كيف أتحدث معه؟.. سبحانه!!.


-----------------------------------------------------------------------

الدكتور : عماد عطا البياتي

قالت: لا أعتقد أن الله يأمر الناس بقتل بعضهم البعض، كما يحصل الآن في غزة مثلا وفي بلدك.
قلت: وأنا لا أعتقد ذلك أيضاً، ولكن أطماع الناس الدنيوية والإنحرافات الفكرية والأخلاقية الأساسية هي التي تؤدي إلى هذه التصرفات الوحشية غير الإنسانية المأساوية. ولكن هل تؤمنين أنت بالله وبوجوده وبكونه خالق الناس وكل ما في الكون من موجودات؟.
قالت: نعم، أنا أؤمن بالله الخالق، ولقد ذهبت بعض المرات القليلة جدا إلى الكنيسة ولكني غير ملتزمة بشعائر وتعاليم الدين المسيحي. نعم.. أنا أؤمن بالله؛ ولكن.. أنا بصراحة لم أحاول أن أتحدث معه ولا مرة في حياتي!!!.
حوار بسيط حول العقيدة والإيمان جاء ضمن حوار أوسع معها حول الأمور الطبية ومسيرة الطبيب العلمية في هذا البلد والمجالات المتاحة أمامه وبعض الأمور المادية والاجتماعية المتعلقة بالعمل الطبي.
استفدت كثيرا من المعلومات والإرشادات التي أعطتني إياها كوني بحاجة ماسة إلى معرفة هكذا معلومات مهمة لترتيب أمور معيشتي الدنيوية ومستقبل مهنتي وعملي؛ وشكرتها على تلك المعلومات، وعلى اهتمامها بي كونها الطبيبة المشرفة عليّ.

ولكن كلمتها الأخيرة التي قالتها حول الله سبحانه وتعالى وأنها تؤمن به ولكن لم تحاول أن تتحدث معه ولا مرة في حياتها شغلتني وأربكتني كثيراً ورحت أخوض في الأفكار التالية:
عن ماذا تتكلم هذه المرأة؟ وكيف تتحدث معه جل جلاله؟!!.
لا.. هذا كلام لا معنى له بالتأكيد، وإلا كيف يمكنها التحدث مع الله الخالق سبحانه؟!.
وهل أنا تحدثت معه ولو مرة في حياتي؟!!.
لا أستطيع فعل ذلك بالطبع، فهذه ربما منزلة خاصة بالأنبياء المقربون.
نعم هذه هي منزلة سيدنا موسى عليه السلام، فهو يسمى كليم الله تعالى، لأنه هو وحده الذي تحدث مع الله الخالق سبحانه قرب جبل الطور المبارك في سيناء كما حدثنا القرآن الكريم.
ولكن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلق وأعلى الأنبياء منزلة عند الله الخالق تعالى ولا بد من أنه قد تحدث معه سبحانه.
نعم.. ربما حدث ذلك في ليلة المعراج المباركة الشريفة كما جاء في القرآن الكريم والسنة الثابتة الطاهرة المشرفة.
ولكن، ماذا عن باقي الأنبياء كسيدنا آدم ونوح وإبراهيم وعيسى وغيرهم عليهم السلام؟!. وماذا عن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء الصالحين؟!!.
وماذا عني؟!! وعن باقي الناس، هل أنا تحدثت مع الله الخالق سبحانه؟!!.
لا أعرف.. وأشعر بأني مشوش الأفكار.
وبعد برهة من الزمن، وبعد محاولة مني للتفكر بهدوء وصفاء، صحت صيحة معنوية عالية جدا:
ما أغباني!!، كيف أكون بهذا المستوى من الغفلة والبلادة!!.. طبعا أنا تحدثت معه جل جلاله. فأنا أصلي خمس مرات في اليوم الواحد ومنذ سنين عديدة والصلاة هي نوع حديث ومناجاة معه جل جلاله، وأنا أدعوه وأذكره كل يوم تقريبا وهذا نوع من أنواع الحديث معه سبحانه، وأنا أقرأ القرآن والقرآن هو كلام الله سبحانه وهو نوع حديث مع الله الخالق.

نعم بالتأكيد.. الحمد لله على الانتباه واليقظة والفطنة!!.. أنا أفضل حالا من هذه المرأة البائسة، فأنا أتحدث معه سبحانه كل يوم وفي أوقات كثيرة؛ وهي لم تحاول أن تتحدث معه ولا مرة في حياتها. إنها مسكينة وبائسة وخاسرة حقا وأنا أفضل منها بكثير.
نعم.. في المرة القادمة سأحاول أن أتحدث معها حول هذا الموضوع، وأشرح لها كيف يمكن أن تتحدث معه سبحانه، فهي تؤمن به ولا شك.. هي قالت لي هذا وهي لا تكذب، لأنها لو كانت لا تؤمن به لقالت لي بصراحة كما يفعل الناس هنا عادة.
إن شاء الله سأفعل ذلك، وهذه نية خير إن شاء الله.
ثم انتبهت مرة ثانية إلى معنى آخر:
ولكن انتظر لحظة من فضلك، فإذا كنت أدعي بأني أتحدث معه سبحانه مرات كثيرة في اليوم من الخلال الصلاة أو الدعاء أو الذكر أو قراءة القرآن كيف لم انتبه إلى ذلك مباشرة؟، وكيف احتجت كل هذا الوقت للتفكر في هذا الموضوع؟ وكيف لم انتبه بصورة مباشرة وتلقائية وعميقة بأني أتحدث معه كل يوم جل جلاله؟!!.
عرفت السبب..
أنا عندي خلل كبير وخطير ومهلك جدا في تأدية هذه العبادات والمحاورات الإيمانية العالية السامية مع الخالق جل جلاله.
نعم فأنا أؤدي الحركات.. مجردة.. باردة.. خالية من الروح.. وخالية من الانتباه بأنني أتحدث معه سبحانه!!!.
يا الله.. ما أسوأ حالي.
هذه المرأة لم تحاول أن تتحدث معه ولا هي تعرف كيف تفعل ذلك بالصورة والهيئة التي يحبها الله سبحانه كونها غير مسلمة ولا تعرف تأدية الصلاة أو الأذكار أو تلاوة القرآن على ما أظن.
وأنا أعرف كيف ومتى ولكني من شدة الغفلة أذهب للمحادثة دون استعداد يليق بأهميتها وجلالها واستشعار ذكي وفطن بأني أتحدث مع الله الخالق سبحانه؛ وأذهب وأعود من المحادثة وأنا أؤدي حركات وكلمات مجردة لا أستطيع أن اسميها حديث معه سبحانه!!.
ما أشقاني حقاً!!.
الله سبحانه وتعالى الخالق بعظمته وجلاله يعلمني كيف أتحدث معه ويأمرني بذلك ويكافئني على فعل ذلك وأنا غافل ولاه وتائه عن هذه المحادثة العظيمة مع رب الكون.. الله.. الخالق سبحانه.
ما هذه البلادة الكبيرة التي أنا عليها!!.
لا يمكن أن أستمر على هذا الحال المزري.
نعم.. علي الاستدراك والتصحيح.
يجدر بي تدارك الأمر.. نعم.. علي أن استعد في المرة القادمة. وأنتبه عند الاستعداد للصلاة، أو للدعاء.. أو للذكر.. أو لتلاوة القرآن.. بأني في حضرته جل جلاله.. وبأنه سأحادثه.. الله.. الخالق.. العظيم.. الملك العلام.. سبحانه!!!.

تأملات إيمانيه مباركه ....
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم ....