم المُخْلَصين ) [ الحِجْر:39ـ40 ].
فعباد الله المُخْلَصون لا سلطان لإبليس عليهم، كما قال تعالى ( إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ وكفى بربّك وكيلاً ) [ الإسراء:65 ].
وقال تعالى ( فإذا قَرَأتَ القرآن فاستعذْ بالله مِن الشيطان الرجيم إنّه ليس له سلطانٌ على الذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون إنّما سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنه والذين هم به مشركون ) [ النحْل:98ـ100 ].
فسلطان اللعين على أوليائه وأتباعه،على المشركين بالله،على المتّبعين لأهوائهم،على العاصين لأمر الله تعالى وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام.
فإبليس يسعى في إغواء بني آدم بِكلّ ما يوصله إلى ذلك.تارةً بالشبهات، وتارةً بالشهوات التي أغوى بها كثيراً مِن أتباعه.ومِن ذلك أنْ صوّر لهم اللذة المحرّمة بصورة النعيم وقرّة العين.وزيّن لهم إطلاق الأبصار في الحرام والتعدّي بالفروج ليستر بضاعته الفاسدة التي توجب دار البوار.
فأولياء الشيطان إنّما يفعلون ما يدعوهم إليه إِمامهم اللعين مِن إطلاق أبصارهم في الحرام والتعدّي بفروجهم مِن أجل ماذا ؟ مِن أجل شهوةٍ دنيئة، ولذّةٍ حقيرة، ما أسْرَعَ انقضاءها،وما أعظم ضررها.إذا نظرتَ إلى اللذة وجدتها قصيرة الأمَد، لكنّها تُذهب الإيمان وتطمس النور.تنزع حُلَّة البَهَاء.وتسلب زينة الحياء.تشغل الفِكْر عن الطاعة، وتقذف بالفكر صريعاً إلى حضيض الصُوَر الخسيسة.فترى المصاب بهذا المرض ـ مرض الشهوة وطلب اللذة المحرّمة ـ تراه مفتوناً أيّ فتنة.عبداً لشهوته.أسيراً لِهَواه.مُكَبَّلاً عن الخير.لا هَمَّ له إلا في تحصيل لذّته.فما أشدّ حِرْمانه.وما أبْيَنَ خسرانه.ما أسْفَهه ثمّ ما أسْفَهه.
وقبل كلّ ما سبق مِن المفاسد فإنّ أسِيْرَ هَوَاه قد أسخط ربّه جلّ وعلا بمعصيته.فهو مُتَوَعَّدٌ بالعذاب العظيم.قد ضَيَّعَ آخِرَته، وسعى في تفويت اللذة العظيمة في جنّات النعيم.
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) ( 311 ):
(
فمَن استوفى طيّباته ولذّاته وأذهبها في هذه الدار حُرِمَها هناك، كما نَعَى سبحانه وتعالى على مَن أذهب طيّباته في الدنيا واستمتع بها.ولهذا كان الصحابة ومَن تبعهم يخافون مِن ذلك أشدّ الخوف ) ـ إلى أنْ قال ـ: ( فمَنْ ترك اللذة المحرّمة لله استوفاها يوم القيامة أكمل ما تكون.ومَن استوفاها هنا حُرِمَها هناك أو نقص كمالها.فلا يجعل الله لذّة مَن أوضع في معاصيه ومحارمه كلذّة مَن ترك شهوته لله أبداً).انتهى كلام ابن القيّم.
فيا أيّها العبد اللبيب أُنظرْ إلى مفاسد اللذة المحرّمة، ووَازِنها معها، فستعلم أيّ مرضٍ هو قد أُصيبَ به ذلك المفتون ـ عافانا الله وإيّاك ـ فما أخطره.فهو مرض الهَلَكة لِمَن أُصيب به فلم يعالج نفسه بالوحي.فكم ضلّ بهذا المرض مِن مهتد.وكم غوى به مِن راشد.وكم في طريقه مِن قتيل.بعد عزّته صار الحقيرَ الذليل.
فمرض الافتتان بالنساء مرض خطير ومنتشر، يورث مفاسد كثيرة.وقد حذّرنا منه النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم.فعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ( إنّ الدنيا حُلوةٌ خَضِرة.وإنّ الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون.فاتّقوا الدنيا.واتّقوا النساء.فإنّ أولّ فتنةِ بني إسرائيل كانت في النساء ) رواه مسلم ( 17/55 ـ الشرح ).
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ( ما تَرَكْتُ بعدي فتنةً أَضَرّ على الرِّجال مِن النساء ) رواه البخاريّ ( 7/11 ) ومسلم ( 17/54 ـ الشرح ).
وقد أردتُ أن أُبَيِّن بمشيئة الله تعالى في هذا الكتاب صفات نساء الجنّة اللاتي بشّر الله تعالى بها المؤمنين المتّقين.فمعرفة صفاتهنّ مِن أسباب اتّقاء فتنة النساء،ومِن أسباب ترك اللذة المحرّمة.
فكيف يختار لنفسه سلوك سبل أهل الغفلة مَنْ علم صفات نساء الجنّة وعرف حسنهنّ وجمالهنّ ؟ وكيف يختار سبل المحرومين الذين رضوا لأنفسهم بالهَوَان، فباعوا اللذة العظيمة في الجنّة بلذّةٍ حقيرة منقطعة ناقصة مُنَغَّصة مُنَغِّصة توجب الحرمان والعقاب ؟
فأهل الإيمان والتقوى يوجب لهم الترغيبُ والترهيبُ المُسَارَعةَ إلى الطاعة، واجتنابَ ما حرّم الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
فأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب.وأن يَدَّخِرَ لي به عظيم الثواب.وأن يهدينا وسائر إخواننا إلى جنّات النعيم.
صِفَـاتُ نِسَـاءِ الجَنَّـة
أزواجٌ مُطَهَّـرة
قال الله تعالى ( وبَشِّر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنّ لهم جنّاتٍ تجري مِن تحتها الأنهار كلّما رُزِقوا منها مِن ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رُزِقنا مِن قبل وأُتُوا به مُتَشابهاً ولهم فيها أزواجٌ مُطَهَّرةٌ وهم فيها خالدون ) [ البقرة:25 ].
قال ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) ( 283 ):
(
فتأمّلْ جلالة المُبَشِّر ومنزلته وصدقه، وعظمة مَن أرسله إليك بهذه البشارة، وقدر ما بشّرك به وضمنه لك على أسهل شيء عليك وأيسره.وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجِنان وما فيها مِن الأنهار والثمار، ونعيم النفس بالأزواج المُطَهَّرة، ونعيم القلب وقرّة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد وعدم انقطاعه ).
وقال تعالى ( زُيِّنَ للناس حبُّ الشَهَوات مِن النساءِ والبنينَ والقناطيرِ المقنطَرةِ مِن الذهب والفضّة والخيل المُسَوَّمة والأنعامِ والحَرْث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسْن المآب قل أؤنَبِّئُكم بخيرٍ مِن ذلكم للذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مُطَهَّرةٌ ورِضوانٌ مِن الله والله بصيرٌ بالعباد الذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) [ آل عمران:14ـ17 ].
وقال تعالى ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنّاتٍ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواجٌ مُطَهَّرةٌ وندخلهم ظلاً ظليلاً ) [ النساء:57 ].
فهذه بشارةٌ عظيمة بشّر الله تعالى بها عباده المؤمنين المتّقين.فأزواجهم في الجنّة طاهرات مِن كلّ قذرٍ وخبث وآفة، سواء في ذلك ظاهرهنّ وباطنهنّ.
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) (283ـ284):
(
والمُطَهَّرة التي طُهِّرتْ مِن الحيض والبول والنفاس والغائط والمخاط والبصاق وكلّ قذر وكلّ أذى يكون مِن نساء الدنيا.فطُهِّر مع ذلك باطنها مِن الأخلاق السيّئة والصفات المذمومة.وطُهِّر لسانها مِن الفحش والبذاء.وطُهِّر طرفها مِن أن تطمح به إلى غير زوجها.وطُهِّرتْ أثوابها مِن أن يعرض لها دنس أو وسخ ).
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في ( النهاية في الفتن والملاحم ) ( 2/509 ):
(
وقال تعالى ( لهم فيها أزواجٌ مطهّرة ) [ النساء:57 ] أي مِن الحيض والنفاس والبول والغائط والبصاق والمخاط.لا يصدر منهنّ شيءٌ مِن ذلك.وكذلك طُهِّرتْ أخلاقهنّ وأنفاسهنّ وألفاظهنّ ولباسهنّ وسجيّتهنّ ).
وإذا كان هذا وَصْف نساء الجنّة فيا أيّها العاقل اللبيب حيّ على الجنّة بالعمل الصالح، أُبذل جهدك في طاعة الله تعالى وطاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، عسى أن تنجو مِن المرهوب، وتفوز بالمرغوب.
وتأمّل قوله تعالى ( ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسْن المآب ) [ آل عمران:14 ] لِيُرشد تعالى عباده إلى ثواب الآخرة ويرغّبهم فيه، ولِيَعلموا أنّ الآخرة خيرٌ وأبقى فيتّقوا الله.
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في ( عدّة الصابرين ) (169ـ170) بعد أن ذكر قوله تعالى ( زُيِّنَ للناس حبُّ الشهَوات ) الآية:
(
فأخبر سبحانه أنّ هذا الذي زيّن به الدنيا مِن ملاذّها وشهواتها، وما هو غاية أماني طُلابها ومُؤثريها على الآخرة، وهو سبعة أشياء: النساء اللاتي هنّ أعظم زينتها وشهواتها وأعظمها فتنة.والبنين الذين بهم كمال الرجل وفخره وكرمه وعزّه.والذهب والفضّة اللذَين هما مادّة الشهوات على اختلاف أجناسها وأنواعها.والخيل المُسَوَّمة التي هي عزّ أصحابها وفخرهم وحصونهم وآلة قهرهم لأعدائهم في طلبهم وهربهم.والأنعام التي مِنها ركوبهم وطعامهم ولباسهم وأثاثهم وأمتعتهم وغير ذلك مِن مصالحهم.والحرث الذي هو مادّة قوتهم وقوت أنعامهم ودوابّهم وفاكهتهم وأدويتهم وغير ذلك.
ثمّ أخبر سبحانه أنّ ذلك كلّه متاع الحياة الدنيا.ثمّ شوّق عباده إلى متاع الآخرة، وأعلَمَهم أنّه خيرٌ مِن هذا المتاع وأبقى فقال ( قل أؤنَبِّئُكم بخيرٍ مِن ذلكم للذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهَّرةٌ ورِضوانٌ مِن الله والله بصيرٌ بالعباد ). [ آل عمران:15 ].
ثمّ ذكر سبحانه مَن يستحقّ هذا المتاع ومَن هم أهله الذين هم أولى به فقال ( الذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) [ آل عمران:16ـ17 ].
فأخبر سبحانه أنّ ما أعدّ لأوليائه المتّقين مِن متاع الآخرة خير مِن متاع الدنيا.وهو نوعان: ثواب يتمتّعون به، وأكبر منه وهو رضوانه عليهم ).
نسأل الله تعالى أن يُبَلّغنا جنّته إنّه غفور رحيم كريم.
خَيْـراتٌ حِسـان
قال الله تعالى ( فيهنّ خَيْراتٌ حِسان ) [ الرحمن:70 ].
(
فالخيرات جمع خَيْرة.وهي مخففة مِن خَيّرة.كسيّدة وليّنة.وحِسان جمع حسنة.فهنّ خيرات الصفات والأخلاق والشيم.حِسان الوجوه ) حادي الأرواح لابن القيّم ( 290ـ291 ).
وقال ابن القيّم أيضاً في ( روضة المحبّين ) ( 243 ):
(
وهي التي قد جمعتْ المَحاسن ظاهراً وباطناً، فكمل خَلْقها وخُلُقها.فهنّ خيرات الأخلاق حِسان الوجوه ).
ومما يبيّن حُسْنهنّ ما ورد في صحيح البخاريّ ( 4/20ـ21 ) مِن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ( لَرَوحةٌ في سبيل الله أو غَدوةٌ خيرٌ مِن الدنيا وما فيها.ولَقَابُ قوْسِ أحدكم مِن الجنّة أو موضع قِيدٍ يعني سَوْطَه خيرٌ مِن الدنيا وما فيها. ولو أنّ امرأةً مِن أهل الجنّة اطَّلَعَتْ إلى أهل الأرض لأضاءتْ ما بينهما ولَمَلأته ريحاً.ولَنَصِيْفها(1)على رأسها خيرٌ مِن الدنيا وما فيها ).
وقد ورد ما يدلّ على أنّ نساء الجنّة يزدادون حسناً وجمالاً، ففي صحيح مسلم ( 4/2178 ) عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ( إنّ في الجنّة لَسُوْقاً يأتونها كلّ جمعة، فتهبّ ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً ).

