نصرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأحد 24 / 02 / 2008 ـ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ،
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
حملةٌ شرسة على رسول الله عليه الصلاة والسلام :
1 ـ ما ضرَّ السحابَ نباحُ الكلاب :
أيها الإخوة الكرام ، هذا التطاول على نبينا صلى الله عليه وسلم ما ملابساته ؟
ومن السبب فيه ؟
أنا أسأل هذا السؤال : لماذا نعتب على رسام نال من نبينا أشد النيل ، أمّا فعله فلا يزيد على إنسان توجَّه إلى الشمس ، ورفع رأسه إليها ، وبصق ، فعادت بصقته على وجهه ، وبقيت الشمس في عليائها ، الشمس لا تُنال ,
مرة قال لي أحدُهم على عَجل : إن الإسلام دين القتل ، دين الجهل ، دين التخلف ، دين الإرهاب ، وقد جاء سؤاله على الهواء مباشرة في ندوة إذاعية قبل الانتهاء بدقيقة ، فقلت له : إن هذه التهم الكبيرة الظالمة التي وجهتها للإسلام ، وتعلم أنت علم اليقين أن الوقت قد انتهى أردت من هذا أن تسمع الناس هذا الكلام فقط ، أنا عندي لك جواب واحد : هو ما ضر السحابَ نبْحُ الكلابِ .
صدقوا ولا أبالغ هذا الذي ينال من سيد الخلق ، ومن حبيب الحق ، من سيد ولد آدم ، مِن أرحم الخلق بالخلق .
2 ـ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ
هناك معنى آخر ، قال تعالى :
( سورة التوبة)
لو توجه إنسان الآن إلى الشمس ، ونفخ باتجاهها نفخة هل تنطفئ ؟ والله إن الذي يحاول إطفاء الحق كمن يحاول إطفاء الشمس بنفخة ، وعظمة هذا الدين أنك كلما نلت منه قوي ، وترسخ في النفوس ، الذي ينال من الدين كمن يريد أن يطفئ النار بالزيت ، الزيت لا يزيد النار إلا اشتعالاً ، والإسلام مع أنه يعاني من حرب عالمية ثالثة معلنة عليه إلا أنه الدين الأول في النمو .
3 – التهم والإشاعات لا تغيِّر من حقيقة المسمَّيات :
أريد أن أقول لكم : إن هذه المحاولات لا تغير من طبيعة الكمال البشري شيئاً ، لو أنك تملك كيلو من المعدن الثمين ، وقال لك شخصٌ : هذا معدن خسيس ، هل يصبح المعدن الثمين خسيساً ؟ لا يمكن أن يغِّير الكلام من الواقع شيئاً ، لذلك العتب الشديد ليس على هؤلاء ، هم أعداء المسلمين ، وهذا شأن العدو ، لكن يجب أن تعلم أنهم في هذه البلاد ليس عندهم شيء مقدَّس ، هم مستعدون أن ينالوا من دينهم أيضاً ، القداسة عندهم انتهت .
مرة كنت في مؤتمر في أمريكا ، فقال أحد المتكلمين ، وهو طبيب مسلم : " في هذه البلاد ليس هناك شيء مقدس ، وأيّ شيء خاضع للبحث ، وقد ينتهي البحث بالنفي والتكذيب " .
هذه طبيعتهم ، وهذا تركيبهم ، وهذا شأنهم وهذا شأن العدو .
4 – كم مِن المسلمين مَن يؤذي رسول الله ؟!!!
ولكن بصراحة ما بعدها صراحة : كم من المسلمين يؤذي رسول الله ؟ كم من المسلمين ينال من رسول الله ؟ لا ينال بلسانه ، ولكن حينما يصلي ويكذب ، حينما يصلي ويحتال ، حينما يصلي ويأكل الحقوق ، حينما يصلي ويظلم ، حينما يصلي ويحتكر ، حينما يصلي ويغش المسلمين ، العتب على هذا المسلم ، لأن ذاك حينما عوتب ، وحينما بيَّن له بعض العلماء المؤمنين شأن النبي عليه الصلاة والسلام ، وعظمة النبي ، وكمال النبي ، ومنهج النبي ، أجاب إجابة دقيقة ، قال : " كنت أظنه كأتباعه " .
