عيدي الميلاد ورأس السنة







قال تعالى: )وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا* لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا( [مريم: 88-93].

عيد الميلاد وعيد رأس السنة الميلادية يعتبران من أعظم الأعياد عند الأمة النصرانية، وعموماً فكلا العيدين يتعلقان بمولد عيسى عليه السلام الذي يعتقدون بأنَّه ابن الله، تعالى الله عمَّا يقولون علواً عظيماً. وقد حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم من متابعة الأمم السابقة في أعيادهم والتشبه بهم، فقال صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبرا وذراعاً ذراعاً، حتى لو دخلوا جحر ضرب تبعتموهم" قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال" فمن" [متفق عليه]. أي: فمن القوم إلا هم.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: "ما هذان اليومان؟" قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله قد أبدلكم خيراً منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر".1

ومما اتفق عليه الصحابة والفقهاء أنَّ أهل الذمة لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، فكيف إذا أظهرها المسلمون أنفسهم؟

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: "من تأسى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة".

والله تعالى يقول: )وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا..( [المائدة/48]، ويقول تعالى: )لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ..( [الحج/67] أي: عيداً يختصون به.

وإذا كان بعض من المسلمين قد اغتروا ببهرج أعداء الله ـ تعالى ـ خاصة النصارى في أعيادهم الكبرى كعيد ميلاد المسيح ـ عليه الصلاة والسلام ـ (الكريسماس) وعيد رأس السنة الميلادية، ويحضرون احتفالات النصارى بها في بلادهم؛ بل نقلها بعضهم إلى بلاد المسلمين ـ والعياذ بالله ـ، كما انتشرت بعض المنتجات التجارية التي تحمل بعض معاني هذين العيدين بين كثير من مجتمعات المسلمين التي غالباً ما تكون مجتمعات مستهلكة لا منتجة، فيصل إليها بعض تلك المنتجات من الأزياء والتحف وغيرها دون علم بما تحمل من معان وإيحاءات. ولهذا كانت هذه الورقة إسهاماً للتعريف والتنبيه لبعض هذه المظاهر التي ينبغي للمسلم أن يحذر منها.

لماذا علينا أن نعرف أعياد الكفار؟عامة النصارى، ومناسبة هذا العيد عند النصارى تجديد ذكرى مولد المسيح ـ عليه السلام ـ كل عام، ولهم فيه شعائر وعبادات؛ حيث يذهبون إلى الكنيسة ويقيمون الصلوات الخاصة، وقصة عيد الميلاد مذكورة في أناجيلهم (لوقا) و(متَّى) وأول احتفال به كان عام 336م.

وكلمة الكريسماس (Christmas) وتختصر أحياناً بكلمة (Xmas) تعني الاحتفال بميلاد المسيح من قبل النصارى، وعيد الميلاد يعتبر يوم عطلة ويوم معظَّم عند جميع فئات النصارى، وهو أكبر حدث خلال السنة، وخاصة للأطفال.



الفيدرالية وحكومات الولايات وجميع المدارس والكليات والجامعات والأغلبية العظمى من المحلات التجارية يكونون في إجازة لمدة يوم أو يومين عند حلول هذا اليوم. وفي التقويم الكنسي الكاثوليكي الروماني يزعمون أنَّ عيد الميلاد من الأيام الستة العظام التي يحتفل بها في أمريكا. وتبدأ مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد مع بدايات شهر ديسمبر، ولكن تزداد بشكل كثيف عند حلول 20 ديسمبر، ويعتبر يوم 25 ديسمبر هو عيد الميلاد من كل سنة. ويستمر 12 يوما، أي إلى 6 يناير.

وتشير الموسوعة البريطانية لعام 1994م إلى أنَّ هناك 1.8 بليون نصراني (من مجموع سكان العالم البالغ 5.5 بليون) يعتبرونه يوماً دينياً عظيماً في أنحاء العالم. وفي أمريكا 241 مليونـاً من مجموع السكان البالغ 281 مليونـاً، أي حوالي 85% يعظمون هذا اليوم.

هل يوم 25 ديسمبر حقيقة يوم ميلاد عيسى عليه السلام؟

لا أحد يعرف بالتأكيد، ولكن سبب اختيار يوم 25 ديسمبر من كل سنة ليكون يوم احتفال للنصارى هو أنَّ قادة النصارى قرروا ذلك ليتوافق مع احتفال بيوم آخر في روما، وذلك كان في عام 336م، ثم اشتهر من بعد ذلك عيد الميلاد وطغى على غيره من الاحتفالات الأخرى، ليس في روما فحسب، بل في كثير من البلدان.