يُغَنِّيـنَ أزواجهـنّ بِأَحْسَـن أَصـوَات
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ( إنّ أزواج أهل الجنّة لَيُغَنِّينَ أزواجهنّ بِأحسن أصواتٍ سمعها أحَدٌ قطّ.إنّ مما يُغَنِّينَ به: نحن الخَيرات الحِسان.أزواج قومٍ كِرَام.يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أعْيان.وإنّ مما يُغَنِّينَ به: نحن الخالدات فلا يَمُتْنَه.نحن الآمِنات فلا يَخَفْنَه.نحن المُقيمات فلا يَظْعَنَّه ).رواه الطبرانيّ في ( المعجم الأوسط ) ( 5/149ـ150 ) وفي ( المعجم الصغير ) ( 2/35 ) فقال: حدّثنا أبو رفاعة عمارة بن وَثِيْمة بن موسى بن الفرات المصري حدّثنا سعيد بن أبي مريم أنبأنا محمّد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما فذكره.
وهذا إسناد رجاله رجال الكتب الستّة سوى عمارة بن وَثِيْمة فَلَمْ أجد له ترجمة سوى ما عند ابن الجوزي في ( المنتظم ) ( 6/37 ) فقد ذكره في مَن تُوُفِّي في سنة تسع وثمانين ومائتين فقال: ( عمارة بن وَثِيْمة بن موسى أبو رفاعة الفارسيّ وُلد بِمصر وحدّث عن أبي صالح كاتب الليث وغيره وصنّف تاريخاً على السنين وحدّث به.وتُوُفِّيَ في جمادى الآخرة مِن هذه السنة ).
وكذلك ذكره الإمام ابن كثير في ( البداية والنهاية ) ( 11/96 ) في مَن تُوُفِّيَ مِن الأعيان مِن السنة نفسها وعزا له التاريخ.
وهو مِن شيوخ الطبراني في (المعجم الكبير) أيضاً.
هذا والحديث صحّحه الشيخ الألبانيّ رحمه الله في ( صحيح الجامع ـ الحديث رقم 1561 ).وانظر ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ـ الحديث رقم 3002 ).والله تعالى أعلم.