أنا أقول لكم أيها الإخوة الكرام ، والله الذي لا إله إلا هو لو أن الجاليات الإسلامية في العالم الغربي طبقت الإسلام تماماً لكان موقف الغرب غير هذا الموقف ، ولكن بتصريح كاذب ، وتزوير شوَّه الإسلام ، وفي هذه البلاد كلُّ إنسان يدَّعي أنه ليس له عمل ينال فوراً راتبًا شهريًّا يقترب من ثلاثة آلاف دولار ، بتصريح فقط من دون تحقيق ، هذا الذي يأخذ ثلاثة آلاف له زوجة ، لو طلقها لدفعت الدولة له ثلاثة آلاف ، ولها ثلاثة آلاف أخرى ، فما قولكم بمعظم المتزوجين قدّموا تصريحات كاذبة أنهم طلقوا زوجاتهم ، ثم اكتشف أمرهم ، كيف تنتظر من الطرف الآخر أن يحترمنا ؟
أنا أضع يدي على الجرح ، كيف تنتظر من الطرف الآخر بعد أن تقدِّم تصريحات كذابة أن يحترمك ؟
مرة كنت عضواً في لجنة الحج العليا ، فاقترحت أن نسمح للناس من دون استثناء أن يحجوا ، بشرط أن يقدم كل حاج تصريحًا أنه لم يحج سابقاً ، المفاجأة أن ثلثي الذين قدموا هذه التصريحات كانت تصريحات كذابة لحج بيت الله الحرام .
أنا والله أريد في هذا اللقاء أن أبين لكم أن الذي يؤذي رسول الله نحن ، التاجر الذي يغش يؤذي رسول الله ، التاجر الذي يحتكر يؤذي رسول الله ، التاجر الذي يستغل جهل الشاري يؤذي رسول الله ، الجار الذي يؤذي جاره يؤذي رسول الله ، الطبيب الذي لا ينصح يؤذي رسول الله ، المهندس الذي لا يهتم بالإشراف على البناء في أثناء البناء يؤذي رسول الله ، المعلم الذي يضع أسئلة صعبة جداً كي يتحول الطلاب إلى دروس خاصة عنده يؤذي رسول الله ، المُزارع الذي يستخدم هرمونات محرمة تصيب الإنسانَ بالسرطان يؤذي رسول الله ، لا تعتبوا على أحد ، اعتبوا على أنفسكم ، ولو عرفنا رسول الله ، وعرّفنا الناس به ، وطبقنا منهجه لانتزعنا احترامه منهم ، ولانتزعنا احترامنا أيضاً ، فيحتَرَم ديننا ، ويُحتًَرم منهجنا ، ويحترم نبينا ، فالقاضي ، ومدير الدائرة ، والصناعي ، والعامل ، والمزارع ، والمعلم ، والمهندس ، والطبيب ، والتاجر ، هؤلاء جميعاً يؤذون رسول الله ، لا أقول : جميعاً تعميماً ، التعميم من العمى ، إلا مَن رحم ربُّك .
أمثلة من الواقع في بيان أثر المعاملة الحسنة في غير المسلم :
أيها الإخوة ، بعض الأمثلة :
المثال الأول :
شابان سوريان أقاما في لندن ، ولهم صديق بريطاني ، كلما اقتربا منهما يتكلمان الإنكليزية ، قبل أن يقترب يتكلما بالعربية ، إذا اقترب تكلما بالإنكليزية ، هذا الموقف لفت نظره ، سألهم : ما السر ؟ فقالوا : علَّمنا نبيُّنا عليه الصلاة والسلام أنكم إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون ثالث ، فإن هذا يحزنه ، فإذا تابعنا حديثنا باللغة العربية ، وأنت لا تتقنها ، فهذا يحزنك ، دهش ، بعد حين دخل في الإسلام ، والآن هو مسلم .
