أم المؤمنين : خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها – نسبها ، وفضلها
إن الحمد لله، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيِّئات أعمالِنا ، من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هاديَ له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله ، صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد : -
عن عبدالله بن جعفر - رضي الله عنه – قال : سمعت علياً - رضي الله عنه – بالكوفة يقول : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول : ( خير نسائها مريم بنت عمران ، وخير نسائها خديجة بنت خويلد ) قال أبو كريب : وأشار وكيع إلى السماء والأرض . [ مختصر مسلم 1670 ] .
قال ابن إسحاق - رحمه الله تعالى - : [ ... وكانت خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها – امرأة حازمة ، شريفة ، لبيبة ، مع ما أراد الله تعالى بها من كرامته ... فقد كانت من أوسط نساء قريش نسباً ، وأعظمهن شرفاً ، وأكثرهن مالاً ، فقد كانت امرأة تاجرة ذات شرف ومال .
كانت تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم * إياه ، بشيئ تجعله لهم ، وكانت قريش قوما تجاراً ، فلما بلغها عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ما بلغها من صدق حديثه ، وعظم أمانته ، وكرم أخلاقه بعثت إليه ، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها ، إلى الشام تاجـــــراً ، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار ... ] انظر : [ السيرة النبوية لابن هشام : ( جـ 1 ص 187 – 189 ) ] .
تضاربهم : أي : تقرضهم ، والمضاربة : المقارضة .
نسبها - رضي الله عنها - هي : خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشية الأسدية .
أمها : فاطمة بنت زائدة * بن الأصمّ بن رواحة بن حجر بن عبد بن مَعيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر .
" بنت زائدة " : كذا في رواية الطبري . ، وفي سائر الأصول : " بنت زائد " .
وأم أمها : هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن عمرو بن مُنـْفِـذ بن عمرو بن مَعيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر.
كنيتها :أم القاسم.
لقبها : كانت تدعى في الجاهلية : " بالطاهرة " لعفتها ونقاء سيرتها .
مكانة أم المؤمنين " السيدة خديجة بنت خويلد " - رضي الله عنها – وفضلها :
1 : ــ أول امرأة تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يتزوج عليها غيرها حتى توفيت :
فقد كانت تحت أبي هالة بن زرارة التميمي ، ومات عنها في الجاهلية قبل الإسلام ، وولدت له ابناً إسمه "هالـــــة " ، وقد أسلم - رضي الله عنه – وكان له صحبة .
وولدت له ابناً آخر واسمه : " هندا " . أسلم أيضاً - رضي الله عنه – وله صحبة ، وقد شهد بدراً ، وقيل أحداً .
كان فصيحاً بليغاً وصّـافاً . روى حديث صفة النبي – صلى الله عليه وسلم - .
وقد روى عنه الحسن بن علي - رضي الله عنهما - فقال : " حدثني خالي : ... " ، لأنه أخـو فاطمة بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لأمها - رضي الله عنها وعن أمها – .
وبعد وفاة أبي هالة تزوجت : عتيق بن عابد المخزومي ، فولدت له بنتاً اسمها " هند " وقد أسلمت وصحبت . انظر : ( شرح المواهب ، والإستيعاب ) .
زواجها برسول الله – صلى الله عليه وسلم -
وبعد وفاة عتيق ، تزوجها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وهو ابن خمس وعشرين عاماً ، ولها من العمر أربعون عاماً .
وذهب ابن اسحاق - رحمه الله تعالى - إلى أنها عرضت عليه نفسها من غير وساطة ، ويذهب غيره إلى أنها عرضت عليه نفسها بوساطة ، وأن ذلك كان على يد نفيسة بنت منية ، والجمع ممكن ، فقد تكون بعثت نفيسة أولاً لتعلم أيرضى أم لا ؟ فلما علمت بذلك ، كلمته بنفسها . انظر : ( السيرة النبوية لإبن هشام جـ 1 ص 189 . الحاشية ) و ( شرح المواهب ) . وذلك لما علمت عنه من شرف في قومه ، وحسن خلقه ، وصدقه ، وأمانته – صلى الله عليه وسلم - .
وكان ذلك قبل النبوة بخمس عشرة عاماً ، وأصدقها : عشرون بكرة . والبكرة هي : الفتية من الإبل .
