العلاج :
1- تدبر القرآن العظيم الذي أنزله الله عز وجل تبياناً لكل شيء ونوراً يهدي به سبحانه من شاء من عباده ، ولا شك أن فيه علاجاً عظيماً ودواء فعالاً قال الله عز وجل ( وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ) أما طريقة العلاج فهي التفكر والتدبر.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدبر كتاب الله ويردده وهو قائم بالليل حتى إنه في إحدى الليالي قام يردد آية واحدة من كتاب الله وهو يصلي لم يجاوزها حتى أصبح وهي قوله تعالى ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) 118:سوره المائدة.
وقد كان صحابته صلى الله عليه وسلم يقرأون ويتدبرون ويتأثرون وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلاً أسيفا رقيق القلب إذا صلى بالناس وقرأ كلام الله لا يتمالك نفسه من البكاء ومرض عمر من أثر تلاوة قول الله تعالى ( إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع ) وسمع نشيجه من وراء الصفوف لما قرأ قول الله عن يعقوب عليه السلام ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله الله ) وقال عثمان رضي الله عنه : لو طَهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله ، وقتل شهيداً مظلوماً ودمه على مصحفه ، وعن أيوب قال سمعت سعيد ابن جبير يردد هذه الآية في الصلاة بضعاً وعشرين مرة ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) وهي آخر آية نزلت من القرآن ، وقال إبراهيم بن بشار الآية التي مات فيها على بن الفضيل ( شهيد القرآن ) هي ( ولو ترى إذ وقُفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ) ، وحتى عند سجدات التلاوة كانت لمهم مواقف فمنها قصة ذلك الرجل رحمه الله الذي قرأ قول الله عز وجل ( ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً ) فسجد سجدة التلاوة ثم قال معاتباً نفسه هذا السجود فأين البكاء ؟؟؟؟؟
2- استشعار عظمة الله عز وجل ومعرفة أسمائه وصفاته والتدبر بها وعقل معانيها واستقرار هذا الشعور في القلب وسريانه إلى الجوارح لتنطق عن طريق العمل بما وعاه القلب فهو ملكها وسيدها وهي بمثابة جنوده وأتباعه فإذا صلح صلحت وإذا فسد فسدت.
والنصوص من الكتاب والسنة في عظمة الله كثيرة إذا تأملها المسلم وارتجف قلبه وتواضعت نفسه للعلي العظيم وخضعت أركانه للسميع العليم وازداده خشوعاً لرب الأولين والآخرين فمن ذلك ما جاء من أسمائه الكثيرة وصفاته سبحانه فهو العظيم المهيمن الجبار المتكبر القوي القهار الكبير المتعال . هو الحي الذي لا يموت والجن والأنس يموتون . وهو القاهر فوق عباده ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته . عزيز ذو انتقام . قيوم لا ينام . وسع كل شيء علماً يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وقد وصف سعة علمه بقوله ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) 59 سورة الأنعام . ومن عظمته ما أخبر عن نفسه بقوله ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) 67سورة الزمر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يقبض الله يوم القيامة ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ) ويتضعضع الفؤاد ويرتجف القلب عند التأمل في قصة موسى عليه السلام لما قال ( رب أرني أنظر إليك ) فقال الله ( لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكـا وخر موسى صعقاً ) 143سورة الأعراف ولما فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية قرأها وقال بيده ( هكذا – ووضع الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر – ثم قال عليه الصلاة والسلام : فساخ الجبل يعني ما تجلى إلا هذا القدر فساخ الجبل والله سبحانه وتعالى : ( حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ).
3- طلب العلم الشرعي وهو العلم الذي يؤدي تحصيله إلى خشية الله وزيادة الإيمان به عز وجل كما قال الله تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) فلا يستوي في الإيمان الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، فكيف يستوي من يعلم تفاصيل الشريعة ومعنى الشهادتين ومقتضياتهما وما بعد الموت من فتنة القبر وأهوال المحشر ومواقف القيامة ونعيم الجنة وعذاب النار وحكمة الشريعة في أحكام الحلال والحرام .
4- لزوم حلق الذكر وهو يؤدي إلى زيادة الإيمان لعدة أسباب منها ما يحصل فيها من ذكر الله ، وغشيان الرحمة ، ونزول السكينة ، وحف الملائكة للذاكرين ، وذكر الله لهم في الملأ الأعلى ، ومباهاته بهم الملائكة ، ومغفرته لذنوبهم ، كما جاء في الأحاديث الصحيحة ومنها قوله ( لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده ) رواه مسلم . وعن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما اجتمع قوم على ذكر الله فتفرقوا عنه إلا قيل لهم : قوموا مغفورا لكم ) صحيح الجامع . وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على الجلوس للذكر ويسمونه إيماناً ، قال معاذ رضي الله عنه لرجل : ( اجلس بنا نؤمن ساعه ) .
5- ومن الأسباب التي تقوي الإيمان الاستكثار من الأعمال الصالحة وملء وقت الوقت بها وهذا من أعظم أسباب العلاج وهو أمر عظيم وأثره في تقوية الإيمان ظاهر كبير وقد ضرب الصديق رضي الله عنه في ذلك مثلاً عظيماً لما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه ( من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر أنا ، قال فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر أنا قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟ قال أبو بكر أنا قال : فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟ قال أبو بكر أنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة ) .
فهذه القصة تدل على أن الصديق رضي الله عنه كان حريصاً على اغتنام الفرص وتنويع العبادات ولو أن الرسول لم يسأل لما قال عن نفسه ذلك .
وينبغي أن يراعي المسلم في مسأله الأعمال الصالحة أموراً منها :
المسارعه إليها لقوله تعالى ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض ) وقال تعالى ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ) ومدول هذه الآيات كان محركاً للمسارعه عند اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعلينا أن نقتدي بهم .
الاستمرار عليها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه في الحديث القدسي ( وما يزال عبدي يتقرب إليٌ بالنوافل حتى أحبه ) وكلمة ما يزال تعني الإستمرارية ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ( تابعوا بين الحج والعمرة ) والمتابعة تعني كذلك الاستمرار وهذا المبدأ مهم في تقوية الإيمان وعدم إهمال النفس حتى لا تركن وتأسن والقليل الدائم خير من الكثير المنقطع وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال ( أدومها وإن قل ) رواه البخاري.
الاجتهاد فيها : إن علاج قسوة القلب لا يصلح أن يكون علاجاً مؤقتا يتحسن فيه الإيمان فتره من الوقت ثم يعود إلى الضعف بل ينبغي أن يكون نهوضاً متواصلاً بالإيمان وهذا لا يمكن أن يكون إلا بالاجتهاد في العبادة وقد ذكر الله في كتابه الكريم من اجتهاد أوليائه في عبادته أحوالاً عدة فمنها ( أنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون ) وقال تعالى ( كانوا قليلاً من الليل مايهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) .
عدم إملال النفس ليس المقصود من المداومة على العبادات أو الاجتهاد فيها إيقاع النفس في السآمة وتعريضها للملل وإنما المقصود عدم الانقطاع عن العبادة والموازنة بين الأمرين تكون بأن يكلف المسلم نفسه من العبادة ما يطيق ويسدد ويقارب وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا ..... ) رواه البخاري .
يتبع ـــــــــــــ
الروابط المفضلة