كأَمْثـال اللؤلـؤ المَكْنـون
قال تعالى في وصفهنّ وبيان حُسْنِهنّ ( وحورٌ عِينٌ كأمثال اللؤلؤ المكنون ) [ الواقعة:22ـ23 ].
(
أي كأنّهنّ اللؤلؤ الرطب في بياضه وصفائه ) تفسير الإمام ابن كثير ( 4/287 ).
والمَكْنون هو المَصُون المستور في صَدَفه.
قال ابن القيّم في روضة المحبّين ( 245 ):
(
فَخُذْ مِن اللؤلؤ صفاء لونه.وحُسْن بياضه.ونعومة مَلْمَسه ).


كأَنّهـنّ بَيْـضٌ مَكْنـون
قال الله تعالى ( وعندهم قاصرات الطَّرْف عِيْن كأنّهنّ بَيضٌ مكنون ) [ الصافات:48ـ49 ].
شبّهَهُنّ الله تعالى بالبَيْض الذي يكنّه الريش مثل بيض النّعام الذي يحضنه الطائر ويستره بريشه مِن الريح والغبار.
وقيل في معنى ( البَيْض المَكْنون ) إنّه بَطْن البيض وهو الذي داخل القشر.فهذا قول ثان.
وقيل إنّه اللؤلؤ.وبه شُبِّهْنَ في بياضه وصفائه.وهذا قول ثالث.
والمختار هو القول الأوّل.ورجّحه الشوكاني في ( فتح القدير ).وهو اختيار الآلوسي في ( روح المعاني ).ولم يذكر الشنقيطي في ( أضواء البيان ) غيره.والله تعالى أعلم