وكان يشتغل قبل زواجه – صلى الله عليه وسلم - برعي الغنم ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم ، وأنا كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط ) رواه البخاري . [ صحيح الجامع 5581 ] .
2 : ــ فازت بالسبق إلى الإسلام ، فكانت أول من آمن بالله - تبارك وتعالى - من النساء والرجال ، منذ اللحظة الأولى لانبثاق نور الإسلام ، فقد كانت مثلاً رائعاً للزوجة الصالحة ، الصابرة ، الحنون ، الودود .
صدّقت زوجها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وآمنت بدعوته ، واستجابت لرسالته ، ونصرته ، وآزرته ، وأيدته مادياً ومعنوياً ، وهوّنت عليه ما كان يلقاه من قومه .
فعن السيدة عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت : ( إن أول ما بدئ به رسول الله – صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه ، وهو التعبّد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ، ويتزوّد لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة - رضي الله عنها – فيتزوّد لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : ( إقرأ ، قال : ما انا بقارئ ، قال : فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : ( إقرأ ، قال : ما أنا بقارئ ، قال : فأخذني فغطّني الثالثة ثم أرسلني فقال : ( إقرأ بسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . إقرأ وربك الأكرم ) [ سورة العلق 1 – 3 ] .
فرجع بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد " - رضي الله عنها – فقال زمّـلوني زمّـلوني ، فزمّـلوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة وقد أخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي ؟ فقالت خديجة : كلا ، والله ما يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، و تقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . فانطلقت به خديجة حتى أتت به وَرَقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عمّ خديجة ، وكان امرئ تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخاً كبيراً قد عمي ، فقالت له خديجة : يا ابن العم ! اسمع من ابن أخيك ؟ فقال ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله – صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى . فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى ، يا ليتني فيه جذع ، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : أو مخرجيّ هم ؟ قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ) انظر : [ صحيح البخاري . باب بدء الوحي ، جـ 1 ص 3 – 4 ] .
كانت أعظم سند له بعد الله - تبارك وتعالى - ، وفــّرت له أسباب الراحة والهدوء النفسي في خلواته قبل الوحي ، واستمعت له حين أخبرها عن هول ما رأى ، فهدأت من روعه – صلى الله عليه وسلم - ، وذكرت له من صفاته الجليلة ، وسجاياه الحسنة ، ما يثبـّـته ، ويهوّن عليه شدّته ، ويزيل عنه وحشته ، ليقينها - رضي الله عنها – أن من كان متصفاً بصفات الخير والكمال هذه ، لن يخزيه الله - تعالى - أبداً في الدنيا والاخرة .
3 : ــ رزقه الله - تعالى - منها الذرية : ولدت له : القاسم ، وعبدالله ، وهو " الطيّب ، والطاهر " ، قيل أنه لُـقّبَ بذلك لأنها ولدته في الإسلام . وقيل أن ابنيه كلاهما ولدا وماتا في الجاهلية قبل الإسلام ، - والله اعلم - .
وولدت له أربعاً من البنات وهنّ : زينب ، وأم كلثوم ، ورقيّة ، وفاطمة - رضي الله عنهن – أسلمن كلهن ، وهاجرن مع النبي – صلى الله عليه وسلم - .
4 + 5 : ــ حازت على حسن العشرة في حياتها ، ونالت حسن العهد ، وطيب الذكرى بعد وفـاتها : فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( ما غرت على أحد من نساء النبي – صلى الله عليه وسلم - ما غرت على خديجه - رضي الله عنها - ، وما رأيتها قط ، ولكن كان يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ثمَ يقطعها أعضاء ثمَ يبعثها في صدائق خديجة ، فربما قلت له ، كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلاّ خديجــة ، فيقول : إنها كانت وكانت ، وكان لي منها ولد ) متفق عليه .
وفي رواية أخرى لها - رضي الله عنها - قالت : فأغضبته يوماً ، فقلت : خديجة ؟ فقال إني رزقت حبها ) [ مختصر صحيح مسلم 1672 ] .
وعنها أيضاً - رضي الله عنها - قالت : ( استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فعرف استأذان خديجة ، فارتاح لذلك ، فقال : " اللهم هالة بنت خويلد " ، فغرت . فقلت : ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين ، هلكت في الدهر فأبدلك الله خيراً منها ) [ مختصر مسلم 1674 ] .
