قام الدكتور نادر فرجاني بدرلسة مقارنة بين العالم العربي و إسرائيل في مجالات شتى..

الأمية في العالم العربي وإسرائيل :
ففي كل سطر من سطور دراسة الدكتور نادر فرجاني سيف من نار يكوي كل ذي ضمير حي ، فالأمية في العالم العربي لاتزال حتى عام 1997 حوالي 45% بينما لاتزيد في اسرائيل على 5% فقط وهو مايعني ان العرب سيدخلون القرن الواحد والعشرين بحوالي 70 مليون امي غالبيتهم من النساء سيدخلونه بعيدا عن النور في حالة من العمى المزمن الذي يولد الخرافة والبطالة والتعنت والتعصب الأعمى والتكفير وغير ذلك ، ويسد كل ثقوب التفاهم في لغة التخاطب مع العالم الذي نحن جزء منه شئنا هذا أم أبينا .
ونصيب الانسان العربي من التعليم لايزيد على 340 دولارا بينما يرتفع الرقم في اسرائيل الى 2500 دولار ويقفز في البلدان المصنعة الى 6500 دولار نحن لانعاني من ضعف الكم فقط وانما نعاني من انهيار الكيف ايضا فلايزال التعليم في بلادنا العربية يعاني من تحصيل المعرفة والميل الى الحفظ وتجنب قدرات التحليل والابتكار ومن ثم يخرج الى الحياة من يتصور ان النوبة جزء من افريقيا الوسطى ، وان الامام محمد عبده مطرب سعودي وأن محمد نجيب اسم ممثل سينمائي ، وقد وردت هذه الاجابات في أوراق امتحانات رسمية لطلاب المرحلة الثانوية في إحدى مدارس القاهرة ، وهو ما بات يوصف بأمية المتعلمين, كذلك فأن هناك طلاقا مبكرا بين الشهادة والمهنة وهو ما جعل الناس تؤمن بان الحياة مدرسة اهم من اي مدرسة وهو مايعني ان الانسان العربي بالذات عليه ان يبدأ من الصفر دائما دون ان يستفيد بخبرات من سبقوه وهذه ابرز سمات التخلف.. البداية دائما على صفحة بيضاء.
وفي اسرائيل منذ عام 1993 في تنفيذ خطة لتوفير جهاز كمبيوتر لكل روضة اطفال تتصل به (نهاية طرفية) لكل 10 اطفال في المدارس وفي خلال ثلاث سنوات نفذوا ربع الخطة التي ستكتمل في عام 2005 ولو اراد العرب تنفيذ هذه الخطة فان عليهم توفير ستة ملايين جهاز بمعدل مليون سنويا وهو مايحتاج مليار دولار ولا نتصور ان المبلغ كبير خاصة اذا اخذناه من ميزانية استيراد السلاح.. وهي ميزانية مفزعة في غياب وجود عدو حقيقي وفي ظل الاعلان الذي وصل الى مرتبة الايمان بان لاحرب اخرى بين العرب واسرائيل.. ان العرب يستوردون نصف نصيب دول العالم الثالث من السلاح وفي الفترة بين 1986 و 1994 زاد الانفاق العسكري لست عشرة دولة عربية على 300 مليار دولار سنويا وهو مايعني ان مبلغ المليار دولار الذي نحتاجه ليصبح تلاميذنا على مستوى تلاميذ اسرائيل في الكمبيوتر مجرد حبات فول سوداني. ومنذ منتصف التسعينات زاد انفاق العرب على البحث العلمي بحوالي النصف.. ورغم ذلك فان هذا الانفاق لايزيد على 2% وهو سبع المتوسط العالمي 1.4% وبالمقابل يرتفع المؤشر في اسرائيل عن المتوسط العالمي الى اعلى من 2% اي اكثر من عشرة امثال العرب.
واذا اخذنا في الاعتبار التفاوت في عدد السكان وفي حجم الناتج السنوي لاتسعت الفجوة بين العرب واسرائيل في الانفاق على البحث العلمي الى اكثر من 30 مثلا وهذه المقارنة تقتصر على الابحاث المدنية فلو اضفنا الانفاق على الابحاث العسكرية لتحولت الفجوة الى هاوية.

