- معنى الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [ سورة الأحزاب / 33 ، الآية : 56 ] . قال ابن عباس : معناه : إن الله و ملائكته يباركون على النبي . و قيل : إن الله يترحم على النبي ، وملائكته يدعون له .
قال المبرد : و أصل الصلاة الترحم ، فهي من الله رحمة ، و من الملائكة رقة واستدعاء للرحمة من الله . و قد ورد في الحديث : صفة صلاة الملائكة على من جلس ينتظر الصلاة : اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه فهذا دعاء . و قال أبو بكر القشيري : الصلاة من الله تعالى لمن دون النبي صلى الله عليه و سلم رحمة ، و للنبي صلى الله عليه و سلم تشريف و زيادة تكرمة . و قال أبو العالية : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة ، و صلاة الملائكة الدعاء . قال القاضي أبو الفضل : وقد فرق النبي صلى الله عليه و سلم في حديث تعليم الصلاة بين لفظ الصلاة و لفظ البركة ، فدل أنهما بمعنيين .
و أما التسليم الذي أمر الله تعالى به عباده فقال القاضي أبو بكر بن بكير : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه و سلم ، فأمر الله أصحابه أن يسلموا عليه ، و كذلك من بعدهم أمرو أن يسلموا على النبي صلى الله عليه و سلم عند حضورهم قبره ، و عند ذكره .
وفي معنى السلام عليه ثلاثة وجوه : أحدهما : السلامة لك و معك ، و يكون السلام مصدراً . الثاني : أي السلام على حفظك و رعايتك متول له ، و كفيل به ، و يكون هنا السلام اسم الله . الثالث : أن السلام بمعنى المسالمة له و الانقياد ، كما قال : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [ سورة النساء / 4 ، الآية : 6]
- حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم : اعلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم فرض على الجملة ، غير محدد بوقت ، لأمر الله تعالى بالصلاة عليه ، و حمل الأئمة و العلماء له على الوجوب ، و أجمعوا عليه . و حكى أبو جعفر الطبري أن محمل الآية عنده على الندب ، و ادعى فيه الإجماع ، و لعله فيما زاد على مرة ، و الواجب منه الذي يسقط به الحرج و مأثم ترك الفرض ـ مرة ، كالشهادة له بالنبوة ، و ما عدا ذلك فمندوب مرغب فيه ، من سنن الإسلام و شعار أهله . قال القاضي أبو الحسن بن القصار : المشهور عن أصحابنا أن ذلك واجب في الجملة على الإنسان ، و فرض عليه أن يأتي بها مرةً من دهره مع القدرة على ذلك . و قال القاضي أبو بكر بن بكير : افترض الله على خلقه أن يصلوا على نبيه و يسلموا تسليما ، و لم يجعل ذلك لوقت معلوم ، فالواجب أن يكثر المرء منها ، و لا يغفل عنها . قال القاضي أبو محمد بن نصر : الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم واجبة في الجملة .
المواطن التي يستحب فيها الصلاة و السلام على النبي :
1- من ذلك في تشهد الصلاة ، و ذلك بعد التشهد و قبل الدعاء :عن فضالة بن عبيد قال : سمع النبي صلى الله عليه و سلم رجلاً يدعو في صلاته ، فلم يصل على النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : عجل هذا . ثم دعاه فقال له و لغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله و الثناء عليه ، ثم ليصل على النبي ، ثم ليدع بعد بما شاء . و يروى بتمجيد الله ، و هو أصح . و عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : الدعاء و الصلاة معلق بين السماء و الأرض ، فلا يصعد إلى الله منه شيء حتى يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم .و قال ابن عطاء : للدعاء أركان و أجنحة و أسباب و أوقات ، فإن وافق أركانه قوي ، و إن وافق أجنحته طار في السماء ، و إن وافق مواقيته فاز ، و إن وافق أسبابه أنجح ، فأركانه حضور القلب ، و الرقة ، و الاستكانة و الخشوع ، و تعلق القلب بالله ، و قطعه الأسباب . و أجنحة الصدق ، و مواقيته الأسحار ، و أسبابه الصلاة على محمد صلى الله عليه و سلم . و في الحديث : الدعاء بين الصلاتين علي لا يرد . و في دعاء ابن عباس الذي رواه عنه حنش ، فقال في آخره : و استجب دعائي ، ثم تبدأبالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم فتقول : اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد عبدك و نبيك و رسولك أفضل ما صليت على أحد من خلقك أجمعين آمين .
2- عند ذكره و سماع اسمه ، أو كتابته ، أو عند الأذان : و قد قال صلى الله عليه و سلم : رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي . قال أصبغ ، عن ابن القاسم : موطنان لا يذكر فيهما إلا الله : الذبيحة ، و العطاس ، فلا تقل فيهما بعد ذكر الله : محمد رسول الله . و لو قال بعد ذكر الله : صلى الله على محمد لم يكن تسميةً له مع الله . و قاله أشهب ، قال : و لا ينبغي أن تجعل الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم فيه استناناً . و روى النسائي ، عن أوس بن أوس ، عن النبي صلى الله عليه و سلم : الأمر بالإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة .
3- عند دخول المسجد : قال أبو إسحاق بن شعبان : و ينبغي لمن دخل المسجد أن يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم ، و على آله ، و يترحم عليه ، و على آله ، و يبارك عليه و على آله ، و يسلم تسليماً ، و يقول : اللهم اغفر لي ذنوبي ، و افتح لي أبواب رحمتك . و إذا خرج فعل مثل ذلك ، و جعل موضع رحمتك ـ فضلك . و قال عمرو بن دينار ـ في قوله تعالى : فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ـ قال : إن لم يكن في البيت أحد فقل : السلام على النبي و رحمة الله و بركاته ، السلام علينا و على عباد الله الصالحين . السلام على أهل البيت و رحمة الله و بركاته . قال ابن عباس : المراد بالبيوت هنا المساجد . و قال النخعي : إذا لم يكن في المسجد أحد فقل : السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و إذا لم يكن في البيت أحد فقل : السلام علينا و على عباد الله الصالحين . و عن علقمة : إذا دخلت المسجد أقول : السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته ، صلى الله و ملائكته على محمد . و نحوه عن كعب : إذا دخل ، و إذا خرج ، و لم يذكر الصلاة . و احتج ابن شعبان لما ذكر بحديث فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعله إذا دخل المسجد . و مثله عن أبي بكر بن عمرو بن حزم . و ذكر السلام و الرحمة .
4 - الصلاة على الجنائز : و ذكر عن أبي أمامة أنها من السنة .
5 - ومن مواطن الصلاة التي مضى عليها عمل الأمة ، و لم تنكرها : الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و آله في الرسائل ، و ما يكتب بعد البسملة ، و لم يكن هذا في الصدر الأول ، و أحدث عند ولاية بني هاشم ، فمضى به عمل الناس في أقطار الأرض . و منهم من يختم به أيضاً الكتب .
6 - و من مواطن السلام على النبي صلى الله عليه و سلم تشهد الصلاة : عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : إذا صلى أحدكم فليقل : التحيات لله و الصلاة [ 166 ] و الطيبات ، السلام عليك أيها النبي و رحمة و بركاته . السلام علينا و على عباد الله الصالحين ، فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء و الأرض . هذا أحد مواطن التسليم عليه ، و سنته أول التشهد . و قد روى مالك عن ابن عمر أنه كان يقول ذلك إذا فرغ من تشهده و أراد أن يسلم . و استحب مالك في [ المبسوط ] أن يسلم بمثل ذلك قبل السلام . قال محمد بن مسلمة : أراد ما جاء عن عائشة و ابن عمر أنهما كانا يقولان عند سلامهما : السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته . السلام علينا و على عباد الله الصالحين . السلام عليكم . و استحب أهل العلم أن ينوي الإنسان حين سلامه كل عبد صالح في السماء و الأرض من الملائكة و بني آدم و الجن . قال مالك في [ المجموعة ] : و أحب للمأموم إذا سلم إمامه أن يقول : السلام على النبي و رحمة الله و بركاته ، السلام علينا و على عباد الله الصالحين .
- ذم من لم يصل على النبي صلى الله عليه و سلم و إثمه : عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ، و رغم أنف رجل دخل رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ، و رغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة . قال عبد الرحمن : و أظنه قال : أو أحدهما . و في حديث آخر : أن النبي صلى الله عليه و سلم صعد المنبر فقال : [آمين ] ثم صعد ، فقال : [ آمين ] ، فسأله معاذ عن ذلك ، فقال : إن جبريل أتاني فقال : يا محمد ، من سميت بين يديه فلم يصل عليك فمات فدخل النار ، فأبعده الله ، قل آمين ، فقلت آمين . و قال فيمن أدرك رمضان فلم يقبل منه فمات مثل ذلك . و من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات مثله . و عن علي بن أبي طالب : عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : ا لبخيل كل البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصل علي . و عن أبي هريرة ، قال أبو القاسم صلى الله عليه و سلم : أيما قوم جلسوا مجلساً ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله و يصلوا على النبي صلى الله عليه و سلم كانت عليهم من الله ترة إن شاء عذبهم و إن شاء غفر لهم . و عن جابر ، عنه صلى الله عليه و سلم : ما جلس قوم مجلساً ثم تفرقوا على غير صلاة على النبي صلى الله عليه و سلم إلا تفرقوا على أنتن من ريح الجيفة . و عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : لا يجلس قوم مجلساً لا يصلون فيه على النبي صلى الله عليه و سلم [ 171 ] إلا كان عليهم حسرةً و إن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب . و حكى أبو عيسى الترمذي ، عن بعض أهل العلم ، قال : إذا صلى الرجل على النبي صلى الله عليه و سلم مرة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس .
"
الروابط المفضلة