أرجوك يا أبي أعد إليَّ يديَّ
بقلم : محمود القلعاوى
كان أحمد يلعب في داخل المنزل .. وأثناء اللعب كسر زجاج النافذة .. جاء أبوه إليه بعد أن سمع صوت تكسّر الزجاج .. وسأل :- من كسر النافذة ؟ .. قيل له أحمد.
فلم يتمالك الوالد أعصابه .. فتناول عصا غليظة من الأرض .. وأقبل على ولده يشبعه ضرباً .. أخذ الطفل يبكي ويصرخ .. وبعد أن توقف الأب عن الضرب .. جرّ الولد قدميه إلى فراشه .. وهو يشكو الإعياء والألم فأمضى ليله فزعاً ..
أصبح الصباح وجاءت الأم لتوقظ ولدها .. فرأت يداه مخضرّتان .. فصاحت في الحال وهبّ الأب إلى حيث الصوت وعلى ملامحه أكثر من دهشة! وقد رأى ما رأته الأم .. فقام بنقله إلى المستشفى .. وبعد الفحص قرر الطبيب أن اليدين مسممتان .. وتبين أن العصا التي ضرب بها الطفل كانت فيها مسامير قديمة أصابها الصدأ .. لم يكن الأب ليلتفت إليها لشدة ما كان فيه من فورة الغضب .. مما أدى ذلك إلى أن تغرز المسامير في يدي الولد .. وتسرّب السمّ إلى جسمه .. فقرر الطبيب أن لا بدّ من قطع يدي الطفل حتى لا يسر بالسم إلى سائر جسمه .. فوقف الأب حائراً لا يدري ما يصنع وماذا يقول؟؟؟
قال الطبيب :- لا بدّ من ذلك والأمر لا يحتمل التأخير .. فاليوم قد تقطع الكف ، وغدا ربما تقطع الذراع .. وإذا تأخّرنا ربما اضطررنا أن نقطع اليد إلى المرفق ، ثم من الكتف .. وكلما تأخّرنا أكثر تسرب السم إلى جسمه وربما مات .. لم يجد الأب حيلة إلا أن يوقّع على إجراء العملية .. فقطعت كفي الطفل .. وبعد أن أفاق من أثر التخدير نظر .. وإذا يداه مقطوعتان .. فتطلّع إلى أبيه بنظرة متوسلة وصار يحلف أنه لن يكسر أو يتلف شيئا بعد اليوم شرط أن يعيد إليه يديه .. وظل الطفل أحمد يبكي لأبيه .. وهو يقول:- أرجوك أعد إليَّ يديّ َ، أرجوك أعد إليَّ يديَّ.
لم يتحمل الأب الصدمة وضاقت به السُبُل وظل يبكي وضاقت الدنيا كلها في وجهه .. وأظلمت السماء وبخلت بنورها على الأب القاسي .. وضع الأب رأسه على صدر أحمد، وانقبض قلبه .. وتوقفت عقارب الزمن وهو يردد بصوت واهن ضعيف: أرجوكم سامحوني .. وتوقف قلبه فى كلمات لم يسمعوها ولكنهم رأوا إصبعه يشير إلى السماء وكأنه يعلن لهم أنه ذاهب إلى غير رجعة .. و .....، رحل الأب موتا .. والابن مازال يبكي ويردد: أبي أرجوك أعد إليَّ يديَّ .. هذه القصة نشرتها بأحد المجلات التى تنشر بمصر فى مايو 2007
حين غابت الرحمة ..
