عذرا يا حبيبى(1)
أغمضت عيناي وتركت فكرى يقرع أبواب الماضي لعلى استشف منه وميض نور ، وإجابات أسئلة يئن بها الصدر. وتركته يفتش في الذاكرة ويستجمع كل ما قرأت وسمعت ، ورأيته حائرا من أين يبدأ ، و من أي نقاط التاريخ ينهل . تركته يسرح ويفتش ، وينبش وينقب حتى توقف فجأة ، ففتحت عيناي وإذا به وبالقلب يهتفان في آن : إنه الحبيب ..... لا غيره ..... كيف غاب عنى ؟ كيف ذهب فكرى في المشارق والمغارب وغاب عنه ؟ إنه حبيبي .... كيف لم يهتف قلبي على عقلي آمرا أن يكف البحث والتنقيب عن غيره ؟ إنه حبيبي ..... كيف لم ألتفت إليه وأنا أبحث عن ذاك الوميض وتلك الإجابات ؟
إنه حبيبي ..... فكيف يغفل المحب عن محبوبه ؟ يا لهول غفلتي ..... وصرت أصبر نفسي وأسليها بأنها ليست غفلتي وحدي ولكنها غفلة أمة بأكملها .
غفلتي عن حبيبي تحتاج إلى توبة ، وغفلة الأمة عن حبيبها كذلك تحتاج الى توبة ، لكنها توبة من نوع خاص ، فعذرا يا حبيبي عن غفلتي عنك ، وعذرا يا حبيبي عن بعدى منك .... فهذه توبتي وأوبتي و حوبتي وعودتي إلى طريق رسمته ، وبينته ، وأوضحته ، وسلكته ، وأفصحت عنه
أما أمتي ، فأنا - وإن كنت جزء منها - فلست مفوضا فى الحديث عنها ، فتوبتها الخاصة تلك توبة فعل لا قول ، ولن أعتذر عنها ، فالجرم أكبر من كل اعتذار ....
أغمضت عيناي مرة أخرى وعدت الى الحبيب وذكراه ، وصرت أسترجع شريط أعطر السير ، بأحداثها ، وأشخاصها ، وصورها المعبرة ، وصار الحبيب أمامى ، أراه بعين القلب ونور الفكر ... وأناديه :-
يا حبيبى ..... ها أنا أعود الى رحاب مكة وأجوائها ، وأراك وحدك عابدا متبتلا على جبل النور .... تدعو إلها واحدا لا تعبد غيره ، و الكل فى مكة يعبد غيره ... يا حبيبي ... ها هو جبريل يأتيك ويضمك ضمة تكاد تقتلك ليعلمك وتعلمنا أن نقرأ لكن باسم الله الذي خلق ...
يا حبيبي .... ها هو الحجر والشجر يسلمان عليك وكيف لا أسلم أنا ؟ فالسلام عليك يا حبيبي يا رسول الله . يا حبيبي .... تصورت ارتعادك ودقات قلبك وتتابع أنفاسك الطاهرة وهى تنادى أمنا خديجة " دثروني ... دثروني " " زملوني .... زملوني " كم كان موقفا عصيبا عجيبا ... يا حبيبي ... كم هي زكية نفسك ، وكم هو نقي قلبك ، وكم هو سليم صدرك وأنت تسأل ورقة بن نوفل عن قومك " أو مخرجي هم ؟ "
يا حبيبى .... كيف كنت قدوة لكل السائرين والسالكين عندما امتثلت للأمر وقمت تدعو وتنذر عشيرتك الأقربين ، حبا لهم وإشفاقا عليهم وأنت الصادق الأمين .
الروابط المفضلة