العلماء العرب والعلماء الإسرائيليون :
ويزيد عدد العلماء في الدول العربية على خمسة امثال عدد العلماء في اسرائيل, ولكن بالمقارنة بين عدد السكان تصبح اسرائيل اغنى.. ان في العالم العربي ثلث عالم او باحث لكل الف من السكان وهو نصف المتوسط العالمي (0.8 في الاف) وعشر المستوى في اسرائيل وهو 318 في الالف. ولا جدال ان يهود الشتات هم رصيد خارجي لاسرائيل يتميزون بمستوي التأهيل العلمي الراقي في الدول التي يعيشون فيها مثل الولايات المتحدة الامريكية حيث تطور البحث العلمي واستقر وحسم الخلاف بين المعامل والمصانع وقد وفد الى اسرائيل من الاتحاد السوفييتي ( قبل تهشمه) منذ عام 1989 وحتى نهاية عام 1997 حوالي 700 الف يهودي منهم اكثر من 70 الفا من المهندسين والعلماء وقرابة 20 الفا من الاطباء والفنانين ومايقارب 40 الفا من المدرسين.. والاهم ان بعضا من هؤلاء المهاجرين حمل معه خبرات واسرارا من اكثر فروع البحث العلمي تقدما في الوطن الام مثل الذرة والليزر, والفضاء, لذلك ليس مستغربا ان تصدر اسرائيل تكنولوجيا بمليار دولار سنويا.. وان تصنع بنفسها الاقمار الصناعية. ولا تشتريها (تسليم مفتاح) كما نفعل نحن العرب عادة ، وان تطور قنابلها النووية لتصبح قنابل استراتيجية هي التي توصف بانها قنابل (نظيفة) اي التي يمكن ان تلقيها اسرائيل على منطقة عربية دون ان يمتد اشعاعها النووي اليها.

التقنيات والمعركة الحضارية :
والاخطر من ذلك كله ان اسرائيل لم تنظف من رأسها فكرة الحرب والهيمنة والسيطرة بالقوة انها تسعى بكل اللغات لغة السلاح ولغة التكنولوجيا ولغة البحث المتطور وهي تجلس على مائدة المفاوضات وفي يدها هذه الكروت الرابحة وهذا هو سر غطرستها وتعسفها واصرارها على سكب القهوة على المفاوضين وعلى المعاهدات لتصبح اكثر سوادا! واحدث مؤشر للقياس العلمي الآن هو عدد وصلات شبكات الانترنت فهو مؤشر يعكس التعامل المباشر بين الانسان العادي وتكنولوجيا العصر. وقد زاد عدد وصلات الانترنت في الشرق الاوسط في مطلع عام 1998 عبر نصف مليون وصلة: نصفها في اسرائيل ويعني ذلك ان تفوق اسرائيل في هذا المعيار, نسبة الى عدد السكان يصل الى 50 مثلا اي اعلى 5 مرات من مستوى التفوق النسبي في العلماء., والاهم من الانترنت مجالات استعماله فنحن في كثير من الاحيان نستعمله في العاب الفيديو والتسلية وتبادل النكات والشتائم وتفريغ الكبت والترويج للصور العارية وقراءة الطالع وتبادل خبرات الارهاب الفكري والدموي .
ان اهم من منجرات العلم العقلية التي تستخدمها ويتخذ من النشر العلمي معياراً هاما على تطور البحث العلمي.. ووفقا لدليل النشرالعلمي يتدنى نصيب البلدان العربية في عام 1995 لاقل من سدس ماهو متوقع منهم في حين يرتفع نصيب اسرائيل من النشر العلمي الى عشرة اضعاف ماهو متوقع منها وهنا يتعدى التفوق النسبي لاسرائيل عن العرب السبعين مثلا.

الإنسان … والباذنجان :
اننا لانبغي من هذه المقارنة جلد انفسنا بمزيد من السياط ولاتحويل اسرائيل الى (عجل ذهبي) نعبدها في حالة الكفر بالذات.. وانما نريد ان نقاوم ونغضب ونثور على كل ماصنعته يدانا.. ولن يخرجنا من هذا اليم.. سوانا وعندما نتغلغل في ادعاء هذه الحقائق فذلك لان العالم يعلنون ان الانسان العربي لايزال مفقودا حتى اشعار اخر واننا في سباق الدنيا المجنون نحو الآفاق البعيدة نركب خيولا خشبية نهتز عليها بعنف دون ان تتحرك من مكانها.
واهم من النشر العلمي تسجيل براءات الاختراع وحسب مكتب العلامات التجارية الامريكي فان العرب سجلوا في عام 1997, 24 اختراعا بما يقابل اختراع واحد لكل 10 ملايين نسمة, اما في اسرائيل فقد سجلوا 577 اختراعا بواقع 1020 اختراعا لكل 10 ملايين نسمة, وهو مايزيد عن الالف ضعف في العالم العربي ولم يتفوق على اسرائيل سوى الولايات المتحدة الامريكية واليابان وسويسرا وتايوان وبعد اسرائيل جاءت كوريا الجنوبية وبريطانيا وفرنسا والمانيا. ان هذه المؤشرات تعني ان تفوق اسرائيل علينا علميا تجاوز تفوقها علينا اقتصاديا ففي الاقتصاد سبعة امثال وفي العلم والتكنولوجيا اكثر من الف مرة فالعلم في البداية قاعدة يقوم عليها اي بناء من غزو الفضاء الى انتاج نوع من الباذنجان اكثر ثراء بالحديد.
والفرق بين رأس الانسان وثمرة الباذنجان هو العقل.. بيت العلم ومخزن الخبرة.. ومستودع المعرفة ولو فقد الانسان ذلك فلا مفر ان يصبح في النهاية طبق (مسقعة) وتهبط دراسة الدكتور نادر فرجاني كالصاعقة على مصر لتقترب اكثر من الارض في دولة كبرى في المنطقة عرفت البحث العلمي منذ عام 1939 حينما انشأت مركز (فؤاد الاول للبحوث) الذي اصبح فيما بعد (المركز القومي للبحوث) ، ويضم المركز 62 قسما في مجالات العلوم المختلفة ويقدر عدد العاملين فيه في عام 1995 بحوالي 2200 باحث منهم 1200 من حاملي الدكتوراه لكن اكثر منهم (اي حوالي 2500) موظفون ومن ثم تبتلع المرتبات ثلاثة ارباع الميزانية وتبقى الفتات للاجهزة والبحوث تتقاتل عليها هذه الجيوش من العلماء وتكون النتيجة اشياء ناقصة لاقيمة لها مثل نصف جملة وربما مثل نصف كلمة ومن ثم يصبح البحث العلمي تهتهة علمية. ولذلك فالمشكلة ليست في نقص المؤسسات بل في كثرتها مع فقرها وقلة كفاءتها وعلى هذا فقد آن الاوان لاعمال قدر من (التدمير الاخلاقي) على طريقة انسف حمامك القديم) .

