المغول الجدد علي أبواب بغداد!
بقلم الدكتور: زكريا هميمي
قال النبي صلي الله عليه وسلم ذات يوم لكوكبة من أصحابه ما معناه: 'توشك أن تداعي عليكم الأمم كما تداعي الآكلة الي قصعتها.. قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال النبي، لا بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم كغثاء السيل'!
وكأنه صلوات ربي وسلامه عليه يستشف الغيوب ويكشف ما وراء الحجب، ويرنوا الي الأمتين العربية والاسلامية من وراء ستار، فيري نحو ثلاثمائة مليون عربي وأكثر من مليار مسلم تنهش أجسامهم وتستبيح حرمتهم ذئاب وكلاب وصقور ونسور الأرض جميعا.
ومن عجب أن العرب والمسلمين يغطون في نوم عميق لن يفيقوا منه الا بعد ان يدخل المغول بغداد للمرة الثانية.
وآه وألف آه لو لم يفيقوا قبل ان تقع الواقعة وتقرعهم القارعة.
ومن عجب أيضا أنهم لم يتعلموا من دروس التاريخ شيئا، وبدوا كمن يستجير من الرمضاء بالنار. أقصد يستجيرون من بوش وشارون بالشرعية الدولية التي لا تعرف الا لغة القوة ومنطق الجبروت وسفك الدماء والثكالي واليتامي هنا وهناك علي ارض فلسطين والجولان، وفي الفلبين والشيشان والبوسنة والهرسك وكوسوفا.. والأغرب من هذا وذاك ان العرب والمسلمين يعولون كثيرا علي مظاهرات هنا وهناك في طول العالم وعرضه ترفع رايات تندد بالحرب وتدعو للسلام، ويعولون ايضا علي مواقف بعض الدول الرافضة للحرب، وكأن هذه الدول قد جيشت الجيوش وحركت حاملات الطائرات وأسراب المقاتلات والغواصات لتقف امام ملك الأرض وحامي حمي الانسانية بوش الأصغر، وتقول له علي رسلك لماذا تريد ان تضرب بغداد؟! لماذا تعشق حمرة الدماء القانية؟؟ ألا يكفيك تلك البحور الدموية التي تنساب من ابناء فلسطين الأبرار بجوار بيت المقدس أولي القبلتين وثاني الحرمين الشريفين؟؟
لم يعد لنا ايها السادة الا الكلام والثرثرة والعويل، ولم نعد نمتلك من مفاتيح اللعبة شيئا نرهب به عدو الله وعدونا.. وفضلا عن هذا كله أننا لم نعد نأبه لدروس التاريخ، وغاب من ذهننا ما فعله المغول بقيادة أميرهم هولاكو في بغداد يوم أن دخولها في عام 656 للهجرة.. وما فعله المغول يشيب من هوله الولدان وتقشعر منه الأبدان ويندي له الجبين إذا ذكر.
***
لقد استشعرت بقشعريرة تنتاب بدني وبمرارة فيما بين جوانحي، وأنا أطالع ما سطره صديقي العزيز الأستاذ الدكتور/ محمد عبدالحميد عيسي _أستاذ الحضارة والتاريخ الاسلامي بكلية التربية، جامعة عين شمس_ مصورا يوم ان دخل المغول بغداد.
يقول سيادته: دخل المغول بغداد فدمروها تدميرا واستباحوا نساءها، ولم يرحموا شيخا كبيرا ولا طفلا رضيعا، وكانت خيولهم تغوص في دماء المسلمين الي ركبها، وتحولت زرقة المياه في نهر دجلة الي اللون الأحمر القاني نتيجة اختلاطها بدماء العرب والمسلمين.. ولم يكتف المغول بما صنعوا وإنما أرادوا ان يطفئوا مشكاة العلم والحضارة، حيث كانت بغداد تمثل 'بجانب القاهرة وقرطبة' رافدا مهما لهما، فقاموا بإلقاء الكتب في نهر دجلة وضربوا بالموسوعات العلمية جسورا علي مياه هذا النهر!!
ودخل هولاكو قصر 'المستعصم بالله' خليفة المسلمين ورمز الأمة، وأمره ان يخرج ما لديه من الكنوز والمجوهرات والحلي والأموال من خزائنه، التي تنوء بحمل مفاتحها العصبة أولي القوة.. وفعل المستعصم ما أمره به هولاكو، وهو صاغر، وأهال الكنوز والحلي واللآلي واليواقيت تحت أقدام هولاكو، الذي كان يقول هل من مزيد.. وأمر هولاكو المستعصم مرة اخري ان ينبش ثري الحدائق الغناء التي تحيط بقصره، فإذا به يستخرج قوارير من ذهب وفضة وقدورا ممتلئة باللآليء والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة!!
وإذاك نظر الغازي الي الخليفة وقال له: لماذا لم تنفق هذه الأموال علي جنودك ليحسنوا الدفاع عن بلادهم؟؟! ولماذا لم تصنع من أبواب قصورك وأسوارها رماحا وحرابا ليدافع بها الناس عن ملكهم ومليكهم؟؟!
وبعد هذه الكلمات التي دوي انفجارها في وجه الخليفة كانفجار مكوك الفضاء كولومبيا أو أشد دويا، أمر هولاكو بالخليفة فوضع في غرارة، وقتل رفسا بالأقدام!!
***
وهولاكو الجديد قائد أكبر ترسانة أسلحة وذخيرة في التاريخ يمارس لعبة سلفه بطريقة عصرية ومتحضرة ومشروعة من قبل مجلس الأمن وحلف الناتو ومبدأ من ليس معنا فهو ضدنا.. والطريقة لا تستهدف صدام فحسب، فمنذ عقد من الزمان قالوا لنا انهم يعلمون ماركة فانلة صدام ويرقبون تحركاته وسكناته.. وانما تستهدف هذه الطريقة القضاء علي هوية العراق ومسحه 'بالأستيكه' من علي بساط الزمان، في مخطط صهيوني يريد في نهاية المطاف ان يستأصل شأفة العرب والمسلمين وان يضعهم في رف 'ماضي' الزمان.
كاتب المقال: أمين شعبة بحوث العلوم الجيولوجية بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، واستاذ مساعد. الجيولوجيا بكلية علوم بنها
الروابط المفضلة