كأَنّهـنّ الياقـوتُ والمَرْجـان
قال تعالى في وَصْفِهنّ ( كأنّهنّ الياقوت والمَرْجان )[ ألرحمن:58 ].
قال ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) ( 289 ):
(
قال الحسن وعامّة المفسّرين: أراد صفاء الياقوت في بَياض المَرْجان.شبّهَهُنّ في صفاء اللون وبياضه بالياقوت والمَرجان ).
ونقله ابن كثير رحمه الله في التفسير ( 4/280 ) عن مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم.
وقال ابن القيّم في روضة المحبّين ( 245 ):
(
وخُذْ مِن الياقوت والمرجان حُسْنَ لونه في صفائه وإشرابه بيسيرٍ مِن الحُمْرة ).
وروى البخاريّ ( 4/160 ) ومسلم ( 17/171ـ172 بشرح النووي ) واللفظ للبخاريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أول زمرة يدخلون الجنة [ مِن أُمّتي ـ م 17/172 ] [ صُوْرَتهم ـ خ 4/143 م 17/173 واللفظ للبخاريّ ] على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشدّ كوكبٍ دُرِّيٍّ في السماء إضاءة [ ثم هم بعد ذلك منازل ـ م 17/ 172 ] لا يبولون ولا يتغوّطون ولا يَتْفلون ولا يَمْتخطون [ ولا يبصُقون ـ خ 4/143 م 17/172، 173 ] [ زاد البخاريّ 4/143: لا يَسْقَمون ] أمشاطهم الذهب [ وفي رواية: آنيتهم وأمشاطهم مِن الذهب والفضة ـ خ 4/143 م 17/173 واللفظ لمسلم ] ورَشْحهم المسك ومَجَامِرهم [ وفي رواية: وَقُود مَجَامِرهم ـ خ 4/ 143 ] الأَلُوَّة الأَلَنْجُوج عُوْد الطِّيْب وأزواجهم الحُوْر العِيْن ( لكل امرئٍ منهم زوجتان [ اثنتان ـ م 17/ 171 ] كل واحدةٍ منهما يُرى مُخُّ ساقها مِن وراء لحمها مِن الحُسْن ـ خ 4/143 م 17/173 واللفظ للبخاريّ ) [ وفي رواية عند البخاريّ 4/145: لكل امرئٍ زوجتان مِن الحُوْر العِيْن يُرى مُخُّ سُوْقِهنّ مِن وراء العظم واللحم ] [ وما في الجنة أعزب ـ م 17/ 171 ] على خَلْق رجل واحد على صورة أبيهم آدم سِتون ذراعاً في السماء ( لا اختلاف بينهم ولا تَبَاغُض [ ولا تَحَاسُد ـ خ 4/ 145 ] قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بُكْرةً وعَشِيّاً ـ خ 4/143 م 17/173 ) ).
فقوله صلّى الله عليه وسلّم في وَصْفِ نساء أهل الجنّة: ( يُرى مُخُّ سُوْقِهنّ مِن وراء العظم واللحم ).يدلّ على الحُسن والصفاء البَالِغَيْن.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ( فتح الباري ) ( 6/401 ):
(
والمُخّ ـ بضمّ الميم وتشديد المعجمة ـ: ما في داخل العظم.والمراد به وصفها بالصفاء البالغ.وأنّ ما في داخل العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ( لِلرَّجُل مِن أهل الجنّة زوجتان مِن الحُوْر العِيْن على كلّ واحدةٍ سبعون حُلَّة يرى مُخّ ساقها مِن وراء الثياب ).رواه الإمام أحمد في المسند (2/345) قال: حدّثنا عفّان ثنا حمّاد بن سلمة أنا يونس عن محمّد بن سيرين عن أبي هريرة به.وإسناده صحيح.
ورواه الدارمي ( 931 ) فقال: أخبرنا محمّد بن المنهال ثنا يزيد بن زريع ثنا هشام القردوسي عن محمّد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ( ما في الجنّة أحَدٌ إلا لَهُ زوجتان.إنّه ليرى مخّ ساقهما مِن وراء سبعين حُلَّة ما فيها مِن عزب ).وهذا إسناد صحيح أيضاً.
حُــوْر
قال الله تعالى ( إنّ المتّقين في مَقَامٍ أمين في جنّاتٍ وعيون يلبسون مِن سندسٍ وإستبرقٍ مُتَقابلين كذلك وزوّجناهم بِحُوْرٍ عِيْن يَدْعون فيها بِكلّ فاكهةٍ آمِنين لا يذوقون فيها الموت إلا المَوْتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم ) [ الدخان:51ـ56 ].
قال ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) ( 284ـ285 ):
(
فَجَمَع لهم بين حُسْن المَنْزل وحصول الأمْن فيه مِن كلّ مكروه، واشتماله على الثمار والأنهار، وحُسْن اللباس، وكمال العِشرة بمقابلة بعضهم بعضاً، وتمام اللذة بالحُوْر العِيْن، ودعائهم بجميع أنواع الفاكهة، مع أمْنِهم مِن انقطاعها ومضرّتها وغائلتها، وختام ذلك أعْلَمَهم بأنّهم لا يذوقون هناك موتاً ).
وقال أيضاً في ( حادي الأرواح ) ( 138 ):
(
قال تعالى ( إنّ المتّقين في مَقَامٍ أمين في جنّاتٍ وعيون ) [ الدخان:51ـ52 ] والمَقام: موضع الإقامة.والأمين: الآمِن مِن كلّ سوء وآفة ومكروه،وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلّها، فهو آمِن مِن الزوال والخراب وأنواع النقص، وأهله آمِنون فيه مِن الخروج والنقص والنكد.والبلد الأمين: الذي قد أمن أهله فيه مما يخاف مِنه سواهم.
وتأمّل كيف ذكر سبحانه الأمن في قوله تعالى ( إنّ المتّقين في مَقَامٍ أمين ) [ ألدخان:51 ] وفي قوله تعالى (يَدْعون فيها بكلّ فاكهةٍ آمِنين) [الدخان:55 ].فجمع لهم بين أمْن المَكان وأمْن الطعام، فلا يخافون انقطاع الفاكهة ولا سوء عاقبتها ومضرّتها، وأمْن الخروج مِنها، فلا يخافون ذلك، وأمْن الموت فلا يخافون فيها موتاً ).
وقال تعالى( إنّ المتّقين في جنّاتٍ ونعيم فاكِهِيْن بما آتاهم ربّهم ووقاهم ربّهم عذاب الجحيم كُلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون متّكئين على سُررٍ مصفوفةٍ وزوّجناهم بِحُوْرٍ عِيْن ) [ الطور:17ـ20 ].
قال ابن القيّم رحمه الله:
(
ذكر سبحانه أرباب العلوم النافعة والأعمال الصالحة والاعتقادات الصحيحة وهم المتّقون، فذكر مساكنهم وهم في الجِنان، وحالهم في المساكن وهو النعيم.وذكر نعيم قلوبهم وراحتهم بكونهم ( فاكِهِيْن بما آتاهم ربّهم ) [ الطور:18 ].والفَاكِه: المُعجَب بالشيء المسرور المُغتبط به.وفِعْله: فكِه بالكسر يفكه فهو فكه وفاكه إذا كان طيّب النفس ) ـ إلى أن قال ابن القيّم ـ : ( والمقصود أنّه سبحانه جمع لهم بين النَّعِيمَين: نعيم القلب بالتفكّه، ونعيم البدن بالأكل والشرب والنكاح.ووقاهم عذاب الجحيم.فوقاهم مما يكرهون، وأعطاهم ما يحبّون، جزاءً وِفاقاً، لأنّهم تركوا ما يكره، وأتَوا بما يحبّ، فكان جزاؤهم مطابقاً لأعمالهم.
ثمّ أخبر عن دوام ذلك لهم بما أفْهَمَه قوله ( هنيئاً ) [ الطور:19 ].فإنّهم لو علموا زواله وانقطاعه لَنَغّص عليهم ذلك نعيمهم ولم يكن هناء لهم.
ثمّ ذكر مجالسهم وهيئاتهم فيها فقال ( مُتَّكِئِيْن على سُرُرٍ مَصْفوفة ) [ الطور:20 ].وفي ذِكْر اصطفافها تنبيه على كمال النعمة عليهم بِقُرْب بعضهم مِن بعض ومقابلة بعضهم بعضاً، كما قال تعالى ( مُتَّكِئِيْنَ عليها مُتَقابِلين ) [ الواقعة:16 ].فإنّ مِن تَمام اللذة والنعيم أنْ يكون مع الإنسان في بستانه ومنزله مَن يحبّ معاشرته ويُؤثر قربه، ولا يكون بعيداً مِنه قد حِيْل بينه وبينه، بل سريره إلى جانب سرير مَن يحبّه).انتهى مِن بدائع التفسير لابن القيّم ( 4/257ـ258 ) ـ جمع: يسري السيّد محمّد.ونقله عن التبيان في أقسام القرآن.
وقال الله تعالى في وَصْفِهنّ ( وحُوْرٌ عِيْنٌ كأمثال اللؤلؤ المكنون ) [ الواقعة:22ـ23 ].
وقال تعالى ( حُوْرٌ مَقْصُوْراتٌ في الخِيام ) [ الرحمن:72 ].
وتقدّم الحديث الذي في الصحيحين وفيه وأزواجهم الحُوْر العِيْن ).
والحُوْر جمع:حَوْراء.وهي المرأة النقيّة البَياض، الشديدة بياض مُقلة العين في شدّة سواد الحدقة.
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في التفسير ( 11/248 ) في قوله تعالى ( كذلك وزوّجناهم بِحُوْرٍ عِيْن ) [ الدخان:54 ]:
(
يقول تعالى ذكره: كما أعطينا هؤلاء المتّقين في الآخرة مِن الكرامة بإدخالهم الجنّات وإلباسهم فيها السندس والإستبرق، كذلك أكرمناهم بأنْ زوّجناهم أيضاً فيها حُوْراً مِن النساء وهنّ النقيّات البَياض.وَاْحِدَتهنّ: حَوْراء ).ثمّ نقل هذا المعنى عن قتادة رحمه الله.
وقال الطبريّ ( 11/614 ) في قوله تعالى ( حُوْرٌ مَقْصُوْراتٌ في الخِيام ) [ الرحمن:72 ]: ( يعني بقوله (حُوْر): بِيْض.وهي جمع حَوْراء.والحَوْراء: البيضاء ).ثمّ نقله عن مجاهد رحمه الله.
وقال أيضاً في قوله تعالى ( وزوّجناهم بِحُوْرٍ عِيْن ) [ الطور:20 ] في التفسير ( 11/487 ):
(
والحُوْر جمع حَوْراء، وهي الشديدة بَياض مُقْلة العين في شدّة سواد الحدقة ).
وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى ( وحُوْرٌ عِيْن ) [ الواقعة:22 ] (11/632): ( والحُوْر جمع حَوْراء، وهي النقيّة بَياض العين الشديدة سوادها ) انتهى.أي: نقيّة بياض أبيضها وهي المقلة، شديدة سواد أسودها وهي الحدقة.كما قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: ( حُوْرٌ: سُوْدُ الحَدَق ).علّقه البخاريّ عنه في( 6/181 ) بصيغة الجزم.
وقال ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) ( 285 ):
(
والحُوْر جمع حَوْراء، وهي المرأة الشابّة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين ).ويقصد بسواد العين: سواد الحدقة كما تقدّم.
ثمّ نقل الإمام ابن القيّم عن ابن عبّاس وقتادة أنّ الحور في كلام العرب: البِيْض.وعن مقاتل: الحُوْر البِيْض الوجوه.ثمّ قال ( الموضع السابق ):
(
وأصل الحَوَر: البياض.والتحوير: التبييض.والصحيح أنّ الحور مأخوذ مِن الحَوَر في العَيْن، وهو شدّة بياضها مع قوّة سوادها.فهو يتضمّن الأمرين.وفي الصحاح: الحور شدّة بياض العَين في شدّة سوادها.إمرأة حَوْراء بيّنة الحَوَر ) ـ إلى أنْ قال ـ : ( والحَوَر في العَيْن معنى يلتئم مِن حُسْن البياض والسواد وتناسبهما واكتساب كلّ واحدٍ منهما الحُسْن مِن الآخر.وعينٌ حَوْراء: إذا اشتدّ بياض أبيضها وسواد أسودها.ولا تُسمّى المرأة حَوْراء حتّى تكون مع حَوَر عينها بيضاء لون الجسد ).انتهى كلام ابن القيّم.
وقال في ( روضة المحبّين ) ( 243 ): ( ووَصَفَهنَّ بالحور وهو حُسْن ألوانهنّ وبياضه ).
وقال ابن القيّم أيضاً: ( وعَيْنٌ حَوْراء: شديدة السواد، نقيّة البَياض، طويلة الأهداب مع سوادها، كاملة الحُسْن.ولا تُسَمّى المرأة حَوْراء حتّى يكون مع حَوَر عينها بياض لون الجسد.
فوَصَفَهنَّ بالبَياض والحُسْن والمَلاحة.كما قال ( خَيْراتٌ حِسان ) [ الرحمن: 70 ].فالبَياضُ في ألوانهنّ، والحُسْن في وجوههنّ، والمَلاحة في عيونهنّ.وقد وصف الله سبحانه نساء أهل الجنّة بأحسن الصفات.ودلّ بما وصف على ما سكت عنه ) انتهى مِن بدائع التفسير لابن القيّم ( 4/259 ) ـ جمع: يسري السيّد محمّد. ونقله عن التبيان في أقسام القرآن.

