(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)
***تفسير الطبري***
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :
{ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِير }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا يُصِيبكُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ مُصِيبَة فِي الدُّنْيَا فِي أَنْفُسكُمْ وَأَهْلِيكُمْ وَأَمْوَالكُمْ .
{ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } يَقُول : فَإِنَّمَا يُصِيبكُمْ ذَلِكَ عُقُوبَة مِنَ اللَّه لَكُمْ بِمَا اجْتَرَمْتُمْ مِنَ الْآثَام فِيمَا بَيْنكُمْ وَبَيْن رَبّكُمْ وَيَعْفُو لَكُمْ رَبّكُمْ عَنْ كَثِير مِنْ إِجْرَامكُمْ , فَلَا يُعَاقِبكُمْ بِهَا .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَيُّوب , قَالَ : قَرَأْت فِي كِتَاب أَبِي قِلَابَة , قَالَ : نَزَلَتْ : { فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ }
وَأَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَأْكُل , فَأَمْسَكَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي لَرَاء مَا عَمِلْت مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ ؟ فَقَالَ : " أَرَأَيْت مِمَّا تَكْرَه فَهُوَ مِنْ مَثَاقِيل ذَرّ الشَّرّ , وَتَدَّخِر مَثَاقِيل الْخَيْر حَتَّى تُعْطَاهُ يَوْم الْقِيَامَة " , قَالَ : قَالَ أَبُو إِدْرِيس : فَأَرَى مِصْدَاقهَا فِي كِتَاب اللَّه , قَالَ : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيث الْهَيْثَم بْن الرَّبِيع , فَقَالَ فِيهِ أَيُّوب عَنْ أَبِي قِلَابَة , عَنْ أَنَس , أَنَّ أَبَا بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ جَالِسًا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ الْحَدِيث , وَهُوَ غَلَط , وَالصَّوَاب عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيم . حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } . ... الْآيَة " ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " لَا يُصِيب ابْن آدَم خَدْش عُود , وَلَا عَثْرَة قَدَم , وَلَا اخْتِلَاج عِرْق إِلَّا بِذَنْبٍ , وَمَا يَعْفُو عَنْهُ أَكْثَر " .
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } . ... الْآيَة , قَالَ : يُعَجَّل لِلْمُؤْمِنِينَ عُقُوبَتهمْ بِذُنُوبِهِمْ وَلَا يُؤَاخَذُونَ بِهَا فِي الْآخِرَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ : وَمَا عُوقِبْتُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ عُقُوبَة بِحَدٍّ حُدِدْتُمُوهُ عَلَى ذَنْب اسْتَوْجَبْتُمُوهُ عَلَيْهِ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ يَقُول : فِيمَا عَمِلْتُمْ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه { وَيَعْفُو عَنْ كَثِير } فَلَا يُوجِب عَلَيْكُمْ فِيهَا حَدًّا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ :- حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة } . .... الْآيَة , قَالَ : هَذَا فِي الْحُدُود , وَقَالَ قَتَادَة : بَلَغَنَا أَنَّهُ مَا مِنْ رَجُل يُصِيبهُ عَثْرَة قَدَم وَلَا خَدْش عُود أَوْ كَذَا وَكَذَا إِلَّا بِذَنْبٍ , أَوْ يَعْفُو , وَمَا يَعْفُو أَكْثَر .
***تفسير البغوي ***
﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ /30
قال الحسن لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر " ... وقال علي بن أبي طالب ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عز وجل حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾،
قال وسأفسرها لك يا علي: " ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، والله عز وجل أكرم من أن يثني عليهم العقوبة في الآخرة. وما عفا الله عنكم في الدنيا، فالله أحلم من أن يعود بعد عفوه ". قال عكرمة: ما من نكبة أصابت عبدا فما فوقها إلا بذنب، لم يكن الله ليغفر له إلا بها، أو درجة لم يكن الله ليبلغه إياها إلا بها.
***تفسير بن كثير***
وقوله: ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ )
أي: مهما أصابكم أيها الناس من المصائب فإنما هو عن سيئات تقدمت لكم ( وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) أي: من السيئات، فلا يجازيكم عليها بل يعفو
[قال:] وحدثنا أبي: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحمَّاني، حدثنا جرير عن أبي البلاد قال: قلت للعلاء بن بدر: ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) ، وقد ذهب بصري وأنا غلام؟ قال: فبذنوب والديك .وحدثنا أبي: حدثنا علي بن محمد الطَّنَافسي، حدثنا وكيع، عن عبد العزيز بن أبي راود، عن الضحاك قال: ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب، ثم قرأ الضحاك: ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) . ثم يقول الضحاك: وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن
سُميت سورة الشورى بهذا الاسم تنويها بمكانة الشورى في الإسلام، وتعليما للمؤمنين أن يقيموا حياتهم على هذا المنهج الأمثل الأكمل " منهج الشورى " لما له من أثر عظيم جليل في حياة الفرد والمجتمع، كما قال تعالى: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ /38. [ صفوة التفاسير، 3/132 ]. وقال الألوسي: وتسمى سورة " حم * عسق " و " عسق ". الأساس في التفسير.
الروابط المفضلة