حين تجف داخلَ النفس الإنسانية عاطفة الإحساس بآلام الآخرين وحاجاتهم .. وحين تنعدم من القلوب الرحمة تحل القسوة بالقلوب فتمسي مثل الحجارة التي لا ترشح بأي عطاء .. أو أشد قسوة من الحجارة .. لأن من الحجارة ما تتشقق قسوته الظاهرة فيندفع العطاء من باطنه ماءً عذبًا نقيًا .. ولكن بعض الذين قست قلوبهم يجف من أغوارها كل أثر للفيض والعطاء .. الرحمة التى غابت عن عالمنا .. فصرنا نشاهد القسوة فى مفردات حياتنا .. الأبناء يلعبون بقسوة .. والمسئول والمدير يعامل من تحت يده بقسوة .. الأبناء يعاملون آباءهم بقسوة .. الصغير لا يرحم الكبير فى وسائل المواصلات فيقف له .. حتى نرى وللأسف القسوة والشدة فى فتاوى بعض مشايخنا .. حتى نرى مشاهد الأفلام وقد ملأت بالدماء والضرب والعنف والقسوة .. آلاف وآلاف من البشر يموتون جوعاً من قسوة الأغنياء على الفقراء .. مثات الآلاف يموتون برداً من جشع الطامعين .. شعوب تباد .. دماء تسفك .. أعراض تنتهك .. مساجد تهدم .. أمان غائب .. أين الرحمة ؟! .. أين الحب ؟! .. أين رحمة الكبير للصغير ، وعطف الكبير على الصغير؟! .. أين دموع أصحاب القلوب الرحيمة مما امتلأت به شاشات التلفاز من مشاهد مروعة لأطفال ضعاف الأبدان من شدة جوع ألم بهم؟ .. أين عطف الجار على جاره؟! .. أين .. أين اللمسات الحانية؟! ..أين النظرات الرقيقة؟! ..
وأمّا الطريق إلى الرحمة فييكون بالتالى :-
1 ـ طاعة الله ورسوله :- فالله الرّحمن الرّحيم .. ونبيّه الرحمة المهداة إلى العالمين، يدعوان إلى إرساء قواعد الرحمة بين الناس .. ومَنْ يتبعهما في ذلك فيشيع الرحمة .. يكن قد نال وسام الرحمة من الدرجة الأولى :- ( وأطيعوا الله والرسول لعلّكم ترحمون ) .. وقال :-( اتّقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ) .
2 ـ الإستماع إلى وحي القرآن الذي جعله الله هدى ورحمة للناس:- فالذي يبحث عن الهدى وعن الرحمة فلا يذهبنّ بعيداً .. بين يده القرآن يجد الرحمة في سوره وآياته .. ولذا قال تعالى :- ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلّكم ترحمون ) .. وهناك العديد من القصص التي تروى عن أولئك الذين نفذ نور الرحمة إلى قلوبهم وهم يستمعون إلى القرآن بآذان واعية .
3 ـ الذكر والدعاء طريقان آخران من طرق اكتساب الرحمة :- فأنت ستتنزل عليك الرحمات الإلهية بدعائك الذي يعترف لله بالعبودية ، وبين يديه بالتقصير والمعصية ، ويناديه بلسان أهل توحيده أ نّه فقير إلى رحمته وهو غنيّ عن عذابه .
4 ـ قراءة قصص السيرة النبويّة المطهّرة :- وقصص الأئمة الأطهار والأولياء الصالحين الأبرار الذين عرفوا رحمة الله وعرّفوها للناس قولاً وعملاً، فملكوا أعنّة القلوب، وكانوا مثلاً أعلى في الرحمة التي فتحت طرقاً واسعة إلى العقول الضالّة والقلوب القاسية.
5 ـ أشعر قلبك بالرحمة: إملأه بها .. بزيارة مريض .. بكفالة يتيم .. بزيارة المقابر .. لا تبخل على مَنْ حولك بها .. ولا تخف نفاداً .. فالرحمة ـ كالعلم ـ تزداد على الإنفاق.
6- أخيراً .. ردِّد في أعقاب كلّ صلاة: «ا للّهمّ إنّ مغفرتك أرجى من عملي .. وإنّ رحمتك أوسع من ذنبي .. اللّهمّ إن كان ذنبي عندكَ عظيماً فعفوك أعظمُ من ذنبي .. اللّهمّ إنْ لم أكنْ أهلاً أن أبلغَ رحمتك فرحمتك أهلٌ أن تبلغني وتسعني لأنّها وسعت كلّ شيء».
www.elkal3ya.com



.