بسم الله الرحمن الرحيم
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: إن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أوصني. قال: لا تغضب. فردد مرارا قال: لا تغضب رواه البخاري.
فإن كظم الغيظ من صفات المؤمنين التي أمتدحهم بها
كما قال تعالى
***********
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
و قال تعالى :
( وإذا ما غضبوا هم يغفرون )
وقد وجه الله تعالى عباده المؤمنين لضرورة التحلي بالصبر
وكظم الغيظ، بل والدفع بالتي هي أحسن: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ
وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ
كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو
حَظٍّ عَظِيمٍ)[فصلت:34، 35].
على هذه الأخلاق النبيلة تربى السلف رضي الله عنهم
*****************************************
1- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من اتقى الله لم يشفِ
غيظهُ، ومن خاف الله لم يفعل ما يُريدُ، ولولا يومُ القيامة لكان
غير ما ترون".
2- عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: قدم عيينة بن حصن
فنزل على ابن أخيه الحر ابن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم
عمر، وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولاً أو شباناً.
فقال عيينة لابن أخيه: يا لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي
عليه قال: سأستأذن لك عليه، فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر.
فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب! فوالله ما تعطينا الجزل،
ولا تحكم فينا بالعدل! فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به. فقال له
الحر: يا أمير المؤمنين! إن اللَّه تعالى قال لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعراف 199].
وإن هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه،
وكان وقافاً عند كتاب اللَّه.
3- جاء غلام لأبي ذر رضي الله عنه وقد كسر رجل شاةٍ له
فقال له: من كسر رِجل هذه؟ قال: أنا فعلتُهُ عمدًا لأغيظك
فتضربني فتأثم. فقال: لأغيظنَّ من حرَّضك على غيظي، فأعتقه.
4- شتم رجلٌ عديَّ بن حاتم وهو ساكتٌ، فلما فرغ من مقالته
قال: إن كان بقي عندك شيءٌ فقل قبل أن يأتي شباب الحي،
فإنهم إن سمعوك تقول هذا لسيدهم لم يرضوا.
5- قال محمد بن كعب رحمه الله تعالى: ثلاثٌ من كُنَّ فيه
استكمل الإيمان بالله: إذا رضي لم يُدخله رضاه في الباطل،
وإذا غضب لم يُخرجه غضبُهُ عن الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.
6- قال رجلٌ لوهب بن منبه رحمه الله تعالى: إن فلانًا شتمك.
فقال: ما وجد الشيطان بريدا غيرك؟!.
7- قال الغزالي رحمه الله تعالى: إن كظم الغيظ يحتاج إليه
الإنسانُ إذا هاج غيظُهُ ويحتاجُ فيه إلى مجاهدةٍ شديدة، ولكن
إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتيادًا فلا يهيج الغيظ، وإن هاج
فلا يكون في كظمه تعبٌ، وحينئذ يُوصف بالحلم.
8- وذكر ابن كثير رحمه الله من صفاتِ أصحاب الجنة عند تفسير
قوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) إلى قوله:
(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال: إذا ثار بهم
الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه، وعفوا مع ذلك
عمن أساء إليهم.
فما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم لتقوى الروابط وتتآلف القلوب،
ويُبنى ما تهدم من الروابط الاجتماعية، ولننال رضى الله وجنته
الروابط المفضلة