موقف حضاري ، موقف أخلاقي .
المثال الثاني :
كنا مرة في الحج ، رأينا إنسان هيئته من الشعوب الأوربية الغربية ، لونه ، طوله ، شعره ، عيونه ، وهو منهمك في أداء مناسك الحج ، واحد ممن معي يعرفه ، قال : هذا من ألمانيا ، سبب إسلامه طالب سوري سكن عنده في البيت ، وعنده فتاة جميلة جداً ، هذا الأب حرص غاية الحرص أن يضبط هذا الشاب ينظر إلى ابنته ، لكن غض بصره الطراز الأول ، دهش ، هذا نمط غير معقول ، فلما حاوره دخل في دين الإسلام .
المثال الثالث :
حدثت بسفر قريب أن امرأةً ليست مسلمة جاءت بابنتها إلى جيران لها مسلمين في باريس ، رجتهم أن يقنعوا ابنتها بالدخول في الإسلام ، هي غير معنية بالموضوع ، فقط البنت ، فسألوا : لماذا ؟ قال : لأنني أرى أن بناتكم يهتمون بآبائهم وأمهاتهم بعد تقدمهم في السن ، فإذا أقنعتم ابنتي أن تكون مسلمة لعلها تعاملني كما تعامَلون أنتم من قِبل بناتكم .
المثال الرابع :
قصة أخرى ، الجالية الإسلامية في باريس أرادت أن تنشأ مسجدا ، لكن المعترضون لا يعدُّون ولا يحصَوْن تعصبًا وكراهية ، فالتي تولت زعامة هذه الحملة التي تناهض إنشاء مسجد في مكان سكني رأت أحد الشباب المسلمين ، ومعها كلب مريض ، شكت له مرض كلبها ، قال لها : أنا طبيب بيطري ، عالجه معالجة متقنة ، وشفي بمعالجته ، ولم يطلب منها أجرة ، الآن أصبحت تدعو الناس أن يوافقوا على بناء المسجد .
5 – لم يرَ الغربُ في المسلمين الكمالَ :
الإنسان الغربي يحب أن يرى منا الكمال فقط ، لكن مع الأسف الشديد الجاليات هناك لا تنضبط بمنهج الله ، إذا كانت الآلة تحتاج إلى حصالة نقود فلهم أساليب للغش فيها ، يأتون بعملة مزيفة ، أو قطع معدنية دائرية ، ويستخدمونها في الاتصالات الهاتفية ، فالاحتيال والتصريحات الكاذبة والغش والتعصب الشديد سبب نظرة الغرب السيئة للإسلام ، فكم دخلت الشرطة للمساجد ليفصلوا بين أطياف المسلمين ؟!!! لأنهم يتضاربون ، هذا المسجد تابع للجماعة الفلانية ، وهذا للجماعة الفلانية .
أيها الإخوة الكرام ، أنا لا أحب التشاؤم إطلاقاً ، ولا أحب عرض السلبيات ، لكن أحب أن أقول لكم : لا تعتبوا على الآخر إذا كنا نحن نؤذي رسول الله ، لا تعتبوا على الآخر إذا كنا نحن مقصرين في حق رسول الله ، لا تعتبوا على الآخر إذا قدمنا الدليل للآخر أننا أمة متخلفة .
