بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم اللقاء

أما بعد :
سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن الدعاء الذي كان النبي يكثر منه فقالت ( يا مقلب القلوب والإبصار ثبت قلبي على دينك )
فثبات الدين والإيمان ليس مطلب العوام بل هو مطلب الخاصة من عباد الله فرسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يكثر من طلب ثبات الإيمان على الرغم من انه قد غفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر وعلى الرغم من انه يملك كل أسباب ثبات الإيمان فالوحي يتنزل عليه بالقرآن والله يؤيده بنصره ولكن يخاف من ضياع الإيمان
إذن المحافظة على الإيمان من أصعب الأمور على المؤمن وخصوصا في زمننا هذا الذي قال عنه الرسول عليه الصلاة والسلام : ( القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر )
وقال عليه الصلاة والسلام ( العامل بسنتي عند فساد أمتي كالمجاهد في سبيل الله )
فالفتن تلف بنا وكل شيء حولنا يضعف إيماننا ولا نسلم على ديننا حتى ونحن في بيوتنا ، فكل عبادة لها وقت محدد تنقضي بعده إلا مجاهدة النفس والحفاظ على الدين فهي مجاهدة دائمة ومعركة مستمرة .
وهناك مثل شعبي يقول ( الذي يصرف ولا يحسب يفقر ولا يدري )
وكذا الدين فالذي ينفق من دينه دون إن يحاسب نفسه ويعرف مقدار ذلك الدين في قلبه ينقص دينه وقد يفلس وهو لا يشعر ،وقد سمي القلب قلبا لأنه اشد تقلبا من الماء في غليانه .
فما أصعب من أن تصبح مؤمنا وتمسي كافرا فقد ينقص إيمانك بسوء خلق أو بكبر أو عدم احترام لكبير .
وما نلاحظه اليوم من زحف للحرام على دنيانا جعلنا نعتبر إن الحرام هو الزنا وشرب الخمر والشرك ونسينا بذلك حدود الحرام .
وحتى تكتشف مقدار الإيمان في قلبك انظر إلى حدود الحرام عنك فإذا توقف الحرام عند الزنا وشرب الخمر فاعلم أن دينك ناقص.
فهذا أبو بكر عندما جيء له بكأس من اللبن فشربه ثم عندما سأل عن مصدره قيل له انه من عند منجم وضع إصبعه في فمه وتقيأ اللبن خوفا من شبه تكون فيه
فإذا أردت أن تقيم مقدار إيمانك لا تجلس مع أهل الغفلة وتقول الحمد لله أنا أكثر منهم تدينا وإيمانياتي اعلي منهم بل جالس أهل الصلاح ثم قيم إيمانك فالمريض لا يعرف مرضه إذا جالس المرضى ولكنه يعرف انه مريض إذا جالس الأصحاء.

واعرض دينك على الله فمن ظن انه محسن فهو مسيء .
فأبو بكر الذي يسبق الناس إلى الجنة والذي يدخل من أبواب الجنة الثمانية لا يصنف نفسه من أهل الجنة فقد كان يقول لو قالوا أن كل أمة محمد في الجنة إلا واحد لقلت أبا بكر.
ومعاذ بن جبل عندما أتته المنية اخذ يعتذر إلى الله عز وجل ويقول ( اللهم انك تعلم أنني ما أحببت الدنيا لا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الليل )

وانظر إلى مقدار إيمان ذلك الصالح الذي أراد أن يشتري بيتا فكان شرطه أن لا يكون جاره لا عالم ولا قارئ قرآن فلما سأل عن ذلك قال : لأني إذا سمعتهما في نهار أو ليل كان ذلك حجة على يوم القيامة )
وما نلاحظه اليوم من جفاف في دموعنا وقسوة في قلوبنا ويبس في مشاعرنا إنما سببه الترف الذي نعيشه في دنيانا فالترف يقتل الدين والإيمان فمشكلة أهل النار (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ)
فثلاثة تأكل الإيمان كثرة الطعام وكثرة الكلام وكثرة المنام
فهيا نتفقد مقدار الإيمان في قلوبنا والعبرة في الزيادة لا بالمحافظة على ما هو موجود
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك اللهم يا مصرف الأبصار صرف أبصارنا إلى طاعتك ، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا واجعل لنا من لدنك رحمة يا رب العالمين