السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم أخوتي
ضمن سلسلتنا المتجددة، حادثة وحديث
نسعد بكم في موضوعنا الثالث منها وهي تحمل عنوان ( في طابور المطعم )
نترككم الآن مع الحادثة وبعدها نتوقف مع الحديث :
بينما كان الكل منشغل – في المطعم - بانتظار دوره في الطابور لطلب حاجياته، لاحظ أحدهم التفات غالب من هناك للوراء، فحانت منه نظرة فإذا ببنت مع أبيها عليها ملابس غير محتشمة، وكان أبو البنت وراءه مباشرة، فتحدث معه بكل احترام وقال : يا أخي لو تركت أبنتك في السيارة، فأن الكثير يترقبها وينظر إليها.
لعلكم تعجبون من ردة فعل ذاك الأب، حين غضب من الناصح وقال : أنتم هكذا نظرتكم ومازال يصب غضبه بكلام لاذع.
في المقابل لم يرد عليه الناصح بشيء، وإنما اكتفى بالصمت وانتظار موعده، وعندما جاء الوقت للناصح ليطلب ما يريد حدث أمر غريب.
تنحى عن الطابور وقال لمن وراءه - لأبي البنت - تفضل بطلبك وأنا سأكون بعدك، دُهش ذاك الأب من تصرف الرجل معه، فعادة من أحسنت إليه قد لا يُقدمك على نفسه، فكيف بشخص تـُسيء إليه فيُقدمك على نفسه، قابل الأب ذلك التصرف الجميل بالشكر والتأسف على ما صدر منه.
انتهت الحادثة والآن مع الحديث عنها :
- كيف سيكون الموقف في حالة أن قابل الناصح المنصوح بنفس أسلوبه – بالسب والشتم -، لاشك يخرج وهو متذمر منه مبغضه والآخر بالنفس الشعور.
- ليس العبرة في نهيك عن المنكر فقط بل بتحمل توابعه والصبر على نتائجه، باختصار الأمور بعواقبها وخواتمها، وعندما تتفكر في الخاتمة سوف يدعوك لتحمل مشقة البداية.
- الكثير يُشبع غيره بكلمات النصح والتوجيه، لكن تجد نفسه جائعة ً لعدم تطبيق أقواله عليها، فأين كلماته في الحلم والصبر وهو يجاري السفيه ويشتم الصغير والكبير لاعتراضهما عليه.
- من يجعل هم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على عاتقه كأنه حِمْـل، ما أن يرى أو يسمع منكر إلا نهى عنه بأي طريقة كانت من دون تعقل وتفكر، سرعان ما يحدث من الضرر أكثر من المنكر الذي نهى عنه.
حبذا أن تختار من الكلام أجمله عندك نصحك للمخطئ، وتظهر حبك له بحسن العبارة وجمال الابتسامة، حينئذ ليس كلامك يدخل قلبه بل أنت، ولا يملك بعدها إلا أن يشكرك ويدعو لك.
- لا تظن أنك تأمر وتنهى وتجد الكل لك مطيع ومجيب، فذاك لم يكن لنبي مُرسل.
- عندما تتذكر خيرية هذه الأمة بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر فتحتسب ما قد يصدر من أذى وتصبر عليه ابتغاء الأجر والمثوبة من الله وطلباً لنيل تلك الخيرية { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }.
- حلمك على من جهل عليك يُعَـبِّـر – بإذن الله – على صلاحك باطنك وإلا فما تفسير حلمك وسعة صدرك على من أخطأ عليك والنفس والهوى والشيطان داعي للرد بالمثل والانتقام.
- الكثير ممن أخطأ في حقنا - أو حق غيرنا – عادة لا يستطيع الاعتذار لنا، وما ذاك إلا لتذكره لكلمة جارحة رددنا عليه بها، فتقف عقبة بيننا في الصلح والاعتذار، لتعلم أن صمتك عن السفيه أو ممن أخطأ في حقك سيكون سبباً للاعتذار إليك ولو بعد حين.