6 – حالة المجتمعات المسلمة لا تشجِّع على إقبال الغرب على الإسلام :
أيها الإخوة الكرام ، سمّوها فضفضة وبوحا ، سمّوها تفكيرا مسموعاً ، حوارًا ذاتيًّا : نسب الأمية عالية جداً ، كم من مليون أمي في العالم العربي ؟ مئة مليون ، نسب البطالة عالية جداً ، ستون في المئة بطالة مقنعة ، وأربعون في المئة بطالة حقيقية ، نسب الفقر عالية جداً ، قد تجد بلادا تحتوي على ثروات باطنية ، وشعبها من أفقر الشعوب ، والعنوسة عالية جداً ، أعلى نسب المدخنين في العالم في العالم الإسلامي ، الذي يدخن ينتحر ، الذي يدخن يمهد لأمراض وبيلة ، بربكم هذا المجتمع فيه بطالة وفقر وأمية وعنوسة وتدخين وفقر الكسل ، هل يمكن أن ننتزع إعجاب العالم ؟
لا تعتبوا على هؤلاء ، اعتبوا على أنفسكم ، مشكلاتنا لا تسمح للآخر أن يصغي إلينا ، أنا أقترح أن نسكت ، وأن نقدم إنجازًا حضاريًّا .
7 – عدمُ وعيِ المسلمين سببٌ لانتشار الأمراض :
من باب البوح هناك مرض اسمه ( تليسما ) ، مرض يصيب الدم ، مشكلة هذا المرض أنك إذا أقدمت على الزواج ، وطالبت زوجتك بفحص لهذا المرض ، ولم تكن حاملة لهذا المرض ، وأنت حامل له تعيش حياة زوجية رائعة لا خطر منها إطلاقاً ، تعيش عمرًا مديدًا للسبعين أو الثمانين ، ولا مشكلة بشرط أن يكون أحد الزوجين ليس حاملاً للمرض ، فإذا تزوج الإنسان ، وهو يحمل هذا المرض فاحتمال أن يكون أحد الأولاد مصاباً مئة بالمئة ، أو ولد مصاب وولد غير مصاب ، واثنان يحملان المرض ، ما معنى ولد مصاب بهذا المرض ؟ يعني أن هذا الولد يحتاج إلى تبديل دم كل ستة أشهر ، ويكلف في السنة أربعمئة ألف ليرة ، في بلد من بلاد المسلمين ألفَا إصابة ، اضرب أربعمئة ألف في السنة إذا عاش عشرين سنة ، ثم مات ، تجد رقمًا فلكيًا ، أربعمئة ألف في السنة ، عشرون سنة ضرب ألفين ، مئة وستون مليارًا ، هذا الرقم انتقل إلى بلد آخر فيه وعي ، إيطاليا فيها سبعون مليون كيلومتر ، كم حالة عندهم ؟ أربع حالات ، في بلاد مسلمة ألفَا حالة ، وفي بلاد غير مسلمة أربع حالات ، الفرق بيننا فقط في الوعي ، لو أن كل أب قبل أن يزوج ابنته قام بفحص طبي ، إذا كان ابنه مصابا فينبغي أن تكون المرأة غير مصابة ، وإذا كانت هي مصابة يفحص ابنه ، فإذا كان أحد الزوجين غير مصاب فما من مشكلة إطلاقاً ، وإذا كان الزوجان مصابين فأحد الأولاد مصاب ، وأحد الأولاد لا يصاب ، واثنان يحملان المرض ، فكم من إنسان حامل للمرض في بلدنا ؟ المصابون ألفان ، والحاملون لهذا المرض مليونان ، ثرواتنا قليلة ، كل مشكلاتنا موجودة ، لكن فوق كل هذه المشكلات ما عندنا وعي .
مرض آخر اسمه مرض السكر ، مشهور كان يصيب الأغنياء فقط ، جاء مريض سكر إلى عند طبيب وجده فقيرًا ، أيضاً أنت معك مرض السكر !!!
أيها الإخوة ، شيء آخر ، قبل أيام زارتني جمعية خيرية تعنى بمرضى السكر ، كنا في الجامعة ، قال لنا أستاذ عالم كبير : مرض السكر مرض يمكن أن نتعايش معه ، يمكن أن تضبط طعامك وغذاءك فتعيش عمرا بكامله من دون مضاعفات ، لكن ما مضاعفات هذا المرض ؟
أكبر خطر منه بتر أحد الأعضاء ، الغرغرينا ، وهناك خطر ثان هو فشلٌ كلوي ، تحتاج كل أسبوع ثلاث مرات إلى غسيل الكلى ، وكل مرة ست ساعات ، وكل حصة بمبلغ ثلاثة آلاف ليرة ، تسعة آلاف ليرة كل أسبوع ، وأربع وعشرون ساعة مضطجعا على سرير ليبدل دمك .
انظر إلى هذا السؤال ما أدقّه : كم مريضا عندنا في دمشق ؟ عندنا خمسمئة وخمسون ألف مريض ، ودمشق فيها خمسة ملايين نسمة ، كم مِن هؤلاء المرضى يحوّل إلى بتر عضو ، أو إلى فقد بصر ، أو إلى شلل ، أو إلى فشل كلوي ؟ اثنان وسبعون بالمئة ، أما في ألمانيا فكم يتحول مريضُ السكر إلى بتر عضو ، وإلى فقد بصر ، وإلى فشل كلوي ، وإلى شلل ؟ أربعة بالمئة فقط ، الفرق في الوعي .
الطريق طويل أمامنا ، أنا أتكلم من حقائق ، أنت مسلم معك منهج الله ، أنت سفير المسلمين ، كفانا مديحًا بأنفسنا ، والله من سنوات طويلة ما عدت مدحت المسلمين إطلاقاً ، لو مدحتهم لشعرت بالتناقض ، ديننا عظيم ، ديننا دين كبير ، ديننا وحي السماء ، ديننا منهج هو الوحيد للعالم ، هذا الذي أقول : أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق للغرب على الأقلّ في المدى المنظور ، ولكنني مؤمن أشد إيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين لا لأنهم أقوياء ، ولكن لأن خلاص العالم في الإسلام ، ولكن بشرط أن يحسنوا فهم دينهم ، وأن يحسنوا تطبيقه ، وأن يحسنوا عرضه على الطرف الآخر .
و الله الذي لا إله إلا هو إذا ما حملت همَّ المسلمين فلست مسلماً .
(( ما آمن مَن بات شبعان و جاره إلى جنبه جائع ، و هو يعلم )) .
[ الطبراني والبزار عن أنس بسند حسن ]
8 – الانتماء في مجتمع المسلمين اليوم فرديٌّ :
ماذا عندنا من مشكلات ؟ الطرف الآخر ما عندهم من ميزات أيها الإخوة ، الواحد منهم ينتمي إلى المجموع ، كيف ؟ نشأت أزمة مالية في ماليزيا ، المواطنون يتدافعون على المصارف ـ دقق ـ لشراء العملة الماليزية و بيع الدولار دعماً للمجموع ، بعكس ما يجري في بلاد أخرى ، ما معنى هذا التصرف ؟ هناك هزة مالية ، هناك مؤامرة خارجية ، موقف المواطن يبادر إلى إعطاء ما عنده من دولارات ، و شراء العملة الماليزية كي يحفظها من أن تنهار ، هذا هو الانتماء للمجموع .
الانتماء الفردي ماذا يعني ؟ شخص مضطجع تحت شجرة تفاح ، و قد قطفت ، إلا أن الذين قطفوها لم يروا تفاحة كبيرة جداً صفراء اللون لها خد أحمر ، فهذا المضطجع تحت الشجرة اشتهاها ، لكنها بعيدة جداً ، معه منشار أشجار فقطع الشجرة ، وقعت فأخذ التفاحة ، هل رأيت هذا المثل ، هذا يمثل انتماء الفرد ، من أجل مصلحته يضحي بمصلحة الأمة ، من أجل مصلحته يوافق على شيء سيئ جداً مقابل عمولة عالية جداً ، أكبر شيء نعاني منه الانتماء الفردي و الحل الانتماء للمجموع ، هذه قيمة إسلامية و قيمة حضارية و هي سبب قوة أعدائنا ، الانتماء للمجموع .