قال شيخنا الألباني يرحمه الله تعالى في التعليق على الحديث : زاد أحمد في رواية : ( قالت : فتمعـّر وجهه تمعـّـراً ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي ، أو عند المخيلة ، حتى ينظر أرحمة أم عذاب ) وإسناده على شرط مسلم .
وفي رواية أخرى له قال : ( ما أبدلني الله عز وجل خيراً منها ، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزفني الله عز وجل منها ولدها إذ حرمني أولاد النساء ) .
وفي رواية أخرى له ، وللطبراني ذكرها الحافظ في الفتح (7/ 107 ) من طريق نجيح عنها - رضي الله عنها - بلفظ : ( فغضب حتى قلت : والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلا بخير ) انتهى . انظر : [ مختصر صحيح مسلم صفحة : 445- الحاشية - ] .
6 : ــ هي ممن كمل من النساء : ــ فعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا آسية زوجة فرعون , ومريم بنت عمران ) " .
وفي رواية بإسناد صحيح " : ( وخديجة بنت خويلد ، وإن فضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) متفق عليه . [ مختصر مسلم 1667 ] .
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( حسبك من نساء العالمين , مريم بنت عمران , وخديجة بنت خويلد , وفاطمة بنت محمد , وآسية امرأة فرعون ) [ صحيح الجامع 313 ] .
7 : ــ من أفضل نساء الجنة : عن بن عباس _رضي الله عنهما_ قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد , وفاطمة بنت محمد , ومريم بنت عمران , وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون ) [ صحيح الجامع 1135 ] .
8 : ــ من المبشرات بالجنة : سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عن أم المؤمنين " السيدة خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها – ، لأنها ماتت قبل الفرائض ، وأحكام القرآن ؟ فقال أبصرتها على نهر في الجنة ، في بيت من قصب ، لا صخب فيه ، ولا نصب ) .
قال شيخنا الألباني _رحمه الله تعالى_ : " إسناده حسن ، ولبعضه شواهد في الصحيح " . والله أعلم . [ انظر صحيح السيرة النبوية بقلمه رحمه الله تعالى ص 94 ] .
وعن عبدالله بن أبي أوفى ، وعن عائشة _رضي الله عنهما_ قالا : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( بشروا خديجة ببيت في الجنة من قصب , لا صخب فيه ولا نصب ) متفق عليه .
من قصب : أي ما استطال من الجوهر وبه تجويف . انظر : مختصر صحيح مسلم حديث رقم ( 1671 ص 444 ) .
9 : ــ خصّها الله - تبارك وتعالى - بالسلام من عنده - سبحانه ، وبالسلام من جبريل - عليه الصلاة والسلام - ، وهذه خاصية لم تعرف لامرأة سواها : فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : أتى جبريل النبي – صلى الله عليه وسلم - فقال : ( يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب , فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها عز وجل ومني , وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ) مختصر صحيح مسلم 1671 .
10 : ــ رزق الله - تبارك وتعالى - رسوله – صلى الله عليه وسلم - حبها : فعن عائشة _رضي الله عنها_ قالت : " ما غرت على نساء النبي – صلى الله عليه وسلم - إلا على خديجة , وإني لم أدركها , قالت : وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إذا ذبح الشاة يقــــــول : ( أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة ) . قالت : فأغضبته يوماً , فقلت : خديجة ؟ فقال : ( إني قد رزقت حبها ) [ مختصر صحيح مسلم 1672 ] .
هنيئا لأمنا أم المؤمنين السيدة خديجة - رضي الله عنها – هذه المكانة العالية ، والمنزلة الرفيعة عند الله - تبارك وتعالى - ، وعند رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وليكن لنا فيها أسوة حسنة ، فإنها مثال الزوجة الصالحة ، الصادقة ، الناصحة ، المواتية ، المواسية .
ماتت - رضي الله عنها – وجعل الفردوس الأعلى مأواها ، قبل الهجرة بثلاث سنين ، عن خمس وستين عاماً .
أسال الله العظيم رب العرش العظيم ، أن يجمعنا بها على منابر من نور يوم القيامة في أعلى عليين ، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاً .
منقوووول
الروابط المفضلة