فائدة: تَقَدّم قَوْل الله تعالى ( وزوّجناهم بِحُوْرٍ عِيْن )[ الدخان:54 ] [ الطور:20 ].قال مجاهد في معنى التزويج: ( أنْكَحْناهم حُوْراً عِيْناً).علّقه البخاريّ عنه بصيغة الجزم في ( 6/163ـ164 ).وهو قول طائفة.
وقالت طائفة أخرى: ( وزوّجناهم بِحُوْرٍ عِيْن ) أي: قَرَنّاهم بِهنّ.فعندهم ( زوّجناهم ) مِن الاقتران والشفع أي اثنين اثنين.
والمختارُ والله تعالى أعلم أنّ الآية تدلّ على المعنيين كليهما.فلفظ التزويج يدلّ على النكاح، كما قال مجاهد رحمه الله.وأمّا لفظ الباء في قوله تعالى ( بِحُوْر ) فإنّه يدلّ على الاقتران.
ولهذا قال الإمام ابن القيّم بعد أنْ حكى القولين: ( قلتُ: وعلى هذا فتلويح فعل التزويج قد دلّ على النكاح، وتعديته بالباء المتضمّنة معنى الاقتران والضمّ.فالقولان واحد، والله أعلم ) انتهى مِن بدائع التفسير لابن القيّم ( 4/258 ) ـ جمع: يسري السيّد محمّد. ونقله عن التبيان في أقسام القرآن.
وقال أيضاً في ( حادي الأرواح ) ( 287 ):
(
ولا يمتنع أنْ يُراد الأمران معاً.فلفظ التزويج يدلّ على النكاح، كما قال مجاهد: أنكحناهم الحُوْر.ولفظ الباء يدلّ على الاقتران والضمّ، وهذا أبلغُ مِن حذفها، والله أعلم ).
عِيْــن
قد تقدّم ذِكرُ النصوص الدالّة على هذا الوَصف.
وقال تعالى في بشرى عباده المُخْلَصين ( وعندهم قاصرات الطَّرْف عِيْن )[ الصافّات:48 ].
والعِيْن جمع: عَيْنَاء، وهي المرأة الواسعة العينين، التي جَمَعَتْ عيناها صفات الحُسْن.

قال الإمام ابن جرير رحمه الله في التفسير ( 11/487 ):
(
والعِيْن جمع عَيْنَاء، وهي العظيمة العين في حُسْن وسعة ).
وقال رحمه الله في موضع آخر مِن التفسير ( 10/487 ):
(
وقوله ( عِيْن ) يعني بالعِيْن: النجل العيون عظامها.وهي جمع عَيْنَاء.والعَيْنَاء المرأة الواسعة العين عظيمتها، وهي أحسن ما تكون مِن العيون ).
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله في التفسير ( 4/8 ):
(
وقوله تبارك وتعالى ( عِيْن ) أي حِسان الأعين، وقيل ضخام الأعين، وهو يرجع إلى الأوّل، وهي النجلاء العَيْنَاء ).
وقال الإمام ابن القيّم رحمه الله في حادي الأرواح ( 285ـ286 ):
(
والعِيْن: جمع عَيْنَاء، وهي العظيمة العين مِن النساء.ورَجُلٌ أعْين: إذا كان ضخم العين.وامرأة عَيْنَاء، والجمع: عِيْن.
والصحيح أنّ العِيْن اللاتي جَمَعَتْ أعينهنّ صفات الحُسْن والملاحة.
قال مقاتل: العِيْن حِسان الأعين.
ومِن محاسن المرأة اتّساع عينها في طول.وضِيْق العين في المرأة مِن العيوب ).انتهى كلامه.
وقال أيضاً في ( روضة المحبّين ) ( 243 ):
(
والعِيْن جمع عَيْنَاء، وهي المرأة الواسعة العين مع شدّة سوادها وصفاء بياضها وطول أهدابها وسوادها ).

قَاصِـرَاتُ الطَّـرْف
قال الله تعالى ( وعندهم قاصراتُ الطَّرْف عِيْن ) [ الصافّات:48 ].
وقال تعالى ( مُتَّكِئِيْن على فُرُشٍ بطائنها مِن إستبرق وجَنَى الجنّتين دانٍ فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان فيهنّ قاصراتُ الطَّرْف لم يطمثهنّ إنسٌ قبلهم ولا جانّ فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان كأنّهنّ الياقوت والمَرْجان فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان ) [ الرحمن:54ـ59 ].
وقال تعالى ( وعندهم قاصراتُ الطَّرْف أتراب ) [ ص:52 ].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في التفسير مبيّناً معنى ( قاصِرات الطَّرْف ) ( 4/278 ):
(
أي غَضِيْضات عن غير أزواجهنّ.فلا يرَيْن شيئاً في الجنّة أحسن مِن أزواجهنّ.قاله ابن عبّاس وقتادة وعطاء الخراسانيّ وابن زيد ).
وقال ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) ( 287 ):
(
والمفسّرون كلّهم على أنّ المعنى قَصَرْنَ طرفهنّ على أزواجهنّ فلا يطمحن إلى غيرهم ).
وقال أيضاً في ( روضة المحبّين ) ( 244 ): ( فالمرأة مِنهنّ قد قَصَرَتْ طَرْفها على زوجها مِن محبّتها له ورضاها به، فلا يتجاوز طَرْفها عنه إلى غيره ).
فالقَصْرُ هنا: قَصْرُ الطَّرْف عن طُمُوْحِه إلى غير الأزواج.كما قال ابن القيّم في ( حادي الأرواح ) ( 290 ).
وهذا يدلّ على كمال عفّتهنّ،وأنّهنّ لا يُرِدْنَ غير أزواجهنّ،ولا يتعدّى طَرْفهنّ إلى غيرهم لِرضاهنّ بِهم، وبهذا تكمل لذّة أزواجهنّ بهنّ.

مَقْصُـوْرَاتٌ في الخِيَـام
قال تعالى في وَصْفهنّ ( حُوْرٌ مَقْصُوْرَاتٌ في الخِيَام )[ الرحمن:72 ]
ومعنى قوله تعالى ( مَقْصُوْرَاتٌ في الخِيَام ): أنّهنّ قد قُصِرْنَ وسُتِرْنَ في الخِيَام صيانةً وتَكْرمةً لهنّ، فلا يبْرزنَ ولا يَظْهرنَ للرجال.بل هنّ مستوراتٌ في الخِيَام.فالقَصْرُ هنا كما قال ابن القيّم: ( قَصْر الرِّجْلِ عن التَبَرّج والبروز والظهور للرجال ).حادي الأرواح ( 290 ).
وقد روى معناه الطبري عن ابن عبّاس ومجاهد وأبي العالية والضحّاك ومحمّد بن كعب والحسن.ونقله الشوكانيّ في ( فتح القدير ) عن أبي عبيدة ومقاتل.ونقله ابن الجوزي في ( زاد المسير ) عن أبي صالح أيضاً.
وقيل إنّ المعنى أنّهنّ قد قُصِر طرْفهنّ وأنفسهنّ على أزواجهنّ، فلا يُرِدْنَ غيرهم، ولا يرفعنَ طَرْفهنّ إلى سواهم.
وهو رواية عن مجاهد ـ رواه الطبري ـ ونقله ابن الجوزي في ( زاد المسير ) عن الربيع.
والمختار والله تعالى أعلم: القول الأوّل.وهو الذي ذكره القرطبي ولم يذكر سواه.
ورجّحه ابن الجوزي في ( زاد المسير ) ( 8/126 ) فقال بعد أنْ حكى القولين: ( والأوّل أصحّ، فإنّ العرب تقول: امرأة مقصورة وقصيرة وقصورة إذا كانت ملازمة خِدْرها ).