أنت كمسلم متى تشعر بنشوة إيمانية ؟ أي متى تبكي ؟ متى تجتاحك نفحةٌ روحية ؟ لو أنك صمت ، أو صليت قيام الليل ، أو أطعمت مسكيناً ؟ أليس كذلك ؟ قناعتي عندنا قيم حضارية سبب قوة أعدائنا ، هذه القيم الحضارية ، ولها أصل في إسلامنا ، و لها أصل كبير في ديننا ، ما لم نتمسك بها فلن تقوم لنا قائمة ، يجب أن تأتيك نشوة إيمانية حينما تُرشد الاستهلاك .
هل تصدقون لو أطفأ كل مواطن بلورة واحدة مئة شمعة لاستغنينا عن مولدة 4.5 ، لا أعلم كم مليون ميغاواط سعرها خمسمئة مليون دولار ، و مصروفها نصف ثمنها ، فإذا كان كل بيت في البلد ، ( عندنا أربعة ملايين وخمسمئة مشترك ) ، إذا أطفأ كل بيت بلورة واحدة نستغني عن مولدة ، ونستغني أيضاً عن قطع الكهرباء ، أين الوعي ؟
أيها الإخوة ، نحن بحاجة ماسة إلى وعي ، لو أرشدنا استهلاك الماء ، هل يصح أن تغسل المركبة بماء كثير ، أو أن تنظف الرصيف بالماء الكثير ، عوضاً من أن تأتي بمكنسة ، فتكون قد استهلكت برميل ماء ؟ والماء الآن أثمن شيء في الحياة ، قطرة الماء لا تقدر بثمن .
أيها الإخوة ، نحن بحاجة ماسة إلى وعي ، أنا أقول : لا نعتب على أحد ، ينبغي أن نعتب على أنفسنا ، لا نعتب على أحد ، اعتبوا على أنفسكم ، ماذا قدمت ؟ أنا لا أقبل إنسانا همه أن يسمع أخبارا ، ويوزع تهمًا على الناس ، ما يفعل شيئًا ، ينتقد ويقول : هذا لا يفهم ، هل أنت تفهم ؟ هذا ليس مخلصًا ، هل أنت مخلص ، أنت ماذا قدمت ؟ والله إذا حمل كلُّ شاب همَّ الأمة ، وكل شاب انتبه ، يكفي أن تتقن عملك ، فقد قدمت واجبك اتجاه الأمة ، يجب أن ننتمي إلى مجموع الأمة .
احذروا الغزو الثقافي فإنه السم الناقع :
قديماً أيها الإخوة الكرام ، كان من الممكن أن تنجو من القوي بالبعد عنه ، الآن القوي معك ، وصلك لك بالثقافة ، غزاك ثقافياً ، كانوا يجبروننا بالقوة المسلحة على أن نفعل ما يريدون ، الآن لا داعي لذلك ، بل يجبروننا بالقوة الناعمة ، بالمرأة على أن نريد ما يريدون ، فجعلوا في كل بيت ملهى ليليًا ، أين قيام الليل ؟ أين قراءة القرآن ؟ كله انتهى ، صار الإله هو الجنس ، أليس كذلك ؟ وأكبر غزو غزي به المسلمون هذه الفضائيات الخارجية ، فيها أربعمئة فضائية إباحية ، وثلاثة وعشرون مليون موقع إباحي في الإنترنت ، ولما يلحق الإنسان شهوته يصبح كالخرقة .