ثانياً: عيد رأس السنة الميلادية: وللاحتفال به شأن عظيم في هذه الأزمنة؛ حيث تحتفل به الدولة النصرانية وبعض الدول الإسلامية، وتنقل تلك الاحتفالات بالصوت والصورة الحية من شتى بقاع الأرض، وتتصدر احتفالاته الصفحات الأولى من الصحف والمجلات، وتستحوذ على معظم نشرات الأخبار والبرامج التي تبث في الفضائيات، وصار من الظواهر الملحوظة سفر كثير من المسلمين الذين لا تقام تلك الاحتفالات النصرانية في بلادهم إلى بلاد النصارى لحضورها والاستمتاع بما فيها من شهوات محرَّمة غافلين عن إثم الارتكاس في شعائر الذين كفروا.

وللنصارى في ليلة رأس السنة (31 ديسمبر) اعتقادات باطلة، وخرافات كسائر أعيادهم المليئة بذلك، وهذه الاعتقادات تصدر عن صنَّاع الحضارة الحديثة وممَّن يوصفون بأنَّهم متحضرون ممَّن يريد المنافقون من بني قومنا اتباعهم حذو القذة بالقذة؛ حتى في شعائرهم وخرافاتهم لكي نضمن مواقعنا في مصاف أهل التقدم والحضارة، وحتى يرضى عنها أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء.

مظاهر عيد الميلاد وعيد رأس السنة عند الأمم الكافرة:
نظراً لتقارب أوقات الاحتفالات بعيد الميلاد وعيد رأس السنة عند النصارى؛ فإنَّ هناك مظاهر مشتركة، يحسن عرض أهم هذه المظاهر بغية اتقاء الوقوع فيها، وخاصة أنه يروج لكثير من المنتجات التجارية خلال هذه الفترة.

ولأنَّ النصارى بزعمهم يتبعون عيسى، فإنَّ مولده يعتبر أمراً مهماً بالنسبة لهم، غير أنَّ الأسابيع السابقة ليوم عيد الميلاد تعتبر من أهم أسابيع التسوق خلال السنة، إذ يحصد كثير من الأسواق 70% من أرباحهم السنوية في الشهر السابق لعيد الميلاد. وعلى سبيل المثال: لم يكن عيد الميلاد ذا صورة تجارية ودعائية في أمريكا حتى عام 1867م، حيث بدأ أحد المحلات في نيويورك بالترويج والدعاية له، وبقي مفتوحاً حتى منتصف الليل، ومنذ ذلك الحين بدأت تتنافس المحلات التجارية على تسويق منتجاتها في هذا الموسم، وبعض من هذه المنتجات يحمل عبارات أو رموز لها دلالات دينية، وتنتشر بشكل كثيف في هذه الأيام، وقد يستورد بعض منها إلى المجتمعات المسلمة بغير قصد، كما أنَّ بعض العوائل من البلدان الإسلامية تسافر إلى بعض المدن، خاصة الغربية، بقصد التسوق خلال هذه الفترة والتي يحصل فيها عروض وتخفيضات، وخاصة في ما يخص الملابس والأزياء والتحف وغيرها.

يتم تبادل الهدايا بين النصارى في هذا اليوم:
يعتقد النصارى أنَّ الهدية التي قدمها الرجل الحكيم إلى عيسى من أول الهدايا، كما يبين ذلك في إنجيلهم "ماثيو": عندما عادوا إلى المنزل رأوا الطفل ـ المقصود به عيسى ـ مع أمه مريم، لذلك ركعوا له تعبداً، وبعدها فتحوا صندوق مدخراتهم وقدموا له هدية من ذهب.

ورغم أنَّ تبادل الهدايا لم تكن منتشرة كعادة، ولم تكن كظاهرة حتى القرن الثامن عشر، وقصة سانت كلوز Santa Clus، شاركت بصفة تجارية ودعائية حتى صار تقديم الهدايا أحد الطقوس المهمة في عيد الميلاد، فكان الرومان يحتفلون بإله الضوء وإله الحصاد، ولما أصبحت الديانة الرسمية للرومان النصرانية صار الميلاد من أهم احتفالاتهم في أوربا، وأصبح القديس (نيكولاس) رمزاً لتقديم الهدايا في العيد من دول أوربا، ثم حلَّ البابا (نويل) محل القديس (نيكولاس) رمزاً لتقديم الهدايا، خاصة



للأطفال، وقد تأثر كثير من المسلمين في مختلف البلاد بتلك الشعائر والطقوس؛ حيث تنتشر هدايا البابا (نويل) المعروفة في المتاجر والمحلات التي يملكها في كثير من الأحيان مسلمون، وكم من بيت دخلته تلك الهدايا، وكم من طفل مسلم يعرف البابا (نويل) وهداياه! .