الصناعة والاستهلاك :
ولكن قبل النسف والبناء من جديد يجب ان لانستسهل استيراد التكنولوجيا ولا نجتهد في التوصل اليها مع اننا قادرون على ذلك لقد طارت في سماء القاهرة في مطلع 1967 طائرة هندية بسرعة تفوق سرعة الصوت بمحرك مصري.. ولم تكن صناعة الصواريخ المصرية في ذلك الوقت تستحق السخرية المتعمدة التي عاملناها بها حينئذ ، فقد كانت صناعة مبشرة والا لماذا قامت المخابرات الاسرائيلية بارسال الطرود المتفجرة للعلماء الألمان الذين كانوا يشاركون فيها في ذلك الوقت حتى توقفت هي وصناعة الطائرات في نهاية عام 1967 بقرار كان المستفيد منه الاسرائيليون وتجار السلاح.. ولسنا في حاجة لفتح الجراح بالمقارنة بما توصلت اليه الهند التي بدأنا معها بعد 30 سنة من هذا القرار التعس... لقد فجرت الهند قنبلة نووية وصنعت صواريخا عابرة للقارات وكفت عن استيراد الطائرات ، ورغم هذا كله بيننا - كعرب - من ينظر للهند والهنود على أنهم أنصاف بشر .
والحقيقة انه لا يقوم تطور في البحث العلمي والتكنولوجيا بعيدا عن الصناعة.. فالعلماء لا يعملون منهم إلى السماء.. ولا يلعبون لعبة العلم من أجل عيون العلم.. وقد نجح العلماء المصريون مثلاً في تطوير ماكينات صناعة السكر عندنا, ولكن في الوقت نفسه عكس القلق النفسي السائد في كثير من المصانع والشركات بسبب الخصخصة نفسه على مجالات التطوير فكيف يمكن ان تطور هذه المنشآت نفسها وهي لا تعرف بعد مصيرها؟ وهناك أدلة على ذلك منها ان مكتب التصميم بترسانة الأسكندرية البحرية والذي كان قوامه 200 مهندس وعالم, وقد صفي وان نسبة التصنيع المحلي صارت 2% بعد ان كانت 90% تقريبا.
ان الاستسهال في الاستيراد عن التصنيع لا يكلف بلداننا العربية مالا تقدر عليه فقط وإنما يدمر قدرتها العلمية والبحثية والتكنولوجيا أيضا, انه استسهال مدمر يتسبب في بطالة العلماء والعمال, والأخطر من ذلك تجعل الحديث عن ثقافة العلم والتكنولوجيا مجرد حديث في الغرف الأكاديمية المغلقة, التي لن يكون لها فائدة سوى التباهي والتفاخر و (النفخة) الكذابة .
وفي الختام لابد من الاعتراف بأن المؤسسات العلمية اليهودية قامت من فلسطين قبل قيام دولة اسرائيل فقد انشئ (التكنيون) أو معهد اسرائيل للتكنولوجيا في فبراير عام 1925 أي قبل 23 سنة من اعلان الدولة التي كانت أول رئيس لها عالم بارز في الكيمياء هو حاييم وايزمان, وكان ألبرت اينشتاين مرشحا لهذا المنصب لكنه اعتذر, ووعد بمساعدة اليهود بعلمه لا بجلوسه في منصب شرفي على قمة السلطة.

************************************************** *******
أريد الآن أن أطرح سؤالا..
قضية فلسطين تعتبرونها القضية العربية رقم 1 أم قضية إسلامية بالدرجة الثانية؟
عندما تترسخ الإجابة الصحيحة في قلب كل مسلم هناك فقط ..يأتينا النصر بإذن الله