أعظم مأثرة نبوية للإصلاح والتربية وقلب الماهية

للعلامة: أبي الحسن الندوي

بالنسبة إلى الشرط الأول فإن من الواقع المحقق أن كل نبوة قامت في عهدها بصياغة الإنسان صياغة جديدة ، وتربيته تربية فاضلة، وأعدّتْ أفراداً منحوا هذا اعالم حياة من جديد ، وألبسوا الحياة لباس الهدف والمعنى ، تلك الحياة التي كانت قد تجردت عن الهدف بقصر نظر الإنسان وفكره الزائغ وجهله بحقيقة الحياة.
ولكن أعزَّ مأثرة تلمع على جبين الحياة الإنسانية من بين مآثر النبوة ، هي المأثرة الكُبرى التي قام بها محمد رسول الله صلى اله عليه وسلم ، وقد سجل التاريخ مآثرة النبوية في تفصيل لا يوجد له نظير في غيره من الأنبياء ، فإن التوفيق الذي أكرمه الله به في مجال تربية الإنسان وصياغته ، إنما تفرد به من بين الأنبياء والمرسلين فضلاً عن المعلمين والمربين ، إن المستوى الذي بدأ منه النبي صلى الله عليه وسلم عمله في بناء الإنسانية لم يبدأ به أي نبيّ أو مصلح أو مربّ ، فقد كان ذلك آخر مستوى التدني والإسعاف في المعاني الإنسانية الكريمة ، تنتهي فيه حدود الحيوانية وتبدأ منه حدود الإنسانية ، وكذلك فإن المستوى الأعلى الذي بلغ إليه النبي صلى الله عليه وسلم في عمل البناء للإنسانية لم يكن للإنسان عهد به في أي عصر ولا جيل ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بدأ عمله من المستى الأخير السافل للإنسانية ، فإنه قد بلغ به إلى أرفع قمة للإنسانية وأعلاها .

أجمل صورة في مجموع الصور الإنسانية العالمي

وكل فرد من أفراد الجيل الذي أعده الرسول الكريم كان نموذجاً رائعاً للتربية النبوية ، ومفخرة وشرفاً للنوع الإنساني ، لا توجد صورة في المصور الإنساني العالمي الواسع ، بل في الكون كله ، أجمل وأروع وأشرف من هذه النماذج الإنسانية والأنماط البشرية ، بإستثناء الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين .
إن إيمانهم الراسخ ، وعلمهم العميق ، وقلبهم الصادق ، وحياتهم الساذجة ، وتواضعهم وخشيتهم لله ، وعفتهم وطهرهم وعطفهم ورأفتهم ، وشجاعتهم وجلادتهم ، وتذوقهم للعبادة وحنينهم إلى الشهادة ، وفروسيتهم بالنهار ، وقيامهم باللبل ، وتحررهم من سلطان الثروات ، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة واستهوائها ، وزهدهم في زخارف الدنيا ، وعدلهم وحسن تدبيرهم ، كل ذلك مما لا يوجد له نظير في الدنيا ، ومن مآثر النبوة أنها صنعت رجالاً كانوا أفذاذاً من نوعهم في التاريخ ، ولولا شهادات تاريخية متواترة عن هؤلاء الرجال ، لما عدا ذلك خيالاً شعرياً ، وقصة أسطورية ، ولكنها الآن حقيقة تاريخية ، وواقع معلوم لا مجال فيه للشك .