بالأمس كنا في رحاب شهر القرآن، و الكل حريص على إنهاء الختمة تلو الختمة ، فمجرد تلاوته فيها الثواب الوفير لقوله عليه الصلاة و السلام :
من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، و الحسنة بعشر أمثالها. لا أقول : آلم حرف، ولكن ألف حرف وميم حرف \ حديث صحيح
و لكن لمَ نكتفي بهذا القدر، و نحرم أنفسنا لذة استشعار إعجاز هذا القرآن العظيم ؟.. كيف ذلك ؟
دعوني أشارككم بتساؤل كان يخطر في بالي عبر السنين لدى متابعة صلاة التراويح من الحرم المكي، و رؤية الإمام يبكي بخشوع و رهبة أثناء تلاوته لسور مثل هود و الشعراء و القصص..
أقول في نفسي : يا الله هل هذا الإنسان من عالمنا و يعيش بيننا فعلا ؟! ما شاء الله ، أي درجة من الورع و الوصل جعلته يبكي خشوعا لآيات تروي قصصاً..
و لا أخفيكم أنني كنت أمر بسرعة نسبيا على سور الثلث النصفي من القرآن الكريم التي تتركز فيها قصص الأنبياء، ثم أعود للترتيل و تدبر المواعظ بعدها
الحقيقة التي لم أكن أدركها واقعياً، هي أن هذا القرآن العظيم هو معجزة الله تعالى الخالدة لكل زمان و مكان
بالتالي فإنه لا بد أن كل حرف من حروفه يهدي للتي هي أقوم، و إن لم يحصل ذلك، فالعيب منا نحن
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا \ محمد 24
:
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)
جاء في تفسير ابن كثير :
قَوْله تَعَالَى" وَرَتِّلْ الْقُرْآن تَرْتِيلًا " أَيْ اِقْرَأْهُ عَلَى تَمَهُّل فَإِنَّهُ يَكُون عَوْنًا عَلَى فَهْم الْقُرْآن وَتَدَبُّره وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ .
قال ابن مسعود رضي الله عنه :
" لا تهذوا القرآن هذَّ الشعر، و لا تنثروه نثر الدَّقَل(أي تقرؤوه بسرعة)، و قفوا عند عجائبه، و حركوا به القلوب، و لا يكن هم أحدكم آخر السورة "
و من أجل تحقيق التدبر ، يجدر بنا محاولة فهم معاني القرآن بالرجوع إلى التفاسير، ثم محاولة ربط هذه المعاني بواقعنا.
سبحان الله ، عندما جربت التدبر ( أي التفكر مع الترتيل، و قد كنت سابقا أكتفي بالترتيل فقط ظنا مني أنه تدبر) ذقت طعماً آخر للقرآن و أحسست به يخاطبني و ينذرني و يعدني و يطمئنني في كل آية
إذاً، إن إمام الحرم من عالمنا هذا
و لكنه أعطى كتاب الله حقه من التدبر ، فرفعه القرآن
و نحن، لو أخلصنا النية و حاولنا بصدق ، لفتح لنا هذا القرآن آفاقاً جديدة
مثل من يحمل القرآن بين يديه و يكتفي بثواب التلاوة، كمثل من يمسك مفاتيج جنات و أنهارا، و لكنه يكتفي بالتمتع بالنظر إليها من شرفة منزله من بعيد
بالتدبر يصبح كتاب الله ربيع قلوبنا و نور صدورنا و جلاء همومنا و غمومنا
هذا القرآن الكريم الذي بين أيدينا ، فيه كفاية جميع مطالبنا
من شغله القرآن عه مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين \ إسناده صحيح
فنحن كمن يحمل مفتاح الفرج لجميع أمره في علبة مغلقة، و يشغله هم الدنيا و التفكير و التدبير عن النظر إلى ما بين يديه و الاستعانة به .. لو أنه فقط يفتح العلبة !
الروابط المفضلة