مقالنا هذا يدور عنوانه حول قصة فيها عبرة لكل مسلم بعامة وكل شاب بخاصة ، يروي قصتنا فقيه الأندلس الإمام ابن حزم ، فيقول كان شاب من أهل قرطبة آية في الحسن زاهداً عابداً ؛ فزار أخاً له في الله يوماً فدعاه إلى المبيت عنده ، ثم اضطر صاحب البيت للخروج فذهب على أن يعود مسرعاً ؛ فعرض له ما أخره ؛ فأغلق الحراس أبواب الدروب ؛ فما استطاع الرجوع إلى منزله .. فلما علمت الزوجة فوات الوقت و أنه لا يمكن لزوجها أن يرجع .. تزينت وتعطرت وقادها الشيطان ، وكانت جميلة فاتنة فبرزت إلى الشاب الصالح ودعته إلى نفسها ، ولا ثالث لهما إلا الله عز وجل ؛ فضعفت نفسه و كاد يقع فيما حرَّم الله .. فرجع إلى نفسه فألجمها .. والمرأة شديدة الإغواء له .. ثم وصل إلى حد لم يعد يستطيع أن يصبر فيه .. وما بقي من مهرب وغلب خوف الله عز وجل قلبه ؛ فمد أُصْبُعَهُ إلى السراج يقول : يا نفس إن كنت تصبرين على مثل هذا يوم الحساب فافعلي ما شئت ؛ فاحترقت أُصْبُعَهُ و أذهل المرأة عن نفسها ،ومن هنا ننطلق لنحلق في سماء أهل العفاف ، فإلى هناك بلغني الله وإياك الدرجات العلى ورزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى 0
جوائز أهل العفاف
أخي الحبيب أعلم رحمك مولاك : أن أهل العفاف من المسلمين يحبهم الله ويخصهم بجوائز عظيمة
في الدنيا والآخرة ,
1/ الثناء عليهم قال تعالى ( قد أفلح المؤمنون ) وذكر منهم (( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ )) والفلاح الظفر بالمطلوب ، والنجاة من المرهوب ، وهو مطلب كل عاقل 0
2/ الطمأنينة وراحة البال ولو تأملت ، فإنك تجد الإنسان النظيف العفيف عنده من الراحة والطمأنينة وسكن النفس ما لا تجده عند أهل الزيغ والفواحش ، لماذا ؟
لأن النفس تسكن إلى الحلال الطيب وتضطرب من الحرام الخبيث ولذلك قال تعالى " (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا )(الروم: من الآية21) فالسكن والهناءة والسعادة لا تحصل إلا بالنكاح دون السفاح .
وقد دلت الدراسات المعاصرة اليوم على أثر الزواج على الاستقرار النفسي والاجتماعي على صاحبه، يقول أحد الغربيين:"إن العزوبة الدائمة تعرض صاحبها إلى اضطراب نفسي مختلف الأنواع والصفات، فيفسد النفس، ويجعلها مجبولة تتحلى بعدم الرحمة والقسوة والخفة والطيش، وعدم الاتزان " . ويقول جورج انكتيل :" منذ مطلع القرن العشرين والعزوبة تمثل على مسرح هذه الحياة شقاء ينتهي غالباً بالانتحار والجنون " .
وتأمل في هذا الأثر الصحي للزواج ، فقد أجرى عالمان نفسيان في جامعة شيكاغو إحصاءات دقيقة عن حالات من الجنون التي قاما بفحصها بين من يعالجونهم ، فوجدا أن بين كل مئة مجنون ومجنونة 83 مريضاً من العزاب و17 من المتزوجين والمتزوجات . كما أن معدل الإجرام أكثر عند العزاب منه عند المتزوجين . حيث بلغ في إحدى الإحصائيات 38 مجرماً أعزب مقابل 17 متزوجاً .
وكلما كان الزواج مبكرا كان سببا في الأغلب للإنجاب المبكر، وهذا له أثره على نجابة الولد، قال الماوردي : " إن أنجب الأولاد خلقاً وخلقاً من كان سن أمه بين العشرين والثلاثين " .
وتوصلت بعض الدراسات الحديثة إلى أن الأمهات دون العشرين وفوق الخامسة والثلاثين يزيد احتمال إنجابهن للأطفال المتأخرين عن الأمهات اللاتي تقع أعمارهن فيما بين العشرين والخامسة والثلاثين .
3/ أن يظل الإنسان في ظل عرش الرحمن في يوم تدنو فيه الشمس من الرؤؤس قدر ميل ويغوص العرق في الأرض سبعين ذراعا يقول النبي ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله - وذكر منهم - رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال إني أخاف الله رب العالمين ) متفق عليه
لماذا ذات المنصب والجمال ؟ قالوا : لأن المنصب يحميه ، والجمال يغريه ، فماذا قال ؟
قال : أني أخاف الله ؛ امتنع ، وسبب الامتناع الخوف من الله . والجزاء أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله , كما استظل بالخوف من الله ، فابتعد عن الفاحشة ، سيستظل يوم القيامة بظل عرش الرحمن من حر الشمس في ذلك اليوم 0
4/ دخول الجنة فمن أسباب دخولها العفاف يقول النبي ( من يضمن لي ما بين فكية ، وما بين فخذيه، اضمن له الجنة )
متفق عليه
مقتبس من كتيب "شاب يحرق اصبعه" للدكتور/ عبيد بن سالم العمري "إمام وخطيب جامع الميقات بالمدينة المنورة"
الروابط المفضلة