سؤال يطرحه عائدون من الحج
لا نستشعر قبول الله لحجنا فماذا نفعل؟
(كيف أستطيع أن أكتشف أن حجي قد قبله الله عز وجل؟ لا أشعر بأن حجي مقبول فماذا أفعل؟ لا أجد في نفسي إقبالا على عبادة الله، ولم أتغير في سلوكي كما كنت أتوقع قبل أداء فريضة الحج، فهل ذلك إشارة من الله إلى عدم قبول حجي؟)... أسئلة أصبحنا نسمعها كثيرا من العائدين من الحج، بل إن البعض يخفيها في نفسه، ولا يملك القدرة على الإفصاح بذلك، ولكنه بحاجة إلى من يوضح له ماذا يفعل؟ وكيف يواجه ما يشعر به من عدم القبول لما أداه في فريضة الحج؟.العلماء في تحليلهم لهذا الأمر أكدوا أن قبول الله، أو عدم قبوله للحج، أو أي عبادة أخرى لا يمكن لإنسان تحديده، حيث أكد كل من الدكتور عبد الصبور شاهين المفكر الإسلامي الكبير، والدكتور محمد إبراهيم الفيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور منيع عبد الحليم محمود الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر والعميد السابق لها، والدكتور محمد مختار المهدي الرئيس العام لجمعية العاملين بالكتاب والسنة الأستاذ بجامعة الأزهر- أنه لا يمكن الموافقة على جعل شعور الشخص الذي أدى فريضة الحج بالرضا والقبول دليلا على قبول الله للحج؛ لأن ذلك اختصاص إلهي لا علاقة للعبد به، كما أن تغير سلوك الحاج ليس له علاقة بقبول الحج من عدم قبوله، وإنما له علاقة بما يعتقده الشخص تجاه ربه، مؤكدين أن الثقة بالله وتعميق الأمل برحمته من شأنه أن يحقق رضا الحاج بما أداه من فريضة الحج، أما من لا يستشعرون هذا الرضا فعليهم بأمرين:
الأول: تعميق الصلة بالله من خلال البحث عن الذنوب والعادات السيئة، وجعل إرضاء الله سبيلا للبعد عنها.
والثاني: استصحاب حسن الظن بالله دائما، وعدم التفريط في واجب من الواجبات يستشعر الإنسان أنه من ضروريات الدين.
أسباب عدم الرضا
وعن الأسباب الحقيقة التي تكون وراء عدم شعور الحاج بعبادة الحج والإحساس بالرضا فيها يرى الدكتور عبد الصبور شاهين أن ذلك راجع إلى أمر مهم، وهو أن المسلم يذهب لأداء فريضة الحج وهو يحمل في قلبه هموم الدنيا ومشاكلها بشكل يطغى على نفسيته، ويجعله لا يستطيع الشعور بروحانيات الحج.. بل وقد يجعله لا يؤدي الفريضة بالصورة التي يجب أن تكون عليها، إلا أنه يؤكد أن ذلك ليس معناه أن الله لم يقبل الحج، خاصة أنه ليس من قدرة الإنسان أن يجد وعد الله بالمغفرة بعد أدائه فريضة الحج مجسدا له، محققا على أرض الواقع، وإنما يدع ذلك لعلم الله، وقدرته، ويبذل جهده في طاعة الله، وأداء الشعائر، مشيرا إلى أنه لا توجد دلالات حسية على قبول الحج، وإنما هناك أناس طبعوا على حسن الظن بالله فيشعرون بأن الله قد قبل الحج منهم.
وينصح الدكتور عبد الصبور كل من لا يستشعر القبول لحجه أن يكون أمله في الله ورحمته أوسع من ذلك؛ لأن الإنسان عندما يحج يتحمل من المجهود والأعباء الكثير والكثير خاصة في زماننا هذا؛ حيث يعد الحج عملية قاسية شديدة القسوة، وعلى الإنسان عندما يؤدي الحج أن يشعر بأنه أدى عملا ضخما ينتظر من ورائه المكافأة الموعودة، وهي المغفرة التي وعد بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "من حج فلم يرفث، ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، فيحسب بك أن تستمر في حسن الظن بالله.
أما الدكتور محمد إبراهيم الفيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية يعتبر أن محاسبة الإنسان لنفسه، وشعوره الدائم بعدم الرضا عما يؤديه من عبادات ظاهرة صحية تحقق لصاحبها مراجعة نفسه دائما، إلا أنه يؤكد أن ذلك يجب ألا يتخذه الإنسان مقياسا على قبول الله، أو عدم قبوله للعبادة، سواء كان الحج أو غيره؛ حيث إن القبول يعد من الشئون الإلهية البحتة، وليس لها دلالات، وكل ما في الأمر أن المرء عليه أن يؤدي العبادة على خير وجه ويرجو من الله قبولها، موضحا أن ذلك لا يعني أن الإنسان لا يلقي بالا لما يستشعره من عدم قبول الله لحجه مثلا؛ لأن هذا الشعور هو وسوسة شيطانية على الإنسان أن يتخلص منها بإخلاص النية في العبادة لله، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"، وعلى قدر نية العبد يكون القبول.
ويضع الدكتور محمد الفيومي روشتة علاجية تجعل الإنسان يستشعر الرضا، والقبول من الله لحجه، تضمن عدة نقاط، أهمها أنه على الإنسان أن يحاسب نفسه قبل أن يؤدي فريضة الحج، وأن يحرص على أن يكون حجه من مال صالح، وألا يقرن حجه بهدف آخر كأداء مصلحة دنيوية عند الذهاب لأداء العبادة، خاصة أن إخلاص العبادة لله هو أساس القبول من الله، مؤكدا أن تغير سلوك الشخص من عدم تغيره لا علاقة له بقبول الحج؛ لأن هذا التغيير يتطلب من الإنسان أن يبحث عن ذنوبه، ويتوب إلى الله، وهنا يكون دور الإرادة الإنسانية التي هي أساس تغير سلوك الشخص بعد أدائه فريضة الحج، مصداقا لقوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
منقول للإفادة
الروابط المفضلة