وهو الذي رجّحه الشوكانيّ في ( فتح القدير ) ( 5/203 ) فقال:
(
والأوّل أَوْلى، وبه قال أبو عبيدة ومقاتل وغيرهما.قال في الصِحاح: قَصَرْتُ الشيء أقصره قصراً حبسته.والمعنى: أنّهنّ خُدرن في الخِيام ).
ورجّحه الآلوسيّ في ( روح المعاني ) ( 27/123 ) فقال:
(
أي مُخَدَّرَات.يُقال: امرأة قصيرة ومقصورة أي مُخَدَّرة ملازمة لِبيتها لا تطوف في الطرق ) ـ إلى أنْ قال ـ: ( والنساء يُمْدَحْنَ بِمُلازمتهنّ البيوت لِدلالتها على صيانتهنّ ) ـ إلى أنْ قال ـ: ( وهذا التفسير مأثور عن ابن عبّاس والحسن والضحّاك وهو رواية عن مجاهد.
وأخرج ابن أبي شَيْبة وهناد بن السري وابن جرير عنه أنّه قال: مَقْصُورات قلوبهنّ وأبصارهنّ ونفوسهنّ على أزواجهنّ.والأوّل أظهر ) انتهى كلام الآلوسيّ.
وهو الذي ذكره الشنقيطي في ( أضواء البيان ) ( 6/313ـ314 ) ولم يذكر غيره فقال: ( واعلمْ أنّ الله أثنى عليهنّ بِنوعين مِن أنواع القَصْر:
أحدهما: أنّهنّ ( قَاصِرَات الطَّرْف ).والطَّرْف: العين ) ـ إلى أنْ قال ـ: ( ومعنى كونهنّ ( قَاصِرَات الطَّرْف ) هو ما قدّمنا مِن أنّهنّ لا يَنْظُرْنَ إلى غير أزواجهنّ، بخلاف نساء الدنيا.
والثاني مِن نوعي القَصْر: كونهنّ مَقْصُوْرات في خِيامهنّ لا يخرجنَ مِنها، كما قال تعالى لأزواج نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ( وقَرْنَ في بيوتكنّ ) [ الأحزاب:33 ].وذلك في قوله تعالى ( حُوْرٌ مَقْصُوْراتٌ في الخِيَام ) [ الرحمن:72 ].وكَوْن المرأة مقصورة في بيتها لا تخرج مِنه مِن صفاتها الجميلة ).
وذكره الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في التفسير ( 1157 ) فقال: ( حُوْرٌ مَقْصُوْراتٌ في الخِيَام ) [ الرحمن:72 ] أي: محبوسات في خِيام اللؤلؤ.قد تَهَيّأْنَ وأعدَدْنَ أنفسهنّ لأزواجهنّ.ولا ينفي ذلك خروجهنّ في البساتين ورياض الجنّة كما جَرَت العادة لِبنات الملوك المُخَدَّرات الخفرات ).
ومعنى محبوسات أي مَصُوْنات، فهو حَبْس صيانة وتكرمة.
وقال الإمام ابن القيّم في ( حادي الأرواح ) ( 290 ):
(
ألمَقْصُوْرات: المحبوسات.قال أبو عبيدة: خُدرن في الخِيام.وكذلك قال مقاتل: محبوسات في الخِيام.
وفيه معنى آخر: وهو أنْ يكون المراد أنّهنّ محبوسات على أزواجهنّ لا يَرَوْنَ غيرهم، وهم في الخيام.وهذا معنى قول مَن قال: قُصِرْنَ على أزواجهنّ فلا يُرِدْنَ غيرهم، ولا يَطْمَحْنَ إلى مَن سواهم.ذكره الفرّاء.
قلتُ: وهذا معنى قَاصِرات الطَّرْف.لكن أولئك قَاصِرات بأنفسهنّ، وهؤلاء مَقْصُوْرَات.وقوله ( في الخِيام ) على هذا القول: صفة لِحُوْر.أي: هنّ في الخِيام.وليس معمولاً لِمَقْصُوْرات.وكأنّ أرباب هذا القول فَرّوا مِن أن يَكُنَّ محبوسات في الخِيام لا تُفَارِقْنها إلى الغُرَف والبساتين.
وأصحاب القول الأوّل يُجيبون عن هذا بأنّ الله سبحانه وصفهنّ بِصفات النساء المُخَدَّرات المَصُوْنات.وذلك أجمل في الوصف، ولا يلزم مِن ذلك أنّهنّ لا يُفَارِقْنَ الخِيام إلى الغُرَف والبساتين، كما أنّ نساء الملوك وذويهم مِن النساء المُخَدَّرات المَصُوْنات لا يُمنعنَ أنْ يَخرجنَ في سفر وغيره إلى مُنْتزهٍ وبستان ونحوه.فوَصْفُهنّ اللازم لهنّ القَصْر في البيت، ويَعرض لهنّ مع الخدم الخروج إلى البساتين ونحوها ) انتهى كلام ابن القيّم.
وقد ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في صفة خِيَام الجنّة أنّه قال: ( إنّ للمؤمن في الجنّة لَخيمةً مِن لؤلؤةٍ واحدةٍ مُجَوَّفَةٍ طولها [ في السماء ] ستّون مِيْلاً.[ وفي رواية: عَرْضُها ستّون مِيْلاً ] لِلمؤمن فيها أهْلُوْن يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً ).وفي لفظ: ( في كلّ زاويةٍ مِنها أهلٌ ما يَرَوْنَ الآخَرين يطوف عليهم المؤمن ).
رواه البخاريّ ( 4/143 ) ( 6/182 ) ومسلم ( 17/176،175ـ الشرح ) واللفظ له.وما بين المعقوفين [ ] اتّفقا عليه أيضاً.
قال النووي رحمه الله في الشرح ( 17/175 ): ( وفي الرواية الأولى: ( عَرْضُها سِتّون مِيْلاً ).وفي الثانية: ( طُوْلها في السماء سِتّون مِيلاً ).ولا مُعارضة بينهما، فعَرْضها في مساحة أرضها وطُوْلها في السماء أي في العلوّ متساويان ) انتهى كلامه.وراجع ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ) للشيخ الألبانيّ رحمه الله.( ألمجلّد السابع ـ حديث رقم 3541 ).
كَـوَاعِــب
قال الله تعالى ( إنّ للمتّقين مَفَازاً حدائقَ وأعناباً وكَوَاعِبَ أتْرَاباً ) [ النبأ:31ـ33 ].
ومعنى (كَوَاعِب) ما قاله ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) ( 295 ):
(
فَالكَوَاعِبُ جمع كَاعِب وهي: الناهِد ) ـ إلى أنْ قال ـ: ( وأَصْلُ اللفظة مِن الاستدارة.والمراد أنّ ثديّهنّ نَواهِد كالرمّان ليستْ مُتَدلّية إلى أسفل.ويُسَمّين نَواهِد وكَوَاعِب ).
وقال أيضاً في ( روضة المحبّين ) ( 243 ):
(
وقد وصفهنّ الله عزّ وجلّ بأنّهنّ كَوَاعِب.وهو جمع:كَاعِب.وهي المرأة التي قد تكعّب ثديها واستدار ولم يتدلّ إلى أسفل.وهذا مِن أحسن خَلْق النساء وهو ملازمٌ لسنّ الشباب ).
فيا أيّها العاقل اللبيب، هذا مِن جميل وصف نساء الجنّة، فلا تَرْضَ لنفسك بالدُّوْن، وارْبأْ بها عن مَوَاقِع الذلّ والهُوْن، بِرِفْقة كلّ فاجرٍ مفتون، وما شَرْط مرافقتهم اجتماع الأجساد، بل الفجّار الفسّاق رُفَقَاء وإخوان، وأصحابٌ وخِلان، على بُعْد الدّيار وطُوْل القِفَار، وذلك باجتماع قلوبهم على طَلَب شهوةٍ دنيئة، ولذّةٍ منغَّصة لا هنيئة، بامرأة مفتونة، أو صورة ملعونة، فقلوب الفجّار لها في ذلٍّ وانكسار، وعيونهم عن مساوئها في إحجام وانْحِسار.
فإنْ كنتَ عبد الله حقّاً فلا يستعبدْك ما استعبد المحرومَ الذي وَصَفتُ لك حالَه.بل تنزّه عن ذلك رغبةً فيما عند الله تعالى مِن الثواب العظيم، وهذا هو سبيل المتّقين الموعودين بأحسن الوعد وأصدقه وأوفاه ( إنّ للمتّقين مَفَازاً حدائقَ وأعناباً وكواعبَ أتراباً ) [ النبأ:31ـ33 ].