- لا تغتر بلمعان معدان الناس، فأكثرها ليس من ذواتها وإنما عاكسه لمن حولها، وحسبك لتعرفهم انظر إليهم عند اشتداد المواقف والشدائد تراها خافتة منكمشة على نفسها.
مع العلم أن المعدن الأصيل يزداد لمعانه بازدياد النار عليه – بالمواقف -، وبازدياد الشدائد تخرج الشوائب منه ليبقى أكثر نقاءً وفائدة.
- لا تشتكِ من كثرة المنكرات بل علينا أن نشتكي من قلة الناهي عنها، مثلاً الكثير يتذمر وهو يصف حال الأسواق وما بها من منكرات لكن يبقى الأهم أين تأثيرنا ولو بالقليل فيها، كالنصيحة بالقول الحسن أو الفعل كإهداء شريط أو كـُتيب أو مطوية.
- كم هو جميل أن بالله تستعين في أمرك ونهيك بل في كل أمورك، فنعمى المعين والناصر والمؤيد { إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
- عندما تـُقابل بالسيئة في عمل حسن فعلته، فقبل أن توجه اللوم لغيرك وجهه لنفسك وراجع حساباتك فقد يكون بسبب ذنب أحدثته { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }
- لا تتذمر مما تجده من إنكار أو مضايقة عند دعوتك أو عدم استجابة، فربما يكون خيراً لك بدفع باب عـُجب قد ينفتح حال رؤيتك لأثر دعوتك { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ }
- لا تستصغر وتحتقر أمرك بمعروف ونهيك عن منكر لكثرة المنكرات وتنوعها، فالقليل يُصبح كثير بإخلاص النية وكثرة الداعي إليه.
- عندما تستحضر عظمة الخالق يهون من دونه، وصاحب المعصية ذليل وإن عظم منصبه، فلا تخشَ إلا الله، يقول صلى الله عليه وسلم : (و لو اجتمعوا – أي الأمة - على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف )
في الختام لنتذكر هذا الحديث العظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا إله إلا الله،ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها،قالت زينب،فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث ) رواه البخاري ومسلم.
والآن لنقف وقفة يسيرة مع كلمات جديرة بالوقوف عندها وتأملها لشيخ فاضل وهو ناصر الأحمد حفظه الله وسدده، حيث يقول :
الشاهد من الحديث: ( أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث )
إذا كثر الخبث فإن الله يهلك القوم جميعاً.
إذاً من أسباب هلاك الأمم،كثرة الخبث.
أيها المسلمون: الرسول صلى الله عليه وسلم يرسم لنا في هذا الحديث سنة إلهية في هلاك الأمم وخراب البلدان والدول والحضارات،هذه السنة هي إذا كثر الخبث فإنه مؤذن بخراب الأمم.
وهذه السنة يا عباد الله لا يمكن أن تتخلف،لأن الذي أخبر بها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تأملوا رحمكم الله في واقعنا،وانظروا إلى أحوال مجتمعاتنا،هل كثر فينا الخبث أم لا. بل إن واقعنا خبث كله- نسأل الله العافية- إلا من رحم الله عز وجل.
إن وجود الخبث أمر طبيعي في كل مجتمع، حتى مجتمع الصحابة كان فيه بعض المخالفات وبعض الأخطاء أحياناً، أما أن يكثر،فإذا كثر الخبث،كان إيذاناً بهلاك القوم.
أيها المسلمون: إن هناك علاقة بين كثرة الخبث، وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالخبث لا يكثر إلا إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو. . أو حُد من عمله أو ضيق عليه.
والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر في غير ما حديث بذلك،وأن كثرة الخبث يكون بترك الأمر والنهي. فقال: ( ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي وهم يقدرون أن يغيروا فلا يغيروا إلا عمهم الله بعقاب ) وقال صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة: ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ). وهذا العقاب هو ( أنهلك وفينا الصالحون ). انتهى كلام الشيخ
نسأل الله أن يُصلح لنا الظاهر والباطن ويوفقنا لرضاه
اللهم آمين
نقلاً عن الأخ طموح ـ شبكة هتاف الإسلام
الروابط المفضلة