السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في هديه صلى الله عليه وسلم في قيام الليل
..............................................
لم يكن صلى الله عليه وسلم يدع صلاة الليل حضرا ولا سفرا ، وإذا غلبه نوم أو وجع ، صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة ، فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : في هذا دليل على أن الوتر لا يقضى ، لفوات محله ، كتحية المسجد ، والكسوف ، والاستسقاء ، لأن المقصود به أن يكون آخر صلاة الليل وترا .
وكان قيامه بالليل إحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث عشرة ركعة ، حصل الاتفاق على إحدى عشرة ركعة ، واختلف في الركعتين الأخيرتين ، هل هما ركعتا الفجر ، أم غيرهما ؟ .
فإذا انضاف ذلك إلى عدد ركعات الفرض ، والسنن الراتبة التي كان يحافظ عليها ، جاء مجموع ورده الراتب بالليل والنهار ، أربعين ركعة ، كان يحافظ عليها دائما ، وما زاد على ذلك فغير راتب .
فينبغي للعبد أن يواظب على هذا الورد دائما إلى الممات ، فما أسرع الإجابة ، وأعجل فتح الباب لمن يقرعه كل يوم وليلة أربعين مرة ، والله المستعان .
وكان إذا استيقظ من الليل قال : لا إله إلا أنت سبحانك اللهم أستغفرك لذنبي ، وأسألك رحمتك ، اللهم زدني علما ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
وكان إذا انتبه من نومه قال : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ثم يتسوك ، وربما قرأ عشر الآيات من آخر سورة ( آل عمران ) من قوله : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثم يتطهر ، ثم يصلي ركعتين خفيفتين ، وأمر بذلك في حديث أبي هريرة وكان يقوم إذا انتصف الليل ، أو قبله بقليل ، أو بعده بقليل ، وكان يقطع ورده تارة ، ويصله تارة ، وهو الأكثر ، فتقطيعه كما قال ابن عباس : إنه بعد ما صلى ركعتين انصرف ، فنام ، فعل ذلك ثلاث مرات في ست ركعات ، كل ذلك يستاك ويتوضأ ثم أوتر بثلاث .
وكان وتره أنواعا ، منها : هذا ، ومنها : أن يصلي ثماني ركعات يسلم بعد كل ركعتين ، ثم يوتر بخمس سردا متواليات ، لا يجلس إلا في آخرهن ، ومنها : تسع ركعات يسرد منهن ثمانيا ، لا يجلس إلا في الثامنة ، يجلس فيذكر الله ، ويحمده ، ويدعوه ، ثم ينهض ولا يسلم ، ثم يصلي التاسعة ، ثم يقعد فيتشهد ويسلم ، ثم يصلي بعدها ركعتين بعد ما يسلم . ومنها أن يصلي سبعا ، كالتسع المذكورة ، ثم يصلي بعدها ركعتين جالسا .
ومنها : أن يصلي مثنى مثنى ، ثم يوتر بثلاث لا يفصل بينهن ، فهذا رواه أحمد ، عن عائشة ، أنه : كان يوتر بثلاث لا فصل فيهن . وفيه نظر ، ففي " صحيح ابن حبان " عن أبي هريرة مرفوعا : لا توتروا بثلاث ، أوتروا بخمس أو سبع ، ولا تشبهوا بصلاة المغرب قال الدارقطني وإسناده كلهم ثقات . قال حرب : سئل أحمد عن الوتر ; قال : يسلم في الركعتين ، وإن لم يسلم ، رجوت ألا يضره ، إلا أن التسليم أثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال في رواية أبي طالب : أكثر الحديث وأقواه ركعة ، فأنا أذهب إليها .
ومنها ما رواه النسائي عن حذيفة أنه : صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة رمضان ، فركع ، فقال في ركوعه : سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائما ، الحديث . وفيه : فما صلى إلا أربع ركعات ، حتى جاء بلال يدعوه إلى الغداة . وأوتر أول الليل ووسطه ، وآخره ، وقام ليلة بآية يتلوها ، ويرددها حتى الصباح إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .
وكانت صلاته بالليل ثلاثة أنواع : أحدها : وهو أكثرها ، صلاته قائما . الثاني : أنه كان يصلي قاعدا . الثالث : أنه كان يقرأ قاعدا ، فإذا بقي يسير من قراءته قام فركع قائما ، وثبت عنه أنه كان يصلي ركعتين بعد الوتر جالسا تارة ، وتارة يقرأ فيهما جالسا ، فإذا أراد أن يركع قام فركع .
وقد أشكل هذا على كثير ، وظنوه معارضا لقوله : اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا قال أحمد لا أفعله ولا أمنع من فعله ، قال : وأنكره مالك والصواب أن الوتر عبادة مستقلة . فتجري الركعتان بعده مجرى سنة المغرب من المغرب ، فهما تكميل للوتر .
ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر ، إلا في حديث رواه ابن ماجه قال أحمد : ليس يروى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ، ولكن كان عمر يقنت من السنة إلى السنة .
وروى أهل " السنن " حديث الحسن بن علي وقال الترمذي حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي هريرة السعدي انتهى ، والقنوت في الوتر محفوظ عن عمر ، وأبي ، وابن مسعود وذكر أبو داود والنسائي من حديث أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان يقرأ في الوتر بـ ( سبح ) و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فإذا سلم قال : " سبحان الملك القدوس " ثلاث مرات يمد صوته في الثالثة ويرفع وكان صلى الله عليه وسم يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها ، والمقصود من القرآن تدبره وتفهمه ، والعمل به . وتلاوته ، وحفظه وسيلة إلى معانيه ، كما قال بعض السلف : أنزل القرآن ليعمل به ، فاتخذوا تلاوته عملا .
قال شعبة : حدثنا أبو حمزة قال : قلت لابن عباس : إني رجل سريع القراءة ، وربما قرأت القرآن في الليلة مرة أو مرتين . قال ابن عباس رضي الله عنهما : لأن أقرأ سورة واحدة ، أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل ، فإن كنت فاعلا لا بد ، فاقرأ قراءة تسمع أذنيك ، ويعيه قلبك . وقال إبراهيم : قرأ علقمة على عبد الله ، فقال : رتل فداك أبي وأمي ، فإنه زين القرآن . وقال عبد الله : لا تهذوا القرآن هذ الشعر ، ولا تنثروه نثر الدقل ، وقفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة . وقال : إذا سمعت الله يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فاصغ لها سمعك ، فإنه خير تؤمر به ، أو شر تنهى عنه . وقال عبد الرحمن بن أبي ليل : دخلت علي امرأة وأنا أقرأ ( سورة هود ) فقالت لي : يا عبد الرحمن هكذا تقرأ سورة هود ؟ ! والله إني فيها منذ ستة أشهر وما فرغت من قراءتها .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسر بالقرآن في صلاة الليل تارة ، ويجهر تارة ، ويطيل القيام تارة ، ويخففه تارة ، وكان يصلي التطوع بالليل والنهار على راحلته في السفر ، قبل أي وجه توجهت به ، فيركع ويسجد عليها إيماء ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه .
صلى الله عليه وسلم
المصدر :موقع الاسلام
الروابط المفضلة