السوره / الإسـراء رقم الآيه / 4
سورة الإسراء من السور المكية التي تعنى بشؤون الدين والعقيدة والوحدانية لكن تميزت هذه السورة
بأنها تتكلم عن القرآن بشكل تفصيلي لم يرد في باقي سورة القرآن.
وقد تعرّضت السورة لمعجزة الإسراء التي كانت مظهراً من مظاهر
التكريم الإلهي لنبيه الكريم بعد ما لاقاه من أذى المشركين.
وهذه السورة هي أكثر سورة ورد فيها ذكر القرآن (11 مرة).
وكما سبق فإن هذه السورة ركّزت على قيمة القرآن وعظمته كما لم يرد في أي من سور
القرآن الكريم إذن قيمة القرآن هو محور السورة وقد جاء الحديث الشريف ليؤكد هذا المحور :"قال الرسول : ألا إنها ستكون فتنة فقال الإمام علي فما المخرج منها؟
قال كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل
من تركه من جبّار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضلّه الله وهو حبل الله المتين
وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة
ولا يشبع منه العلماء ولا يبلى من كثرة الردّ ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم ينته
الجنّ إذ سمعوه إلا أن قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجبا هو الذي من قال به صدق ومن حكم به
عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم."
الآيه " وقضينا إلى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا
فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً
ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً "
تفسير أبي بكر الجزائري
قوله تعالى " وقضينا إلى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيراً "
يخبر تعالى بأنه أعلم بني إسرائيل بقضائه فيهم وذلك في كتابهم التوراة أنهم يفسدون في الأرض
بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب ويعلون في الأرض بالجراءة على الله وظلم الناس
" علوا كبيرا " اي عظيما ولا بد أن ما قضاه واقع وقوله تعالى " فإذا جاء وعد أولهما "
أي وقت المرة الأولى " بعثنا عليهم عبادا لنا أولى بأس شديد " قال " عبادا لنا " ولم يقل
عبادي لأنهم أهل كفر وشر وفسق فلم يشرفهم بالأضافة إليه ووصفهم بأنهم من ملكه
فسخرهم لتأديب عباده الذين فسقوا عن أمره وخرجوا عن طاعته، قوة وبطش في الحرب
شديد وتم هذا لما أفسدوا وظلموا لانتهاك حدود الشرع والإعراض عن طاعة الله تعالى
حتى قتلوا نبيهم " أرميا " عليه السلام وكان هذا على يد الطاغية جالوت فغزاهم من
أرض الجزيرة ففعل بهم مع جيوشه ما أخبر تعالى به في قولى " فجاسوا خلال الديار "
ذاهبين جائين قتلا وفتكا وإفسادا نقمة الله على بني اسرائيل لإفسادهم وبغيهم البغي العظيم
وقوله تعالى " وكان وعدا مفعولا " اي ماحصل لهم في المرة الأولى من الخراب والدمار
ومن أسبابه كان بوعد من الله تعالى منجزاً فوفاه لهم لأنه قضاه وأعلمهم به في كتابهم .
وقوله " ثم رددنا لكم الكرة عليهم " اي بعد سنين طويلة وبنو اسرائيل مضطهدون مشردون
نبتت منهم نابتة وطالبت بأن يعين لهم ملكاً يقودهم إلى الجهاد جاهدوا وقتل داود جالوت
وهذا معنى " ثم رددنا لكم الكرة عليهم "وقوله " وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا "
اي رجالاً في الحروب وكثرت أموالهم وأولادهم وتكونت لهم دولة سادت العالم على
عهد داود وسليمان عليهما السلام .
تفسير ابن كثير
يقول تعالى: إنه قضى إلى بني إسرائيل في الكتاب، أي: تقدم إليهم وأخبرهم في الكتاب
الذي أنـزله عليهم أنهم سيفسدون في الأرض مرتين ويعلون علوًا كبيرًا، أي: يتجبرون
ويطغون ويفجرون على الناس كما قال تعالى: وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ
مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ [ الحجر: 66 ] أي: تقدمنا إليه وأخبرناه بذلك وأعلمناه به.
وقوله: ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا ) أي: أولى الإفسادتين ( بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ )
أي: سلطنا عليكم جندًا من خلقنا أولي بأس شديد، أي: قوة وعدة وسلطة شديدة ( فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ )
أي: تملكوا بلادكم وسلكوا خلال بيوتكم، أي: بينها ووسطها، وانصرفوا ذاهبين وجائين
لا يخافون أحدا ( وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا )
وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلاء المسلطين عليهم: من هم؟ فعن ابن عباس
وقتادة: أنه جالوت الجَزَريّ وجنوده، سلط عليهم أولا ثم أديلوا عليه بعد ذلك وقتل داود جالوت؛
ولهذا قال: ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا )
وعن سعيد بن جبير: أنه ملك الموصل سنجاريب وجنوده. وعنه أيضًا، وعن غيره:
أنه بختنصر ملك بابل.
وقد أخبر الله تعالى أنهم لما بغوا وطغوا سلط الله عليهم عدوهم، فاستباح بَيْضَتَهم، وسلك
خلال بيوتهم وأذلهم وقهرهم، جزاء وفاقًا، وما ربك بظلام للعبيد؛ فإنهم كانوا قد تمردوا
وقتلوا خلقا من الأنبياء والعلماء.
وقد روى ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني سليمان بن
بلال، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ظهر بُختنَصَّر على الشام،
فخرب بيت المقدس وقتلهم، ثم أتى دمشق فوجد بها دمًا يغلي على كِبًا، فسألهم: ما هذا الدم؟
فقالوا أدركنا آباءنا على هذا، وكلما ظهر عليه الكبا ظهر. قال: فقتل على ذلك الدم سبعين
ألفًا من المسلمين وغيرهم، فسكن .
فـائـده
وهذه السورة تقع في وسط القرآن وكأنما هي تذكير أن القرآن هو كتاب هذه الأمة التي
جعلها تعالى أمة وسطا وآخر السورة فيها سجدة حتى نسجد ونستشعر قيمة هذا القرآن
العظيم الذي كان الذين أوتوه من قبلنا إذا سمعوه يخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا
وفي هذا توجيه للمسلمين أن يحافظوا على هذا القرآن ويستشعروا عظمته ويحرصوا على
تطبيق تعاليمه حتى لا ينزع من هذه الأمة كما نزع ممن سبقها.
سورة الإسراء تحدثت عن القرآن وتبدأ سوة الكهف مباشرة بعدها
بقوله تعالى (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب)
فسبحان الله العلي القدير.
الروابط المفضلة