ساعة مع الصالحين العارفين
وعن أبي الحسن أحمد بن محمد الزعفراني قال: سمعت أبي يحكي عن بشر أنه قال: ربما رفعت يدي في الدعاء فأردها أو قال فأستلها أقول إنما يفعل هذا من له عنده وجه .
وعن الفتح بن شحرف قال: كنت جالسا عند بشر إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة ؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه، ثم أطرق ثم رفع رأسه فقال: اللهم إنك تعلم أني أخاف أن أتكلم، اللهم إنك تعلم أني أخاف أن أسكت، اللهم إنك تعلم أني أخاف أن تأخذني فيما بين السكوت والكلام .
وعن زبدة أخت بشر بن الحارث قالت: دخل بشر علي ليلة من الليالي، فوضع إحدى رجليه داخل الدار والأخرى خارج الدار، وبقي كذلك يتفكر حتى أصبح، فلما أصبح قلت له، في ماذا تفكرت طول الليلة ؟ قال: تفكرت في بشر النصراني، وبشر اليهودي، وبشر المجوسي، ونفسي واسمي بشر، فقلت: ما لذي سبق منك حتى خصَّك ؟ فتفكرت في تفضله عليَّ وحمدته عليَّ أن جعلني من خاصته وألبسني لباس أحبائه .
(أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)
وعن أحمد بن نصر قال سمعت بشرا يقول: يا مازني ليت لا يكون حظي من الله هذا الذي يقول الناس بشر بشر، ورأيت أشفار عينيه قد ذهبت من البكاء .
(والذين آمنوا أشد حباً لله )
وعن الحسن بن عمرو قال سمعت بشر بن الحارث يقول: لو علمت أن رضاه أن أشد في رجلي حجرا ثم ألقي نفسي في البحر لفعلت .
وعن عباس بن دهقان قال قلت لبشر بن الحارث: أحب أن أخلو معك،
قال: إذا شئت، فبكرت يوما فرأيته قد دخل قبة فصلى فيها أربع ركعات لا أحسن أن أصلي مثلها فسمعته يقول في سجوده، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الذل أحب إلي من الشرف، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الفقر أحب إلي من الغنى، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أني لا أوثر على حبك شيئا، فلما سمعته أخذني الشهيق والبكاء، فلما سمعني قال، اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن هذا ههنا لم أتكلم .
(من يصلح للجواب على هذا ؟)
وعن أحمد بن عبد الله بن خالد قال: سئل أحمد بن حنبل عن مسألة في الورع، فقال: أنا أستغفر الله، لا يحل لي أن أتكلم في مسألة في الورع، أنا آكل من غلة بغداد، لو كان بشر بن الحارث، صَلُحَ أن يجيبك عنه، فإنه كان لا يأكل من غلة بغداد، ولا من طعام السواد، يصلح أن يتكلم في الورع .
وعن أبي بكر أحمد بن عبد الرحمن المروزي قال سمعت بشرا يقول: إن الجوع يصفي الفؤاد ويورث العلم الدقيق .
وسمعت بشرا يقول: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره .
وعن أحمد بن الصلت قال سمعت بشر بن الحارث يقول: حادثوا الآمال بقرب الآجال .
وعن أبي بكر الباقلاوي قال سمعت أبي يقول: سمعت بشر بن الحارث
ونحن معه بباب حرب وأراد الدخول إلى المقبرة فقال: الموتى داخل السور أكثر منهم خارج السور .
وعن أحمد بن الصلت قال سمعت بشر بن الحارث يقول: ليس من المودة أن تحب ما يبغض حبيبك .
وعن عمرو بن موسى بن فيروز قال: رأيت بشرا ومعه رجل فتقدم إلى بئر ليشرب منها فجذبه بشر وقال: تشرب من البئر الأخرى، حتى جاوز ثلاثة آبار، فقال له الرجل: أبا نصر أنا عطشان، فقال له بشر: أسكت فهكذا ندفع الدنيا .
وعن إبراهيم الحربي قال سمعت بشر بن الحارث يقول: بحسبك أن أقواما موتى تحيا القلوب بذكرهم، وأن أقواما أحياء تعمى الأبصار بالنظر إليهم،
وعن عمرو بن موسى الأحول قال: سمعت بشرا يقول: يكون الرجل مرائيا في حياته، مرائيا بعد موته، قيل: كيف يكون مرائيا بعد موته ؟ قال: يحب أن يكثر الناس على جنازته.
وعن الحسن بن عمرو قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: الصدقة أفضل من الحج والعمرة والجهاد، ثم قال: ذاك يركب ويرجع ويراه الناس، وهذا يعطي سرا لا يراه إلا الله عز وجل.
وسمعت بشرا يقول: ما أقبح أن يطلب العالم فيقال هو بباب الأمير.
وعن أبي عبد الله الأسدي قال قال لي بشر الحافي يوما
قطع الليالي مع الأيام في خلق *** والنوم تحت رواق الهم والقلق
أحرى وأعذر لي من أن يقال غدا *** إني التمست الغنى من كف مختلق
قالوا قنعت بذا قلت القنوع غني *** ليس الغنى كثرة الأموال والورق
رضيت بالله في عسري وفي يسري *** فلست أسلك إلا أوضح الطرق
رحل بشر بن الحارث رضي الله عنه في طلب العلم إلى مكة والكوفة والبصرة وسمع من وكيع وعيسى بن يونس وشريك بن عبد الله وأبي معاوية وأبي بكر بن عياش وحفص بن غياث وإسمعيل بن عليه وحماد إبن زيد ومالك بن أنس وأبي يوسف القاضي وإبن المبارك وهشيم والمعافي إبن عمران والفضيل بن عياض وأبي نعيم في خلق كثير
غير أنه لم يتصد للرواية فلم يضبط عنه من الحديث إلا اليسير
وقد ذكرنا ما وقع إلينا من حديثه وأخباره في كتاب أفردناه لمناقبه وأخباره فلذلك اقتصرنا ههنا على ما ذكرنا
وتوفي رضي الله عنه عشية الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول وقيل لعشر خلون من المحرم سنة سبع وعشرين ومائتين وقد بلغ من العمر خمسا وسبعين سنة وقيل سبعا وسبعين .
عن يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: رأيت أبا نصر التمار وعلي بن المديني في جنازة بشر بن الحارث يصيحان: هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة وذلك أن بشرا خرجت جنازته بعد صلاة الصبح ولم يجعل في القبر إلا في الليل وكان نهارا صائفا ولم يستقر في القبر إلى العتمة .
وعن الكندي قال رأيت بشر بن الحارث في النوم فقلت له:ما فعل الله
بك ؟ فقال غفر لي وأقعدني على طيار من لؤلؤة بيضاء وقال لي سر في
ملكي .
وعن الحسن بن مروان قال رأيت بشر بن الحارث في المنام فقلت يا أبا نصر ما فعل الله بك قال غفر لي وغفر لكل من تبع جنازتي قال قلت ففيم العمل قال أفتقد الكسرة .
وقال ابن خزيمة لما مات أحمد بن حنبل بت من ليلتي فرأيته في النوم فقلت له: ما فعل الله بك ؟ قال: غفر لي وتوجني وألبسني نعلين من ذهب، وقال لي يا أحمد هذا بقولك القرآن كلامي، قلت: فما فعل بشر ؟ فقال: لي بخ بخ من مثل بشر تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام والجليل مقبل عليه وهو يقول له كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب وانعم يا من لم ينعم رحمه الله ورضي عنه .
الروابط المفضلة