تصوروا أن في بلد غربي بعيد إذا قلت بعيد فهو أمريكا ، طالبة ارتدت ثياب السحاقيات ، يبدو أن مدير المدرسة فيه بقية مروءة ، بقية تدين فصَلها ، أقام أبوها دعوى على مدير المدرسة ، وربح الدعوى ، ودفع لها مبلغًا فلكيًا تعويضًا لأن المدير أجبر هذه الفتاة على أن تخلع هذه الثياب ، أو تفصل من المدرسة ، ثياب من ؟ ثياب السحاقيات ، والسحاق عمل منكر في جميع الشرائع السماوية .
انظر إلى النقلة الآن ، طالبة في باريس وضعت على رأسها قطعة قماش ، قامت الدنيا ولم تقعد لأنها مسلمة ، ثياب السحاقيات مسموح ، والسحاق متفق على أنه يخالف الفطرة ، وله عقاب في جميع الديانات ، وفتاة مسلمة تريد أن تكون محتشمة أمرٌ مرفوض .
سمعت أن تمثالاً لابن سينا في باريس طول عمامة هذا التمثال عشرون أو ثلاثون مترًا ، أما إحدى حفيدات ابن سينا فوضعت من هذا القماش قطعة صغيرة فرُفضت ، قبلوا ابن سينا بعمامته الطويلة ، ورفضوا حفيدته بقطعة قماش على رأسها .
قدِّروا العلم ، وبصراحة لو تفوقنا في العلم لاحترموا ديننا ، وتكفّ عنا الألسنة ، وكذا لو تفوقنا في تعاوننا .
أنا عندي بعض الكلمات : نظام فريق العمل ، اذهب للمعامل ، للمستشفيات ، للمؤسسات ، هناك تنافس يحطم الواحد به صديقة وزميله ، ووشايات ، وتقارير ، في النهاية تلفق تهمٌ لكل إنسان يعمل بإخلاص ، هذه مشكلة كبيرة ، أين فريق العمل ؟ أين التعاون ؟ أين إنسان يحس أن هذه المؤسسة له ، يجب أن تنجح ؟
ليس للوقت قيمةٌ عندنا :
أيها الإخوة الكرام ، لو نبحث في تقصيرنا بالمفاهيم الحضارية فنحن مقصرون جداً ، هذا الوضع المتردي الذي لا يرضي أحدًا ، هذا الوضع الذي لا نحسد عليه من صنع أيدينا ، ومن أخطائنا ، قبل أن نعتب على هؤلاء الرسامين ، وهؤلاء الذين شوهوا إسلامنا ينبغي أن نعتب على أنفسنا .
إدارة الوقت ، كلكم يعلم أهميتها ، ومرة تأخرتْ الطائرة في الغرب عشر دقائق فكان التعويض والاعتذار ، وفي بلاد نامية تتأخر خمس ساعات ولا اعتذار ، لأن الوقت ليس له قيمة ، مع أن الوقت ثمين جداً ، فكلما احترمنا الإنسان احترمنا أنفسَنا ، وكلما قصرنا في حق الإنسان الآخر قصّرنا في حقنا .