ويكثر في هذه الأيام تداول كروت المعايدة الخاصة بتلك المناسبة، كما تنتشر صور على الملابس والتحف والأواني تدل على هذا العيد، مثل صورة عربة تجرها مجموعة من الغزلان بين أكوام من الثلوج وتطرز بصلبان صغيرة، أو صورة ما يسمى شجرة عيد الميلاد، وتصور بشكل مخروطي وقمتها على هيئة صليب. وكذلك دمى "بابا نويل" وهي عبارة عن شخص قصير ذي لحية بيضاء كثة ويلبس اللون الأحمر المخطط بالأبيض، وكذلك جوارب كبيرة الحجم ذات لون أحمر بها بعض الخطوط الحمراء توضع عادة بداخلها بعض الهدايا للأطفال مثل الحلويات واللعب الصغيرة، كما تضاء الشموع بجوار النوافذ أو تزين بحلقات من الأضواء الملونة الكهربائية الصغيرة.

لماذا يوضع غصن أخضر كشجيرة في غرفة المعيشة؟
هذه عادة ألمانية بدأت مع بداية عام 700 بعد موت المسيح بزعمهم، حيث



يوضع غصن أخضر على هيئة شجرة، وتزين بالأنوار والأجراس والنواقيس الصغيرة والزخارف، وما يشبه الثلج، وأنواع من الترتر اللماع من البلاستيك، وقطع من الحلوى والشكولاتة، وهذه ما يسمى شجرة عيد الميلاد. وفي القرن الثامن عشرة اشتهرت هذه العادة في ألمانيا ثم انتقلت إلى إنجلترا ثم إلى أمريكا. ويشبه إقبال الناس على شراء هذا الغصن إقبال المسلمين على شراء الأضاحي في عيد الأضحى!

لماذا توضع الورود على أبواب المنازل؟
من طقوس الاحتفالات: تعليق عقود من الزهور الجافة أو البلاستيكية توضع على أبواب المنازل خلال أيام عيد الميلاد، ونقلت عن النصارى الاسكندنافيين حيث يعتقدون أن آلهة الحب مرتبطة بقوة مع هذا العقد من الزهور، وقد كانت الكنيسة تحرم ذلك لارتباطها بعقيدة وثنية. هذا وقد لوحظ أنَّ عدداً من الجاليات المسلمة في الغرب بدؤوا يضعون باقة من الزهور على أبواب منازلهم في عيدي الفطر والأضحى على شكل هلال محاكاة للمجتمعات التي يعيشون فيها، كما تقام احتفالات كبيرة في كثير من بلدان العالم الإسلامي بعيد الميلاد.

واجب المسلم تجاه هذه الأعياد:
في هذا المقطع يفضل الرجوع إلى الجزء الثاني من دراسة مفصلة للشيخ "إبراهيم بن محمد الحقيل" ينصح بالاطلاع عليها، وهي بعنوان "دراسات في الشريعة والعقيدة ـ أعياد الكفار وموقــف المسلم منها 2ـ2" (مجلة البيان ع 144 شعبان 1420هـ) وهذا مختصر لها بتصرف:

معاونتهم على أعيادهم:
نهى العلماء عن معاونتهم على أعيادهم بإهداء أو مبايعة وقالوا: "لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحة عيدهم لا لحماً ولا دماً ولا ثوباً، ولا يعارون دابة ولا يعاونون على شيء من دينهم؛ لأنَّ ذلك من تعظيم شركهم، وعونهم على كفرهم" (الفتاوى 25/332).

لا يستجاب لدعوة من تشبه بهم من المسلمين فضلاً عن غيره من الكافرين، ولا تقبل هداياهم في ذلك.

فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات لم تقبل هديته، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان به على التشبه بهم مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد...

اجتناب موافقتهم في أفعالهم:
قد لا يتسنى لبعض المسلمين حضور أعياد الكفار، لكن يفعل مثل ما يفعلون فيها، وهذا من التشبه المذموم المحرَّم. قال شيخ الإسلام: "لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك، ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار زينة، وبالجملة: ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام".

التهنئة بشعائر الكفر المختصة بأعيادهم حرام بالاتفاق، مثل أن يقول: عيد مبارك عليك، أو: تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيراأختي بنت اللامارات

بوركت اختي الموضوع خطير