أَبْكَـارٌ
لم يَطْمِثْهُنَّ إنسٌ ولا جَانّ
قال الله تعالى ( إنّا أنشأناهنّ إنشاءً فجعلناهنّ أبكاراً عُرُباً أتْرَاباً لأصحاب اليمين ) [ الواقعة:35ـ38 ].
وتأَمّلْ قوله تعالى ( إنّا أنشأناهنّ إنشاءً ) فهو يدلّ على عظم شأنه، وأنّه إنشاء كريم، مِن الربّ الرحيم، سبحانه وتعالى. نسأل الله جلّ وعلا مِن فضله.
وقال تعالى في بيان ثواب الخائفين مَقَام ربّهم ( مُتَّكِئِيْن على فُرُشٍ بطائنها مِن إستبرق وجَنَى الجنّتين دانٍ فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان فيهنّ قاصراتُ الطَّرْف لم يَطْمِثْهُنّ إنسٌ قبلهم ولا جانّ فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان كأنّهنّ الياقوت والمَرْجان فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان )[ الرحمن:54ـ59].
وقال الله تعالى ( فِيْهِنّ خَيْراتٌ حِسان فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان حُوْرٌ مَقْصُوْرَاتٌ في الخِيَام فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان لم يَطْمِثْهُنّ إنسٌ قبلهم ولا جانّ فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان ) [ الرحمن:70ـ75 ].
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قيل يا رسول الله هل نَصِلُ إلى نسائنا في الجنّة ؟ فقال ( إنّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ في اليوم إلى مائة عَذْراء ).
رواه الطبراني في ( المعجم الصغير ) ( 2/68 ) وفي ( الأوسط ) ( 1/219 ).وقال الحافظ أبو عبد الله المقدسي رحمه الله: هذا الحديث عندي على شَرْط الصحيح.وصحّحه ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) ( 307 ).وصحّحه الألبانيّ رحمه الله في ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ـ الحديث رقم 367 ).
ومعنى قوله تعالى ( لم يَطْمِثْهُنّ إنسٌ قبلهم ولا جانّ ) ما قاله الإمام ابن كثير( 4/280 ):
(
لم يَطَأْهُنّ أحدٌ قبل أزواجهنّ مِن الإنس والجنّ ).
ومثله نقل ابن القيّم في ( حادي الأرواح ) ( 288 ) عن المفسّرين أنّ المعنى: لم يَطَأْهُنَّ ولم يَغْشَهنَّ ولم يُجامِعهنَّ أحد قبل أزواجهنّ.
فهنّ أبْكَارٌ مَصُوْنَاتٌ محفوظات.فتكون لذّة أزواجهنّ بهنّ أكمل وأتمّ كما قال الإمام ابن القيّم في ( حادي الأرواح ) ( 294 ):
(
وفي قوله ( لم يَطْمِثْهُنَّ إنسٌ قبلهم ولا جانّ ) إعلامٌ بكمال اللذة بهنّ.فإنّ لذّة الرجل بالمرأة التي لم يطأها سواه لها فضلٌ على لذّته بغيرها.وكذلك هي أيضاً ).
والضمير في قوله تعالى ( قبلهم ) عائدٌ على أزواج هؤلاء النسوة، المَعْنِيين بِقوله تعالى ( مُتَّكِئين ).كما قرره ابن القيّم في ( حادي الأرواح ) ( 289 ).

فائدة: ومما ورد في صفة جِمَاع أهل الجنّة أنّ المؤمن يُعطى قوّة مائة، كما في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ( يُعطى المؤمن في الجنّة قوّة كذا وكذا مِن الجماع.قيل يا رسول الله أوَ يطيق ذلك ؟ قال: يُعطى قوّة مائة ) رواه الترمذي وصحّحه ( 4/677 ).وصحّحه الإمام ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) ( 301 ).وصحّحه أيضاً الشيخ الألبانيّ رحمه الله في تحقيق ( مِشكاة المصابيح ـ الحديث رقم 5636 ).

عُـرُب
قال الله تعالى ( إنّا أنشأناهنّ إنشاءً فجعلناهنّ أبكاراً عُرُباً أتْرَاباً لأصحاب اليمين ) [ الواقعة:35ـ38 ].
و( عُرُباً ) أي: مُتَحَبِّبات إلى بعولتهنّ.قاله الإمام ابن كثير رحمه الله في ( النهاية في الفتن والملاحم ) ( 2/510 ).وذكره أيضاً في التفسير ( 4/293 ).وبهذا المعنى فسّرها ابن القيّم في حادي الأرواح (294).
وقال في ( روضة المحبّين ) ( 245 ):
(
وأمّا العُرُب فجمع عَرُوْب.وهي التي جمعت إلى حلاوة الصورة حُسن التأنّي والتبعّل والتحبّب إلى الزوج بدلّها وحديثها وحلاوة منطقها وحُسن حركاتها ).
وقال أيضاً في معنى ( العَرُوْب ): ( وهي المرأة المُتَحَبِّبَة إلى زوجها بأخلاقها ولطافتها وشمائلها.قال ابن الأعرابيّ: العَرُوْب مِن النساء المطيعة لِزوجها، المُتَحَبِّبَة إليه.وقال أبو عبيدة: هي الحسنة التبعّل. قال المبرّد: هي العاشقة لِزوجها ).انتهى مِن بدائع التفسير لابن القيّم ( 4/259 ) ـ جمع: يسري السيّد محمّد. ونقله عن التبيان في أقسام القرآن.
وهذا غاية ما يُطلب مِن النساء، أن تكون مع حسن الصورة عَرُوْباً، كما قال ابن القيّم في ( حادي الأرواح ) ( 294 ):
(
فجمع سبحانه وتعالى بين حُسْن صورتها وحُسْن عِشْرتها.وهذا غاية ما يُطلب مِن النساء.وبه تكمل لذّة الرجل بهنّ ).
أَتْـرَاب
قال تعالى ( وعندهم قاصراتُ الطَّرْف أتْرَاب ) [ ص:52 ].
وقال الله تعالى( إنّ للمتّقين مَفَازاً حدائقَ وأعناباً وكَوَاعِبَ أتْرَاباً ) [ النبأ:31ـ33 ].
قال ابن كثير رحمه الله في التفسير ( 4/42 ):
( (
أَتْرَاب ) [ ص:52 ] أي متساويات في السنّ والعمر.هذا معنى قول ابن عبّاس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جُبير ومحمّد بن كعب والسدّي ).
وقال ابن القيّم في ( حادي الأرواح ) ( 288 ):
(
والمعنى مِن الإخبار باستواء أسنانهنّ أنّهنّ ليس فيهنّ عجائز قد فات حُسنهنّ،ولا ولائد لا يُطِقْن الوطء.بخلاف الذكور فإنّ فيهم الولدان وهم الخدم ).
وقال في ( روضة المحبّين ) ( 245 ):
(
فهنّ مستويات في سِنِّ الشباب، لم يقصر بِهنّ الصغر، ولم يُزْرِ بِهنّ الكِبَر، بل سِنّهنّ سِنّ الشباب ).
ألخَـاتِمَـة
هذا وَصْف نساء الجنّة، يُشَوِّقك إليهنّ، ويحدو بك إلى دارهنّ، فما عليك إلا أن تعزم عَزيمة صادقٍ موقنٍ تبتغي مرضاة الله تعالى على هدىً مِنْه سبحانه.

