كظم الغيظ
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، فردد عليه مرارا، قال: لا تغضب. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".فهنا يخبرنا الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم أن الشدة والقوة بامتلاك النفس عند الغضب، وأن الإنسان الضعيف يكون سريع الانفعال يغضب إن سمع قولا جارحا أو تعرض لفعل قبيح ولا يتجاوز عن الهفوات والزلات، ولا يبادر بحسن الظن ويسامح من أخطؤوا في حقه، وهاته التصرفات كلها تفرق بين قلوب الأفراد والجماعات وتتسبب في القطيعة لمدة طويلة، وتشيع الحقد والحسد والانتقام، أما أثرها على الفرد والأسرة فإنها تفكك العلاقات العائلية، وتقضي على الاحترام بين أفراد الأسرة فينشأ الأطفال في وسط كله رعب وخوف من لحظة غضب مفاجئة تدمر الروابط الأسرية وتتلف الجهاز العصبي للإنسان وتتسبب له في أمراض مزمنة يصعب الشفاء منها.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله فعن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم تكن حرمة من محارم الله تعالى وما ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما ضرب خادما ولا امرأة صلى الله عليه وسلم".قال الأستاذ عبد السلام ياسين: "أن تخرجي عن المألوف (التخلق بأخلاق طيبة مع الأقرباء والأصدقاء)، وتتعاملي مع الناس كافة بالهدوء واللين والتحمل الجميل دون أن يفتنوك ويستفزونك، فهنا تتأكد أخلاقيتك بأدلة الامتحان، أو تظهر زائفة قشرية على محك التجربة".
العفو
نعلم جميعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض للإذاية من طرف المشركين حيث أخرجوه من مكة تاركا بيت الله الحرام والأهل والسكن, ولما تم له فتحها قال لهم: "ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فعفا عنهم"، صلى الله على الحبيب وسلم، عفو سبقه حلم فكانت النتيجة تآخي وترابط المجتمع الإسلامي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا" حديث رواه مسلم، فعندما نعفو عمن ظلمنا يرفعنا الله درجات، ونكسب إخوانا عوض أعداء, ونخلص أنفسنا من براثن الحقد والكراهية, يقول الحق سبحانه وتعالى (خذا لعفو واعرض عن الجاهلين) سورة الأعراف الآية 199.
الإحسان
روى البخاري قصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيها أن رجلا أحسن إلى كلب يلهث عطشا فسقاه ماء فغفر الله له، إذا كان هذا جزاء من أحسن إلى الحيوان فكيف بمن يحسن إلى الإنسان خصوصا إذا أساء إلي هذا الإنسان، فهنا أبرهن أني أنشد الإحسان.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته: "ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة: العفو عمن ظلمك, وتصل من قطعك والإحسان إلى من أساء إليك, وإعطاء من حرمك".إن الإحسان إلى الخلق يجعلنا من أخيار الناس في الدنيا والآخرة، مرتبة يتطلع إليها المؤمنون والمؤمنات فيخالطون الناس، ويصبرون على أذاهم، ويصلحون ما أفسده المفسدون بالرحمة واللي، ويضعون الأسس الأولى لإقامة دولة الإسلام. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في كتابه تنوير المؤمنات: "المصلية المزكية فرضها ما عتت أن بنت أركان إسلامها, أما المحسنة إلى الخلق المجاهدة بمالها وحنانها فهي تبني في صرح دين الأمة، بذلك كان لها الفضل".
أحبابنا
، إننا لا نكتفي بكظم الغيظ فقط بل نعفو ونصفح ونحسن إلى من ظلمنا، وإن كنا فعلا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليكن الاقتداء به اختيارنا، وعفوه وإحسانه درسا لنا يذكرنا كلما غضبنا.
إن الأخوة في الله هي غايتنا، وإن من نحسبهم أعداء هم من أبكَوا رسولنا صلى الله عليه وسلم يحدِّث عنهم الصحابة الأبرار: "أنتم أصحابي، وهم إخواني آمنوا بي ولم يروني". صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلنا الله من إخوان رسوله الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس. آمين. والحمد لله رب العالمين.
اخوات الاخرة
الروابط المفضلة