عش فى حدود يومك
من اخطاء الانسان ان ينوء فى حاضره بأعباء مستقبله الطويل ولقد ساق " ديل كارينج " عددا من التجارب التى خاضها رجال ناجحون لم يتعلقوا بالغد المرتقب بل انغمسوا الى الاذقان فى حاضرهم وحده يواجهون مطالبه ويعالجون مشكلاته فأمنوا بهذا المسلك الراشد يومهم و غدهم جميعا ثم اهدوا لنا خلاصات تجاربهم فى هذه الكلمات :" ليس لنا ان نتطلع إلى هدف يلوح باهتا من بعيد و إنما علينا ان ننجز ما بين أيدينا من عمل واضح بين"
والعيش فى حدود اليوم يتسق مع قول النبى صلى الله عليه وسلم " من أصبح امنا فى سربه ، معافى فى بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " رواه الترمذى
إن الأمان والعافية وكفاية يوم واحد قوى تتيح للعقل النير أن يفكر فى هدوء واستقامة.
والحق ان استعجال الضوائق التى لم يحن موعدها حمق كبير لأن افساد الحاضر بشئون المستقبل هو خطأ صرف.
إن الإكتفاء الذاتى و حسن استغلال ما فى اليد ونبذ الاتكال على المنى هى نواة العظمة النفسية وسر الانتصار على الظروف المعنتة.
اسمع الى قول أبى حازم : إنما بينى وبين الملوك يوم واحد
أما أمس فلا يجدون لذته ! و أنا و هم من غد على وجل!
إن العيش فى حدود اليوم لا يعنى تجاهل المستقبل أو ترك الإعداد له وهناك فارق بين الاهتمام بالمستقبل والاغتمام به ... بين الاستعداد له والاستغراق فيه.
بين التيقظ فى استغلال اليوم ... وبين التوجس المربك المحير مما قد يفد به الغد.
إن الدين فى حظره للإسراف وحبه للاقتصاد إنما ليؤمن الإنسان على مستقبله بالأخذ من صحته لمرضه ومن شبابه لهرمه ومن سلمه لحربه.
كان سفيان الثورى من كبار التابعين وكانت له ثروة حسنة وكان يشير اليها و يقول لولده : لولا هذه لتمندل بنا هؤلاء ( يقصد بنى أمية )
يعنى أن غناه حماه من حكام زمنه فلم يحتج الى مداهنتهم أو تملقهم
أن الحاضر المكين أساس جيد لمستقبل ناجح ومن ثم يجب نبذ القلق
صدق الشاعر حين قال :
سهرت أعين ونامت عيون
فى شئون تكون أو لا تكون
إن ربا كفاك بلإمس ما كان
سيكفيك فى غد ما يكون
أتدرى كيف يسرق العمر ؟؟
يذهل المرء عن يومه فى ارتقاب غده ولا يزال كذلك حتى ينقضى أجله و يده صفر من أى خير
يقول الله تعالى " ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة"
من كتاب جدد حياتك للشيخ محمد الغزالى رحمه الله
الروابط المفضلة