القضية دقيقة جداً ، أنا أريد أن أخفف الضجيج ، أن أخفف الغليان ، أن أخفف الحمق ، نحن الذين آذينا رسول الله ، معاملاتنا ليست صحيحة ، لذلك الذي في السجن مع سيدنا يوسف ماذا قال له ؟
( سورة يوسف)
قدِّم عملا ينفع الناس ، وكفى كلامًا :
سيدنا يوسف ما ألقى محاضرة بالإحسان ، كان محسنًا ، نحن نتقن أن نلقي محاضرة في الإحسان ، لكننا لا نكون محسنين ، أنا الذي أتمناه عليكم ما لم نتحرك ، ما لم يحمل أحدنا همَ أمته ، ما لم يتقن أحدنا عمله ، ما لم يكن أحدنا صادقاً ، ما لم يكن أحدنا أميناً ، ما لم يكن أحدنا عفيفاً ، ما لم أحدنا يحدث صدمة عند الآخر فلسنا على طريق الصواب ، المؤمن لا يتميز بصلاته ، يتميز بمعاملته ، بمبادئه ، بقيمه ، فريق العمل حضارة ودين ، والانتماء للمجموع حضارة ودين ، وترشيد الاستهلاك حضارة ودين ، والوعي حضارة ودين ، والعمل المؤسساتي حضارة ودين ، إدارة الوقت حضارة ودين ، احترام الإنسان حضارة ودين ، وحسنُ إدارة النفس دين ، فمن منا رسم هدفا واضحًا لنفسه ؟ وقد أجري استبيان فكانت نتيجته أن ثلاثة في المئة من الشباب يعرفون أهدافهم ، والباقي يعيش على هامش الحياة بلا هدف .
يا أيها الإخوة ، هذا الدرس سمِّه بوحًا ، سمِّه فضفضة ، سمِّه أو مصارحة ، سمِّه تفكيرًا مسموعًا ، سمِّه حوارًا ذاتيًا ، سمِّه وضع اليد على الجرح ، سمِّه جلد الذات ، لا ما مانع ، هذا هو الواقع ، والحقيقة المُرة أفضل ألف مَرة من الوهم المريح .
أيها الإخوة ، العنف لا يلد إلا العنف ، لا تعمل شيئًا لتهيج الناس ، الناس يهتاجون ، ثم ينسون ، المقاطعة قاطعنا ، بعد ذلك ألغيت المقاطعة ، ورجعوا يصدرون لنا منتجاتهم ، وكأن شيئاً لم يكن ، هذا العمل غير مدروس ، أما الوعي فيجعلنا أقوياء ، والالتزام بالدين يجعلنا أقوياء .
الذي أتمناه عليكم ، ولعل هذا الدرس مؤلم ، لكن الحقيقة المرة أفضل ، وإذا وفّق الله عز وجل شخصًا ، واستفاد من هذا الكلام المؤلم ، وغيَّر شيئًا من تفكيره ، من أساليبه في الحياة ، فكن صادقًا ، كن أمينًا ، كن عفيفا ، قدم شيئًا لهذه الأمة المقهورة المضطهدة ، أموالها نهبت ، ثرواتها سرقت ، شبابها قُتلوا ، بلادها محتلة ، خمس دول إسلامية محتلة الآن ، ويتفننون بإذلالنا ، وما حصار غزة عنا ببعيد ، يموت الأطفال في الحاضنات تحت سمع العالم وبصره ، يموت المرضى ، فلا كهرباء في المستشفيات ، فيفسد الطعام ، ولما فتحت الحدود عبّروا عن قلقهم ، انتعشوا بفتح الحدود ، هذا شأن العدو ، أنا لا أعتب عليه أبداً ، هذا شأن العدو ، لكن أعتب على بني جلدتنا ، نحن نؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقصيرنا ، وحينما عوتب هذا الرسام قال : " ظننته كأتباعه " .
لا تمدح النبي عليه الصلاة والسلام فقط ، فإذا كان الطالب أمِّيًا ما دخل مدرسة ، وله أب عالم كبير ، فأمضى الابن حياته كلها بمدح والده يبقى أبوه عالمًا وهو جاهل ، المدح لا يقدم ولا يؤخر ، بطولتك أن تطبق منهج النبي عليه الصلاة والسلام ، طبقه ، كن محسناً ، كن متقناً ، كن صادقاً ، كن أميناً ، كن عفيفاً حتى يلتفت الناس لهذا الدين .
وأصل الدين معرفة الله ، وكل أخطائنا من ضعف معرفتنا بالله عز وجل .
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/text/08islam/...-22-705-12.php
المحاضرة كاملة كتابة و صوت
الروابط المفضلة