ولقد وَصَفْتُ طريق مَسْكنها فإنْ
أسْرِعْ وحُثَّ السَّيْرَ جهدك إنّما
فاعْشَقْ وحَدِّثْ بِالوِصَال النفسَ وابْذُلْ
واجْعَلْ صيامك قبل لُقْيَاها
واجْعَلْ نُعُوتَ جمالها الحَادِي وَسِرْ


رُمْتَ الوِصَاْلَ فلا تكن بِالوَاني
مَسْرَاكَ هذا ساعة لِزَمَان
مَهْرَها ما دُمْتَ ذا إمْكان
ويَوْم الوصْلِ يوم الفِطْر مِن رمضان
تَلْقَى المَخَاوِفَ وهي ذات أمَان

( القصيدة النونيّة لابن القيّم.صفحة 217ـ218 )
واعلمْ أنّ أهل العقول لا يَزهدون في عرائس الجنّة مِن أجْلِ حُسْنٍ زائفٍ في هذه الدنيا، ولا يَستبدلون اللذّةٍ المحرَّمةٍ المُنَغَّصةٍ المُنَغِّصَةٍ الناقصةٍ المنقطعةٍ التي توجب البَوَار، لا يستبدلونها باللذة الحقيقيّة الكاملة في الجنّة، فمَن استَبْدَل ما أسْفَهَه، صفقته خاسرة، وبضاعته فاسدة، وعاقبته مُمْحِلة.هو أسير شهوته، وعَبْد هواه، محياه ومماته له.

والله لم تخرج إلى الدنيا لِلذّة
لكنْ خَرَجْتَ لكي تعدّ الزاد لِلأُخرى
أهْمَلْتَ جَمْعَ الزاد حتى فَاْتَ بل
والله لَوْ أنّ القلوبَ سليمةٌ
لكنّها سكرى بِحُبّ حياتها الدنيا


عَيشها أو لِلحُطام الفان
فَجِئْتَ بِأقْبَح الخُسران
فَاْتَ الذي ألْهَاكَ عن ذا الشَّان
لَتَقَطَّعَتْ أسَفاً مِن الحِرْمَان
وسوف تَفِيْقُ بعدَ زمان

( القصيدة النونيّة 233 )
فيا مَن أراد الخير لنفسه، إستمعْ لنصيحتي وانتفع بها:
خَاْلِفْ هَوَاك الذي يزيّن لك استعجال اللذة في الحرام، قاتِلْهُ واقْمَعْهُ بالاعتصام بحبل الله تعالى، وبِلُزوم طاعته سبحانه وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وبِاليقين بأنّ ما عند الله تعالى مِن النعيم للمتّقين خيرٌ وأبقى.وأنّ كلّ لذّةٍ حُصِّلتْ مِن الحرام على اختلاف دَرَكاته فإنّها تؤول إلى الحُزن والغمّ والنكد والحسرة والضِّيْق.وتُوْجِبَ العذاب والنار، وتُفَوِّتُ الثواب العظيم في الجنّة.
فإن كنت تريد نجاة نفسك، والسعي بها إلى جنّةٍ عرضها السموات والأرض فاعملْ بالطاعة.واجتنب المعصية.
قال الله تعالى ( يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله ولْتنظرْ نفسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ واتّقوا الله إنّ الله خبيرٌ بما تعملون ولا تكونوا كالذين نَسُوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنّة أصحاب الجنّة هم الفائزون ) [ الحشر:18ـ20 ].
وإيّاك وداعي العجز، أنْ تستجب له فتذهب هِمّتك، ويَنْحَل عزمك، فداعي العجز سَوْطٌ يسوقك إلى مَحَلّة الخائبين، الذين تلاعب الشيطان بهم.وإنّما تسلّط عليهم بعملهم، فكَيْد الشيطان ضعيف، لا ينال به شيئاً مِن أولياء الله المخلصين المتّقين، الذين اتّخذوا الشيطان عدوّاً، كما أمرهم الله تعالى فقال ( إنّ الشيطان لكم عدوٌّ فاتّخذوه عدوّاً إنّما يدعو حِزْبَه لِيكونوا مِن أصحاب السَّعِيْر ) [ فاطر:6 ].
فأمّا مَن تولاه فإنّه يتسلَّط عليه، فيكون أسيراً له، وهذا مِن حكمة الله وعَدْله في المُعرضين عن ذكره، كما قال تعالى ( ومَن يَعْشُ عن ذِكْرِ الرحمن نُقَيِّضْ له شيطاناً فهو له قرين وإنّهم لَيَصُدّونهم عن السبيل ويحسبون أنّهم مهتدون ) [ الزخرف:36ـ37 ] .
فإيّاك أخي ومَحَلّة الخائبين، أن تَدْنوَ منها فتخيب كما خابوا، فنفوسهم دنيئة، تطلب الأمور الحقيرة.
ولتكن نفسك شريفةً أبِيَّةً لا ترضى بالدُّوْن، ولا تنظر إلى الحقير.

فانْظرْ مَصَارِعَ مَن يَلِيْكَ ومَن خلا
وارْغَب بِعقلك أنْ تبيع العاليَ الباقي


مِن قبلُ مِن شِيْبٍ ومِن شُبّان
بِذا الأدنى الذي هو فاني

( القصيدة النونيّة 233 )
فاعملْ بِتقوى الله تعالى.وانظر ماذا قدّمت ليوم الحساب.فإنّك مجزيٌّ بِسَعْيك.
فإنْ كنت موقناً بِجنّة الخُلد فاغْرِسْ غِراسها الآن، الساعة الساعة، قبل أنْ يفوت وقته فلا تَدَارُكَ حينئذ.
أوَ ما سمعتَ بأنّها القِيْعان فاغْرِسْ
وغِراسُها التسبيح والتكبير
تَبّاً لِتَارِكِ غرْسِه ماذا الذي
يا مَن يُقِرُّ بِذا ولا يسعى له
أرَأَيْتَ لَوْ عطّلْتَ أرضك مِن غراسٍ
وكذاك لَوْ عَطَّلْتَها مِن بذرها
ما قال ربُّ العالمين وعبدُه


ما تشاء بِذا الزَّمان الفَاْنِي
والتحميد والتوحيد لِلرحمن
قد فَاْتَهُ مِن مُدّة الإِمْكَان
بِالله قلْ لي كيف يجتمعان
ما الذي تَجْني مِن البستان
ترجو المغل يكون كالكيمان
هذا فراجعْ مقتضى القرآن

( القصيدة النونيّة 247 )
ولا تركنْ إلى نفسك،بل توكّلْ على الله تعالى وحده، وكُنْ مُتَبَرِّئاً مِن الحَوْل والقوّة إلا بالله.
قال ابن القيّم في ( روضة المحبّين ) ( 490ـ491 ):
(
فلا يركن العبد إلى نفسه وصبره وحاله وعفّته،ومتى ركن إلى ذلك تَخَلَّتْ عنه عصمة الله، وأحاط به الخذلان. وقد قال الله تعالى لأكرم الخلق عليه وأحبّهم إليه ( ولولا أن ثَبَّتْنَاك لقد كِدْتَ تَرْكَنُ إليهم شيئاً قليلاً ) [ ألإسراء:74 ] ).
نسأل الله تعالى أن يُكْرِمَنا بِجنّته، إنّه سميع قريب.وأن يُجَنِّبَنا الفتن ما ظهر منها وما بطن حتّى نموتَ على الإسلام.
أللهمَّ آتِنا في الدنيا حسنة وفي الآخِرة حسنة وقِنا عذاب النّار.