مستحيل أن يكون ذلك مستحيلاً!
يقول لي أحدهم: قد علمت ميعاد صلاة الصبح.. ولكن للأسف.. يستحيل عليّ الاستيقاظ في هذا الموعد.. أنت لا تعلم ظروفي.. أنا طاقتي لا تسمح.. أنا ظروف عملي لا تمكنني.. أنا ظروف البيت والمعيشة لا تساعدني. والله - كما تعلم- غفور رحيم، سيراعي ظروفي هذه.. ويغفر لي!!
قلت: أما قضية أن الله غفور رحيم فهذا كلام حق أريد به باطل.. وهذا من أوسع مداخل الشيطان.. فإن كان الله عز وجل يغفر لكل الناس، الصادق والكاذب، والمطيع والعاصي، والمحب لشرعه والكاره له.. إن كان الأمر كذلك ففيم العمل؟ ولماذا الاجتهاد؟ ولماذا يرهق المطيع لله نفسه، ويستيقظ في جوف الليل، وفي شدة البرد، وينزل إلى المسجد؟
إن الله عز وجل الغفور الرحيم يغفر لمن سعى للمغفرة من عباده.. فلا يكفي قول اللسان، ولكن لابد من عمل.. اقرأ وتدبر في قوله تعالى:[وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى]
ليس كل الناس يغفر لهم.. لابد من توبة صادقة، وإيمان عميق، وعمل صالح، وهداية إلى طريق الله عز وجل..
والله الغفور الرحيم كثيراً ما يقرن هذه الصفات بصفاته الأخرى التي تحمل معاني العقاب والجزاء والانتقام ممن خالفه وخالف شرعه.. [نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم]
فهذه إلى جوار تلك.. وبذلك تستقيم حياة الناس..
وأما أنه يستحيل في حق إنسان أن يستيقظ لصلاة الصبح في موعدها فهذا الكلام يحتاج إلى وقفة.. ووقفة هامة جداً..
يا أخي وأختي..
أنا لا أشك لحظة في أنه يستحيل أن يكون استيقاظك للصبح مستحيلاً !!
ولماذا هذا اليقين؟!
تفكر معي:.
أولاً: يقول الله عز وجل في كتابه:[لا يكلف الله نفساً إلا وسعها]..
وهذه قاعدة أصيلة من قواعد الشرع.. هذا القانون وهذا الشرع ليس قانوناً وضعياً من وضع البشر فيحتمل فيه أن يكون مناسباً أو غير مناسب، ولكن هذا القانون من وضع رب العالمين سبحانه وتعالى، الذي خلق الإنسان ويعلم وسعه وطاقته علماً مطلقاً..[ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير]
فكل أحكام الشرع هي في مقدور البشر.. لا نشك في ذلك..
فلتسأل نفسك يا أخي ولتسأل نفسك يا أختي:
هل صلاة الصبح في هذا الوقت تكليف مفروض أم أنها ليست تكليفاً ولا فرضاً؟ وهل هي مفروضة على كل المؤمنين أم أن هناك طوائف مستثناة؟! والإجابة واضحة وهي أن صلاة الصبح فرض على كل المسلمين، وحيث أن المسلم يؤمن بعدل الله وبحكمته وبعلمه فإنه لا يستقيم لمسلم مؤمن بالله عز وجل أن يفترض أن قيامه لصلاة الصبح في موعدها أمر مستحيل..
هذه واحدة..
ثانياً: بعض المشاهدات الأمريكية..
المنظر الأول : في زيارة لأمريكا وعند عودتي من صلاة الفجر بمسجد المدينة، ويكون ذلك في السادسة صباحاً تقريباً، كنت أجد الشوارع الرئيسية والطرق السريعة مزدحمة بالسيارات تماماً!.. تعجبت في أول الأمر، وبعد ذلك تعودت على هذا المنظر.. إنهم يستيقظون للذهاب إلى أعمالهم، وكثير منهم يعمل في أماكن بعيدة جداً عن بيته فيضطر إلى الاستيقاظ في الخامسة صباحاً ـ وقت صلاة الفجر ـ لكي يذهب إلى عمله في موعده..
كل هؤلاء البشر من نصارى ويهود وملاحدة (وهم كثر) يستيقظون لدنياهم في موعد صلاة الفجر.. لقد سمحت طاقتهم البشرية بهذا الاستيقاظ.. فلماذا لا تسمح طاقة المؤمنين بمثل هذا الاستيقاظ المبكر؟!
المنظر الثاني: حضرت مؤتمراً طبياً كبيراً في أحد المدن الأمريكية، وفوجئت بأن جلسات المؤتمر تبدأ في السادسة صباحاً!!!
نعم ـ والله ـ يا إخواني!..
المنظر الثالث: منظر أكثر درامية وأشد تأثيراً!!
كثيراً ما كنت أجد رجالاً أمريكيين ونساءً أمريكيات في الشوارع وأنا في طريقي إلى صلاة الفجر!! وأقول: وأنا ذاهب وليس وأنا عائد!.. بمعنى أنهم كانوا يستيقظون قبل ميعاد الفجر لغرض هام جداً في حياتهم!!
ما هذا الغرض الهام الذي من أجله استيقظ الأمريكي أو الأمريكية قبل الخامسة صباحاً، ولبس ملابسه، وخرج في الجو البارد جداً جداً إلى شوارع المدينة؟
إنهم … … … يفسحون كلابهم في الهواء النقي!!!!!
الإمكانيات البشرية البدنية تسمح بالقيام.. لكن الإمكانيات القلبية عند أولئك الذين لا يستيقظون تعاني من فقر شديد!!
نسأل الله السلامة!!
وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة
وفي رواية ابن ماجة فهي كالليل المظلم!
فلتعلم يا أخي في الله ويا أختي في الله أن الذي يحرص على صلاة الصبح سيكتب الله عز وجل له ضماناً من دخول نار الآخرة!!
اقرأ بقلبك هذا الحديث:.
روى مسلم عن عمارة بن روينة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ـ يعني الفجر والعصر..
بعد هذا الاستعراض لإمكانيات البشر ولوسع البشر ولطاقة البشر، أعتقد أنه من المستحيل أن نجد من يقول أنه من المستحيل عليّ أن أستيقظ لصلاة الفجر.. إنما الأمر يعود إلى الإرادة.. هل تريد أم لا تريد؟!
واحذر أخي في الله واحذري أختي في الله..
إن تمر عليكم الأيام والشهور والسنون ثم تكتشفون أن أياماً غالية قد مرت.. فحتى إن كتب الله لك عمراً حتى تتوب وترجع إليه.. فكيف ستعيد تلك الأيام التي مرت؟
احذر من يوم ترغب فيه الذهاب إلى المسجد فلا تستطيع إما لضعف أو مرض أو موت.. وتذكر دائماً حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم والذي رواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال:
اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك..
وللمزيد من الفائدة ومعرفة الوسائل المعينة على صلاة الصّبح ننصحكم بـ ..
سماع المحاضرة الصّوتيّة
http://www.elsergany.com/LectureA.aspx?ID=A.1.0.6
قراءة الكتاب
منقول بتصرف من : كيف تحافظ على صلاة الفجر- دكتور راغب السّرجاني
.. مع تحيّات ..
..::: فريق :: لنرتقي معاً ::..
الروابط المفضلة