قال الشاعر :

إذا أنت لم تعـرف لنفسك حقها.. ... ..هوانًا بها كانت على النـاس أهـونا

فنفسك أكرمها وإن ضاق مسكنٌ.. ... ..عليـك لها فاطلب لنفسك مسكنا

وإيــــاك والسكنى بمنـزل ذلـــةٍ.. ... ..يُعدُّ مسيئًا فيـه مَن كـان مُحسنا

وقال الحُصين بن المنذر الرقاشي:

إن المروءة ليس يدركها امرؤٌ.. ... ..ورث المكـارم عن أبٍ فأضاعها

أمرته نفسٌ بالـدناءة والخنا.. ... ..ونهته عن سُبُل العـلا فأطاعهـا

فإذا أصاب من المكارم خُلَّةً.. ... ..يبني الكريمُ بهـا المكــارم باعها
نفس الإنسان اعظم مايعتني به الإنسان {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ } هذا أمر مقرر لكن احب التاصيل في أول الكلام

كيف ينصف الإنسان نفسه ؟؟!!

ان لايحرمها من فضل وان لايرضى لها بالدون وان ينظر إلى قمم المعالي فينافس فيها

إذا غامرة في شرفٍ مرومِ 00 فلا تقنع بمادون النجومِ
فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ 00 كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ

لكن كذلك من ظلم النفس ان تكلفها مالاتطيق وان تقتحم بها لجج لم تُخلق لها وان تركب سفن لست ربان لها وان لكل انسان قيمته فيما يحسنه من العمل

فإذا جاء إنسان ليس النحو من صنعته واراد ان يتشدق بكلمات عربيه هذا يظهر عورته وانسان ليس من بضاعته العلم الشرعي فأراد ان يجادل فيه فسيكشف سوءه اخرى فيه وهكذا
فالعاقل يعرف ان قدراته من مكمن القوه من نفسه ثم يسير على مكمن القوه من نفسه وينميه ويطوره ويسعى ومعه التوفيق والسداد هذا من اعظم إنصاف النفس ، لكن كذلك من ظلم النفس والإجحاف بها ان تعرف ان لديك قدرات ولديك مواهب ثم تقنع بمافيه أقرانك حباً في القرب منهم والركون إليهم وتحرم نفسك من اشياء عظيمه يمكن ان تحققها وآمال جليله يمكن ان تدركها كل ذلك مراعاه لمن حولك لاتريد ان تفارقهم ولاان تهجرهم ، وامثال هؤلاء لايصلون إلى المعالي لإن أول قضيه قضية الرحيل التنقل عمن هو سبب في تثبيطنا والشاعر يقول

إن العلى حدثتني وهي صادقة ... فيما تحدث أن العز في النقل
لو أن في شرف المأوى بلوغ مني ... لم تبرح الشمس يوما دارة الحمل
وإنما رجل الدنيا وواحدها ... من لا يعول في الدنيا على رجل


فالمقصود هذا باب الإنصاف في النفس واعظم إنصاف للنفس ( وهذه مسأله إيمانيه ) أن يجعلها الانسان على صراط مستقيم لا تريد الا وجه ربها ولاتخشى الا ذنبها ولا ترجو شيئاً اعظم من الجنة ولا ترهب شيئا أجل من النار . أ هـ.

الشيخ صالح المغامسي / القطوف الدانية ( حلقة الإنصاف)



فإنّ العارفين كلهم مجمعون على أنّ التوفيق أن لا يكلك الله تعالى إلى نفسك ،، والخذلان أن يكلك الله تعالى إلى نفسك ،، فمن أراد الله به خيراً فتح الله له باب الذل والإنكسار ودوام اللجأ إلى الله تعالى والافتقار إليه ،، ورؤية عيوب نفسه وجهلها وظلمها وعدوانها ،، ومشاهدة فضل ربّه وإحسانه ورحمته وجوده وبرّه وغناه وحمده ..
فالعارف يسير إلى الله تعالى بين هذين الجناحين ،، لا يمكنه أن يسير إلا بهما ،، فمتى ما فاته واحد منهما ،، فهو كالطير الذي فقد أحد جناحيه ..

قال شيخ الإسلام * : العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنّة ،، ومطالعة عيب النّفس والعمل . أ . هـ

فمشاهدة المنّة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان ،، ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار ،، والافتقار والتوبة في كل وقت ،، وأن لا يرى نفسه إلا مفلساً ،، وأقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى باب الإفلاس ! .

والعبودية مدارها على قاعدتين عظيمتين هما أصلها :

حبٌّ تامّ ،، وذلٌّ كامل ..
ومنشأ هذين الأصلين عن ذينك الأصلين المتقدمين ،، وهما مشاهدة المنة التي تورث المحبّة ،، ومطالعة عيب النّفس والعمل التي تورث الذل التام ..


من كتاب " الوابل الصّيب من الكلم الطّيب "
لابن قيِّم الجوزية